أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Friday 2nd November,2001 العدد:10627الطبعةالاولـي الجمعة 17 ,شعبان 1422

متابعة

بالتعاون مع مركز الخليج للدراسات الإستراتيجية لندن
الأبعاد السياسية والأمنية لأحداث 11 سبتمبر على العالم العربي
الأبعاد الأمنية الداخلية والخارجية
بوش وصف الهجمات على الإرهاب ب«الحرب الصليبية».. ورئيس الوزراء الإيطالي قال إن الحضارة الغربية متقدمة عن الحضارة الإسلامية
بالإضافة إلى التداعيات السياسية والاستراتيجية لحوادث التفجيرات في الولايات المتحدة ثم الحرب ضد أفغانستان على العالم العربي، فإن لهذه الأحداث تداعياتها الأمنية العديدة ذات البعدين الداخلي والخارجي، وكما هو الحال بالنسبة للتداعيات السياسية، فإن منطقة الخليج، هي الأكثر تأثراً من الناحية الأمنية في إطار العالم العربي ومنطقة الشرق الأوسط بشكل عام وذلك لاعتبارات داخلية وخارجية عديدة.
أولاً: الإسلام والغرب والإرهاب:
على الرغم من أن الرئيس الأمريكي جورج بوش قد حاول معالجة خطأ استخدامه لعبارة «الحرب الصليبية» في حديثه عن الحرب ضد الإرهاب سواء من خلال التقرب إلى المسلمين في أمريكا، أو من خلال التأكيد على أن الإسلام هو دين السلام وأن هذه الحرب ضد الإرهاب وليس ضد الإسلام على الرغم من ذلك فإن أحداث سبتمبر سوف تكون لها السلبية الشديدة على نظرة الغرب إلى الإسلام وخاصة فيما يتعلق بالمزاعم الخاصة بعلاقته بالإرهاب، مما سيوفر بيئة مناسبة لبروز تيارات التعصب ضد العرب والمسلمين في الغرب، يؤكد ذلك مجموعة من المؤشرات أهمها:
1 بعد حديث بوش عن «حرب صليبية»، قال رئيس الوزراء الإيطالي بيرولسكوني إن الحضارة الغربية المسيحية متقدمة عن الحضارة الإسلامية التي تتسم بالتخلف والركود، وعلى الرغم من أنه قد أكد أن حديثه قد فسر خطأ، وإنه لم يقصد الإساءة إلى الإسلام، فإنه رفض تقديم اعتذار للمسلمين عما قاله.
2 قالت رئيسة الوزراء البريطانية السابقة مارجريت تاتشر ان المسلمين لم يدينوا ما حدث في الولايات المتحدة بشكل كاف، وأضافت أن على المسئولين المسلمين أن يقولوا أن ذلك أمر مخجل، وأنها لم تسمع ما يكفي من الإدانات من قبل رجال الدين المسلمين.
وكانت تاتشر قد أكدت بعد انهيار الاتحاد السوفيتي أن الإسلام هو العدو الجديد للغرب بعد انتهاء الشيوعية، وأن مهمة حلف الناتو بعد انهيار حلف وارسو هي مقاومة هذا «العدو».
3 قضية «عداء الإسلام» قضية مترسبة في الوجدان الغربي منذ «حروب الفرنجة» في القرن الحادي عشر، حسب التسمية العربية فيما يطلق عليها الغرب اسم «الحروب الصليبية»، وحين دخلت الولايات المتحدة الحرب العالمية الثانية استخدمت تعبير «الحرب الصليبية» وكان يرددها الجنرال ايزنهاور كثيراً، وهناك بعض المفكرين الغربيين الذين يحددون الشرق الأوسط بأنه «دائرة الحضارة الإسلامية».
4 أشار البعض إلى أن التحرك الأمريكي ضد الإرهاب بعد أحداث 11 سبتمبر يستند إلى تقرير تم إعداده في عهد الرئيس الأسبق رونالد ريجان عام 1984، وأن هذا التقرير «هو أول أوراق يقرؤها الرئيس بوش في أعقاب حادث الثلاثاء الأمريكي الأسود وقرر بعدها أن يجعل عنوان حربه «الحرب الصليبية الثالثة» لولا أن بعض مستشاريه تدخلوا ورأوا أن هذه التسمية تعني التصريح المباشر بالحرب بين الإسلام والمسيحية».
ويؤكد هذا التقرير في مجمله على فكرة أن «الإسلام عدو للغرب»، ومن هذا المنطلق يقوم على فرضيتين هما:
الأولى: أن هناك عداءً مباشراً بين الإسلام والديمقراطية الغربية وخاصة الأمريكية.
الثانية: أن إدارة الصراع مع الإسلام يجب أن تتجاوز صراع الحضارات، لأن هذا الصراع سيؤدي إلى خسارة أمريكا، ويقسم العالم إلى حضارة غربية وأخرى إسلامية يمكن أن يحسم الصراع بينهما لصالح حضارة ثالثة مثل الصينية أو البوذية أو اليهودية ... الخ، ويقترح التقرير هنا أن تتم إدارة هذا الصراع من خلال توجيهه إلى «الإسلام مباشرة متجاوزاً مفهوم الحضارة الإسلامية، أي تفتيت العالم الإسلامي إلى دول، وتصنيف هذه الدول إلى أشد عداء وأقل عداء، وبين هاتين المجموعتين ستقع مجموعات أخرى متباينة من الدول الإسلامية، وفي كل مرحلة فإن الولايات المتحدة يجب أن تقود الصراع مع دولة أو دولتين، ولا يزيد العدد على الثلاث دول، وأن تعمل أيضاً إما على تحييد باقي الدول الإسلامية، أو أن تعمل على ضم بعض الدول الإسلامية في معاركها ضد الدول الإسلامية المستهدفة».
5 في إطار التفكير الغربي حول «حرب شاملة ضد الإرهاب» ظهر ما يسمى ب «مارشال للعقل» في العالم العربي في إشارة إلى خطة مارشال لإعادة تعمير أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية. والمقصود بهذه الفكرة التي دعا إليها دينيس ماكشين وزير الدولة البريطاني للشؤون الخارجية، أن يقوم الغرب بتصدير ثقافته إلى العالم الإسلامي.
ويشير البعض إلى أن الصراع المقصود غربياً بين الإسلام والغرب سوف يكون بين الاسلام العربي والغرب، وهذا ما يؤكد عليه مواقف الدول الإسلامية غير العربية منذ حوادث الولايات المتحدة مثل إيران واندونيسيا وباكستان وغيرها والتي اتسمت إما بالحياد «إيران» أوتقديم الدعم لواشنطن «باكستان وإندونيسيا».
ثالثاً: التداعيات الأمنية الداخلية:
ما حدث يوم الحادي عشر من سبتمبر، وما تلاه من «الحرب ضد الإرهاب» والتطورات المصاحبة واللاحقة لها، له تداعياته الأمنية العديدة على الأوضاع الداخلية في الدول العربية أو بعضها من حيث:
الاستقرار وسلامة الجبهة الداخلية.
العلاقة بين الحكومات والقوى السياسية والمجتمعية.
العلاقة بين القوى والتيارات السياسية داخل الدول العربية.
حركة الانفتاح الاقتصادي والسياسي، داخلياً وخارجياً.
الهوية الحضارية والثقافية.
ويمكن إيضاح ما سبق من خلال الإشارة إلى عدة نقاط رئيسية هي:
أ خطورة بروز التيارات المتطرفة:
ما من شك أن أحداث 11 سبتمبر في الولايات المتحدة الأمريكية وما تبعها من تطورات، لها تأثيراتها المباشرة، قصيرة وبعيدة المدى، على التوجهات والقوى المتطرفة في العالم العربي، بمختلف انتماءاتها، من حيث علاقاتها بالحكومات وعلاقة الأخيرة بها، وعلاقاتها ببعضها وبغيرها من القوى والتيارات السياسية فضلاً عن العالم الخارجي.
ولهذا تحدث البعض عن «نهاية المتطرفين» في العالم العربي، بينما تحدث البعض الآخر عن مرحلة جديدة مما أسماه ب «التطرف الإسلامي» كرد فعل على اتهام الإسلام بالإرهاب وملاحقة التيارات الإسلامية في العالم، وهو الاحتمال الأرجح خاصة في ظل الآتي:
الأول: إدانة كل التيارات الإسلامية لمهاجمة أفغانستان، وهو ما قد يدفع التيارات المعتدلة أن تنحو نحو العنف والتطرف انتقاماً لضرب المسلمين في أفغانستان.
الثاني: الفتاوى العديدة التي صدرت من بعض علماء الإسلام مؤكدة على تحريم تأييد أمريكا في حربها ضد دولة إسلامية وبعض هذه الفتاوى أعلن الجهاد ضد الولايات المتحدة.
ب خطر الاحتقانات السياسية الداخلية، وذلك في ظل عدة أمور هي:
1 احتمالات بروز البعد الأمني في تعامل الدول العربية مع التفاعلات السياسية الداخلية بها في إطار إجراءاتها لاحتواء آثار أحداث الولايات المتحدة مما سيوجد حالة من الاحتقان السياسي داخلها الذي ستختلف حدته من دولة الأخرى.
2 وجهت الولايات المتحدة اتهامات للجمعيات الخيرية الإسلامية في الدول العربية، بأنها مصدر غير مباشر لتمويل عمليات الإرهاب، وطلبت من دولها ضرورة مراقبتها وخاصة فيما يتعلق بمصادر تمويلها، وأوجه الصرف الخاصة بها. وتبدو خطورة هذا الأمر من اعتبارين:
الأول: هو كثرة الجماعات الخيرية الإسلامية في العالم العربي والدور الخيري الذي تقوم به داخل دولها وخارجها، والشعبية التي تحظى بها.
الثاني: تمثل هذه الجماعات جزءاً أساسياً من المجتمع المدني أو الأهلي في منطقة الخليج (دول مجلس التعاون تحديداً)، ومن شأن التضييق عليها أن يضر بحركة هذا المجتمع، وربما يدخله في صراعات مع السلطات الحكومية.
3 على خلفية المطالبة بمراقبة نشاط الجماعات الإسلامية والخيرية، في الدول العربية، يمكن أن تحدث بعض الصراعات بين الإسلاميين والليبراليين في هذه الدول، مما يضر بالأمن والسلام الاجتماعيين، ولعل المثال البارز هنا هو الكويت التي يتمتع فيها «الإسلاميون» بنفوذ كبير، سواء في مجال العمل الخيري الاجتماعي، أو العمل السياسي، حيث طالب بعض الليبراليين بها باتخاذ إجراءات رقابية ضد الجمعيات الخيرية الإسلامية مما دعا وزير الخارجية الشيخ صباح الأحمد إلى طمأنة الإسلاميين بأن الحكومة لن تغلق الجمعيات الخيرية «وسيقتصر التوجه الحكومي على إعادة تنظيم الفروع غير المرخصة باشراف وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل» كما أدى الحديث الصحفي لوزير الإعلام والنفظ السابق الشيخ سعود ناصر الصباح والذي طالب فيه الحكومة الكويتية بالشدة تجاه الإسلاميين، إلى سجال سياسي واسع بين الليبراليين والإسلاميين على الساحة الكويتية.
4 اتجهت بعض الدول العربية إلى تشديد قوانين العقوبات بها في إطار المواجهة التشريعية للإرهاب، ويمكن أن يُنظر إلى هذا التشديد من قبل البعض على أنه ضد الحريات خاصة وأن البعض في الإعلام الأوروبي والأمريكي يستخدم لغة تحريضية في حديثه عن بعض الدول العربية وإجراءاتها منذ أحداث سبتمبر مشيراً إلى ما يسميه ب «استغلال بعض الحكومات في العالم العربي لأحداث الولايات المتحدة لتصفية حساباتها مع معارضيها في الداخل».
ج المطالبة بإعادة النظر في مظاهر الانفتاح الداخلي والخارجي التي تميز بعض الدول العربية، بسبب الاتهامات التي وجهت إلى بعضها بأن الانفتاح الكبير على الخارج هو أحد الأسباب التي تشجع على تحرك العناصر الإرهابية بسهولة. وقد زعم بعض الخبراء أن سياسة الانفتاح السياحي والاقتصادي قد حولت إمارة دبي بالإمارات العربية المتحدة مكانا سهلا لعمليات غسيل الأموال.
د إضافة إلى نصيبها من التداعيات الأخرى التي سبقت الإشارة إليها، يمكن الإشارة إلى تداعيات أمنية أخرى خاصة بمنطقة الخليج تحديداً، أهمها الآتي:
1 هناك عدد كبير من القوات الأمريكية في الخليج، يمكن أن تتعرض للعمليات الإرهابية، كما حدث للمدمرة «كول» في اليمن عام 2000، مما سينعكس على الأمن والاستقرار في المنطقة كلها.
2 احتمالات توجيه ضربات عسكرية إلى دولتين من دول المنطقة أو إحداهما، وهما العراق وإيران، وفي هذه الحالة سوف ينعكس ذلك على الأمن الداخلي لدول مجلس التعاون.
3 احتمالات طلب الولايات المتحدة من دول خليجية تسليم بعض رعاياها لمحاكمتهم بها بزعم الضلوع في تفجيرات نيويورك وواشنطن، خاصة وأن أغلبية المتهمين الذين شملتهم القائمة الأمريكية من الخليج، وقد آثار أحد المحللين في هذا الصدد عدة تساؤلات أساسية هي: ماذا لو قدمت الولايات قائمة بأسماء مواطنين يقيمون في دول مجلس التعاون وطالبت بتسليمهم لمحاكمتهم بها؟ وبموجب أي قانون سوف يحاكمون وتحت أي تهمة؟ وما موقف القانون الدولي من ذلك؟.
4 بمنطقة الخليج ملايين المسلمين الآسيويين العاملين في قطاعات مختلفة، ولا شك سيكون للحرب في أفغانستان انعكاساتها عليهم وعلى سلوكهم، خاصة وأن معظهم من باكستان والهند وبنجلاديش، وهذا يرتب مسؤوليات كبيرة على أجهزة الأمن في دول مجلس التعاون.
5 في ظل القلق والاضطراب الشديدين في باكستان من جراء معارضة دعم الرئيس الباكستاني مشرف للولايات المتحدة في حربها ضد أفغانستان، فإن احتمالات اغتيال مشرف أو الانقلات عليه تبدو واردة، وفي حالة حدوث ذلك ربما تقع الأسلحة النووية الباكستانية في ايدي عناصر متشددة وبالتالي احتمالات استخدامها وما لذلك من تداعيات امنية خطيرة على منطقة الخليج، خاصة إذا دخلت الهند على الخط في مواجهة باكستان.
وقد ذكرت مجلة «نيويوركر» الأمريكية يوم 29/10/2001، أن هذا السيناريو مثار قلق جدي داخل الولايات المتحدة، وأن عناصر عسكرية أمريكية تتدرب مع فرقة كوماندوز إسرائيلية استعداد للاستيلاء على السلاح النووي الباكستاني للحيلولة دون وصوله إلى أيدي متشددين في حالة اغتيال أو سقوط برويز مشرف على أيدي عسكريين مؤيديين لطالبان.
وقد تعمد المخابرات الأمريكية ذاتها إلى التخلص من مشرف بعد أن يقدم كل ما يستطيع تقديمه من خدمات لها في إطار ما يعرف باسم سياسة «الليمونة المعصورة»، ولذلك لايجاد المبرر للسيطرة على السلاح النووي الباكستاني.
ويثير ما سبق الإشارة إليه من تداعيات أمنية، ملاحظتين ختاميتين هما:
أ من الضروري أن تقوم المؤسسات الدينية الرئيسية في العالم العربي والإسلامي، بدورها في صياغة خطاب ديني إسلامي ينفي عن الاسلام تهمة الارهاب، ويصحح الكثير من المفاهيم امام العالم، فقد اثبتت احداث 11 سبتمبر، انه على الرغم من المراكز الإسلامية العديدة المنتشرة في انحاء مختلفة من اوروبا وامريكا واسيا، فإن الامريكيين والاوروبيين لا يعرفون شيئا عن الاسلام، وبالتالي يصدقون كل ما يقال لهم عنه، ولعل نفاد نسخة المصحف المترجم في فرنسا بعد ايام من احداث الولايات المتحدة، يؤكد على هذا الامر، ولكنه يشير الى ان شعوب العالم اصبحت الآن مهيأة اكثر من اي وقت مضى لان تعرف وتسمع وتقرأ عن الإسلام، ولكن المهم هو ما هو الذي ستقرأه وتعرفه وتسمعه خاصة وأن الخطاب الديني الإسلامي لم يكن منسجما خلال الفترة القصيرة الماضية في التعاطي مع حوادث امريكا والتحالف الدولي ثم حرب افغانستان.
ب إن أكثر مظاهر الخطر التي يمكن أن تنتج من أحداث الولايات المتحدة تنبع من أسلوب تعامل بعض الحكومات العربية مع التيارات الإسلامية بها، وأسلوب التعامل بين التيارات الإسلامية وغيرها من التيارات الأخرى، وهذا يقتضي وضع الوحدة الوطنية وسلامة النسيج الداخلي فوق كل اعتبار في كل دولة عربية على حدة، سواء من قبل الحكومات أو التيارات السياسية.

أعلـىالصفحةرجوع

















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved