أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Sunday 18th November,2001 العدد:10643الطبعةالاولـي الأحد 3 ,رمضان 1422

مقالات في المناسبة

عقدان من نور
د. أحمد بن محمد السناني
يسجل كتاب «فكر القائد» في فصل له بعنوان: «في لحظة ميلاد» حقيقة أن نبوغ خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز حفظه الله مذ كان ابن الثانية عشرة كان ملحوظاً وكان بإصراره على الالتصاق بالوالد المؤسس الملك عبدالعزيز طيب الله ثراه والنهل من معينه الصافي قد اكتسب وألمَّ بخفايا الحكم ووسائله مما حدا بالوالد المؤسس أن يسمح له استثناءً بحضور مجلسه الخاص المسمى ب«المختصر» والذي كان يؤمه بشكل دائم النجلان المغفور لهما بإذن الله الملك سعود والملك فيصل. واستطاع خادم الحرمين الشريفين حفظ الله «من خلال معايشته لمجلس الكبار أن يفهم ويستوعب ويتعرف على طرق تسيير شؤون الحكومة وعلى الأساليب الصحيحة والحكيمة في تسوية الخلافات القبلية ومعالجة المشكلات الإنسانية بعدما اكتسب خبرة تامة بعادات القبائل ومعرفة الرجال والشخصيات وهو ما كان له أكبر عون حينما عُيِّن فيما بعد وزيراً للداخلية». وكان عمره يحفظه الله آنذاك خمسة وعشرين عاماً.
وبعد أن شيّد القائد الهمام الملك عبدالعزيز رحمه الله أسس الدولة السعودية الثالثة ورسّخ كيانها، قاد أبناؤه سعود وفيصل وخالد رحمهم الله جميعاً مسيرة تقدم البلاد وواصلوا قيادة الدفة وأداروا سيادة البلاد ومصالحها بحكمة وحنكة مشهورة، إلى أن تسلم الأمانة خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز حفظه الله في 21 شعبان 1402ه الذي قاد مرحلة جديدة لا نظير لها من تحديث البلاد وترسيخ زعامتها في العالمين العربي والإسلامي وتأثيرها الفاعل على المسرح الدولي. وقال حفظه الله في أول خطاب له يجسد فلسفته في الحكم وتطلعاته لبناء سعودية الغد ما يلي: «إنني أشعر بعظم المسؤولية، وبثقل الأمانة التي شاء الله أن أحملها، راجياً منه جلَّ وعلا أن يعينني عليها. وإنني أعاهد الله ثم أعاهدكم بأن أكرس كل جهدي ووقتي من أجل العمل على راحتكم، وعلى توفير الأمن والاستقرار لهذا البلد العزيز، وأن أكون أباً لصغيركم، وأخاً لكبيركم، فما أنا إلا واحد منكم يؤلمني ما يؤلمكم ويسرُّني ما يسرُّكم».
وبهذه الكلمات الموجزة والعميقة والمعبرة رسم خادم الحرمين الشريفين منهج حكمه، هذا المنهج الذي في قمة اهتماماته راحة المواطن ورفعته واستقرار الوطن وازدهاره.
وقد أولى خادم الحرمين الشريفين حفظه الله خلال العقدين الماضيين بناء الوطن وترسيخ أسس النماء غاية عنايته... ووضع لتحقيق هذا الهدف جلَّ جهده واهتمامه حتى تنطلق التنمية الشاملة إلى الآفاق البعيدة المرسومة من فوق مرتكزات ثابتة من الإيمان والعلم، ومن التخطيط والتبصر السليم.
فدفع حفظه الله عجلة التعليم في المملكة منذ شرفت وزارة المعارف بقيادته الفذة، وذلك على هدي من الشريعة الإسلامية الغراء والسنة النبوية المطهرة، وحسب آخر ما تفتقت عنه الذهنية البشرية من فتوحات في شتى العلوم والمعارف والآداب وبما يتماشى مع الثوابت، فأمر حفظه الله بإقامة الجامعات والمعاهد المتخصصة والمراكز الثقافية في داخل البلاد وخارجها، ولم تدخر البلاد وسعاً بقيادته التاريخية حفظه الله حيث بذلت كافة إمكاناتها في الوفاء بالأمانة وحمل المسؤولية في خدمة حجاج بيت الله الحرام عن طريق توسعة الحرمين الشريفين، كما حرص حفظه الله شخصياً على توفير الأمن والصحة والطمأنينة للحجاج وتيسير أدائهم لمناسكهم عن طريق جعل سبل الراحة والتنقل ميسورة تقديراً لازدياد أعدادهم عاماً بعد عام، حتى أصبح المسجد الحرام يستوعب أكثر من مليون مصلٍّ، ونحو المليون مصلٍّ بالنسبة للمسجد النبوي الشريف بالمدينة المنورة، ناهيك عما يتفيأ ظلاله الوافدون إليها من أمن وأمان وراحة واستقرار.
ويذكر يحفظه الله في كل مناسبة أن: «عمارة الحرمين الشريفين ورعايتهما هما من أحب الأمور وأشرف الأعمال إلى نفسه». كما امتدت رعايته الكريمة لتشمل بناء المساجد والمراكز الإسلامية في شى أصقاع الأرض ولا تكاد تمر أيام إلا وينشأ مركز هنا ومسجد هناك في أرجاء المعمورة على نفقته الخاصة، جعل الله هذه الأعمال الصالحة في ميزان حسناته آمين.
وفي عهد خادم الحرمين الشريفين صدرت الأوامر الملكية الكريمة بالنظام الأساسي للحكم، ونظام مجلس الشورى، ونظام المناطق، ثم نظام مجلس الوزراء، ونظام الوزراء وما تبعها من تطوير وإتاحة كافة الفرص لمشاركة الكفاءات الوطنية في كل مجال لخدمة وطنهم، وذلك تتويجاً للإنجازات المبهرة التي تحققت على يده حفظه الله في مجال التعليم بكافة مستوياته، وبالأخص أمره الكريم والواعي بتوسيع البعثات الدراسية إلى الخارج وعلى نفقة الدولة.
ولقد جاءت الأنظمة آنفة الذكر مع ترسيخ الممارسة الثابتة والتقليد الأصيل لسياسة «الباب المفتوح» التي انتهجها أبناء عبدالعزيز على خطى الوالد المؤسس لترسم طريق الدولة الفتية وتقوِّي من انطلاقتها وهي تدخل القرن الواحد والعشرين بعزم وثبات.
ومن نافلة القول إن إنجازات عقود تنموية ذهبية لا يمكن أن تختزل في مقالة وجيزة كهذه، كما أن أي كتاب مهما تعددت صفحاته لا يمكن أن تحيط بكل الحقائق والشواهد المنظورة وغير المنظورة التي تحققت على أرض الواقع.. ذلك أن منجزات خطط التنمية ومكتسباتها وبالأخص خلال العقدين الذهبيين الأخيرين تمثل دفقاً تراكمياً متصلاً ومترابطاً يجمع بين الكم والكيف.. وتتعمق آثار هذه المنجزات في نسيج المجتمع السعودي من بحره إلى خليجه ومن شماله إلى جنوبه وتترجم إلى عطاء فياض يستمد قوته وأصالته من إيمان لا يتزعزع بالله سبحانه وشرعه القويم.. ومسيرة التنمية في بلادنا تعدُّ كتابة جديدة للتاريخ التنموي، حيث إن الخصوصية التنموية السعودية كانت نتاجاً لتفاعلات الدين الإسلامي أساسها المتين، ثم جاءت المكتسبات الثقافية والعلمية الحديثة، التي أشعل شرارتها أجدادنا الأوائل من علماء المسلمين وغرست في شرايين أبناء الوطن بالوراثة، وعبر امتداد عقود من التوجيه والتعليم والتدريب والتأهيل الذي أغدقت عليه حكومة خادم الحرمين الشريفين ولا تزال بكرم مشهود. هذه الروافد المعرفية والتعليمية وآخرها «الإنترنت» منحها خادم الحرمين الشريفين الأولوية القصوى منذ كان حفظه الله وزيراً للمعارف في عام (1373ه). ويعتز حفظه الله برعاية العلم والعلماء منذ ذلك الوقت المبكر في حياته العملية قائلاً: «لقد كان من أفضل أيامي التي أعتز بها في الماضي والحاضر وفي المستقبل تلك الفترة التي شرَّفني الله فقمت فيها بأعمال وزارة المعارف». وهذه الإشارة توضح ما يتمتع به خادم الحرمين الشريفين من بُعد نظر وتفاؤل بأبناء هذا الوطن وما لديهم من قدرات وإمكانات فكرية. فعمل حفظه الله منذ ذلك الوقت البعيد على تهيئة السبل لتطوير الإنسان السعودي في الداخل والخارج وذلك ليكون قادراً على إدارة دفة بلاده بنفسه، وهو ما تحقق بحمد الله.
وتبقى الإشارة أخيراً إلى واحد من أهم الإنجازات خلال العقدين الذهبيين الماضيين ذلك أن كل ما يجري على أرض الوطن، قد وضعت له كل ضمانات الاستمرار والبقاء، وبسطت أمامه كل سبل التطور والنماء، وعززت من أجله قوى الأمن والدفاع، يصون هذا كله توجه إسلامي شمولي يقوم على الحفاظ على مبادىء الشريعة الإسلامية السمحة وترسيخها، وعلى خدمة كل قضايا الإسلام والمسلمين فيما يعطي سمواً روحانياً لجسد البناء الحضاري، وأن المملكة بدورها الفاعل في قضايا الإنسان، وسط منظومة المجتمع الدولي، بدءاً من مواقفها المشرفة في إعانة المحتاج، وإغاثة الملهوف وانتهاءً بانتصارها لقضايا الحق والعدل، وما تبوأته في ذلك من مكانة قد أعطت لمعطيات وجودها في التنمية ولإرادة المواطن السعودي وإصراره على الفعل والبذل والتميُّز احتراماً وتقديراً يستمدان ركيزتيهما من احترام وتقدير المملكة العربية السعودية وقيادتها الرشيدة تحت رعاية رائد النهضة السعودية الحديثة خادم الحرمين الشريفين يحفظه الله وإخوانه البررة.
حفظ الله رائدنا خادم الحرمين الشريفين وأمدَّ في عمره وأيده بنصر من عنده، «وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون». صدق الله العظيم.
* وكيل وزارة المعارف المساعد لشئون المعلمين

أعلـىالصفحةرجوع




















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved