أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Monday 8th October,2001 العدد:10602الطبعةالاولـي الأثنين 21 ,رجب 1422

مقـالات

الجمهور الدولي والأحداث الرمزية.. كيف تدير أزمة من خلال الإعلام؟
د. علي بن شويل القرني
السكرتير الصحافي للرئيس جورج بوش (أرن فليشر) أشار في مقابلة صحافية معه في الأسابيع الماضية إلى أنه يبدأ صباحه كل يوم مع المانشتات (العناوين) الرئيسية للصحافة الكبرى في الولايات المتحدة الأمريكية والتي عادة ما تعكسها الصفحات الأولى في تلك الصحف.. وهذه المانشتات هي التي تحدد 75% من برنامجه اليومي كسكرتير صحافي للبيت الأبيض.. ويعمل مع الفريق الصحافي التابع له على دراسة وتقييم الموضوعات والقضايا ومتابعة ردود فعل مختلف الجهات المعنية بهذه المسائل.. ويحرص فليشر كذلك على تحريك كل من لهم علاقة بموضوعات الاعلام والصحافة المطروحة في ذلك الصباح وتهيئتهم لاستجواب وسائل الإعلام بعد وضع تقييم ورؤية وخطوط عامة لتلك التوجهات..
كان هذا قبل أحداث 11 سبتمبر.. أما اليوم فان المهام مضاعفة جدا.. وليست وسائل الاعلام الأمريكية هي المعنية فقط بقراءة ودراسة السكرتير الصحافي للبيت الأبيض، أو حتى المتحدثين الرسميين للبنتاجون ووزارة الخارجية ووزارة العدل.. بل هناك مئات بل ألوف الوسائل الاعلامية التي تسترعي اهتمام البيت الأبيض.. ويصبح البيت الأبيض وأجهزة المخابرات والتحقيق الأمريكية معنية بكل شاردة وواردة تقريبا تنشرها الصحف العالمية ووكالات الأنباء الدولية وتتناقلها وسائل الإعلام المرئية والمسموعة.. وبناء على ذلك تتفاقم المسائل وتصل إلى درجة عالية من التعقيد..
إن ادارة أزمة عالمية كبرى بمثل هذا المقدار من المخاطر والتداعيات والتبعات والمصالح هي مسألة ضخمة وتحتاج إلى عقول إدارة استراتيجية اعلامية تتعاون مع البيت الأبيض والوكالات التنفيذية في الادارة الأمريكية.. ويظل سؤالنا قائما كيف يستطيع أري فليشر أن يدير هذه الحملة مع الفريق الذي يعمل معه داخل البيت الأبيض؟ وربما السؤال الأساسي الذي عادة ما نطرحه نحن الاعلاميين يتمثل في حدود وطبيعة الجمهور الذي يتعامل معه البيت الأبيض.. فمن هو الجمهور؟ ثم ما هي الرسائل التي يريد الرئيس بوش توجيهها إلى كل فئة من فئات هذا الجمهور؟
1 الجمهور الداخلي في الولايات المتحدة من المواطنين الأمريكيين عامة، وربما يسعى الرئيس إلى تطمينهم إلى سلامة الوضع الحالي، وأن الادارات التنفيذية بذلت جهدا كبيرا في أخذ الاحتياطات الكاملة لتأسيس مفهوم الأمان في كافة المجالات وعلى مختلف الأصعدة.. ومن الأحداث الرمزية لهذا الموقف زيارات الرئيس بوش لعدد من الهيئات المدنية، بما فيها لقاءاته مع المسؤولين بإدارة مدينة نيويورك.. وكذلك لقاءاته مع الاطفال في مدارسهم.. وزايراته إلى منسوبي الادارات المختلفة.. ورؤيته وهو يغادر ويعود ويربت على كلبه في حديقة البيت الأبيض.. وأهم من ذلك ركوبه الطائرة الرئاسية..
2 الجاليات العربية والاسلامية.. وقد تم صناعة وتأسيس رموز لها يتم التعامل معها ومحاورتها.. وليس أبلغ من ذلك زيارة الرئيس بوش لاحدى الجمعيات الاسلامية في واشنطن، حيث كان يبحث قبل ذلك عن حدث رمزي يقربه من هذه الجاليات ويعطي كذلك الطمأنينة لهم من عدم استعدائهم من قبل المؤسسات الأمريكية.. وكذلك يرسل رسالة تنبيه إلى كافة أفراد المجتمع الأمريكي إلى عدم المساس بأفراد هذه الجالية..
3 المجموعة الاقتصادية الأمريكية، والتي هي معنية بانتشال الاقتصاد الأمريكي من السقطة التي هو فيها، والتي تؤذن بمرحلة كساد بدأ يدب في جسد الاقتصاد الأمريكي والعالمي شبيها بذلك الذي حدث في أوائل الثلاثينيات من القرن العشرين وأدى إلى تفجير الحياة والمجتمع والقيم وبناء تأسيسات جديدة للخارطة الأمريكية في الداخل والخارج.. وقد شهد العالم أكثر من حدث رمزي يصب في الطمأنة السياسية بعودة الاقتصاد الأمريكي.. وليس أدل على أهمية هذه الأحداث الرمزية من مرابطة عدد من رجال الأعمال الأمريكان أمام البيت الأبيض في اليوم الأول للحادثة وإلحاحهم على أن يسقط الرئيس في كلمته الأولى اشارة واضحة إلى قوة الاقتصاد الأمريكي وكون هذه الحادثة لا تؤثر على مجريات الحركة الاقتصادية.
4 التحالف الاطلسي حكومات وشعوباً، وربما تكون الرسالة الموجهة اليهم هي انهم ايضا مستهدفون من العمليات التفجيرية.. وسعي الولايات المتحدة إلى ضمهم إلى تحالفها السياسي والعسكري.. وكانت هناك رسائل واضحة وأحداث رمزية في هذا الاتجاه.. مثل الاستقبالات الأوروبية في البيت الأبيض لعدد من رؤساء ومسؤولي الدول الأوروبية.
5 العالم العربي والإسلامي.. وهذا جمهور عريض ومعني بهذه الأحداث أولا وقبل كل شيء لأنه منتشر في مختلف بقاع العالم بما فيها الداخل الأمريكي.. وهو المعني لكون دولة أو جماعة اسلامية ربما ستكون تحت نيران الانتقام الأمريكي.. وللولايات المتحدة مصالح وحضور وعلاقات واسعة في مختلف دول العالم العربي والاسلامي.. وقد شهدت الاسابيع الماضية عددا من الأحداث الرمزية الموجهة إلى العالم العربي والاسلامي، ومنها لقاءات وزيارات الرئيس بوش أو وزير خارجيته مع عدد من القيادات العربية والاسلامية.. وكذلك انبعاث فكرة ورؤية الرئيس بوش بمفهوم «الدولة الفلسطينية» وتوقيتها خلال هذه الأزمة.. وقد كشفت وسائل الاعلام العالمية أن صاحب السمو الملكي الأمير عبدالله بن عبدالعزيز كان وراء تأسيس مثل هذه القناعة لدى الادارة الأمريكية الحالية.. وهذا ما أكدته مصادر فلسطينية اشادت فيه بالدور الاستراتيجي للأمير عبدالله في القضية الفلسطينية..
6 الشعب الأفغاني.. وقد أرسلت الولايات المتحدة أكثر من رسالة عبر عدد من الأحداث الرمزية.. ومن أهمها المساعدات الانسانية التي نشاهدها يوميا عبر التلفزيون وهي عبارة عن أكياس القمح مكتوب عليها usa دلالة على مشاركة الولايات المتحدة للآلام والمعاناة التي تواجه الشعب الأفغاني.. وكذلك ما تبعها من عقد مؤتمر صحافي غطته كل وسائل الاعلام العالمية واعلن فيه الرئيس بوش عن مبادرته تجاه الشعب الأفغاني وتقديم مساعدات مالية توازي أكثر من مليار ومئتي مليون ريال سعودي على شكل مساعدات انسانية للأفغان في الداخل واللاجئين إلى الدول المجاورة..
7 وهناك جماهير أخرى يتم مخاطبتها في مختلف دول ومناطق العالم.. اليابان، شرق آسيا، روسيا، كندا، المكسيك، وأمريكا الجنوبية.. وكذلك اسرائيل والجماعات اليهودية.. ناهيك عن رسائل اخرى موجهة إلى المنظمات المتعارف إعلاميا على كونها إرهابية..
إذن يمكن القول: إن الأحداث الرمزية التي صنعتها الادارة الأمريكية كانت قاصدة منها توصيل رسائل سياسية عبر وسائل ا لاعلام الدولية إلى جماهير متعددة في مختلف اصقاع العالم.. وتعمل حكومة الولايات المتحدة من خلال شركات العلاقات العامة التي تستعين بها، اضافة إلى منسوبي الاعلام والصحافة من السكرتاريات ومتحدثي الاعلام في المؤسسات السياسية والعسكرية والاستخباراتية على صناعة وتأسيس وحماية هذه الرموز الحديثة.. وسنلاحظ اليوم وغدا وبعد غد وحتى الإفراغ النهائي للأزمة صناعة الكثير من الأحداث الرمزية التي تصافحنا يوميا بهدف ارسال رسائل معينة إلى جهات معينة وبهدف معين.. والسؤال الاستراتيجي الذي ربما يقلق الادارة الأمريكية بمن فيهم مسؤلو العلاقات العامة هو هل تحدث هناك التباسات وتفسيرات متباينة للرسائل الرمزية التي تبعث بها هذه الادارة إلى مختلف الجهات.. بمعنى هل تحدث تلك الرموز رسائل أخرى تصب في اتجاه عكس أهداف الرسالة الأصلية.؟ بالتأكيد هذا قد يحدث.. ولربما يحدث أيضا بازدياد مع توالي الأحداث وتطورها في المستقبل القريب..
alkarni@ksu.edu.sa

أعلـىالصفحةرجوع
















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved