أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Thursday 18th October,2001 العدد:10612الطبعةالاولـي الخميس 2 ,شعبان 1422

الثقافية

الزمن المقلوب
العولمة ذات السبعين حرفاً!!
أحمد عبد الرحمن العرفج
يهمل العرب كثيراً علم الإحصاء، لذا ترونهم تائهين، يتخبطون في أمورهم ليدخلوا في غيبوبة جاهلة إزاء كل نافر وحادث ومحدث ومبتكر..
نهتم دائماً بتعريب الأجهزة ودراسة حالات الضرر الناجمة عنها دون الفائدة والاستفادة من تلك الدراسة، أو ذاك التحليل والعرب في استقبال الأشياء يتقاسمهم مساران..
أ مسار يرى الابتعاد عن هذه المصنوعات ويفاخر بأنه جاهل فيها.. عدوٌ لها ولمتعاطيها!!
ب ومسار يرى الانغماس في هذه المنتجات، واستغلالها في أسوأ الأعمال والأقوال والممارسات!!
ورسائل الجوال.. هي واحدة من هذه الحالات التي تؤكد معاداة العرب في سوادهم الأعظم لمحاربة أشياء الحياة الجميلة.
يقبل الناس على هذه الرسائل، لأنها اختراع طازج، وفكرة طارئة وهذا أمر فطري لأن الإنسان يحب الأشياء الجديدة، فليس شر الأمور محدثاتها.. ألم يقل الشاعر الجاهلي:
لكل جديد لذة، غير أنني
وجدت الموت غير لذيذ!!
انطلاقاً من هذه الفطرة.. انغمس القوم في رسائلهم.. وأقول انغمس لأن (احصاء) شركة الاتصالات يقول: ان عدد رسائل الجوال التي أرسلت في الشهر الماضي أكثر من 65 مليون رسالة (كبير يا رقم والله كبير)!! في حين أن عدد الهواتف الجوالة لا يتجاوز مليونين خط!! وأعتقد أن الرقم سوف يتضاعف في ظل الأيام القادمة.. فالمتابع لاحصاءات الشركة يلحظ النمو المستمر والمتصاعد في عدد الرسائل المرسلة!!
وهذا الاقبال راجع إلى رخص التكلفة، وسهولة الوصول، ناهيك عن أنها بدعة، وليس كل بدعة ضلالة!!
وهو موضة ويمكن أن تكون صيحة، ولا استبعد أنها وسيلة طازجة للاتصال السريع!!
ومع هذا يخرج علينا كاتب محترم في جريدة عكاظ بتاريخ 5/6/2001م مطالباً بالغاء خدمة الرسائل من الهاتف الجوال بحجة أنها تحمل أخباراً ومضامين «غير أخلاقية» واستغرب كيف يفكر كاتب بهذه العقلية ونحن في القرن الحادي والعشرين.. ويمكن وفق هذا المنطق (الأعوج) أن نتلف كل السكاكين الموجودة في البلاد حتى لا يستغلها (ضعاف النفوس) في قتل الأبرياء!!
والرسائل بلا أدنى شك تعكس صورة المجتمع.. وهي الصورة الحقيقية (الصادقة) عن المجتمع، الذي يحاول الإعلام الرسمي أن يمنحه صفات الطهارة والنقاء والصدق والاستقامة!!
إن معظم الرسائل تدور حول الطرائف والنكت، بحكم أن المجتمع مجتمع جاف، مكفهر، عابس، لا يعرف إلا التململ والتأفف، وجر الأنفاس الصاخبة!!
تقول أخصائية اجتماعية في جريدة الرياض بتاريخ 28/4/1422ه: (إن الرسائل تحولت من دورها الجاد إلى الهزل لحاجة الناس لها)!!
والرسائل في شوطها الحقيقي فاكهة الكترونية في آذان الشباب، فالبنات يبحثن عن الموضة وبقية أمورهن الخاصة، والفتيان يبحثون عن النكتة، وموعد اجتماع الشلة!!
وأما الأخ عبدالله باجبير فيقول في الشرق الأوسط في 26/3/1422ه عن عدد الرسائل: (إن هذه الأرقام تكشف الفراغ المخيف، الذي يعيشه الشباب الذي ما كاد يجد وسيلة ترفيهية حتى انغمس فيها حتى أذنيه.. وسيلة تؤمن له التفريج عن الكبت العاطفي الذي يعانيه، والحصار الاجتماعي المفروض عليه، والفراغ الواسع الذي يتحرك فيه)!!
لقد جاء في جريدة الرياض في 28/4/1422ه رسم ساخر أبدعه المضحك دائما عبدالسلام الهليل يقول فيه: (إن شركة الاتصالات هالأيام (موظفين) مجموعة من الشباب على مسمى وظيفة (منكّت).. شغلتهم يولفون نكت ثم يرسلونها لمجموعة من المشتركين، وبها الطريقة الشركة تبي تكسب دراهم عشان كل مشترك إذا وصلته النكتة أكيد يبي يرسلها لصديقه..) انتهى.
إن هذا يعني فيما يعني لهاث المجتمع إلى كل جديد و(مضحك)!!
أما عن استخدام الرسائل في حالات الزواج والطلاق فقد صرح الشيخ عبدالله بن محمد المطلق عضو هيئة كبار العلماء قائلا: (إن الطلاق والقذف وجميع الكتابات التي تتم عن طريق الجوال تثبت بها الأحكام المترتبة عليها بعد ثبوتها على المُرسل نفسه صاحب الجوال).
وواصل فضيلته: (إن ما يتم إرساله عبر جهاز الاتصال (الجوال) يعتبر مثل الكتابة، لأن الرسالة تكتب كتابة فإذا ثبت صدور الطلاق، أو القذف من المرسل فيترتب عليه احكامها، فالطلاق يقع بالكتابة مثلما يقع في النطق، فلو أن رجلاً كتب لامرأته أنت طالق، فإنها تطلق لأن الكتابة لها مثل النطق) راجع جريدة الرياض 2/5/1422ه.
أما عن إلغاء الرسائل للبريد العادي، فلا أظن ذلك لأن لكل نوع من البريد مهامه، فلا يمكن أن أرسل رسالة من 30 ورقة على بريد الجوال!!
هل تريدون المزيد؟ حسناً.. إنني أعول كثيراً على رسائل الجوال، إذا كان هناك أمل في انبثاق فجر جديد يغير واقعنا الحضاري، فكل سلبيات استخدام الرسائل هي جزء من أزمتنا الحضارية والأخلاقية، لا تختلف كثيراً عن مشاكل قيادة السيارة، ورمي المعلبات من زجاج السيارات، وإفساد الذوق العام هنا وهناك.إنها أزمة أخلاق ليس للهاتف الجوال أي ذنب فيها فالإنسان الأعمى لن يستفيد لو فرشنا له الطرقات كلها مصابيح!!
إن فوائد الرسائل كثيرة فهي تقلل كمية الكذب بيننا، فلا يمكن أن يقول المستقبل بأنه لم يستلم الرسالة، لأن المرسل تلقى تقريراً بوصول الرسالة، ولو كان الجهاز مغلقاً أو خارج نطاق الخدمة فهي تجلس أمام الباب حتى يفتح الجوال ثم تشرع بالدخول إلى الشاشة!! فهل نتعلم الصدق من بعض هذه الأجهزة (الخبيثة)!!
كما أنتظر من رسائل الجوال أن تعلمنا الاختصار وذلك من خلال حصار الرسالة بعدد محدود من الحروف، والبلاغة كما تعلمون الإيجاز، قال مثل ماذا؟ قال مثل هذا؟!
إننا نكذب حتى في الرسالة خاصة وأنها تأتي رسائل مثل:
(تحذير من جهة أمنية) و(جوالك موضوع تحت المراقبة) ،(ابتعد عن الجهاز.. سينفجر بعد 15 ثانية)!! دون معرفة مصدر هذه الرسالة بسبب تمرس البعض على اخفاء رقمه بطريقة ما!!
وأنا أكتب هذا المقال أو هذه المشاركة وصلتني نكتة ساخرة تقول: (فرحتك بوصول الرسالة ذكرتني بفرحة الشغالة إذا وصلتها رسالة)!!
ومازلت أذكر أول رسالة وصلتني تقول:


أحبك حب المصري للديك الرومي!!
وحب أهل الطائف للبرشومي
وحب الشغالة للأندومي)!!

إنها شئنا أم أبينا عولمة جديدة لا قبل لنا ولقومنا بها فقد استبان الصباح لذي عينين.. ووصلت الرسالة من المصري وأهل الطائف والشغالة والجميع يبلغونك السلام!!
alarfaj2000@ayna.com

أعلـىالصفحةرجوع


















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved