أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Sunday 28th October,2001 العدد:10622الطبعةالاولـي الأحد 12 ,شعبان 1422

مقـالات

خوارجستان.. خرابستان.. ثم ماذا بعد؟!
حمّاد بن حامد السالمي
مع مرور الأيام؛ وتكرار الحوادث التي تعصف بعالمينا العربي والاسلامي؛ أشعر بكل ألم بأن أمتنا العربية والاسلامية؛ تعيش اليوم؛ حالة «فصام» حادة مع ماضيها؛ حتى لو بدا أنها؛ «تحسن» التغني بأمجادها التاريخية؛ وتنتشي ببطولاتها الفردية.
.. ان التغني بالأمجاد التاريخية؛ والانتشاء بالبطولات الفردية؛ مع تغييب النقد المنهجي لمجريات التاريخ؛ فعل مجرد؛ يشكل معضلة تاريخية في حد ذاته؛ ويخلق اشكالية «ذاتية»؛ تفرز مزيدا من المشكلات المعقدة في حياة الأمة.
.. إن المشكلات المفرزة هذه؛ هي نتيجة طبيعية؛ للمعايشة غير الناقدة للتاريخ؛ وهي تزيد من «الاعضال»؛ أمام الفهم الواعي للحقائق؛ ويتجلى ذلك؛ مع المستجدات والمتغيرات في الحياة العامة، ذلك ان الوهج «الطاغي» للمجد؛ والنشوة «العارمة» للبطولة؛ يساهمان غالبا في تهميش كثير من الصور المفيدة في نقد الحالة التاريخية الماضية، فتنزوي عند ذاك؛ خبرات رابطة؛ لا غنى عنها في تفسير الظواهر المستجدة.
.. ان حالة «الفصام» هذه؛ تبدو أكثر وضوحا؛ في التعاطي غير الواعي مع مجريات الحوادث الجسيمة التي تعصف بالأمة، والجيل المعني بكل ما يجري؛ يبدو انه لا يقرأ تاريخه كما ينبغي؛ ولو افترضنا أنه قرأ بعضا من تاريخه؛ فهو يظل أسيراً لمشاهده المتوهجة؛ يبحث عنها؛ فلا يبغي عنها حولا. فتأتي قراءته مجردة من نقد الحالة؛ ولهذا.. فهو يلجأ لهذا التاريخ فقط؛ عندما تدعوه الحاجة لذلك؛ ولكي يبحث عن صور مبهجة مدهشة، لا غير.
.. عندما وقعت الحوادث الأخيرة في نيويورك وواشنطن؛ واتجه العالم كله لحرب الارهاب؛ والعمل على اجتثاث جذوره من أرض الأفغان؛ كشف بعض العلماء الأجلاء؛ في المملكة وفي غيرها من البلدان؛ عن خطر الارهاب والارهابيين؛ وبينوا المنهج الخبيث؛ والفكر المعوج؛ الذي تتبناه جماعات ارهابية منشقة؛ تتعطش للقتل والدمار، مثل منظمة القاعدة الآثمة؛ التي يتزعمها المدعو «ابن لادن»، وانها امتداد لفرقة الخوارج، بفكرها الدموي التخريبي؛ ومثل هذه الفرقة الشاذة؛ معروف مشهور في التاريخ الاسلامي؛ بسلوكها غير السوي، وبأفعالها المنكرة، وقد نبت فكرها وظهر؛ على حياة الرسول صلى الله عليه وسلم؛ في شخص «ذا الحويصرة»، وان من نبته أناس؛ جاهروا بالمنكر والفحش؛ فأقدموا على قتل الخليفة الراشدي الرابع؛ علي بن أبي طالب كرم الله وجهه؛ قتلوه وسفكوا دمه الطاهر؛ بدماء جافة باردة..!
.. ولكن المحير بل المدهش في هذه المسألة؛ ان كثيرا من الناس في هذا الزمان؛ يفاجأ بما يسمع ويقرأ من أمر أصحاب الضلال هؤلاء..! وكأن كتب التاريخ الاسلامي؛ خالية من أخبارهم، وكأن السيرة النبوية ؛ لا تتضمن شيئا عنهم؛ وكأن كتب المذاهب والفرق، لم تتحدث عن فرقتهم ومخازيها..! وهذا هو الجهل المركب؛ والفصام التاريخي؛ ان ترى التاريخ يعيد نفسه أمامك، لكنك تفاجأ بما يحدث، فتستسلم للحيرة والاضطراب، فلا تحسن التعامل مع ما يجري على خلفية ما جرى قبله..!
.. تعالوا بنا الى تاريخ قريب جدا.. من منكم يتذكر ما جرى في الأيام الأولى من شهر أغسطس عام 1990م، في حمأة الغزو العراقي لدولة الكويت؟.
.. ما يهمني في هذا الأمر بالخصوص؛ هو ما كان له صلة مباشرة بقضية أفغانستان؛ وعلاقة العرب بهذه القضية منذ الأمس؛ وما جرى ويجري على أرض أفغانستان حتى اليوم.
في تلك الأيام المشؤومة؛ نشرت احدى الصحف؛ تصريحا للمدعو «ابن لادن»؛ هذا التصريح اللافت؛ أخذ «مانشيتاً» على الصفحة الأولى على ثمانية أعمدة، وجاء فيه؛ استعداد «ابن لادن» هذا، تجنيد «عشرة آلاف مقاتل» لدحر الجيش العراقي..!
.. وفي ذات الوقت؛ كانت إذاعة «مونتي كارلو» العربية؛ التي تخصصت في الهجوم على المملكة العربية السعودية؛ لكونها حاملة لواء التحرير وردع العدوان العراقي..! تذيع تصريحات وصراخات ونداءات؛ كان يطلقها المدعو «عبدالله عزام» من أفغانستان؛ مهددا المملكة ودول الخليج وكل العالم. لكن المهم فيما قال في ذلك الوقت؛ ان آلاف العرب الذين جاءوا الى أفغانستان؛ لم يأتوا للجهاد وحده؛ ولكن من أجل التدرب على القتال؛ والاستعداد لما هو أهم..!
.. إذن.. المدعو «ابن لادن»؛ كان منذ اثني عشر عاما؛ يدير عشرة آلاف مقاتل؛ والمدعو «عبدالله عزام»؛ كان يدير معسكرات لمجندين عرب في أفغانستان؛ ليس للجهاد وحده؛ وانما ل«ما هو أهم»..!
.. ان المدعو «عبدالله عزام»؛ لم يتحدث بكلمة واحدة عن تحرير وطنه «فلسطين»، ولم يوجه طلقة في اتجاه صهيوني واحد.. وظل يدرب المجندين العرب هناك؛ حتى جاء اليه رفيق دربه «ابن لادن»، ثم دب الخلاف بين رأسي القيادة «المقعدة» في أفغانستان، وكان لابد أن يلتهم أحدها الآخر، مثل بقية الرفاق..! فكانت التصفية؛ وكان القتل؛ من نصيب «عزام» وأبناؤه. قتلوا شر قتلة..!
.. أما أولئك العرب الذين خرجوا الى أفغانستان في تلك الفترة؛ فهم بطبيعة الحال؛ ليسوا جميعهم أغبياء جهلاء؛ لا يعرفون ما يراد منهم، ولا ما يراد بهم؛ كما أنهم ليسوا جميعهم أذكياء فطناء؛ يدركون حجم اللعبة؛ التي كانت أرض أفغانستان؛ وما زالت مسرحا لها.
.. القسم الأول من هؤلاء؛ خرج الى هناك؛ وهو يعرف جيدا؛ أنه «مبتعث ومكلف» في مهمة خاصة؛ وفق مخطط «قاعدي»؛ من أجل التدريب والاستعداد ل«ما هو آت»..!
.. أما القسم الثاني؛ فلربما استهواه الشعار المرفوع؛ والأضواء المنبعثة في تلك الفترة من نار «الجهاد» ضد السوفيت؛ فكان مثل الفراش الذي يقذف بنفسه في اللهب، وعندما شعر باللسع وبالاحتراق، ما كان بمقدوره الخلاص، لأنه وقع في المصيدة.
.. وها نحن اليوم؛ نعيش جملة من تداعيات تلك المرحلة؛ التي بدأت من الثمانينات الميلادية؛ وحتى العام 1991م.
.. والسؤال هنا: ماذا فعلنا في السنوات العشر التي تلت تلك المرحلة..؟
.. الجواب: لو فعلنا شيئا يستحق الذكر؛ لما وقع ما وقع..!
.. ولأننا نعيش الواقعة المؤلمة؛ فهل نحن فعلا على صلة واعية متبصرة؛ بحوادث تلك المرحلة..؟
.. لقد قيل وكتب الكثير يومها، وكنت بكل تواضع ممن كتب في هذا الشأن؛ محاولا تفسير ما يحدث؛ في علاقة «بدت» وكأنها مشبوهة؛ بين شعار مرفوع في أفغانستان؛ وتدافع من شرائح عربية «مخصوصة».. وفي حقيقة الأمر؛ فإن مجريات الحوادث في تلك الفترة؛ كانت تفسر نفسها، ولا أدعي أني كنت أتنبأ بما نراه اليوم عياناً؛ لكن.. هاهي الحقائق تتحدث عن نفسها بكل وضوح.
.. كتبت قبل عشر سنين؛ مقالا نشر في هذه الجريدة؛ بعددها رقم «7140»، يوم الخميس الموافق للثالث عشر من شهر شوال؛ لعام 1412ه، السادس عشر من شهر نيسان «ابريل» 1992م، تحت عنوان «الخوارج الجدد».. هذا نصه:
.. «جاء في الأخبار؛ أن دولة باكستان؛ اضطرت أخيرا الى طرد آلاف من مواطني بعض البلدان العربية والاسلامية، لأنهم اتخذوا من الجهاد الأفغاني؛ ذريعة ووسيلة للاتجار بالمخدرات، واحتراف التهريب، وتنظيم الارهاب، وتكوين خلايا حزبية وسياسية؛ لاشاعة البلبلة والفتن في المجتمعات العربية والاسلامية.
.. والحقيقة.. ان هذا ليس أمرا جديدا تكتشفه الحكومة الباكستانية، وان هي دعمت جهد الشعب الأفغاني، ووقفت الى صف اللاجئين، وسهلت كل سبل الاعانة على قتال جيش الاتحاد السوفيتي، الذي ترك أفغانستان منذ أربع سنوات؛ فإنها بالتأكيد؛ كانت ترقب هذا النشاط المحموم للغرباء، وتتحين الفرص لوضع حد لتجاوزاته.
.. ان الشيء الأكيد؛ ان الجهاد الذي أعلنه الأفغان على المستعمرين لأرضهم، ما كان يعوزه إلا الدعم المادي، وهو ما تصدرت له دول اسلامية كثيرة، وفي مقدمتها المملكة العربية السعودية، ولكن كثيرا من أولئك الذين في قلوبهم مرض؛ استغلوا هذا الجهاد استغلالا بشعا، أقل ما يوصف به أنه اجتذاب جماعات حاقدة وخارجة على بلدانها ومجتمعاتها؛ وتدريبها للتخريب وتسميم أفكارها؛ حتى تصبح نواة لتفريخ المزيد من الخوارج في كل قطر عربي واسلامي؛ لهدف استعماري قديم هو ضرب الأقطار العربية من الداخل، وزعزعة كياناتها واستقرارها، وشغل مجتمعاتها؛ بما يثيره الخوارج من فتن؛ لا تسمح لأحد بالتفكير في القضايا الكبرى؛ التي تعني تقدم الوطن العربي؛ وتطور المجتمع العربي، واستقرار المواطن العربي، وتوفير جو الانتاج والابداع الذي يخبو ويموت في ظل الخلافات والفتن والقلاقل. وهذا ما حدث فعلا في أكثر من قطر عربي؛ انصرف بكليته عن نموه واستقراره الى مقاومة الخارجين؛ الذين رفعوا السلاح الى صدور آبائهم واخوانهم وأبنائهم وأهله، يدفعهم حماس التسميم الفكري الذي تعرضوا له؛ وغسيل الأدمغة الذي مارسته ضدهم منظمات ارهابية وشعوبية تعمل جاهدة، ومنذ أمد بعيد؛ لتحطيم الكيان العربي من داخله، فلم تفلح إلا من بوابة «الدين» الاسلامي، الذي هو دين العرب، ودستورهم، وجامع شملهم.
.. ان الذي يحدث اليوم في أكثر من قطر عربي؛ على أيدي جماعات عادت من أرض الأفغان؛ يذكرنا بأفعال القرامطة والحشاشين والدراويش، بل انه يحمل شعار الخوارج الذين فقدوا صوابهم، واستحلوا دم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه، فقتلوه..! وإلا.. فكيف يتحور الهدف من القتال الى جانب الأفغان؛ الى التهريب والمتاجرة بالمخدرات والحشيش؛ ثم يتطور الى حمل السلاح، وقتل اخوانهم من المسلمين الأبرياء..؟!
.. ان الذين يكفرون بالخطيئة؛ ويخرجون من ملة المسلمين كل من خالفهم في الرأي؛ هم خوارج هذا الزمان، الذي سوف ينكشف أمرهم شيئا فشيئا، فقد بدأ الناس يدركون حقيقة هؤلاء، وأخذ زيفهم يظهر للعيان، وراحت أخطاؤهم تترى، مما يبشر بانحسار موجتهم المجنونة، لأن مداها قد اتسع، وخطرها قد تفاقم، ولا مجال أمامها بعد اليوم؛ لأن العرب في غنى عن عصور دموية جديدة، وعن عصور ظلامية جديدة، وعن عصور جاهلية تولد على أيدي الحمقى والمتعطشين للسلطة والتسلط على رقاب الناس.
.. نحن نتذكر تصريحات لكبار القادة من المجاهدين الأفغان في بداية القتال. كانوا يقولون أنهم لا يحتاجون الى مقاتلين في صفوفهم، ولكنهم يحتاجون الى المال والسلاح. وهكذا.. وحتى بعد خروج الروس من أفغانستان، ظل الجهاد في نظر الخوارج الجدد؛ شماعة يعلقون عليها ما يرغبون من تشهير وتكفير وتفسيق، بعيدا عن روح الاسلام، وفي مغالطة كبرى؛ تفصح عن نوايا شريرة في صدور القوم، وتكشف مخططات ارهابية وشعوبية؛ جرى حبكها خارج الوطن العربي، وتصدر هؤلاء الحمقى؛ الى مهمة تنفيذها بكل غباء، وبكل ما تحمله من نتائج مأساوية، ومن ضحايا في نار؛ هم أول ما ينالهم أوارها».
.. انتهت الكلمة التي نشرت قبل عشر سنين.
.. ولم تنته العلاقة المشبوهة بين «الشعارات» المرفوعة؛ و«الفراشات» المدفوعة..!
.. بل.. بدأت الصورة تتضح أكثر فأكثر!
.. هذه مرحلة:«الخوارجستان»، و«الخرابستان».. فماذا بعدا؟!
والى متى..؟!
.. يحضرني قول للدكتور مصطفى السباعي هذا نصه:«الذين يسيئون فهم الدين؛ أخطر عليه من الذين ينحرفون عن تعاليمه، أولئك يعصون الله وينفرون من الدين؛ وهم يظنون أنهم يتقربون الى الله، وهؤلاء يتبعون شهواتهم؛ وهم يعلمون أنهم يعصون الله. ثم ما يلبثون أن يتوبوا اليه ويستغفروه».
.. استغفر الله وأتوب إليه.
assahm2001@maktoob.com
Fax 027361552

أعلـىالصفحةرجوع

















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved