أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Thursday 15th November,2001 العدد:10640الطبعةالاولـي الخميس 30 ,شعبان 1422

مقـالات

ضحى الغد
ماذا قال الشاهد الوحيد؟
عبدالكريم بن صالح الطويان
* في ليلة غاب عنها القمر، شقت طائرة ركاب مدينة عملاقة أجواء المحيط الأطلسي، الظلام يلف كل شيء سماء وماء وقرية مزدحمة بالسكان مكتملة المرافق، تسبح في الفضاء إلى حيث محطة الوصول المقرر لها!
وفجأة يحدث الزلزال الفجائي، وتهوي الطائرة بسرعة تتجاوز سرعة الصوت، ثم ترتفع ثم تهوي مرة أخرى متناثرة على مساحة واسعة من المحيط!
لم تكن لحظات الزلزال سوى ثوان معدودة، ربما لم تتجاوز الستين ثانية، ما الذي جرى في هذه الثواني التي مرت على سكان هذه القرية الجوية المحلقة وكأنها سنوات متسارعة، لا أحد يخبرنا عنها سوى «الصندوق الأسود» الذي كان شريطه المسجل هو الشاهد الوحيد لأحداث هذه الثواني الأخيرة لسكان هذه القرية!
يقول الخبر كما روته الصحف المحلية والعربية: «خلال الثلاثين ثانية الأخيرة حين بدأت الطائرة تهوي، كانت هناك أصوات استغاثة بالله من الركاب وقراءة القرآن وصراخ «إما صوت فتاة صغيرة أو سيدة يُرجح أن تكون مضيفة الطائرة» لارتفاع صوتها بالصراخ عن الآخرين، بعدها جاء صوت الكابتن يقول: «اللهم فوضت أمري إليك يا رب» بصوت فيه يأس واستغاثة، هذا ما استطعنا الحصول عليه من نص الشريط».
سبحان الله العظيم، والإنسان على حافة يقين الموت، فضاء وبحر وطائرة تهوي في هذه اللحظات القصيرة التي تعبر كالبرق يتلوه قصف الرعد، يتذكر المخلوق خالقه، يتذكر الإنسان بقوة وبشدة «الله رب العالمين» خالق الكون والإنسان والحياة مُصرف السحاب ومُسخر الرياح حامل الإنسان في البر والبحر والجو، في هذه الثواني السريعة والقصيرة جداً لا ملجأ من الله إلا إليه، لا استغاثة إلا به، ولا توجه إلا إليه، ولا دعاء مخلص إلا له، يا رب رحمتك، يا رب غوثك، يا رب لطفك، ويتذكر الإنسان في هذه الثواني الغاربة من الحياة والأخيرة من العمر كلام الله وكتابه، فيعود إلى كلام الله ليقرأه، ليتقرب إلى الخالق بآياته، ليلحق على فرصة ثمينة من الحياة قبل الموت، فيقرأ آية قد لا يكملها أبداً! وسبحان الله لطالما مرت السنون والإنسان غافل عن القرآن، لكنه في الثواني الأخيرة والموت يفغر فاه، يتدارك هذه الفرصة قبل الموت والفوت!
فالله أكبر ما أكثر غفلة الإنسان عن خاتمة مصيره ينسى النهاية الفاجعة التي تقطعه من الحياة والتي قد تحدث فجأة من غير توقع ولا استعداد، تحدث له فيرحل سريعاً غير منتفع ولا مستفيد من عمر مديد عاشه في الدنيا وقد امضاه في لهو وغفلة، نسي الله فيه لم يتذكر النبع المعين كتاب الله فينهل منه الإيمان والتقوى، ولم يقدم لآخرته عملاً صالحاً يلقاه عند عرض الأعمال! لقد ألهاه الشيطان، وغره الغرور، وشغله المال والأهل والولد عن طاعة الله، وكتاب الله، والعمل الصالح، فلما رأى الموت زلفة تذكر أن ما أضاعه كان هو الثمين، وأن ما حرص على جمعه كان هو السراب!
إن في خبر هذا الشريط المسجل الذي يُسجل أصوات ركاب هذه الطائرة في آخر ثواني عمرهم ليكشف لنا بوضوح حقيقة إنسانية ينساها الإنسان، ألا وهي الاستعداد للحظة نغادر فيها فجأة الحياة، حيث ينطفئ النور، وتغمض العين، وتخرج الروح، ويبقى الجسد «جثة» تتهيأ للغسل والصلاة والدفن!
إن هذه اللحظة الأخيرة من حياة كل إنسان لابد من حدوثها في زمن «ما» ومكان «ما» وسبب «ما» وقبل هذه اللحظة ثمة فرصة ثمينة للإنسان، عليه ان ينتهزها ويغتنمها ويُقدر قيمتها وذلك بالاستعداد ليوم المعاد بالعمل الصالح وبالطاعة الكاملة لله، وأخذ النصيب الوافر والحظ الكامل من كتاب الله تلاوة وحفظاً وتدبراً وعملاً به قبل حلول الموت وانقصاف العمر، والرحيل المفاجئ من دار الممر إلى دار المقر الأخير!
بريدة، ص.ب: 10278

أعلـىالصفحةرجوع



















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved