أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Wednesday 31th October,2001 العدد:10625الطبعةالاولـي الاربعاء 15 ,شعبان 1422

مقـالات

أفغانستان تحت المبضع في البيمارستان
جانبي فروقة
تخضع أفغانستان هذه الأيام لجراحة دقيقة تحت مبضع الدكتور الاستشاري للعالم «الولايات المتحدة الأمريكية» وفي بيمارستان «مستشفى» حلف الناتو بدعوى استئصال الورم الخبيث «الإرهاب» من الجسد العالمي والمتمثل الآن بتنظيم القاعدة الذي يتزعمه اسامة بن لادن والمدبر لحوادث الثلاثاء الاسود في الحادي عشر من سبتمبر لهذا العام في نيويورك وواشنطن، واذا كانت الجمرة الخبيثة تغزو المرافق الأمريكية فإن الحقد الخبيث تجاه امريكا ما زال يتقد على جمرة الكراهية والعداء.
يقول المثل «اذا دحرجت حجرا أمامك فسوف تتعثر به» وأمريكا قد دحرجت حجر الحرب أمامها في افغانستان.
إن ازدواجية المعايير التي تمنطقتها امريكا وبطانتها العنصرية تتقد جذوة جمرتها عند مفاصل أي صراع تدخل شركة الولايات المتحدة الامريكية مما أفرز مكونات حضارية ولدت تداعياتها الإرهاب الدولي.
وتتجلى هذه الازدواجية في أفضح صورها في غض الطرف العالمي عن الممارسات الوحشية للوجود الصهيوني الذي ما زال جاثما على صدر فلسطين مرتكبا ابشع المجازر مما يعكس آلية المعايير المزدوجة التي تنتهجها السياسة الخارجية الأمريكية بدعم من زبانيتها في حلف الناتو لأبشع شكل من أشكال الارهاب الدولي ضد أطفال الحجارة الذين لم يجدوا سوى الحجارة ليحملوها أضغاث حقدهم وألمهم لتحصدهم رصاصات العدو ومدافعهم في أبشع ارهاب واغتيال للطفولة والبراءة.. ومن فواتير حروب الصهاينة يجب ألاّ ننسى ان فاتورة اجتياح اسرائيل للبنان قد حصدت 17500 شخص اغلبهم من المدنيين. ما كان يجب على أمريكا ان تصم أذنها وتحجب عن عينها ممارسات الصهيونية وتنسحب من ديربان لكيلا تمس ربيبتها اسرائيل بأذى وتقدح بمذمة العنصرية فتمسي أمريكا باعتراف شرعي ودولي داعمة للعنصرية والتي من تداعياتها الارهاب. يجب على أمريكا ان تميز بين مقاومة شعب الاحتلال والارهاب وان تعمل بجهود وبمجمع عالمي على صياغة وتعريف الإرهاب.
كتب روبرت فيسك مرة «في صحيفة الاندبندنت» حول الدورس المستقاة من مأساة يوم الثلاثاء الأسود «يظهر لنا اسامة بن لادن في ذهننا، بنقوده، ولاهوتيته، بتكريسه المخيف لتدمير قوة امريكا، لقد جلست أمام أسامة بن لادن وهو يصف كيف ان رجاله ساعدوا بتقويض دعائم الجيش السوفيتي في أفغانستان وان ايمانهم اللا محدود جعلهم يعلنون الحرب على أمريكا ولكن هذه الحرب ليست كما يريد الأمريكان ان يظهروها للرأي العام بأنها حرب الديمقراطية ضد الارهاب.. بل انها ايضا حرب ضد الصواريخ التي تدك بيوت الفلسطينيين والهيلوكبترات الأمريكية الصنع التي أطلقت صواريخها على سيارة اسعاف لبنانية عام 1996م والصواريخ الأمريكية التي دمرت قرية قانا، وضد الميليشيات التي عاثت فسادا وتدميرا بإعمال يد النهب والقتل في معسكرات اللاجئين الفلسطينيين وبدعم من اسرائيل الأمريكية.. وسوف يكون هناك وبشكل محتوم ولا أخلاقي محاولة لتضليل الرأي العام العالمي ضد هذه الأخطاء التاريخية والاعدل الذي يرقد خلف عاصفة النار التي اجتاحت أمريكا.. سوف يخبروننا عن الارهاب الجنوني ولكن الجنون مهم عندما لا ندرك مدى الكراهية تجاه أمريكا في مهد الأديان الثلاثة».
إن ألقينا الضوء على أحداث الهجوم على افغانستان لألفينا آثار الدمار في هذا البلد وبدائية وشظف الحياة ولمسنا آثار الندب التي خلفتها الحروب التي مزقت هذا البلد على مر سنينه في ظل تاريخه الأسود القابع تحت نير الاستعمار البريطاني مرورا بحقبة الاحتلال السوفيتي ومن ثم نزولا في سعير آتون الحرب الأهلية والنزاع على السلطة وانتهاء بحضن وعقدة الارهاب الدولي والتحالف الدولي ضده.
في تحليل ورصد لولادة نزعة الارهاب من بطن صراع الحضارات يقول صامويل هنتجتون: ان الصراعات الطائفية وحروب خطوط التقسيم الحضاري هي مادة التاريخ وخلال فترة الحرب الباردة نجد 32 صراعا اثنيا. الصراعات الأثنية وحروب خطوط التقسيم الحضاري هذه ليست موزعة بدرجة متساوية بين الحضارات العالمية والمسئول عن زيادة عدد حروب خطوط التقسيم الحضاري هو الجذور العميقة لهذه الحروب في التاريخ فالعنف المتقطع على خطوط التقسيم يولد دوما المخاوف والشعور بعدم الأمان على كلا الجانبين. المسلمون والهندوس في شبه القارة الهندية. الروس والقوقازيون في شمال القوقاز. الأرمن والأتراك فيما وراء القوقاز. العرب واليهود الكاثوليك والمسلمون في البلقان. الصرب والكروات والمسلمون.. وهنا نرى ان التاريخ والديموغرافيا والسياسة كانت المحرك الأكبر لهذه النزاعات. لقد عرض لنا هنتجتون مسلسل مراحل الصراع في التاريخ. فقد كان الصراع عنده قديما بين الملوك والأباطرة، ثم بين الشعوب، ثم بين الأيديولوجيات في الحرب الباردة ثم ينذرنا بأن الصراع الآن هو الصدام بين الحضارات. والأديان محور الصراعات والدين يطبع ثقافة الشعوب بسماته لذلك نرى الآن ان السياسة الكونية تتشكل بناء على تمايز الخطوط الثقافية للشعوب بين بعضها وبالدرجة الثانية بين فئات الشعب الواحد نفسه. رغم ولوجنا القرن الواحد والعشرين مع التوقعات بضمور بؤر الصراع وخمود لهيبها والآن وفي ظل ثورة الاتصالات وتكنولوجيا هذا القرن الكبيرة والتي جعلت العالم يبدو كقرية صغيرة نجد ان السياسة الكونية والنظام العالمي الجديد آخذ في التضخم والتعقيد. ولاحظنا مؤخرا بروز والنداء بمصطلح cosmopolitan «العالمي والمتحرر من الأحقاد القومية» الى سطح الحياة السياسية الكونية الحالية والذي كان نتيجة مباشرة للعولمة الاقتصادية التي أنشأت مفهوم مصنع عالمي واحد وسوق عالمي واحد تسعى فيه تلك الشركات الهائلة العابرة للقارات للسيطرة عليه وخلق ما يسمى بالقرية العالمية التي هي قرية مالية تفتقد لعلاقات القرية وتقاليدها الانسانية، وفي ظل هذه العولمة المالية وتفكك الدول القومية ارتفعت أصوات النزاعات الطائفية والثقافية التي ولدت شعورا لدى الانسان المعاصر بالحنين الى خصوصية صميمة وهو يحيا في بيئة متشابكة مربكة تنذر بزوال قضية العامة او خصوصيته القومية لذلك يبدأ هذا المسكين بالتفتيش عن جماعة أولية او مرجعية تكون الأصل والملاذ معا وتبرز هنا الأصولية.. كرد فعل.. والأصولية ببساطة هي نزعة ثقافوية وهي حل التاجر المفلس الذي يبدأ بالتفتيش في دفاتره القديمة ليجد مسوغات وحجج تبرر ما ينوي القيام به أي يبحث عن نظرية عتيقة يستند عليها. ويكون العنف وسيلته ومطيته الارهاب الذي يعتقد أنها تحقق غايته.
وفي تفنيد للذات الإلهية المكتسبة في العقل الباطني لأمريكا والتي افرزتها المتغيرات الدولية وخاصة منذ انتهاء الحرب الباردة وسقوط عرش الاتحاد السوفيتي وصعود أمريكا كقطب أحادي متفرد يتحكم في قواعد لعبة السياسة الكونية والمستندة الى قاعدة المصالح المستطرقة والتي تنص على ضرورة وجود وتوازن المصالح الأمريكية على سطح ومراكز النفوذ في العالم وعلى طول بحر الاقتصاد العالمي برمته، نجد ان من يعطي نفسه الحق في إشعال نار العنف والاضطرابات سيصلى من لظاها.. كما نجد قول باري بوزان «الباحث الانجليزي» فيه الكثير من الصحة حين وصف الوضع العالمي في «أن الحقيقة الأعمق هي ان المركز قد اصبح أكثر سيادة والمحيط أكثر تبعية عن أي وقت مضى منذ بدء انحسار الاستعمار».
ونحن إذ نقف ضد كل الممارسات الارهابية والعنفية التي تطال الأبرياء فإننا نستحث الضمائر ونشعل شمعة في ظلام العنف لندعو ساسة العالم ان يعيدوا حساباتهم ويصلحوا ميزان معاييرهم لكي توأد الازدواجية في نصرة المصالح فقط وتنصف الشعوب حقوقها.
ان حوادث الثلاثاء الأسود.. تنبئنا بأن الأحقاد لا تغفو مع الزمن وسرعان ما تستيقظ على خطوط التماس الديني والعرقي في أقل الأجواء ضررا. وفي مثل حرب التحالف ضد الارهاب على أفغانستان التي تشنها أمريكا ستنزل الأديان على المتاريس وستتعمق الأحقاد والكراهية بين الشعوب ودولها التي أصبحت على اتصال أوثق مع بعضها بعد ان أضحى العالم قرية صغيرة تضرب شطآنه أمواج العولمة ولا تحدها حدود جغرافية بل حدود عقائدية وثقافية تجعل خطوط التماس أكثر دقة وحساسية من ذي قبل، ونستذكر هنا قول فاتسلاف هافل: مشيرا الى ان الدرس الذي يجب تعلمه من تجربة القاضي المنصرم هو انه «لا مفر من العودة الى ينبوع الدين».
يدفع الأبرياء من المدنيين الأفغان ثمن الحرب ويتشرد الملايين في أبلغ مناظر البؤس والشقاء على حدود البلدان المجاورة والشتاء والجوع يترصدهم وتدك الصواريخ الأمريكية والبريطانية بيوتهم المصنوعة من الطين ومستودعات الصليب الأحمر من المواد الغذائية المعدة لإغاثة الشعب الأفغاني.. والسؤال الذي يطفو للسطح ليخاطب ضمير العالم يقول: في ظل هذه الريح الصرصر من الحرب على أفغانستان: هل ستأتي الحرب نفعاً وتحقق مآربها وتقضي على الارهاب ومعقله؟ وما هي حجم الكوارث الانسانية التي ستجثم على صدر الأفغان وماذا سيحل بأولئك المشردين؟ وكما ان الارهاب قد حصد أرواح الأبرياء في أمريكا فإن الحرب المستعرة الآن ستفتح حمامات الدم لتطال مدنيين أبرياء أخر.

أعلـىالصفحةرجوع
















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved