أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Monday 5th November,2001 العدد:10630الطبعةالاولـي الأثنين 20 ,شعبان 1422

مقـالات

حتى لا تتحول الحرب في أفغانستان إلى صدام حضاري
د. عبدالله بن سالم الزهراني
دخلت الحرب في أفغانستان أسبوعها الرابع على ما يعتقد أنهم إرهابيون، وعلى ذلك البلد الذي يعتقد أنه أنه ملجأ للإرهاب، وعلى حكومة ذلك البلد التي يعتقد أيضا أنها تأوي وتساند من يعتقد أنهم دبروا الهجوم على برجي التجارة العالمية ووزارة الدفاع الأمريكية.. ورغم مرور ذلك الوقت إلا أنه لم تظهر أي مؤشرات أو دلائل أو بوادر لنجاح تلك الحملة العسكرية الأمريكية التي تشن على أفغانستان تحت مسمى شعارات عديدة منها القضاء على الارهاب والعدالة وكل ذلك باسم التحالف الدولي. إن هدف الحرب المعلن هو القضاء على الإرهاب من جذوره ونشر العدالة. مع إضافة هدف ثانوي هو القضاء على زراعة المخدرات وتجارة المخدرات وهذا الهدف مطروح من قبل رئيس الوزراء البريطاني بشكل خاص.
الصراع بين الحضارات قديم قدم تواجد البشرية وتواجد الحضارات المختلفة، وقد كان هذا الصراع يتخذ أشكالا عديدة منها المنافسة على التجارة والمناوشات أحياناً.. الصراع بين الحضارة الفينيقية والإغريقية كان قويا والمنافسة على السيطرة على التجارة في البحر المتوسط كان قويا واستمر لقرون عديدة ولكنه لم يتخذ أشكال العنف والصدام الحضاري.
الفينيقيون كانوا تجاراً ما هرين وكانوا في نفس الوقت بحارة ماهرين رغم أنهم لم يكونوا بذلك العدد الكبير في سكانهم، لم يحاولوا الدخول مع الحثيين والآراميين والفلسطينيين الذين كانوا يجاورونهم على اليابس من الشرق والشمال والجنوب، ولذلك اتجهوا للبحر. كانوا الأمة الأسبق لخوض عباب البحر والإبحار فيه ليلا ونهارا والاهتداء بالنجم القطبي بينما كان الإبحار للأمم من قبلهم يقتصر على النهار وبالقرب من السواحل لم يتركوا خرائط ولم يفصحوا عن طرقهم ولا عن أسرارهم واستطاعوا أن يقيموا العديد من المستعمرات في البحر المتوسط في صقلية ومالطة وكورسكا وسردينيا ولعل أشهرها قرطاجة. وعندما قامت الحضارة الرومانية في روما كانت النزعة الهجومية والعدوانية واضحة، ولذلك اختارت الصدام مع الفينيقيين وخاضت حرباً معهم انتهت بتدمير قرطاجة في عام 149ق.م ليصبح البحر المتوسط بحيرة رومانية، ثم جاءت بعد ذلك الحضارة الإسلامية واتسعت الدولة الاسلامية شرقا وغربا وحصل الصدام مع الحضارة الفارسية والرومانية رغم ان الدعوة إلى الإسلام كانت بالتي هي أحسن وبالموعظة الحسنة ولكن الفرس والرومان كانوا دائما يحاولون استباق الأحداث ويهاجمون المسلمين مما دفع المسلمين إلى المواجهة ودعوة الناس للإسلام ولكن لم يكن بالإكراه فمن يرغب في البقاء على دينه فقد كانت هناك شروط معينة وميسرة ولعل أهم مافي الأمر التأكيد على أمن غير المسلمين في ديار المسلمين. امتدت الدولة الإسلامية وازهرت حضارتها بكل جوانبها السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية في عهد الخلافة الأموية والعباسية حتى جاءت الخلافة العثمانية لتشمل كل البلاد العربية تقريبا ولكن الخلافة العثمانية تأرجحت مع تعاقب خلفائها بين القوة والضعف.
الخلافة العثمانية كانت تسيطر على طرق التجارة العالمية بين الغرب والشرق سواء كانت الطرق البرية التي تمر عبر بلاد الشام ومن تركيا او الطرق البحرية عبر الخليج العربي أو البحر الأحمر وبر مصر. إن هذا الوضع لم يكن ليعجب الامبراطوريات الغربية في ذلك الوقت رغم أن التجارة كانت تمر بحرية وإن لم يكن الأمر يخلو من بعض القرصنة التي لم يكن للخلافة العثمانية دور فيها بل إنها كانت تحرص على تأمين طرق التجارة بحرية وبرية. منذ منتصف القرن الخامس عشر الميلادي شرع الأوربيون في الكشف الجغرافي وكان الهدف جليا وواضحا منذ بدايات هذا الكشف الذي بدأ بسواحل افريقيا الغربية عن طريق البحارة والمكتشفين البرتغاليين ألا وهو الابتعاد عن الطرق التي تمر بالخلافة الإسلامية.
بدأ كرستوفر كولمبس رحلاته الاستكشافية عام 1492ه ميلادية من اسبانيا بمباركة الملك فرديناند وزوجته إيزابلا بعد أن رفض طلبه من قبل ملك البرتغال في القيام بتلك الرحلات الاستكشافية ولم يمدوه بالسفن ولا بالرجال إلا انه تلقى هذا الدعم والمباركة من اسبانيا.
كان الهدف الظاهر من هذه الرحلة هو الوصول الى الشرق عن طريق الاتجاه غربا على اعتبار أن الارض كروية ولكن الهدف الحقيقي والفعلي هو محاولة اكتشاف طريق جديد يوصل بين أوروبا وجنوب شرق آسيا حيث التوابل في جزر الهند الشرقية (إندونيسيا) التي كانت تشكل اساس التجارة بين الشرق والغرب في ذلك الوقت إلا انه في الحقيقة لم يتمكن من ذلك رغم رحلاته الخمس التي لم ينتج عنها سوى اكتشافه لجزر البحر الكاريبي وأمريكا الوسطي وسواحل أمريكا الجنوبية وعندما اكتشف جزر البحر الكاريبي ظن انه وصل لجزر آسيا ولذلك اطلق عليها فيما بعد اسم (جزر الهند الغربية) لم تتوقف الاكتشافات التي تهدف إلى الابتعاد عن طرق التجارة عبر أراضي الخلافة العثمانية ولذلك تمكن فاسكو ديجاما البحار البرتغالي من الابحار عبر غرب افريقيا وذلك عام 1497م وعبر من جنوب افريقيا ثم إلى سواحل افريقيا الشرقية ليتمكن من الوصول الى كلكتا شمال غرب الهند وكان ذلك بمساعدة البحار الحربي المشهور أحمد بن ماجد وبذلك تمكن من كشف طريق جديد للتجارة الذي عرف منذ ذلك الوقت بطريق رأس الرجاء الصالح.
إن ذلك كله كان في إطار الصراع والتنافس الذي لم يرق حتى ذلك الوقت الى درجة الصدام بين الامبراطوريات الغربية والخلافة العثمانية. لكن الأمر بدا ينحو في ذلك الاتجاه حيث بدأت امبراطوريات أخرى تدخل الى حلبة المنافسة من أجل الكشوف الجغرافية.. وجاءت هذه المنافسة القوية للبرتغاليين والاسبان من قبل البريطانيين قبل ان تدخل بريطانيا لهذه المنافسة تقدمت اسبانيا بطلب الى البابا الاسكندر السادس لإصدار مرسوم يمنح الاسبان الحق في السيطرة والسيادة على ما يكتشفونه من أراض كما يمنع البرتغاليين من منافستهم وبالفعل صدر المرسوم عام 1493م بحيث ان ما يكتشف غرب منطقة في المحيط المتوسط والواقعة على مسافة 300كم من الرأس الأخضر في افريقيا يكون تابعا للاسبان وما شرق هذه النقطة يكون تابعا للبرتغال، وعدل هذا المرسوم ليصبح خط طول 47 غربا هو الحد الفاصل بين مكتشفات الاسبان والبرتغال بحيث يكون للاسبان الحق في الكشف عن اراض غربه بينما يكون للبرتغاليين حق الكشف شرقه، وهكذا ظهرت المستعمرات الاسبانية بشكل أكبر في أمريكا الجنوبية وأمريكا الوسطى وسيطرت على أجزاء واسعة في أمريكا الشمالية بينما البرتغال كان لهم النصيب الأكبر من المستعمرات في افريقيا وفي جنوب شرق آسيا حيث استعمرت البرتغال اندونيسيا والعديد من الجزر هناك، ولكن فيما بعد تمكنت من استعمار أكبر دولة في أمريكا الجنوبية الا وهي البرازيل. على كل حال كان ذلك صراعا تنافسيا بين البرتغاليين والاسبان ولم يصل الى حد الصدام الحربي. دخلت بريطانيا معترك الكشوف واتجهت غربا إلى أمريكا الشمالية وبدأت تصطدم بالبحارة الاسبانية وجرت قرصنة بريطانية على نطاق واسع ضد السفن الاسبانية وبدأت الدماء تسيل خلال القرن السادس عشر الميلادي بين الجانبين في المحيط الأطلسي وكانت اليد الطولى دائما للبريطانيين وتمكنت بريطانيا من الوصول إلى أمريكا الشمالية وأعقبهم الهولنديون والألمان وغيرهم انتهى هذا الصراع بمعركة رمادا بين الاسبان والبريطانيين في بحر الشمال والذي هزم فيها الاسطول الاسباني هزيمة كبيرة.
انتقل الصراع الى الشرق وبدأ بين البرتغاليين والانجليز حيث بدأ البرتغاليون في الوصول الى أطراف الجزيرة العربية من الجنوب ولم يرض ذلك الانجليز ولم يتمكن البرتغاليون من وضع موطئ قدم لهم وبشكل مستمر في هذه المنطقة الا ان الانجليز بدأوا بالتحرش في الخلافة العثمانية، وانتقل الأمر من مرحلة الصراع والتنافس الى مرحلة الصدام وتمكن البريطانيون من السيطرة على الساحل الجنوبي المطل على بحر العرب وعلى الساحل الغربي للخليج العربي الذي عرف فيم بعد باسم المحميات. وهكذا بدأ الصراع مع الخلافة العثمانية التي بدأت تضعف اداراتها وتسوء خدماتها ويزداد قمعها في البلاد العربية حتى أصبحت الدول العربية المنضوية تحت الخلافة العثمانية التفكير في التمرد وتدخلت القوى الاستعمارية الفرنسية والبريطانية في التأليب على الثورة على الخلافة العثمانية والوعد بالمساعدة من هاتين الدولتين والوعد بالاستقلال، قامت الثورة العربية وانتهت الخلافة العثمانية ولكن ليحل محلها الاستعمار الفرنسي الذي تقاسم الاستعمار للدول العربية بمقتضى اتفاقية سايكس بيكو لتدخل الدول العربية في صراع ضد الفرنسيين والبريطانيين حتى تم الاستقلال تباعا للدول العربية التي كانت مستعمرة من قبل هاتين الدولتين.
الصراع لم ينته في الحقيقة لأن بريطانيا غرست جسما غريبا في قلب الوطن العربي من خلال الوعد المشؤوم لوزير خارجية بريطانيا عام 1917م الذي تمثل في إنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين الذي تحقق باعلان الدولة اليهودية عام 1948م.
صدام العالم العربي مع الدولة اليهودية مستمر من ذلك الوقت وشهد أربع حروب رئيسية في الأعوام 1948 و1956م حيث العدوان الثلاثي على مصر من قبل فرنسا وبريطانيا والدولة اليهودية في فلسطين المحتلة ثم عدوان عام 1967م من قبل اليهود على مصر وسوريا والأردن ثم حرب عام 1973م التي ردت للعرب بعضا من هيبتهم واعتبارهم، والحقيقة ان الصدام هو مع اليهود في فلسطين المحتلة ولكنه في الحقيقة يظل صداما خفيا مع الدول المؤيدة للظلم الصهيوني.
إن ما حدث في نيويورك من هجمات ارهابية إذا ثبت ان منفذيها هم من ذكرت أسماؤهم من جنسيات مختلفة في بلدان عربية وإسلامية فإن ذلك يعود إلى التجاهل الامريكي لما يحدث من ظلم وقمع في فلسطين المحتلة وما يحصل من محاصرة لدول عربية أخرى عديدة من الدول العربية بمباركة الولايات المتحدة وتهديد تلك الدول بين تارة وأخرى بل مهاجمتها أحيانا مثل ذلك يفرز مثل هؤلاء الارهابيين.
إن إفراز مثل هؤلاء في مجتمعات مختلفة في دول عربية وإسلامية ليس كما تدعي أمريكا وغيرها هو نتيجة للبيئة التعليمية الدينية في تلك الدول وإنما بسبب أمريكا نفسها من خلال سياساتها المتحيزة في فلسطين لا أحد في الدول الإسلامية عربية وغير عربية يؤيد الارهاب حيث إن الارهاب مرفوض من اساسه في تعاليم الدين الإسلامي ولكن التصرفات الفردية من الصعب التحكم فيها والحكم عليها حكما تعميميا يطال من ينتسب اليه هؤلاء.
في نفس الوقت ليس هناك من يؤيد سياسة أمريكا المتحيزة في قضية فلسطين كما ان العراق ارتكب جريمة وعملا عدوانيا ضد الكويت واحتل دولة بكاملها وشرد سكانها ووقف الجميع ضد ذلك التصرف العدواني وطرد من الكويت. ثبت أن لدى العراق أسلحة دمار شامل وأيدت الدول إزالة ومراقبة تلك الأسلحة وقد نفذت القرارات الدولية على العراق، وهذا شيء جيد في الوقت الذي لم يتم تطبيق أي قرار من القرارات التي تجاوزت 80 قراراً صادرة عن الأمم المتحدة متعلقة بالقضية الفلسطينية ولم يتم أي نوع من الضغط على إسرائيل كما ان إسرائيل تمتلك أسلحة دمار شامل ولم يتم اصدار قرار بالتفتيش عليها ومراقبة برامجها النووية.
إن الوضع اصبح ينذر بخطر صدام للحضارتين الإسلامية والغربية إذا استمر تجاهل نداءات العقل والحكمة.
الوضع في باكستان يغلي وينذر بالخطر لما يرونه ويشاهدونه ويلمسونه من هذا التدمير العشوائي وقتل الأبرياء فيما لا تعرف أمريكا الأماكن التي يتواجد فيها الارهابيون.
إنا ما يخشى هو أن يتطور هذا الصراع إلى حرب كونية وخاصة في تجاهل شعور أكثر من مليار مسلم بل أغلب سكان الارض الذين بالتأكيد لا يؤيدون مثل هذه الهجمات على المدنيين في أفغانستان.
إن هذه الهجمات بدأت تظهر وكأنها انتقام من كل من يعيش على أرض أفغانستان حيث شرد الملايين وأصبحوا بين عشية وضحاها بلا زاد ولا مأوى.
ولذلك فإن المطلوب هو اعادة النظر في هذه الهجمة التي طالت حتى الآن المدنيين الذين لا حول لهم ولا طول بينما يظل من تسعى وراءهم أمريكا بعيدا عن هجماتها.
إنه إذا لم يتم اعادة النظر في الطريقة التي تعالج بها هذه الأزمة فإنه من المحتمل أن يصعب السيطرة على انعكاساتها التي قد تتشعب وتفرز نوعا جديداً من الإرهاب.
zahi2000@hotmail.com

أعلـىالصفحةرجوع
















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved