أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Thursday 1st November,2001 العدد:10626الطبعةالاولـي الخميس 16 ,شعبان 1422

الثقافية

من سيحارب أخطر منظمات الإرهاب.. «أيباك»؟!
يوسف عبد الرحمن الذكير
«أرض الأحرارThe land of the free » قد تكون أشهر ما جاء في أول نشيد وطني أمريكي من كلمات !.. فأمريكا في بدايات اكتشافها والهجرة اليها لم تكن مجرد حلم «الحلم الأمريكي The American Dream» للطامحين للعيش الرغيد وتحقيق الثروات، لما تزخر به من خيرات، بل رست على شطآنها موجات تلو موجات من الباحثين عن الحرية، هربا من اضطهاد أنظمة استبدادية أوروبية، حرّمت على كل من يخالف مذاهبها، ممارسة شعائرهم الدينية.
لكن «أرض الأحرار» كانت مشرعة الأبواب، أمام كل من هب ودب من أجناس الناس، الاخيار منهم والأشرار.. فلا عجب إن أخصبت مروجها، الخبيث والطيب، جنباً الى جنب منذ ذلك الحين.. فنمت براعم التقدم، وتفتحت زهور الحضارة حتى باتت الولايات المتحدة الأمريكية تتصدر العالم بما تنتجه في مشاتل العلم والتقنية والاقتصاد، إلا أن أشواك الشرهي الأخرى تكاثرت وتعددت، فانتشرت واستشرت!.. حرية اقتناء السلاح، على سبيل المثال، أفلت من عقال اقتنائه كوسيلة للدفاع عن النفس والمال، والصيد كهواية أو لمباريات الرماية، ليختبىء بين سراديب الجريمة، فأضحت أمريكا أولى دول العالم في جرائم السطو المسلح والقتل!.. الحرية الشخصية هي الأخرى انقلبت الى إباحية، بعدما تخلت عن كل الشرائع والتعاليم السماوية، والقيم الأخلاقية، فلم يغد ربع مواليد أمريكا، نتاج علاقات جنسية لا شرعية فحسب، بل وتردت الى أقصى مهاوي الاباحية حينما أتاحت قيام جمعيات تدافع عن جماعات شاذة منحطة وحقهم في ممارسة السحاق واللواط «.. حرية التعبير تخطت هي الأخرى كل الحدود، فلم تكتف بإصدار وترويج الأدب الخليع، والمجلات المصورة لعراة من الجنسين، بل وباتت أمريكا أكبر منتج ومصدر في العالم لأفلام الجنس والعري والعنف والجريمة، فكان أول ضحايا تلك الثقافة، المجتمع الأمريكي ذاته حينما رأى المراهقين من أبنائه يطلق النار بعضهم على بعض، حتى في مدارسهم!..
أما مهزلة المهازل، فتكمن في ان «الحرية المطلقة»، التي اتخذ منها شعار للحملة الحالية القائمة على الارهاب، شكلت في حد ذاتها الأرض الخصبة لنمو وازدهار أشرس وأشهر وأخطر أشواك الارهاب الذي يحارب الآن تحت رايتها!.
ارهاب فكري، لعل أشهر سماته «المكارثية» التي أرهبت المفكرين والمثقفين من كتاب وفنانين في الخمسينيات من القرن الماضي، حين فصل الكثيرون من وظائفهم وحرم العديدون من موارد رزقهم، حتى اضطر العديد منهم للهجرة، ربما كان أشهرهم الفنان المثقف «تشارلي شابلن» الذي لجأ الى سويسرا كمأوى ومثوى، هرباً من ارهاب «أرض الأحرار»!.
ارهاب اجرامي، ربما كان أشهر منظماته «المافيا» التي لم تتح لها «أرض الأحرار» فرصة النماء والاستشراء، بل واستعانت بها، حينما أفرجت عن أشهر زعمائها إبان الحرب العالمية الثانية، ليمهد لها انزال جيوش الحلفاء في صقلية، ثم عادت لتستعين بالمافيا مرة أخرى، حسبما عرض فيلم أمريكي وثائقي عن دورها المشبوه في اغتيال الرئيس الأمريكي «جون كنيدي» انتقاما منه بعد ان شن حملة عليها، منكرا جميلها في ترجيح كفته بعدما تساوت مع منافسه «ريتشارد نيكسون» ولكن ما ان استعين بالمافيا، حتى جند زعيمها في «شيكاغو» كل رجال عصاباته، وامكاناته الارهابية، لضمان نجاحه في تلك المدينة، التي كان في نجاحه في الفوز بأصواتها العامل الحاسم في انتخابه رئيسا».
إرهاب عرقي، قد يكون من أبشع منظماته «الكوكس كلان»، التي أرهبت الأمريكيين السود، طوال عقود، ولم تتورع في ارتكاب أشنع الجرائم من قتل وشنق وحرق، زاد من بشاعته اتخاذ الدين المسيحي ستارا له، فكان شعارهم الصليب الملتهب، رغم أنهم قاموا بإحراق كنائس السود.
أما أخطر أشكال الارهاب، فهو الارهاب السياسي، الذي بات يتحكم في اختيار وانتخاب أعلى مستويات اتخاذ القرار في الولايات المتحدة الأمريكية مدى خطورة ذلك الارهاب تتجسد في ان كل ما سبقه من أشكال الارهاب، يعتبر الى حد كبير شأنا داخليا، رغم ما له من تأثير خطير، لكن الارهاب السياسي بات شأنا دوليا، بعدما أضحت الولايات المتحدة الأمريكية، القطب الأوحد المتحكم في مصير وقرار معظم دول العالم.
***
لم يعد سرا خافيا على أحد، ما تستحوذ عليه المنظمات الصهيونية من نفوذ على الساحتين الاعلامية والسياسية، في الولايات المتحدة الأمريكية. منظمات صهيونية، قد تختلف في أسمائها، وتتشعب في مهماتها، وتتباين في قتامة أطياف تطرفها، إلا أنها جميعا تتضافر وتتوحد في سبيل تحقيق هدف موحد. وسيلتها كلها، تكمن في الهيمنة والسيطرة المطلقة على مقدرات الولايات المتحدة لاتخاذها مطبة لبلوغ هدف أكبر بكثير من مجرد «الحلم الأمريكي» كغيرهم من مهاجري شعوب العالم. هدف وجداني مغروس في نفوس كل اليهود، ألا وهو تحقيق «الحلم التوراتي اليهودي»!
منذ أن سمح لليهود بالهجرة الى أمريكا، وهم يتكتلون في منظمات يهودية هدفها الأول كان مساعدة اليهود بعضهم لبعض للوصول والاستحواذ على مراكز المال والنفوذ، حتى بلغت أعداد تلك المنظمات العشرات فعلى سبيل المثال، يضم مؤتمر المنظمات اليهودية تحت مظلته «38» منظمة رئيسة، تعددت أسماؤها حسب تشعب مهامها، فمنظمة النداء اليهودي، مهمتها استقطاب التعاطف مع اليهود.. ومنظمة الصندوق اليهودي لجمع التبرعات.. فيما اللجنة اليهودية الأمريكية تسعى للتغلغل داخل المؤسسات الثقافية والاقتصادية الأمريكية.. «بئناي بئرت» مهمتها الدفاع عن كل ما هو يهودي، شخصا كان، أو مؤسسة، أو معتقدات.. فما رابطة مكافحة الافتراء تشن الهجمات الاعلامية على كل من يتجرأ على اليهود باتهامه بمعاداة السامية، ولكن تأثير ونفوذ جميع تلك المنظمات يبهت، الى جانب ما بلغته منظمة «أيباك» من تسلط وهيمنة!.
تستمد منظمة «أيباك» «AIPAC» اسمها من الحروف الانجليزية الأولى من كلمات اسمها الكامل «اللجنة الأمريكية الاسرائيلية للشؤون العامة American Israeli Public Affairs Committee»، ورغم حداثتها مقارنة بالمنظمات اليهودية العريقة، إلا أنها تمثل نقلة نوعية، ومنعطفا خطيراً في مسار تأثير المنظمات الصهيونية على الساحة الأمريكية.
ففيما اقتصر نشاط من سبقها على الدعاية لليهود، أو جمع التبرعات، ورغم أنها نجحت في اقناع الرئيس الأمريكي «هاري ترومان» للاعتراف بقيام دولة اسرائيل طمعا، بأصوات اليهود رغم اعتراض وزير خارجيته، بطل الحرب العالمية الثانية، وصاحب المشروع الشهير الجنرال «جورج مارشال» إلا أنها أخفقت في التأثير على القرار الأمريكي ان تقاطع مع مصالحها، مثلما كان الحال حين أجبر الرئيس الأمريكي «دوايت ايزنهاور» اسرائيل على الانسحاب دون قيد أو شرط من سيناء بكاملها بعدما وصل جيشها الى ضفاف قناة السويس عام 1956م. فقد استطاعت «أيباك» ان تنتقل بالتأثير اليهودي الصهيوني من مرحلة الدعاية وجمع التبرعات الى تشكيل جماعة ضغط «لوبي» صهيوني، لم ينجح فقط في مضاعفة المساعدات الأمريكية لاسرائيل مهما اقترفت من جرائم همجية ومجازر وحشية سواء كانت في بحر البقر المصرية، أو قانا وصبرا وشاتيلا اللبنانية، أو قبية وكفرقاسم، ودير ياسين وأخيرا في بيت ريما الفلسطينية، أو التغاضي عن اتخاذ قبر المجرم «باروخ جولدشتاين»، الارهابي الذي قتل «29» مصليا فلسطينيا، مزاراً يزوره عتاة المتطرفين اليهود، بل جعلت من أمريكا دمية تسيرها لتحقيق «الحلم اليهودي» الأكبر، مستخدمة في ذلك أبشع ممارسات الابتزاز والارهاب!. ذلك ليس ادعاء منحازاً من عربي مسلم دفعه الغضب والألم، لما يجري في البلدان الاسلامية من عدوان ضحاياه الأبرياء من الأطفال والنساء، والشيوخ العزل، الى اتهامات جزافية، بل حقائق موثقة من تصريحات رسمية لأمريكيين احتلوا أرفع المناصب، ومدعمة بشواهد لا تقبل التفنيد!.
فالابتزاز لا يشهد به شاهد من أهلها، حينما اعتبر السيناتور الأمريكي «جيس هيلمز» المساعدات المالية الأمريكية الهائلة لاسرائيل «أكبر ابتزاز في التاريخ» على حد تعبيره، بل كان من ضحاياه عدد من البلدان الأوروبية، كان آخرهم وليس أخيرهم «سويسرا» في ارغامها على دفع مليارات الدولارات لليهود، تحت تهديد المنظمات الصهيونية، وفي مقدمتها«أيباك»، بحرمان المصارف السويسرية من ممارسة نشاطاتها في الولايات المتحدة الأمريكية.
أما الارهاب، فإن كان قول النائب السابق «بول ماكلوسكي» لا يكفي، حين قال صراحة في مؤتمر رسمي:«إن أيباك ترهب الكونجرس الأمريكي».. أو كان ما ذكره عضو الكونجرس الأمريكي «بول فندلي» لا يفي، حينما ذكر في كتابه الشهير «من يجرؤ على الكلام» بكل جرأة:«ما أن يذكر أيباك أمام عضو في الكونجرس حتى يمتقع وجهه.. فقد أصبح اسم أيباك مرادفا للسلطة الباغية المرعبة».. فما على الراغب في المزيد من البراهين سوى الرجوع الى ذلك الكتاب، المؤلف من «578» صفحة، كلها غاصة بحقائق موثقة بما يقرب من «860» مصدر وهامش عما باتت تلعبه منظمة أيباك من دور خطر، يهدد المصالح الأمريكية ذاتها!.
إرهاب المنظمات الصهيونية، لم يقف عند حد ارهاب صناع القرار الأمريكي بل وتجاوزه الارهاب حتى لمن يدعي السعي الى السلام من قادة اسرائيل ذاتها!!.. فقد قامت منظمة الصهيونية الأمريكية «Zionist Organization of America» المتطرفة، بنشر اعلان في صحيفة النيويورك تايمز الشهيرة، محذرة ومهددة «باراك»، رئيس الوزراء الاسرائيلي السابق من مغبة التفاوض بشأن القدس!.
في ذلك برهان ساطع على ان المنظمات الصهيونية وعلى رأسها «أيباك» ما عادت تهدف الى جعل اسرائيل الدولة العظمى في الشرق الأوسط، ضاربة بعرض الحائط بكل ما يعنيه ذلك من تهديد خطير للسلام والأمن في العالم بما فيه أمريكا ذاتها، بل هدفها الأكبر يتمثل في التوصل الى تحقيق «الحلم اليهودي التوراتي» الأخطر.. حلم مجتر من أساطير مسطرة في توراة محرفة، تقول: إن «يهوه» رب اليهود وحدهم، قد وعد شعبه اليهودي المختار سيادة العالم أجمع واستعباد كل الشعوب الأخرى، وجعلهم خدما وعبيدا لهم!.. ذلك هو الخطر الداهم الذي تسعى أخطر منظمات الارهاب في العالم لتحقيقه، فهل من يتصدى لأيباك، قبل أن تغدو شعوب العالم، وفي مقدمتها الشعب الأمريكي.. مجرد عبيد لليهود؟!.

أعلـىالصفحةرجوع


















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved