أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Friday 26th October,2001 العدد:10620الطبعةالاولـي الجمعة 10 ,شعبان 1422

مقـالات

الإرهاب لن ينتهي إلا بزوال الأسباب
د. عبدالله بن سالم الزهراني
الإرهاب لا يعترف بملة ولا عقيدة ولا مذهب وليس له ارتباط بهذا المعتقد أو ذاك. النفس البشرية في غاية التعقيد والغوص يها وسبر أغوارها غاية في الصعوبة. والسلوك البشري هو انعكاس لتلك النفسية التي هي وعاء لتعلم وتجارب وممارسة ومشاهدة وتأثير وتأثر واكتساب خبرات في جوانب شتى من الحياة. البيئة بكل جوانبها وأطرها الثقافية والفكرية والحضارية الشاملة لها دور في صياغة هذه النفسية لدى كل فرد. ولذا فإن الإنسان في الصين هو الإنسان في أمريكا هو الإنسان في أوروبا هو الإنسان في أفريقيا وفي استراليا. الإنسان الذي يتبع معتقداً ما، هو شبيه بإنسان يتبع معتقداً آخر في الصفة الإنسانية أي كبني آدم ولذلك لا أحد يستطيع أن ينكر على أحد آدميته إلا من باب المجاز. وكما أنه لا يجوز إنكار الآدمية على أحد من بني البشر فإنه لا يجب أن يربط بين الإرهاب وبين أي معتقد وبالتالي لا يمكن التعميم على اتباع هذا المعتقد أو ذاك بصفة الإرهاب. ولكن الذي حدث بعد الهجوم على مبنى التجارة العالمية ووزارة الدفاع الأمريكية أظهر لنا كيف أن بعض الساسة الأمريكيين بل والأوروبيين لم يتورعوا مباشرة ودون تأن من أن يربطوا بين تلك الهجمات وبين الإسلام كدين وبين المسلمين كمتبعين لذلك الدين وكأن الهجوم على المبنى الحكومي في إكلاهوما لم يعلمهم درس في عدم كيل التهم جزافا. الإرهاب ليس مجرد الهجوم على مبنى أو مبان وقتل أبرياء في أمريكا أو غيرها. الإرهاب يمتد إلى الإرهاب الفكري كما أن تهديد دولة لأخرى والضغط عليها في جوانب معينة من أجل مصالح معينة هو نوع من الإرهاب. الإرهاب ليس مقصورا على أفراد وجماعات ولكنه يتسع اليوم ليشمل دولا تمارس الإرهاب جهاراً ظهارا وبشكل منتظم ومنظم ومع سبق الإصرار والترصد.
ماذا نسمي ما يفعله جنرال الإرهاب الأول في العالم شارون الذي أيديه ملطخة بدماء الفلسطينيين الأبرياء في صبرا وشاتيلا والأبرياء في كل لبنان؟ ماذا نسمي أوامره وقراراته مع حكومته العسكرية المصغرة التي فوضت باتخاذ قرارات سفك الدماء ضد الفلسطينيين؟ ماذا نسمي جنرالات الجيش الصهيوني الذين ينفذون أوامر شارون ليلا ونهاراً بقتل الفلسطينيين واقتحام مدنهم وقراهم وتخريب منازلهم والعبث بممتلكاتهم الزراعية؟ ماذا نسمي سياسة الحصار والتجويع التي تتبعها الحكومة الصهيونية ضد الفلسطينيين؟. كيف يمكن أن يكون هناك سلام عادل وآمن في ظل هذه الممارسات الإرهابية؟ كيف يمكن أن تتحقق حسن النوايا والعودة إلى طاولة المفاوضات في ظل هذا الإرهاب المنظم التي تمارسه حكومة شارون الإرهابية؟ كيف يمكن التصديق على محاربة الإرهاب في مكان ما وتجاهل الإرهاب الواضح في مكان آخر؟ كيف يمكن السكوت على من يستغل انشغال العالم بمكافحة ما يعتقد أنه مكان للإرهاب بينما يمارس الإرهاب بكل أشكاله؟
إن تاريخ قادة اليهود مليء بالإرهاب منذ بدأوا كعصابات في فلسطين المحتلة. ليس من السهل نسيان مذبحة دير ياسين التي قتل فيها الشيوخ والنساء والحوامل والرضع. ليس من السهل نسيان المجازر التي ارتكبتها العصابات اليهودية«الهاقانا» ضد معظم القرى والمدن الفلسطينية. هل يمكن نسيان اغتيال ثلاثة من قادة منظمة التحرير الفلسطينية وهم كمال عدوان وكمال النجار. ليس من السهل نسيان اغتيال زعيم الانتفاضة الأولى أبو جهاد في تونس. إن قادة اليهود في فلسطين مستمرون في سياسة التصفية الجسدية التي هي ديدنهم منذ أن بدأوا احتلالهم لفلسطين وإعلانهم لدولتهم منذ أكثر من 50 عاماً. لم تتغير هذه السياسة أبدا حتى في أجواء كان يعتقد أنها أجواء بحث عن سلام. فما هي التسمية التي يمكن إطلاقها على هذه الجرائم؟.
اليهود تعرضوا بلاشك لظلم في ألمانيا النازية ولتفرقة عنصرية وتعاطف معهم العالم ولكنهم في جملتهم كقيادة وجيش وشرطة يمارسون العنصرية والإبادة للشعب الفلسطيني حيث أنهم يسعون وبشكل مستمر في الخفاء والعلن إلى التطهير العرقي للشعب الفلسطيني، بل إن الأمر أصبح معلنا ومكشوفا وهذا هو حال من أمن العاقبة حيث إن من أمن العاقبة أساء الأدب. إن قادة اليهود وحكوماتهم على مر تاريخهم العنصري في فلسطين لا يودون بقاء أي فلسطيني في فلسطين. إن القيادة اليهودية وعلى رأسها شارون هم النازية الجدد بأفعالها وحملتها الشرسة على الفلسطينيين. النازية متجلية بكل صورها في الحكومة اليهودية. إن النازية لا تعني فقط سوق اليهود إلى المحرقة كما فعلت النازية باليهود والنظرة العنصرية إليهم من قبل النازية الهتلرية. إنها تعني التسلط والقوة على الأبرياء العزل وقتلهم وترويعهم وهدم منازلهم وانتهاك حرمة مقدساتهم وقتل قادتهم السياسيين وتعقب كوادرهم. إن هذا هو بالفعل ما تفعله حكومة شارون. ماذا نقول عن وزير السياحة الإسرائيلي رحبعام زئيفي الذي اغتاله أحد أبناء فلسطين. أليست أفكاره المتشددة شبيهة بأفكار النازيين؟ أليس هو من يطلب باستمرار قتل الفلسطينيين وطردهم من فلسطين المحتلة تماما؟ مالفرق بين ما دعت إليه النازية وما كان يدعو إليه وزير السياحة الصهيوني؟ إن القادة اليهود في فلسطين المحتلة يبيحون لأنفسهم قتل القادة السياسيين والميدانيين بأبشع الطرق ولكنهم يحرمون على الفلسطينيين الدفاع عن أنفسهم وحتى الاعتراض. إنهم يقتلون القادة الفلسطينيين ويفخرون بذلك بينما على القيادة الفلسطينية أن تعتذر وأن تستنكر وأن تدين وتشجب وأن تعتقل كل من يقوم بقتل يهودي قيادي أو غيره من اليهود في فلسطين. أي منطق هذا؟ أي معتقد أو عرف أو قانون يجيز ذلك؟ عندما قتل وزير السياحة أربد شارون وأزبد وهدد وتوعد. وفي الحقيقة لقد نفذ وعيده وتهديده وسقط مزيد من الشهداء الفلسطينيين ودخلت الدبابات بيت جالا وبيت لحم وطولكرم وقلقيليا وشددت الحصار والخناق على الفلسطينيين ودفعت السلطة إلى اتخاذ مزيد من الإجراءات ضد الفلسطينيين ولكن شارون وأعوانه لم يدركوا بعد أنه لا أمن لليهود في فلسطين ولا سلام دون أن ينعم الشعب الفلسطيني باسترجاع أرضه المحتلة منذ عام 1967م. إنه من المستغرب جدا أن ينعت من يدعمون السياسة الإسرائيلية من اغتال وزير السياحة الإسرائيلي بالإرهاب في حين أن القيادة اليهودية اغتالت ما يفوق 65 فلسطينيا من كوارد الفصائل الفلسطينيةالمختلفة ولم ينعتوا من قبل هؤلاء بصفة الإرهاب!! والأكثر استغرابا هو الطلب من السلطة الفلسطينية القبض على المنفذين بينما من يرتكب الاغتيالات ضد كوادر الفلسطينيين يبقى حرا طليقا يمارس القتل باستمرار. كيف تظهر بعض الدول الصديقة لإسرائيل هذا الكيان بمظهر الحمل الوديع وتبارك سياستها التوسعية والقمعية وتعتبر ذلك دفاعا عن النفس؟ كيف تطلب بعض الدول المساندة والمتحيزة للسياسة العدوانية التوسعية الإسرائيلية من العرب ألا يكرهوا تلك الدول وسياساتها وهي من يدفع إلى تلك الكراهية؟ أين العدل أين حقوق الإنسان عند من يتشدق بها؟ كيف يفسر دخول الدبابات والمدرعات في باحات المدن الفلسطينية التي تحت السلطة الفلسطينية ويقتل البعض ويقتاد الأفراد الفلسطينيون من منازلهم للتحقيق معهم وايداعهم السجون الأسرائلية على مرأى ومسمع من العالم الذي يدعي الديمقراطية ومناصرة حقوق الإنسان؟.
هل هذا هو ثمن تحالف العرب والمسلمين مع الولايات المتحدة ضد الإرهاب ومحاربة الإرهاب؟ هل هذا هو الرد الصهيوني على إعلان الرئيس بوش ووعده بقيام دولة فلسطينية؟.
لقد طالب الفلسطينيون منذ بدء الانتفاضة بإرسال مراقبين دوليين ولكن ذلك الطلب لم يلق آذاناً صاغية من قبل القوى المؤثرة على إسرائيل. كان ذلك الطلب دائما ولا يزال يواجه بالرفض واستخدام حق النقض ولكن السؤال هو لماذا هذا الرفض؟ هل طلب حقن الدماء والحماية يعتبر من الأمور التي تتعارض مع الأعراف والقوانين الدولية؟ إن إمعان التفكير في ذلك الرفض واستمراره لا يوصل إلا إلى حقيقة واضحة لا تخفى على أحد، ألا وهو المباركة لتلك السياسة العدوانية اليهودية من قبل البعض من الدول التي يعتقد أنها ترعى وتدافع عن حقوق الإنسان والتي تظهر التقارير تباعا وتوزع التهم على دول العالم بعدم احترامها لحقوق الإنسان. إن هذا الموقف من مثل تلك الدول يبعث على الحيرة ويدفع إلى مزيد من الشك والريبة في نواياها وفي شعاراتها التي تظهر بمظهر الإنسانية ولكن وراء الأكمة ما وراءها. القادة اليهود يرفضون وجود مراقبين دوليين بين الفلسطينيين العزل وجنود الاحتلال لأن هؤلاء المراقبين سيكونون شهودا على الجرائم اليهودية وعدم الالتزام بوقف النار. لم يلتزم اليهود بأي اتفاق على وقف إطلاق النار مع الفلسطينيين ولعل آخر ذلك الانتهاك هو أنه بعد اتفاق أمني بين الجانبين قبل أسبوعين وربما حتى كان الوفد الفلسطيني في طريق عودته تم اغتيال أحد كوادر حماس وآخر في اليوم التالي مباشرة.
الحكومة الشارونية اليهودية ترفض تواجد المراقبين الدوليين لأن هذه الحكومة من خلال سياساتها المتطرفة لاترغب في السلام ولا تعترف بمبادئ أسلو للسلام ولذلك فهي لا تبدي رغبة في الالتزام بتلك المبادئ. الحكومة الصهيونية بقيادة شارون تسعى إلى لخبطة الأوراق من جديد من خلال توسعها الاستيطاني ومن خلال اقتحامها للقرى والمدن الفلسطينية التي أصبحت تحت سلطة القيادة الفلسطينية وهذا يعني إعادة احتلال من جديد وتفاوض من جديد. لم يخف شارون رغبته في إطالة أمد المفاوضات ومده إلى 20 سنة، وهذا يعني أنه ليس هناك رغبة للسلام على الإطلاق. ولكن مهما كانت النوايا الصهينوية تجاه الشعب الفلسطيني ومهما طال الزمن أو قصر في ظل مفاوضات أو غيرها فإن الحقيقة الثابتة هي أن الشعب الفلسطيني شعب حي صلب لا تثنيه تهديد ولا وعيد وسيستمر في تضحياته وصموده حتى تتحدد هويته من خلال دولة لها حقوقها ولها قرارها السياسي المستقل ولن تهنأ الدولية اليهودية بالأمن طالما حرم الفلسطينيون منه.
إن دم القادة اليهود لن يكون أغلى من دم القادة الفلسطينيين ولن يكون دم العسكريين أو المدنيين اليهود أغلى من دم الشهداء الفلسطينيين. إن كل شعوب الأرض تعرف كم هو غال الدم ولا يمكن أن يزايد أحد على أحد في هذا الجانب إلا عند من يعتقدون أنهم شعب الله المختار ولكنهم واهمون. إن هناك من يحاول أن يخلط بين من يناضل من أجل حريته وبين من يرتكب عملا إرهابيا وكل ذلك من أجل حماية الكيان الصهيوني. البحث في تاريخ الإرهاب بأثر رجعي ضد منظمات أو هيئات ناضلت من أجل حقوقها وحرية شعبها لن يكون بالأمر الهيّن ولا بالأمر المؤيد من الشعوب التي تؤيد حرية الشعوب واستقلالها. وإذا كان لابد من البحث بذلك الأثر الرجعي فلا بد أن يكون البحث شاملا ومستقصيا للقادة والمنفذين لعمليات إجرامية إرهابية ضد الشعب الفلسطيني وجيوش الدول العربية أثناء الحروب. إن الملفات القديمة حبلى بعمليات اليهود ضد الفلسطينيين وضد الأسرى من الجيش المصري والسوري وضد جنوب لبنان. مجزرة قانا شاهد قريب على إرهاب الدولة المنظم ضد الشعب اللبناني. لم تحترم إسرائيل مقر هيئة الأمم المتحدة الذي لجأ إليه الشيوخ والأطفال والنساء ولكنه كان مكانا لذلك الهجوم البربري الوحشي تحت مسمى عناقيد الغضب.
إن محاولة اجتثاث الإرهاب والإرهابيين حظيت بالتأييد من كل دول العالم ولكن يبدو أن الإرهاب متجذر في أماكن عديدة. ولعل أساسه ودوافعه وأسبابه موجودة لدى من يمارس سياسة القمع والقتل في فلسطين المحتلة. إن اقتلاع جذور الإرهاب يحتاج إلى البحث العميق في أسبابه وتشخيصه وما لم يتم ذلك فإن هذا يعني القضاء على إرهابي ليحل محله آخر. لابد على العالم الذي تحالف من أجل القضاء على الإرهاب والإرهابيين تحت مسمى نشر العدالة أن يتحالف من أجل البحث عن الأسباب التي تدفع بالبعض إلى ارتكاب هذا السلوك المنحرف. إن هناك دولا حمت إرهابيين بفضل قوانينها وما تسميه بالديمقراطية وحرية التعبير وقانون حق اللجوء السياسي ليصبح هؤلاء معرضين ومؤلبين لعمليات إرهابية أو مواقف عدائية، ورغم المطالبات من دول عديدة بتسليم مثل هؤلاء إلا أنهم كانوا محميين وتواجه دائما تلك الطلبات بالرفض. لقد حان الوقت وفي ظل هذه الحملة العالمية على الإرهاب أن تتم عملية مراجعة شاملة لكل الجوانب والأسباب التي تدفع إلى الارهاب سواء كانت عقدية أو قانونية أو سياسات عدوانية متطرفة وعنصرية وأن يكون هذا البحث شاملا وليس انتقائيا أو اختياريا إذا كانت هناك إرادة صادقة لنشر مفهوم العدالة الذي هو شعار الحرب في أفغانستان. إنه إذا لم يتم ذلك فإن الشكوك تظل قائمة حول القدرة على القضاء على الإرهاب كما أن الشكوك تظل قائمة حول شعار مفهوم العدالة.
zahi 2000@hotmait.com

أعلـىالصفحةرجوع



















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved