أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Friday 19th October,2001 العدد:10613الطبعةالاولـي الجمعة 3 ,شعبان 1422

الاخيــرة

دوافع النوازع
الزائر الثقيل
د. محمد البشر
زوار الدوائر الحكومية والمؤسسات الخاصة والشركات بأنواعها يختلفون في اساليبهم ومراميهم، فمنهم من يقدم الى الدوائر الحكومية لينهي امراً من اموره لم يجد بداً من متابعته، وينهج في ذلك منهجاً جاداً. فهو يسعى حثيثاً لانهاء امره بأيسر السبل واسهلها واسرعها. فتراه ينتقل بين المكاتب دون ان يضيع وقتاً هنا وهناك. ومن المراجعين من تراه يأتي ليطيل المكوث فيدخل في حديث تلو آخر ظناً منه ان ذلك يسعد المتلقي ويجعله ينهي موضوعه بيسر وسهولة. وهو بذلك يضيع وقته ووقت صاحبه. وبعد ان يقضي ساعة او ساعتين تراه يطرح مطلبه بطريقة لبقة لعله يحظى بالرعاية، غير انه نسي انه اضاع الكثير من وقت من سُخر لخدمته وأثر على عطائه. وما احسب المتلقي الا وقد اخطأ الصواب. فأيسر السبل ما قاله سهل بن هارون: من ثقل عليك نفسه، وغمك بسؤاله، فأعره أذناً صماء، وعيناً عمياء. او كما كان يفعل ابو هريرة اذا استثقل رجلاً: اللهم اغفر له وارحنا منه. اما الاعمش فقد حضر مجلسه ثقيل قال:


فما الفيل تحمله ميتاً
بأثقل من بعض جلاسنا

وقال ابو حنيفة للاعمش واتاه عائداً من مرضه: لولا ان اثقل عليكم ابا محمد لعدتك والله في كل يوم مرتين.
فقال له الأعمش: والله يا ابن اخي انت ثقيل علي وانت في بيتك، فكيف لو جئتني في كل يوم مرتين. وكان حماد بن سلمة اذا رأى من يستثقله قال:«ربنا اكشف عنا العذاب انا مؤمنون».
وقال رجل ثقيل:


انت يا هذا ثقيل
وثقيل وثقيل
انت في المنظر انسان
وفي الميزان فيل

وقد اهدى رجل من الثقلاء الى رجل من الظرفاء جملاً ثم نزل عليه حتى ابرمه، فقال فيه:


يا مبرماً اهدى جملاً
خذ وانصرف الفي جمل
قال وما اوقارها
قلت زبيب وعسل
قال ومن يقودها
قال له الفا رجل
قلت له الفي رجل
فأضمن لنا ان ترتحل
قال وقد اضجرتكم
قلت اجل ثم اجل
قال وقد اثقلتكم
قلت له فوق الثقل
قال فاني راحل
قلت العجل ثم العجل
يا كوكب الشؤم ومن
اربي على نحس زجل
يا جبلاً من جبل
في جبل فوق جبل

وهكذا كان حال الثقلاء، ومن اراد ان يستزيد فعليه بالعقد الفريد لابن عبد ربه. واكثر الناس ثقلاً من يضع نفسه بين جمع من الناس الفوا الجلوس مع بعضهم واعتادوا عليه، وكان ذلك ديدنهم مدة طويلة، فما تراه الا وقد اطال المكوث، وابرم مستقبليه، تراهم يلتفتون يمنة ويسرة، ويحدثون بعضهم بعضاً لعله يعي ما يقال، ويدرك بفهم ما يراد. وقد يصل بعضهم الى التصريح بعد التلميح، لكن ذلك الثقيل غير آبه بما يقال، وغير مدرك لما يراد الا انه الف ان يكون كذلك ثقيلاً منغصاً، يجلس حيث يطيب له الجلوس، وبالمدة التي يراها ممتعة له دون رادع من حياء.
ومن الثقلاء من يستغل المجلس الذي هو فيه ليقضي حوائجه الدنيوية، فعند دعوتك لمن اوكل اليه امر من امور المسلمين، تراه يأتي بأوراقه ويفتح قلمه ويقدمه الى المسؤول، ويطلب منه الشرح على الاوراق ليضع المسؤول في حرج، وليحيل المجلس من مجلس غذاء، او عشاء الى مجلس شرح على معاملات، مع احراجه في امور قد لا يكون مقتنعاً بها. ومن المنغصات ان يأتي المراجع الى الموظف في منزله لانهاء معاملاته، فليس من المعقول ان تكون المنازل مكاناً لدراسة الاوراق الرسمية بحضور صاحبها.
وحسبنا قول حبيب:


يامن له وجهة اذا بدا
كنوز قارون من البغض
لو فر شئ قط من شكله
فر اذاً بعضك من بعض

اوقول الحمراني:


سألتك بالله الا صدقت
وعلمي بانه لا تصدق
اتبغض نفسك من بغضها
والا فأنت اذن احمق

واثقل الثقلاء اولئك النفر الذين يقحمون انفسهم في علوم لا يحسنونها، فنراهم يجادلون ويناقشون نقاشاً ابعد ما يكون من خبايا الموضوع وتشعباتها، بل ان البعض منهم قد تكون معلوماته محدودة فيما يسمع من خلال وسائل الاعلام، او قراءة رأي طرح في كتاب. فمثلاً قد يأتي من حملة الدراسات العليا من يتحدث عن منظمة التجارة العالمية مع انه لا يعرف عنها الا اسمها وبعض من المعلومات العامة التي حصل عليها من هنا وهناك. ثم يرى في نفسه انه القادر على فهمها والتعمق في مراجعتها. وهو بهذا يظهر امام اولئك البارعين كطفل صغير لا يعرف سوى احرف الهجاء، بينما هو يرى في نفسه علامة زمانه فما يكون من المتمكن الا ان يضحك، غير ان الجمع الغفير من الناس قد يغتر بتنميق الكلام، وطرح الخطوط العامة التي توهمه ان ذلك الرجل فطن اريب متمكن من موضوعه. فهل اثقل منه الا هو؟

أعلـىالصفحةرجوع


















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved