أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Monday 15th October,2001 العدد:10609الطبعةالاولـي الأثنين 28 ,رجب 1422

مقـالات

من مشارف الوطن
** غرباء.. بيننا!!
سليم صالح الحريص
.. ما بال المفاهيم انقلبت؟؟ كيف تمضي الأمور على هذا النحو؟ وكيف نرقب فقد الأشياء ببرود أعصاب ؟ وكأن ما نراه لا يعنينا!! نفقد أشياء عزيزة وكثيرة لكنني لا أعرف تحديداً هل يشعر الكل بها؟ أم أن هذا شعور فردي يتلبسني دون غيري؟؟؟ كان هذا ملخص لما أمطرني به رجل في أواخر عقده الثامن أو هو دلف مشارف التسعين من عمره.. رجل له مكانته عندي يشعرني حين التقيه بذلك الجيل النقي بكل صفاته والنقي بكل سجاياه وخصاله والنقي بكل طقوسه وعاداته وما توارثوه.. حديثه أشعرني بأنه يعيش غريباً في وسطنا وبيننا.. غريبا في كل تصرفاته وشاذا في نظر الجيل كونه يرتبط بأمسه وما فيه من صدق وصفاء ونقاء تغيب هذه الصور وتذوب عن واقعنا وهذا ما يشعر به ويحس بأن أمورا ً كثيرة قد غابت ويتجسد وبوضوح أن المفقود لا ينحصر في شيء واحد، بل إن المفقود أشياء كثيرة.. وكثيرة جداً!!
هذه الصورة يراها أولئك الذين هم من جيل هذا النقي ويشاطرونه كل الأحاسيس والحسرات على أمسهم الذي رحل ولن يعود إلا طيف حلم أو صورة من ذاكرة بقيت عالقة في أذهانهم.
.. يسأل سائل: وهل تريدون الحياة تبقى على وتيرتها؟ وهل تريدون عجلة الزمن أن تتوقف؟ هي أسئلة منطقية.. لا شيء يتوقف ودولاب الحياة يسير والأمور لا تتوقف عند حد.. لكن أسئلة هذا الغريب شكلت لي قنطرة اجتاز بها تلك البوابة التي فتحها وإذن لي بدخول باحة فقده. فهل الفقد بما يعنيه فقده للأجواء الحميمية التي تربى في أجوائها؟ أم هو افتقد اقرانه وصحبته؟ أم هو فراق الأمكنة أو فقدها؟
.. قلت لهذا العزيز وهل تعتقد أنك وحدك تفتقد تلك الأشياء؟ إنني لست من جيلك وبالتأكيد لم أعش أيامك وصور تفتقدها أنت لكنني أحس بالفقد.. وأشعر بأن ما نفقد ليس محصوراً في شيء محدد أو وضع بيّن واحد لكننا نفتقد أشياء كثيرة ونحس بأن الأشياء تتبدل ونحن نراها ونشاهد التحولات التي تعصف بنمط حياتنا وسلوكياتنا وتعاملاتنا اليومية وتعاطينا مع الآخرين وتواصلنا معهم؟ أبداً كلنا نشترك معك في هذا الهم ولكن تفاصيل هذا الهم تتوزع بين ..... وبين، وكل ينظر بمنظاره هو لا بمنظار الآخرين ولا يحس بأحاسيسهم. نختلف في تفسيرنا للأشياء.. وتتباين رؤانا وتتباعد خطانا وأفكارنا لكن الإحساس يبقى إحساساً.
.. منا من يستيقظ على فاجعة تشعره بفقد عزيز ويظل هذا الشعور ملاصقا له كالتصاق نَفَسِه. ومنا من يتداوم الفقد عليه فيبني له خيمة لا يبرحها ويظل هذا الشعور باقياً حتى يشكل بناءه الجسمي والحسي والنفسي.
الوجوه الطيبة حين تُفقد لن تستطيع نسيانها، والأحبة حين تخطفهم يد المنون صورتهم لا تبرح مخيلتك. والبعض من الناس ممن وضعتهم في خانة (الخل الوفي) دارت العجلة معهم ودخلوا في خانة (الأصفار الستة) وأخذتهم العجلة في دورتها فتشعر بأن المادة غيَّرتهم وسطت على صدقهم وأحالتهم إلى مكنة لا تعرف التوقف ففقدوا الراحة والهدوء وأفقدتهم بعض ما كانوا يحرصون عليه من مبادىء ومثل وحتى انسانيتهم تلاشت.. ذابت وظهروا بصورة أخرى مزعجة.. بل محزنة لك موجعة لأحاسيسك ومشاعرك، وكذلك هي الأمكنة. فما من مكان أقمت فيه وشعرت بدفئه وحنوه تشعر بفقده أن غادرته.
.. لحظة الشعور بالفقد قد لا تعطيك حقيقة إحساسك ومشاعرك الحقيقية وحجم الفجوة التي خلَّفها الفقد، لكن الفقد يتناسل ويتضخم كلما هممت بالبحث عمن فقدت فلا تجد ما يشعرك بالطمأنينة ولا ترى إلا بقايا من أشياء ترمدت واستحالت ذكريات تذروها الرياح.. تبقى أسيراً لذكرياتك وصورها التي لم تغادرك.
.. معك حق في إحساسك بالاغتراب والغربة بيننا.. ومعك حق في شعورك بأن اليوم ما هو إلا محطة لقطار ركضنا الدنيوي الذي لا يعرف التوقف ولهاثنا الدنيوي الذي أفقدنا كل شيء إلا حبنا للركض. ولهذا فإن كل ما تراه يا سيدي يراه الكل لكننا لا نملك قدرة على الإمساك بكوابح القطار كي نعيد الزمن ونوقف عقارب ساعاته وما نملك إلا مشاركتك الوجدانية ومشاطرتك فيما تَفْقد ونفقد والتي أجزم أنها لا تقدم ولا تؤخر لكنني اخشى أن يقابلك أحد هؤلاء لينعتك أنت ومن هم على شاكلتك ب(غرباء بيننا ........

أعلـىالصفحةرجوع

















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved