أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Thursday 1st November,2001 العدد:10626الطبعةالاولـي الخميس 16 ,شعبان 1422

الثقافية

تراتيل
«أدب الخلاف» لابن حميد
محمد الدبيسي
سماحة الرؤية.. ونبل التوجيه..
* يكاشف «صالح بن عبد الله بن حميد» أطروحات الواقع «الديني» في قضاياه ذات المساس بالبنى الاجتماعية المنحدرة منها.. والمتداخلة معها..! فيما كتبه عن «أدب الخلاف»ü الذي هو مشترك الخطابات.. وهو عمقها وتعبيرها اللازم.. وغير الملتزم بمعايير توافقية..! بل اختيارية، يطرحها «مزاج» المخالف.. وتحركها أخلاقياته وتعبر عنها «أدبيات» خطابه..
وهو المعوّل عليه في توجيه مشاعر الجماهير.. وبناء نموذجها.. وحقن ذهنياتها بالمفاهيم والتصورات.
* وهو من جانب آخر «كاشف» لبنيتها الثقافية ونظم تفكيرها.. ومحركات اهتماماتها.. وهمّها.
وعندما يحدد «عالم» بحجم صالح بن حميد «أدب الخلاف» ويتعاطى بالنقاش والعرض والتحليل أخلاقياته وأساليبه وآلياته فثمة رؤية تتسم بالتسامح.. وتؤمن بالحوار والتعددية.. ترهص.. وتتداخل في نسيج هذا الطرح.. وتأخذ براءتها العلمية من شخص «ابن حميد» كمهاد ذكروي وقبلي عنه في ذهن يقرؤه.
* فهو «صالح بن حميد» إمام الحرم.. ورأس الهرم الوظيفي والاداري المسؤول عن أطهر مكانين على وجه الأرض..!
وهو «د. صالح بن حميد» المؤتلف ضمنا مع ضمير المؤسسة الدينية.. والممثل لوجه من وجوه خطاباتها.. والمعتبر من خلال ممارساته البحثية والوعظية، رمزا تنويريا مؤسسا على رصيد معرفي.. ودراية فقهية.. ودخيلة صادقة فيما تدعو اليه.. لا تبتغي غير نور الحق سبيلا.. ولا غير نية الاصلاح حجة ومقصدا..
وهو فيما يمثله في خطبه ومؤلفاته ومحاضراته رمز إصلاحي.. يتحاور مع مشهد الخطاب القائم.. بمعطيات توفيقية للخطاب العلمي المرتكز على قاعدة فهم ديني عميق.. باعتبار العلم الشرعي تخصصه.. ومحل اشتغالاته .. وهمّه.. وباعتبار تعاطيه للرأي الآخر.. ومعه.. قائم على الحوار.. والنقاش والسؤال..
فخطاب يتأسس على «هكذا» رؤية، عقلانية في تجلياتها .. يكمن مفاصل حوار يؤصل لمفاهيم لا تأخذ طابع الانفعال الوقتي.. ولا تأجج العواطف ترغيبا وترهيبا..؟
وإنما تتعاطى أهدافها عبر وسائط الحوار والخطاب المتبادل .. والقراءة الواعية لأنساق الواقع الاجتماعي.. وتداخله مع الديني، بعيدا عن التزمت والغلو.. والتعصب والإسقاط..!
فقاعدة قراءة انساق الخلاف المشاهد بيننا اليوم يراها ابن حميد «في الناس من هو ذو فكر محصور وادراك ضيق وعلم قليل، تختل عنده الموازين .. وتختلط لديه الأولويات قد ينحدر في التعصب المقيت والانحياز المذموم لرأي عالم او فئة يوجد من يوغل في النقد ويشتط في الجدل حتى يدخل في الغيبة والتجريح وتتبع الزلات والعثرات من غير فقه في واجب النصح وحسن الظن ومعرفة بأقدار الرجال» ص 6.
* ويحدد واجب أهل «العلم والدعوة» تجاه مبدأ الخلاف وممارسته في سياق قيمي.. وهما هنا محط قضايا الخلاف ونموذج امثلته ووجوده.. حيث يرى ان عليهم ان يستبينوا قيمة ما يدعون اليه فليس الحق حكرا على مسلك، والخلاف في الرأي لا يجوز ان يكون مصدر لجاجة او غضب. ان من شأن المجتهدين ان يختلفوا ونتائج هذا الخلاف مقبولة من غير تشنج وتعصب ص7.
* ويعبر الخطاب بصياغاته لدى ابن حميد، عن فحوى السماحة والتعددية وقبول الآخر.. عبر ادبيات صياغية محددة.. وأساليب إقناعية تحاور العقل.. وتستشهد بالفعل.. والممارسة.. وتتكىء على القاعدة الدينية مصداقا لأهدافها.
وبعد أن يقسِّم الخلاف.. ويعرِّف أنواعه وأمثلة وقوعه.
يقدم أمثلة واقعية نظريا وتطبيقيا في الممارسة النبوية للدعوة والتعليم والسلوك والعبادة من لدن الرسول صلى الله عليه وسلم وكيفية تعاطيه مع المخالفين في عهده عليه الصلاة والسلام.
وكيف كان يؤصل في سلوكه مبادىء سعة قاعدة الاجتهاد.. ورضاه بالتعددية في التعبير والسلوك الحركي في العبادة.
ثم فيما وقع بين الصحابة رضوان الله عليهم في العهد الأول من قضايا خلافية وتراكماتها النفسية.. ونتائجها الحربية..مستخلصا منها.. بقاء ضوء التوجيه النبوي.. وتسامي النفوس المتخالفة في الإقرار بالحق «للآخر» المختلف معه. ومؤكدا ان اختلاف المسلمين في بعض تفاصيل التعامل في القضايا الفقهية والشرعية تصب في غاياتها البعيدة في المقصد الاسلامي للتشريع.. دون خروج عن جوهر الدين وقواعده.. وأدبيات الحوار وأساليبه.
* ثم يقدم المؤلف نماذج لبعض القضايا الفقهية المختلف فيها بين الصحابة وكيفية تعاطيهم للرأي المخالف حولها.. ومعيار قبول حق «الآخر» في الاختلاف.. والإجراء التسامحي النبيل في التعامل مع المخالف.. واحترام مكانته الانسانية.. وحق في الكرامة التي حددها الاسلام.
ويلي تسلسل هذه النماذج المضيئة في ممارستها الخلافية.. وأدبيات الحوار العقلاني النابذ للهوى وذي المساس الجوهري بقضايا الفقه بأئمة العصر التابعي ومن تلاههم ومالك، والشافعي، وأبي حنيفة، وأحمد وكيف أن الخلاف بينهم لم ينجم عن هوى أو شهوة أو رغبة في الشقاق.. فقد كان أحدهم يبذل جهده وما في وسعه ولا هدف له إلا إصابة الحق ورضا الله عز وجل.
ولذلك فان أهل العلم في سائر الأعصار، كانوا يقبلون فتاوى المفتين في المسائل الاجتهادية فيصوبون المصيب ويستغفرون للمخطىء ويحسنون الظن بالجميع.. ويسلمون بقضاء القضاة على اي مذهب.. ويعمل القضاة بما ظهر لهم لو خالف مذهبهم من غير حرج أو تعصب» ص31.
* ويطرح في نهاية الكتاب ما أسماه «الإفراط والتفريط» في مسائل قبول الصوت المخالف والحوار مع الرأي الآخر.. مؤكدا ان من صور التفريط المذموم «الغلو في الانكار على أهل المذاهب حتى يقوده ذلك الى التفتيش والتنقيب في عبارات للمتقدمين يفهم منها قدح في بعض الأئمة فيحييها ويبثها فينشر العداوة والبغضاء ومثل ذلك تتبع الزلات العلمية والشذوذات الفقهية وتجميعها.. وبثها في المجالس والمنتديات فتتزعزع الثقة ليس بالمذهب.. ولكن بالدين كله وهذا عمل شائن وتصرف بغيض» ص43.ثم يقدم جملة ركائز أخلاقية لتعاطي الخلاف والوصول به الى قيمته العلمية والتثبت من وراءه إلى الرأي الحق.. دونما القطع بثبوته ودون المساس بذات المخالف والمختلف معه.. أو عقيدته أو كرامته الإنسانية.
والممثل لهكذا «توجه» شخصية بحجم «صالح بن حميد» تأخذ بعدها التواجدي، من قيم علم وصلاح واجتهاد بالمعرفة.. مما يجعل الموقف المغاير مهما ادعى أمانة الدفاع عن الفضيلة.. والتهافت بحجة «حراستها» ضعيفا وسقيما اذا ما اتسم بالإسقاط والتفكير وإلغاء الرأي الآخر..!
* وما يدعو الى التسامي بصوت الاعتدال الموثق بجوهر الطرح العلمي والمسار الحر.. والنزيه .. في تحديد الداء والدواء وهو ما يمثله ويترجمه «صالح بن حميد» في رؤيته لأدب الخلاف مما يؤسس في مشهدنا العام.. نموذجا من نماذج حوار العلماء.. وخلق المحاور «النموذج» و«ابن حميد».. يمثل في ذلك شخصية إسلامية عامة.. ورأيا يتمثل وجوده القيمي بأطروحاته العلمية في قراءة قضايا شرعية واجتماعية وثقافية.. بمفهومها الجدلي.. والعام.
مما يضيء أملا في معالم مشهد يتعطش الى أنقياء.. أتقياء من أمثال «ابن حميد» ولا نزكي على الله أحدا.. وهو حسبنا ونعم الوكيل..
mdbisi@ayna.com
*صالح بن عبد الله بن حميد
أدب الخلاف مكتبة الضياء جدة

أعلـىالصفحةرجوع


















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved