أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Tuesday 16th October,2001 العدد:10610الطبعةالاولـي الثلاثاء 29 ,رجب 1422

الثقافية

الحداثة
بدأت كفن وليد في أوروبا وخاصة في فرنسا من المدرسة السريالية، ثم انتقلت إلى الأدب كفن جديد عندما هاجر العرب من بلادهم تحت عوامل سياسية واقتصادية.
والمحور الذي أريد أن أتطرق إليه هنا هو:
معرفة حدود هذه الحداثة، وهل الموقف منها سلبي أم إيجابي..؟ والحقيقة أن ثمة خلافاً كبيراً بين الأدباء حول هذه القضية. فهناك المؤيد، وهناك المعارض بشدة. ولكن يجب علينا التأني، والتروي، والنظر في المسألة وفحصها فحصا دقيقا حتى يتسنى لنا معرفة الصواب، ولكي لا تصاب ثقافتنا بالأسن والعفن.
فالطرف الذي يعارض هذه القضية يزعم بأن الحداثة تسيء إلى اللغة العربية، وقد يصل بها الأمر أن تحفر للغة قبراً وتدفنها تحت جنادله..!
ومنهم من يزعم أن الحداثة لا أصل لها في أدبنا العربي، ولا تمت إليه بصلة، واحتج بأن الشعر الحداثي خال من الوزن والقافية، وكأنه اعتبر الشعر في ذاته هو الوزن والقافية..
وهناك من اتخذ من كلمة الحداثة مأخذا عنيفا وهو لا يعلم ما هي هذه الحداثة، وما هي بنودها، ولو سألته عن ذلك لأجاب: «سمعت الناس يقولون شيئا فقلت مثلهم» فهو لا يعي ما يقول سوى الترديد وتكرار الشيء فقط.
الحداثة إن كانت في العقيدة أو القرآن أو الحديث.. وكانت بمعنى التغيير، فهذا أمر مرفوض تمام الرفض، ولا يعتد به مطلقاً، لأن الثوابت لا تتغير أبدا، والعقل ليس مصدرا بل مؤيدا. وإن كانت الحداثة حركة أدبية مرتبطة بالأدب فهذا أمر لا يجسد في القضية إشكالا ولله الحمد، لأن الشعر مثلا من نظم البشر، وليس وحيا منزلا حتى يبقى ثابتا لا يعتريه تغيير. فهل يعقل أن نظل طيلة حياتنا الأدبية نكتب ونفكر، وننظم الشعر والنثر بطريقة امرئ القيس، وعنترة، والمتنبي، وقس بن ساعدة الأيادي.. فالعصر غير العصر، والنظرة التأملية غير النظرة التأملية..
وأما من زعم أن الحداثة دسيسة لهدم وقتل اللغة فهذا غير صحيح أبداً. فمن ادعى هذه الفكرة وتبناها قد تناسى قول الحق سبحانه «إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون).
فبما أن الله سبحانه قد تكفل بحفظ كتابه العزيز، وهذا الكتاب نزل بلغة العرب. إذن سوف تبقى العربية محفوظة من الضياع، والعبث بحفظ هذا الكتاب العزيز حتى يرث الله الأرض ومن عليها.
فليس لأحد أن يغالط كلام الحق سبحانه، ويدعي أشياء ليس مصيرها في يده وكأنه ينفي كلام الله سبحانه وتعالى وهذا خطب عظيم خطير.
ومن جهة أخرى حيث تزعم البعض أن الحداثة ليست من أدبنا العربي في شيء.
فهل يا ترى كتاب كليلة ودمنة من صنع العرب؟ بالتأكيد لا، بل هو عبارة عن حكايات وقصص على لسان الحيوان، قام بتأليفها الهنود. وكان دور العرب فيها الترجمة فقط. فهي الآن تقرأ ولم يرفضها الأدب العربي، بل تقبلها بصدر رحب. ثم إن الوزن والقافية هما صفتان للشعر ليس إلا، والجوهر في الشعر هو الوجدان وليس الوزن والقافية. علما بأن هناك الكثير من القصائد الجاهلية اختل فيها الوزن والقافية مثل قصيدة الشاعر الجاهلي عبيد بن الأبرص وهي إحدى المعلقات العشر:
أقفر من أهله ملحوب
فالقطيبات فالذنوب
جمع فيها الشاعر سبعة أوزان من البسيط والرجز والمنسرح والخفيف.
كما أن قصيدة أحيجة بن الجلاح لم تلتزم بالعدد الثابت للتفعيلات في البحر:
اشدد حيازيمك للموت
فإن الموت لاقيكا
ولا تجزع من الموت
إذا حل بواديكا
فكلمة (اشدد) زائدة عن الوزن.
فإذا كان الوزن والقافية هما اللذان سيحفظان اللغة من الضياع فماذا عن القرآن الكريم الذي هو ليس من نظم البشر، ولا بوزن العروض..؟ وماذا عن الحديث الشريف..؟
وماذا عن المسمطات والموشحات؟ هل حفرت الموشحة للغة قبرا وأهلكتها..؟
أم هل أصبحت اللغة بسبب المسمطات في عداد الموتى..!؟
إذن اللغة محفوظة بحفظ القرآن الكريم، والشعر قابل لكل جديد وتطوير مفيد ما لم يمس الثوابت والمبادئ الإسلامية، وهذا ليس من شأن أي مسلم بإذن الله.
وإذا كانت الحداثة تفيد التطوير والتجديد المفيد، وتقديم الجيد فهذا لا يعني أنها سوف تنفي القديم لأن الشيء لا يولد كاملا بل لابد من عدة مراحل يمر بها لكي ينمو ويتطور. والدليل على اتصال الجديد بالقديم مجيء الجديد.. لأنه لا يأتي إلا من القديم. فهي مرتبطة بالقديم والتجديد ليس جرما شنيعا يخرج صاحبه من الملة.. ولغتنا ليست قاصرة على ألفاظ ومعان أو أساليب معينة فلنبحث عن كل جديد مفيد فهذا الذي سوف ينقل شعرنا من الاحتكار الى الابتكار، ويوسع دائرة النقد العربي.
هاني محمد الحفظي
راجع: كتيب (الموقف من الحداثة) للدكتور: عبدالله الغذامي


أعلـىالصفحةرجوع

















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved