أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Tuesday 16th October,2001 العدد:10610الطبعةالاولـي الثلاثاء 29 ,رجب 1422

عزيزتـي الجزيرة

قلمي يكتب .. عزلتي.. وانطوائي!!
فكرت ذات يوم أن اعتزل الناس.. واجلس متقوقعاً على نفسي.. وامامي «كومة» من الاوراق.. وقلمي ومحبرتي يرمقانني ولسان حالهما يقول: «يا هذا.. ما دهاك»؟ فبماذا اجيبهما.. أأجيبهما وفي القلب حرقة .. وتنهيدة الالم تخرج متحشرجة لا ادري ما دهاني!! وهل ما انا عليه صواب ام لا؟ لا ادري اذا كنت صديقاً للقلم والورق لدرجة ان اعتزل الناس.. واكتب.. واكتب.. ام اني القي بروحي وصوتي في مجالس الناس .. لأسلم من حناجرهم التي اضحت سكاكين تطعن طموحي وكبريائي وحرفي!!عندما اعكف على قراءة الكتب وامضي الساعات الطوال.. واصرف من وقتي لمنادمة قلمي أُلام.. لا لاني فعلت هكذا بل لاني حرمت الناس من منادمتهم ومجالستهم!!فلا غرو ولا عجب ان يصموك بأنك شخص منعزل «غير اجتماعي».. وعندما تدق هذه الكلمات مسامعي وتعتلي سماء خاطري .. تؤذن بلاسابق إنذار لقلمي ان يفتح هذا الموضوع على مصراعيه ولاكتب رؤى وانطباعات حول هذا الموضوع.. وليتكم تنصفونني ايهما افضل «العزلة» ام «الاجتماع»؟ وعموماً تناقضات وردود فعل ما بين مؤيد ومخالف ولكن تبقى الظروف هي الفيصل!! نعم ظروف الشخص هي التي تحدد مثل هذه الامور من وجهة نظر شخصية. اما من يفضل العزلة: فلأنه انطوائي بطبعه، فهو دائماً ما يصاب بالخجل عند ملاقاة الناس، وهناك من يفضلها لانه جرب الناس وذاق منهم الويلات فوجد الخلوة اجدى واسلم.. ومنهم من يحرص على العزلة لان لديه من الاعمال والاهداف ما يملأ جوانح نفسه الامر الذي يوجب عزلته لتحقيق ما يصبو اليه.. ولا اخفيكم انني ادخل ضمن هذه الفئة الاخيرة في كثير من الاحيان.
** كم من مرة قابلت اناساً يرغبون العزلة ذلك انهم مرهفو المشاعر.. تجرحهم كلمات الناس فتجده يهرب من السنتهم اللاذعة فهذا ابن الجوزي يفضل العزلة بشدة لعدة اسباب منها:
1 المحافظة على الوقت فالانسان عندما يعتزل الناس ينتج كثيراً اما اختلاطه ففيه اهدار للوقت في تفاهات واحاديث مكروهة.
2 ايضا المحافظة على الدين والاخلاق ففي العزلة تتخلص بل وتخلو من الغيبة والنميمة وآفات اللسان.
3 المحافظة على السعادة وراحة القلب، وابن الجوزي يسميها «حمية السعادة» فبالاختلاط تصاب بالحرص والطمع وبذلك تسمِّم السعادة وعلاجها «الحمية».
وهنا ومن وجهة نظري أؤيد «ابن الجوزي» فيما ذهب اليه وأعدّه شجاعاً في رأيه.
ويرى «ابن طلحة» ان العزلة أفضل لان الناس تغيّروا.


كان اجتماع الناس فيما مضى
يورّث البهجة والسلوهْ
فانقلب الامر الى ضده
فصارت السلوة في الخلوهْ

** ايضاً من وجهة نظري ان كثيراً من الناس هذه الايام لا يصلحون للمخالطة ولا يستحقون ان تبذل لهم وقتاً.. فعند حديثك معهم كأنك تسير في حديثك في صحراء مليئة بالعقارب والثعابين.. وكأن الارض ملأى بالاشواك وهذا هو الواقع والملحوظ فأغلب الاحاديث عادية وتافهة وثقيلة ومكروهة، والعزلة في مفهومها هو «ان يُقتصر على اصدقاء محددين والاختلاط في نظري يجعل الانسان ريشة في مهب الريح فكل مشاعرك وأقوالك عبارة عن ردود فعل وليست فعلاً اما الخلوة فهي التي تحقق الفعل واقصد بالعزلة: «الاقتصار على اشخاص واصدقاء معينين» وليس الاعتكاف لان الاعتكاف شذوذ وخروج عن حياة الناس.
مؤيد للاجتماع:
1 اما من يؤيد الاجتماع فهو يرى ان العزلة تحرم صاحبها من مجالس الناس، وما يحدث فيها من فوائد ومصادر معرفة قد تبصره في امور الحياة وتجاربها.
2 ايضاً من يخالط الناس تجده يجاهد نفسه اكثر من ذلك الذي ينغلق على نفسه فالمختلط بالناس تجده يحرص كثيراً على ضبط نفسه ان تخطىء او تزل او ان تنضب ويجاهدها على مزاولة الصبر.
3 ايضاً النجاحات التي تحققها في عملك لا تتم الا بالاختلاط وبمكابدة الناس فالعزلة تعزل صاحبها عن النجاح.
4 ايضاً من فوائد الاختلاط بالناس انه يشجعك على القيام بالواجبات فمن المعلوم ان المعتزل عن الناس يفرط بالواجبات مما يؤدي الى قطيعة الرحم وغيرها من المساوىء الواضحة.
5 ايضا العزلة تحرمك من اكتساب الاصدقاء الجدد. وقد يقول قائل : «ان الاختلاط يأتي بقرناء السوء» عندها نقول: «الرجل صاحب الاختلاط قادر على ان ينتخب الناس الصالحين الذين يريد ان يمد حبل المودة معهم ويبتعد عن الآخرين المملين.. تخيل الفرق بين شخص يعتزل وآخر اجتماعي فالاول لا احد يعرفه او يحييه بينما الثاني تجد الكثير من الايدي تحييه والشفاه تبتسم له ووجوهاً ترحب به وهنا الاحساس بالسعادة.ورد عن المصطفى صلى الله عليه وسلم عدد من الاحاديث عن العزلة والاختلاط:قال رجل : «اي الناس افضل يا رسول الله»؟ قال: «مؤمن يجاهد بنفسه وماله في سبيل الله» قال ثم من؟ قال: «ثم رجل يعتزل في شعب من الشعاب يعبد ربه» وفي رواية «يتقي الله ويدع الناس من شره» رواه البخاري ومسلم والترمذي وابو داود.
** واذا ما دققنا في الامر لوجدنا ان من يخالط جلساء السوء تجد الوحدة خيراً له.والذي يستثمر وقته بشكل فعال حين يكون وحده فان العزلة خير له، اما من وفق الى مخالطة أناس أخيار يعينونه على الخير ويعينهم عليه فالاختلاط له افضل.
** وهذا الاديب «جبران خليل» يفضل الوحدة ويرى فيها فوائد عدة حيث يقول:
1 أفضلها لكي لا ارى وجوه الرجال الذين يبيعون انفسهم كل يوم.
2 ولكي لا التقي بالنساء الممدودات الاعناق واللاتي يسرن غامزات العيون وعلى ثغورهن الف ابتسامة وفي اعماق قلوبهن غرض واحد.
3 وحتى لا اجالس انصاف المثقفين الذين يبصرون في المنام خيال العلم فيخيل اليهم انهم اصبحوا من العلم بمقام النقطة من الدائرة ويرون في اليقظة اشباح الحقيقة فيتوهمون انهم قد امتلكوا جوهرها الكامل.
4 ولاني مللت مجاملة «الجلف» الذي يظن اللطف ضرباً من الضعف والتسامح نوعاً من الجبن.
5 ولأن نفسي تعبت من معاشرة الاثرياء الذين يظنون ان الشموس والاقمار لا تطلع الا من خزائنهم.
6 ولاني لم احصل على شيء من يد بشر الا بعد ان دفعت ثمنه من قلبي.
7 ولان الوحدة حياة الروح وراحة القلب.
8 ولاني اريد خالياً التأمل في ملكوت السموات والارض.
* ويستطيع من يحب الاختلاط ان يعد مثلها من فوائد!! اذاً المسألة طبع وذوق، رضاً وسخط:


وعين الرضا عن كل عيب كليلة
ولكن عين السخط تبدي المساويا

* وختاماً اخلص: الى قول الشاعر:


العز في العزلة لكنه
لابد للناس من الناس

* وها أنذا اضع مجالاً لرأي القارىء فما رأيكم .. أأعتزل الناس ام اختلط بهم؟
سليمان بن ناصر عبد الله العقيلي
محافظة المذنب

أعلـىالصفحةرجوع

















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved