أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Saturday 13th October,2001 العدد:10607الطبعةالاولـي السبت 26 ,رجب 1422

متابعة

أحداث غزة المؤسفة..!!
عادل أبو هاشم
ما الذي يحدث هذه الأيام بين أبناء الشعب الفلسطيني الواحد؟ هل أصبح الدم الفلسطيني رخيصاً إلى هذا الحد حتى يراق هكذا بسهولة ويقتل الفلسطيني أخاه بدم بارد في تصعيد خطير في التعامل بين الفلسطينيين وخرقاً لمبدأ حرمة الدم الفلسطيني؟!
وكيف نجحت إسرائيل في دفع الشرطة الفلسطينية إلى إطلاق النار على أبنائهم واخوانهم لتحقيق ما كانت تحلم به منذ أوسلو في «أفغنة الأراضي الفلسطينية»؟!
تساؤلات كثيرة تلح باجابات ضرورية لتأطير المرحلة الفلسطينية الراهنة ليتحقق الفهم المطلوب وليتم استيعاب تفاصيلها على أساس واقعي.
ففي الوقت الذي تتطلب فيه القضية الفلسطينية بصفة عامة والسلطة الوطنية بصفة خاصة صفاً فلسطينياً متراصاً أكثر من أي وقت مضى، والحفاظ على وشائج الوحدة الوطنية داخل الصف الفلسطيني، وتغليب المصلحة الوطنية على كل الاحتمالات والرؤى الجانبية مع التأكيد على أن خلاف المواقف الفلسطينية يعود إلى الاختلاف في الرؤية المستقبلية ظهرت أحداث غزة الأخيرة والتي تثير الشعور بالدهشة والألم والغضب لما تحمله من متناقضات قد تؤثر على مسار النضال الفلسطيني المتواصل منذ بداية هذا القرن للوصول إلى تحقيق أهداف الشعب الفلسطيني لإقامة دولته المستقلة على ترابه الوطني وعاصمتها القدس الشريف، وتحقيق الغاية الإسرائيلية التي دأبت أجهزة مخابراتها على ترسيخها بإشعال فتيل حرب أهلية فلسطينية فلسطينية خطط لها منذ سنوات عديدة، ومهدت لها قبل انسحابها بكل الوسائل والسبل.. بعملائها المعروف منهم وغير المعروف، وبالأسلحة اتي تركتها خلفها، وبالحصار الذي تفرضه على الأراضي الفلسطينية التي وصلت إلى حد المجاعة، وبالتحريض على السلطة الفلسطينية وإظهارها بمظهر العاجز عن حماية شعبها، وذلك للقضاء على منجزات وطموحات هذا الشعب، وهو ما تريده إسرائيل لتقدم للعالم أجمع مبررات للمذابح التي قامت بها ضد الفلسطينيين عبر السنوات السابقة.
ألم يقل شمعون بيريز بعد انسحاب الجيش الإسرائيلي من غزة «لقد نفضنا أيدينا من دم الفلسطينيين وستتولى شرطتهم هذه المهمة من الآن فصاعداً.. ولتغرق غزة في الدم»؟!!
ولتغرق الأرض الفلسطينية في الدم..!! وليستمر شلال الدم الفلسطيني ولكن هذه المرة بأيد فلسطينية..!!
وألم يتمنى رابين ذات يوم أن تغرق غزة في البحر؟!
للتاريخ فإن القائد الفلسطيني الراحل خالد الحسن«أبو السعيد» الذي نفتقده في هذه المرحلة كأحد أعمدة الفكر السياسي الفلسطيني، كان أول من حذر من ظاهرة قتل الفلسطينيين بأيدي شرطتهم بعد دخول هذه الشرطة مناطق الحكم الذاتي بعد توقيع اتفاق القاهرة بين الفلسطينيين والحكومة الإسرائيلية في مايو 1994م، وفي لقاء مطول مع «أبو السعيد» تنبأ بما يجري هذه الأيام في اراضي السلطة الفلسطينية، وعندما أبديت استغرابي لهذا الطرح مذكرا اياه بالوحدة الفلسطينية والتلاحم منذ انطلاقة الرصاصة الأولى في يناير 1965م وحتى الآن، ذكر «أبو السعيد» القصة التالية:
«عندما استلم شارل ديغول رئاسة فرنسا، كانت الشبهات تحوم حول أحد كبار الموظفين في قصر الرئاسة بأنه يعمل لمصلحة دولة كبرى، وقد عجزت كل الأجهزة الأمنية المختصة عن الوصول إلى دليل مادي لتحويل التهمة من شك إلى قضية مادية، وفي النهاية رفع الأمر إلى ديغول حيث قام باستدعاء المشتبه به إلى مكتبه، وحال دخوله استثمر الرئيس الفرنسي عنصر المفاجأة وهيبته الرئاسية فطرح على الموظف بشكل مباشر وصريح السؤال التالي:
منذ متى وأنت تعمل لمصلحة دولة«..»؟
فأجابه الموظف برد فعل سريع: منذ عشر سنوات..!!
واستمر الحوار كالتالي،
ديغول: كيف تتلقى التعليمات؟
الموظف: لا أتلقى تعليمات
ديغول: وكيف ترسل تقاريرك؟
الموظف: لا أرسل أية تقارير.
ديغول: كيف يتم بك الاتصال إذن؟
الموظف: لايوجد أية اتصال
ديغول: كيف تعمل إذن لصالح دولة«..»؟
الموظف: إن مهمتي تنحصر من خلال موقعي بأن اختار دائماً أسوأ الموجودين من حيث الفهم والاختصاص الى عضوية اللجان التي تبحث الموضوعات المطلوب دراستها وتقديم التوصيات بشأنها لتكون التوصيات ابعد ما تكون عن الصواب وقد قمت بهذه المهمة منذ ذلك الوقت حتى الآن..؟
وهنا أحسست بعمق الألم الذي يعانيه كل أولئك الذين ينادون بوضع الرجل المناسب في المكان المناسب بعد أن وعى هؤلاء الظاهرة الممتدة في وطننا العربي التي تعطي فيها الأولية للولاء الشخصي بدلاً من الولاء والانتماء الوطني القومي، وإلى حسن الحديث في المديح والإعجاب بدلاً من الكفاءة وشجاعة إبداء الرأي، وكان «أبو السعيد» يخشى من أن يكرر البعض تجربة الفاكهاني في أراضي الحكم الذاتي..!!
إن ما حصل في غزة يشكل تصعيداً خطيراً في التعامل مع الفلسطينيين وخرقا لمبدأ حرمة الدم الفلسطيني، وعندما تتحول وجهة البنادق الفلسطينية لتصوب في اتجاه الصدور الفلسطينية فهذا يعني أن حامل هذه البندقية إنما يمسك بالبندقية الإسرائيلية هذه المرة، ويوفر عليها مشقة إكمال مهمتها الأزلية في هدر المزيد من الدم الفلسطيني.. كل الدم الفلسطيني، وأياً كانت الأسباب التي أدت إلى ما حدث فإن دم الشعب الفلسطيني أقدس من أية قضية يزعم البعض الدفاع عنها!
إن على الفلسطينيين الذين عرفهم العالم بأنهم رواد في الدراسات التأصيلية التي تضع القضايا مهما تشابكت وتعقدت أو تفرعت وتشعبت في إطارها وحجمها الصحيح أن يدركوا بشكل جلي أن المستفيد الوحيد من تناحرهم على أرض وطنهم هو إسرائيل كما كانت المستفيد الوحيد من علاقاتهم المضطربة في الخارج قبل تأسيس السلطة الوطنية، وأن أية اضطرابات في الشارع الفلسطيني لن تصب في مصلحة أي طرف سوى إسرائيل التي ستستثمر ما يجري على الأراضي الفلسطينية لتحقق مكاسب سياسية تدعم الموقف الإسرائيلي في كل اتجاه، حيث إن كل المؤشرات والمعطيات والدلائل التي تؤكد أن إسرائيل تعمل بكل جهد لإضعاف السلطة الفلسطينية، وبالتالي إضعاف انتفاضة الأقصى..!! وأن أمل إسرائيل بجميع أحزابها هو قيام بحرب فلسطينية أهلية شاملة، ليس بين السلطة والفصائل المعارضة للتسوية وإنما بين كل هو ما هو فلسطيني و فلسطيني..!! وأن أمنية إسرائيل أن تتحول مناطق الحكم الذاتي إلى مناطق للقتل الذاتي الفلسطيني..!!
يجب على الفلسطينيين أن يقتنعوا بأن أية فتنة بينهم بأي وجه وتحت أي مبرر إنما هي خدمة لإسرائيل حتى وإن كان المخططون والمنفذون لاعلاقة لهم بإسرائيل، وان يعملوا أيضا على عدم تكرار أحداث غزة حتى لاتتحول أهداف الشعب الفلسطيني عن مسارها الطبيعي إلى اتجاهات أخرى تزيد في الإحباط القائم حالياً.
لقد جاءت أحداث غزة الأخيرة بمثابة دق جرس تنبيه لرؤية الظلال القاتمة على مسيرة الحوار الوطني الفلسطيني التي طالما تشدق بها الجميع بعد إفراغ هذا الحوار من محتواه ومن الأسس التي بني عليها.
والسؤال الذي يطرح نفسه بقوة: كيف نتجنب تكرار هذه المأساة في المستقبل والبعد عن الاحتكام الى السلاح بين أبناءالشعب الواحد الذي سيجر إلى ويلات كثيرة على رأسها إغراق أرض فلسطين في حمامات دماء قوامها الثارات والثارات المضادة، إضافة إلى إتاحة المجال للعدو الإسرائيلي في تحقيق حلمه بالقضاء على الشعب الفلسطيني؟!
«ألم يرحب رعنان غيسين المتحدث باسم الإرهابي شارون بما حصل في غزة داعياً الرئيس الفلسطيني للقضاء على المتظاهرين الذين أطلق عليهم لقب الإرهابيين؟!»
إن أمام السلطة الفلسطينية طريق واحد للخروج من المأزق الحالي وهو إعادة فتح الحوار بين مختلف القوى والفصائل الفلسطينية لتوحيدها على قاعدة جديدة، وذلك لقطع الطريق أمام أجهزة المخابرات الإسرائيلية لاستغلال ما حدث للقيام بإغتيالات للقيادات الفلسطينية إما داخل السلطة وإما لقادة الفصائل المعارضة، وذلك لتمهيد الطريق أمام الحرب الأهلية الفلسطينية ولدفع الوضع في الأراضي الفلسطينية إلى مزيد من التآكل كي تستطيع التفاوض في المرحلة النهائية مع وفد فلسطيني محبط ومؤهل للقبول بتسوية تفرضها الحكومة الإسرائيلية والقبول بفتات عملية التسوية..!!
كاتب وصحفي فلسطيني الرياض
aabuhashim@hotmail.com

أعلـىالصفحةرجوع
















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved