أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Wednesday 31th October,2001 العدد:10625الطبعةالاولـي الاربعاء 15 ,شعبان 1422

متابعة

الموقف الأسترالي من الحرب ضد أفغانستان
آثار أحداث سبتمبر الإرهابية على الجاليات العربية والإسلامية في أستراليا
بقلم د. محمد شومان
كانبرا أستراليا:
قبل أيام ودع رئيس الوزراء الاسترالي جون هوارد قوات خاصة استرالية في طريقها للمشاركة مع القوات الأمريكية في الحملة العسكرية ضد افغانستان. وذلك في اشارة واضحة الى ان استراليا ستشارك بقواتها في الحرب البرية ضد طالبان، وكانت استراليا قد اعلنت منذ بداية الأزمة الوقوف الى جانب الولايات المتحدة في جهودها الرامية لحشد تحالف دولي ضد طالبان، وتعهدها بدعم اي عمل عسكري امريكي للرد على الهجمات التي تعرضت لها الولايات المتحدة، في هذا الاطار ساهمت استراليا في الاستعدادات العسكرية بإرسال سفينة حربية الى الخليج.
الموقف الاسترالي والمشاركة في العمليات الحربية يلقي دعما سياسيا وقبولا شعبيا واسعا، حتى ان استطلاعات الرأي العام ووسائل الاعلام الاسترالية قد أيدت هذه المشاركة بقوة، ولم تظهر سوى اصوات قليلة تعارض المشاركة العسكرية وتطالب بالوقوف السياسي والمعنوي الى جانب الولايات المتحدة.
والواقع ان الموقف الرسمي والشعبي في استراليا ضد الارهاب ومع الحملة العسكرية ضد افغانستان يؤكد ان القارة الغنية الهادئة هي جزء أصيل من الغرب بالمعني الثقافي والحضاري، فضلا عن انتمائها السياسي والاستراتيجي. فاستراليا عضو بارز في الكومنولث وما تزال من الناحية المعنوية والرمزية مرتبطة بالتاج البريطاني، كذلك فانها تنتمي الى حلف الانزاسي الذي يجمع بينها وكلاً من الولايات المتحدة ونيوزيلندا، ويضمن لها الحماية في اطار المظلة النووية الامريكية كما ينص على التعاون الاستراتيجي بين استراليا والولايات المتحدة ضد أي تهديدات خارجية.
هجوم على مسجدين وكنيسة
والملاحظ أن وسائل الاعلام الاسترالية قد تفاعلت باهتمام شديد مع الهجوم الارهابي في 11 سبتمبر الماضي، وشنت حملة من الهجوم غير الموضوعي احيانا ضد العرب والمسلمين مما كان له انعكاسات سلبية على الجاليات العربية والاسلامية والتي تقدر بحوالي 300 600 الف مسلم اضافة الى حوالي 200 الف مسيحي من اصل عربي، وهذه الارقام تبدو كبيرة للغاية اذا ما عرفنا ان عدد سكان استراليا لا يزيد عن 19 مليون نسمة.
لقد أحرق مسجدان في مدينة بريسبن شمال شرق أستراليا، وأفاد شهود عيان انهم رأوا مجموعة من الشبان الاستراليين يفرون من الموقعين، واتسعت موجة العداء لبعض الرموز الاسلامية والعربية حتى وصلت الى قيام مجهولين بالاعتداء على كنيسة للعرب الروم الكاثوليك المهاجرين من لبنان، وقد عبر حادث الاعتداء عن ضيق افق وضحالة في التفكير، إذ لم يميز المهاجمون بين الكنيسة والمسجد، من هنا وحتى لا تتسع دائرة الاعتداءات والتحرشات بالعرب والمسلمين قامت الحكومة الاسترالية بتشديد المراقبة وفرض حراسة خاصة على كنائس الجاليات العربية والمساجد والمراكز والمدارس الاسلامية. كما قام رئيس الوزراء الاسترالي جون هاوارد بزيارة احد المساجد، وحذَّر من مخاطر الاعتداءات على دور العبادة، واشار الى ان مئات المسلمين قد لقوا حتفهم في مركز التجارة العالمي، ويجب حماية كافة الحقوق المدنية للعرب والمسلمين في استراليا.
ومن خلال زيارتي للعديد من المدن الاسترالية واللقاء بمواطنين ومسئولين استراليين فان حالة الغضب أو ردود الفعل العشوائية التي جاءت في أعقاب 11 سبتمبر الماضي قد هدأت تماماً، ويعيش العرب والمسلمون في استراليا في ظروف طبيعية وعادية تماماً، خاصة بعد ان تحركت الجمعيات والمراكز العربية والاسلامية التي تدافع عن حقوق الاقليات وأوضحت كثيرا من الحقائق للرأي العام، وذكر لي مدير مركز للدفاع عن حقوق العرب في ملبورن ان المركز تلقى آلاف الرسائل البريدية والمكالمات الهاتفية من استراليين من اصل غير عربي يؤكدون فهمهم واستيعابهم لما جرى وان العرب والمسلمين يعانون من تطرف بعض الجماعات الارهابية تماما كما يعاني منها العالم. من جهة اخرى حدث نوع من التآلف والتوحد والشعور بالهوية المشتركة بين الجاليات العربية والاسلامية تحت ضغط الخوف من التعرض للتمييز أو التعرض لاعتداءات عنصرية يقوم بها بعض المتطرفين.
السيطرة على الحوادث القليلة التي تعرض لها العرب والمسلمون في استراليا شجع بعض رجال الاعمال العرب والاستراليين للقول بأن احداث سبتمبر وموجة العداء للعرب والمسلمين في اوربا والولايات المتحدة قد تدفع كثيراً من العرب لزيارة استراليا والبحث عن فرص جديدة للاستثمار، فأستراليا بلد آمن تماماً، وهي قارة غنية بالموارد الطبيعية وقليلة السكان، وأغلب مواطنيها من اصول عرقية وثقافية مختلفة، وبالتالي فهي ذات تقاليد عريقة في العيش المشترك والتسامح الفكري والثقافي، وهو ما يشجع العرب والآسيويين لزيارة استراليا.
لكن ماذا عن الآثار المتوقعة للحرب؟
يؤكد اغلب من التقيت بهم ان استراليا بعيدة تماما عن مخاطر الحرب، وان الآثار المحتملة لتباطؤ النمو في الاقتصاد العالمي ستؤثر على استراليا لكن ليس بصورة كبيرة، فأكثر من نصف تجارة استراليا الخارجية تجري مع دول جنوب وشرق آسيا.
من هنا فإن السؤال المنطقي الذي يطرح نفسه: لماذا تشارك استراليا بقوات برية وبحرية وجوية في الحملة ضد افغانستان؟
تأتي الاجابة سريعا بأن هناك التزامات بين استراليا والولايات المتحدة تفرضها اتفاقية الانزاس، كما ان استراليا تريد ان تؤكد انتماءها للغرب. عبر مشاركة محدودة ورمزية في الحملة ضد افغانستان. وكانت الحكومة الاسترالية قد فعلت الامر ذاته في العدوان الثلاثي ضد مصر عام 1956 عندما هدد رئيس وزراء استراليا آنذاك مصر من مخاطر تأميم قناة السويس، كذلك شاركت قوات استراليا الولايات المتحدة في الحرب ضد فيتنام وسقط كثير من القتلى والجرحى في صفوف القوات الاسترالية، وفي حرب الخليج الثانية شاركت ايضا القوات الاسترالية، بينما لم تشارك نيوزيلندا بقواتها في فيتنام او في الحملة ضد افغانستان رغم عضويتها في حلف الانزاس، الامر الذي دفع بعض مفاوضي اشتراك استراليا في الحرب ضد افغانستان الى القول بأن مشاركة استراليا هو موقف سياسي داخلي يرتبط بالصراع الحزبي من جهة، وبمسألة تأكيد انتماء استراليا الثقافي وتحالفها مع القوة الامريكية المهيمنة اقتصاديا وعسكريا على العالم، لكن تأكيد هذا الانتماء التاريخي والثقافي يتعارض مع رغبة استراليا في ان تصبح الاخ الاكبر لدول جنوب وشرق آسيا والتي ترتبط معها بعلاقات اقتصادية اكبر من علاقاتها الاقتصادية مع الولايات المتحدة واوروبا. الامر الذي يشير الى ان استراليا تريد ان تكون الاخ الاصغر للولايات المتحدة، وفي الوقت نفسه الاخ الاكبر لدول شرق وجنوب آسيا. وتحقيق هذه المعادلة امر صعب للغاية. بل انه ينطوي على قدر من التناقض، ويبدو ان هذا التناقض هو معضلة استراليا السياسية والثقافية.
فأستراليا هي بحكم الجغرافيا والمصالح الاقتصادية اقرب الى آسيا، لكنها بحكم الثقافة واللغة والاصل الحضاري جزء من العالم الغربي، فكيف يتسنى لها تحقيق هذا التوازن، خاصة ان هناك بعض المخاوف من نمو الاقليات الآسيوية داخل استراليا، ومن موجات الهجرة الآسيوية غير المشروعة الى استراليا والغنية والقليلة السكان والمحاصرة ببلاد لا تملك سوى البشر. ومن هنا فان استراليا قد تحتاج دائماً إلى دعم الولايات المتحدة عسكرياً وسياسياً، لكنها في الوقت ذاته ستظل مرتبطة اقتصاديا وتجاريا بشرق ووسط آسيا.
هكذا نعود مرة اخرى الى معضلة استراليا السياسية والثقافية، والتي تأخذ طابعا جديدا هذه الايام في ضوء الحرب على افغانستان، فأستراليا التي تشارك الولايات المتحدة عملياتها العسكرية ضد افغانستان تواجه بحالة من عدم الترحيب اعلنت عنها بعض الدول الآسيوية الهامة والتي ترى فيما يحدث نوعاً جديداً من الغزو الغربي لوسط آسيا. فكيف سيكون موقف استراليا؟ هذا هو السؤال الذي قد يطرح في المستقبل، وسيمثل اضافة توعية جديدة لأستراليا الحائرة بين ثقافتها الغربية وجغرافيتها الآسيوية.

أعلـىالصفحةرجوع
















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved