أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Thursday 1st November,2001 العدد:10626الطبعةالاولـي الخميس 16 ,شعبان 1422

محليــات

لما هو آت
لك وحدك 70
د. خيرية إبراهيم السقاف
نوارة..
سأفتح صندوقاً كنت قد أغلقته معك، وألقيت مفاتيحه خلف أسوار المدى..، لم أشأ أن أفسر ابتسامة مخفية كانت تندس عند زاويتي عينيك يا نوارة..، وأدرت لحظتها وجهك، دون أن تمنحيني فرصة التأكد من مضمون تلك الاشارة الابتسامية..، حتى جاءت هذه اللحظة وأنا أدهب، أركض حافية نحو المدى، كي أترك للغمام، والضباب، والسراب أن تغتسل قدماي في غياهبها معاً..، وتعود وقد حملت لي مفاتيح ذلك الصندوق،.. أدركت لماذا كنت تهمين أن تبتسمي..، لأنك كنت على ثقة في أنني سوف أعاود محاولة فتح هذا الصندوق، مهما تقادم العهد به..
ولكن، كيف لا أفعل، ونحن الآن في جدب، وقحط، وجفاف، ومرض، وجهل، إذن فإنك كنت على دراية بأن الإنسان لم يتجاوز بعد، حدود كل ذلك..
الإنسان يا نوارة لم يشبع، ولم يرد، ولم يصح، ولم يتعلم..، لا يزال البساط النوراني لم ينبسط تحت قدميه، ولا بين عينيه..
آه يا سيدة الشبع، والدواء، والعافية، والمعرفة..
أقلب أسفار صندوقك..، أتوسد أوراقها..، أعلم حروفها..، أنثر شيئاً من مدادها فوق الأديم بين ناظري..، وتحت قدمي..، لا تعلمين كم ترتهج الابتسامات الرضية فوق شفاة كل ذرة من ذرات هذا المداد..، أنت تركت لي محبرة ثرية، غنية..، أغذي منها يراعي كل لحظة أرقب فيها مؤشر المواد فيه وقد تنازل يتسابق فوق الورق، فأملؤه كي يصمد أمام جارف الانهيال الذي يستدعيه كي يقول..
أقرأ هنا شيئاً من حكمك، وأنت تسجلينها، كنت تحركين رأسك، توحين بأن أحداً لن يدرك أبعادها إلا بعد زمن، تكون فيه الريح قد سحقت معها كل صغيرة، وكبيرة، بعد أن تكون قد صفعت الأوجه، والجباه، وجذور الشجر!..
أقرأ نكاتك، وأنت تؤكدين أن زمناً سيأتي، يضحك فيه الإنسان على نفسه، بعد أن يمسح بيد دموعه، وبالأخرى لعابه..، ويظل يشعر بالجوع، ويظل يتحسس العطش يصك حلقه..
أقرأ رموز الأحرف التي كنت تشكلين بها عجينة الهياكل الصلداء الجامدة، تلك التي تتفتت أمام أي ذرة ضوء تتسلل إليها من ثقب مفتاح الصندوق!..
يا نوارة..
اسمع حشرجة الصمت، في رهبة هدوء الصندوق، وقد أخذ يرسل إلى ادراك حاسة الشم في أنفي برائحة حبرك..، وإلى حاسة السمع إلى صوت زئيره الأسدي يصك أذني، وإلى كل مركز ادراك في رأسي، بوقع حلول حروفك، وهي تدب فوق سحنة هذه الأديم، تحرك مسام كل صامت في رأسي..، تتجوفني، ولا أقوى على احتواذها، فأهرول إلى دلالاتك، أنقب عن معانيك..، وأحتمي بشجرة أفكارك، من كل شيء..، وهنا أربت على الصندوق، وأنا أحاول بهدوء، وروية أن أطبق غطاءه، فوق غطائه، كي يستوي سطحه صلباً، أمام تيارات المياه التي ترسل من جبال الوهم..، والخوف..، حيث يمارس الناس قحطهم، وجوعهم، وعطشهم، وجهلهم..، فأجدني قد وقفت أمام هذا السيل ممتشنة سلاح قلمي، وقد عب من صندوقك حتى أرتوي..
يا سيدتي، كيف لا أقوى، وأنت تظلين بابتسامتك، ذات الحكمة، تبعثين في داخلي بتيارات النور، فأقوى على الظلام؟..، وبغذاء تنوعت فيه الألوان، والأذواق، فأشبع جوعي، وأستوي إليك في بارقة الوقوف..، أمام تيار الصمت، والنطق، والإغفاء، واليقظة، الصح،، والغفلة؟..، كيف لا تكونين زاهية في مثل هذه اللحظات يا نوارة؟..
أنت يا سيدتي خرافة، لم أقو على انكارها في جوفي، ترسل لي بما أدري، وبما لا أدري، وأنت حضور لم يغب، وبهاء لم ينطفي...
يا نوارة..
هلا ترسلين إلي ببقية المفاتيح، كي أفتح بقية الصناديق؟
إنني حركت مقود القوافل، نحو رحلة المدى، وأرسلت قوادم الجياد حيث موارد الدواء، وأشرعت مراسم العبور..، ولا تؤاخذين حماسي، ولهفتي، فلقد جعلتك الحداء الذي يرسل مع حدائه وقدة العبور، في قوادم الرحلة..،.. وأسلمت إليك بوصلات الدروب، وعناوين الطرق..، وأودعت كلي إلى ظهر قافلتك، كي أكون بك نحو الاتجاه..
ألا يا نوارة متى أسمع إلى صرير المفاتيح تعالج ظهور الصناديق، كي تهمي أوراق أسفارك بحكم الكلام، وكيانات الأفعال؟..
أنت فقط.. ولا شيء يكون.

أعلـىالصفحةرجوع


















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved