أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Saturday 13th October,2001 العدد:10607الطبعةالاولـي السبت 26 ,رجب 1422

مقـالات

الكورنيش.. ليس واجهة بحرية
د. عبدالله يحيى بخاري*
كَثُرَ الحديث بين الناس وعلى صفحات الجرائد عن كورنيش جدة وعن المشاريع الترفيهية التي انتشرت ولا زالت تنتشر على طول هذا الكورنيش ولكن لدي وجهة نظر فنية تختلف قليلا عن المعهود، وأود أن أطرحها هنا:
كلمة كورنيش ليست كلمة عربية أصلاً كما هو واضح، بل هي فرنسية، وتعني هذه الكلمة في لغتها الأصلية )طريق ساحلي يمر بمحاذاة جرف صخري أو منحدر(.
وهذا بالفعل كل ما هو لدينا، مجرد طريق ساحلي للسيارات يمر بمحاذاة شاطئ البحر.. فقط.
والذي وُلِدَ وعاش مثلي ومن هو مُقارب لسني في جدة القديمة )البلد حالياً( عندما كانت عذراء وقبل أن تتمدد، لابد وأن يذكر كيف كان لجدة واجهة بحرية جميلة، تزينها بعض المباني السكنية والحكومية التي تقع مباشرة على شاطئ البحر ويمر الطريق من خلفها، وكيف كان سكان جدة يجدون متعتهم في التجمع والجلوس على شاطئ )قُبة عشره( وشواطئ أبحر الممتدة الواسعة، وفي الجزر الرائعة، وحتى على شواطئ جدة إلى الشعيبة، ولم يكن أهالي جدة يخافون البحر كما يدعي البعض الآن، بل كان أكثرهم يجيد الصيد والسباحة والغوص وركوب البحر.
ثم نُفذ مشروع الكورنيش في شمال جدة منذ البداية للأسف باستعجال وبصورة خاطئة، فحول الواجهة البحرية الجميلة والشواطئ الخلابة إلى مجرد طريق ساحلي للسيارات، وأصبح يمثل فاصلا خطرا بين هيكل المدينة وشاطئ البحر. بل ودُفن تحته أميالا طويلة من الشواطئ الجميلة، خاصة حول ما كان يعرف بمنطقة الكسارات )منطقة الحوامات الآن(.
فإذا كان القصد من هذا الكورنيش هو أن يستمتع سائقي السيارات بمنظر البحر الجميل، فقد وُفِّق في ذلك من قام بتخطيطه وتنفيذه. ولكن تنفيذ الكورنيش بهذه الطريقة لم يخدم السكان كثيرا، بل أضاع على جدة فرصة ذهبية أخرى، ربما لن تعوض، وحرم الغالبية العظمى من سكانها من الاستمتاع الحقيقي بشاطئ البحر. لقد بذلنا الغالي والنفيس واستقطعنا أغلى وأجمل وأهم أرض في جدة لبناء طريق ساحلي أسفلتي للسيارات فقط وأسميناه )كورنيش( بينما كان الواجب تطوير كامل الواجهة البحرية لمتعة ورفاهية المواطنين قبل كل شيء وبطريقة أفضل وأكثر إبداعاً.
تخيلوا معي لبضعة لحظات كيف كان سيصبح شكل هذه الواجهة البحرية لمدينة جدة لو أننا أقمنا أولاً بملاصقة البحر شاطئا رمليا عريضا يحتوي على كل المرافق المطلوبة للترفيه البريء والرحلات العائلية وممارسة الأنشطة البحرية مثل السباحة والغوص وقيادة الزوارق الشراعية الصغيرة والتزحلق على الماء.. إلى آخره.
ثم يلي ذلك الشاطئ مباشرة وربما على مستوى أعلى من الشاطئ بمترين أو ثلاثة أقمنا طريقا مرصوفا واسعا للمشاة فقط )Promenade( يتسع للتنزه والتمتع بمنظر البحر وغروب الشمس ولممارسة رياضة المشي أو الجري على طول الواجهة البحرية في جو آمن وفي نسمة البحر النظيفة.
يلي ذلك الطريق المرصوف للمشاة، وعلى جانبه الآخر مباشرة، كي يُسهل حينئذ تشجيع المستثمرين وأصحاب الأراضي لبناء العمارات السكنية المرتفعة والمحاذية لطريق المشاة والمطلة على البحر رأساً لسكنى أكبر عدد ممكن من المواطنين، شريطة أن تحجز الأدوار الأرضية المحاذية لطريق المشاة مباشرة في كل هذه العمائر لاستعمالات الخدمات السياحية مثل المطاعم بمختلف أنواعها والمقاهي النظيفة ومقاهي الرصيف والمحلات التجارية الصغيرة ومحلات المرطبات والايس كريم والهدايا التذكارية.. وما شابه ذلك.
بعد ذلك كله يأتي طريق السيارات الأسفلتي ومواقفها خلف العمائر السكنية المطلة على البحر، بعيدا عن الشاطئ وحركة المشاة ومنطقة التنزه والمطاعم والترفيه البحري والاستجمام.
يعني هذا التخطيط والتصميم أن تُحجز الواجهة البحرية بأكملها للأنشطة السياحية والترفيهية ولمتعة السكان والمواطنين في جو نظيف هادئ دون التعرض لخطر السيارات وإزعاجها وسموم دخانها الملوث.
كما أنه يعطي الفرصة للآباء والأمهات وهم جالسون في تلك المطاعم أو المقاهي مراقبة أطفالهم يلعبون ويمرحون أمامهم مباشرة على شاطئ البحر بلا خوف من حوادث السيارات المخيفة.
لو.. ومع كرهي لهذه الكلمة.. لو كان هذا ما نُفِّذ بالفعل )وياليته كان( لما اضطررنا أن نلجأ كما نفعل الآن إلى بناء هذه المشاريع السياحية المتفرقة المزعجة والمنتشرة على طول الكورنيش، وكأننا انتبهنا فجأة لهذا النقص ونحاول الان تغطية وإنقاذ ما يمكن إنقاذه حتى وإن تسبب ذلك في الإضرار بالبيئة الساحلية والحياة البحرية وتشويه المنظر الجميل لشاطئ البحر.
أما وقد كان ما كان فلا نستطيع سوى تعلم الدرس، ومحاولة السيطرة على الضرر الحاصل وتخفيف آثاره )Damage Control( والمهم الآن.. وأقولها بأمل كبير ونظرة مستقبلية متفائلة.. ألا نكرر ما حدث في الكورنيش الحالي عندما نفكر في تطوير الواجهة البحرية في جنوب جدة.. وأعيدوا قراءة هذا المقال.
* عضو مجلس الشورى

أعلـىالصفحةرجوع
















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved