أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Sunday 18th November,2001 العدد:10643الطبعةالاولـي الأحد 3 ,رمضان 1422

وَرّاق الجزيرة

قراءة في كتاب المجمعة وحِرْمة من العصر الجاهلي إلى العصر الحاضر
د. فهد بن عبدالله المزعل - المدينة النبوية
تأريخ مدينة المجمعة غني بالأحداث وسير الرجال، إلا أنه لم يدون منه إلا القليل، وفي الوقت الحاضر صدرت بضعة مؤلفات ترصد بعض جوانبه، ومن آخرها كتاب بعنوان: (المجمعة وحرمة من العصر الجاهلي إلى العصر الحاضر) للاستاذ عبدالعزيز بن ابراهيم الحقيل، وقد بذل فيه جزاه الله خيرا جهدا يذكر له فيشكر عليه، وخلال قراءتي له بدت لي بعض الاستدراكات، فأحببت التنبيه عليها راجياً من الله تعالى أن ينفع بها، إنه جواد كريم، وهو حسبنا ونعم الوكيل.
الاستدراك الأول: يتعلق بتاريخ بناء سور البلد، ونشأة: حي باب البر.
فقد نقل الاستاذ الحقيل في ص 23 27 بخصوص هذا كلاما مطولا عن الاستاذ محمد بن حمد الهدلق في كتابه: مدينة المجمعة دراسة في جغرافية العمران الحضري. والذي يحتاج إلى تنبيه منه أمور:
الأول: عدم جزمه بوجود (سور للبلد قبل أوائل القرن الرابع عشر. وهذا يرده الواقع التأريخي، ويوجد حدثان يؤكدان ذلك، أولهما وقع في أواخر النصف الأول من القرن الثالث عشر، وهو محاصرة الإمام تركي بن عبدالله رحمه الله للبلد، فيذكر المؤرخ ابن بشر رحمه الله في حوادث سنة 1239ه: أن الإمام تركي كتب إلى مزيد بن حمد بن عثمان رئيس بلد المجمعة يدعوه للطاعة والجماعة فلم يجبه، فاستنفر أهل سدير فقصده في بلده، فحاصره ساعة من نهار، فظهر إليه الشيخ العالم القاضي عثمان بن عبدالجبار، ومعه رجال من رؤساء البلد، وبايعوه وصالحوه على البلد ودخلها تركي، وأخرج مزيد من القصر(1) ا. ه المقصود.
الحدث الثاني وقع في نهاية النصف الثاني من القرن الثالث عشر، وهو محاصرة الإمام عبدالله بن فيصل رحمه الله للبلد سنة 1299ه، وكان من أسباب عدم تسليم البلد أنها محاطة بسور منيع(2).
ومن وجه آخر أيضاً: أن المستفيض والمتواتر عند كبار السن من أهل البلد أن مسجد باب البر أمر ببنائه الإمام فيصل بن تركي، المتوفي سنة 1282ه، رحمه الله.
وهذا المسجد يقع خارج سور البلد الأول من الجهة الجنوبية، مقابلا لبوابة باب البر، ويبعد عنها نحو ثلاثة عشر متراً؛ فالبلد إذن في هذا الوقت كان محاطاً بسور له بوابات، والعمران قد امتد خارج نطاقه.
فهذه الأحداث والوقائع تؤكد بأن البلد خلال القرن الثالث عشر كان محاطاً بسور منيع، وأنه لا مندوحة من الجزم بذلك وترك الاحتمال.
الأمر الثاني: يتعلق بتاريخ نشأة حي باب البر.
فالأستاذ الهدلق، كما نقل عنه الأستاذ الحقيل، اعتبر أن هذا الحي ما نشأ إلا أوائل القرن الرابع عشر.
والصواب: أن نشأته قبل هذا الزمن بنحو قرن من الزمان، وفي الكلام المتقدم آنفاً عن تاريخ تأسيس مسجد باب البر ما يؤكد ذلك.
وبرهان آخر أيضاً: وهو وثائق بيوتات هذا الحي، فتاريخها يدل على انه كان قائما خلال القرن الثالث عشر، ومنها وثيقة مضمونها الإفتاء بجواز بيع بيت موقوف قد خرب وتعطلت منافعه، مؤرخة في ذي القعدة سنة 1289ه، صادرة عن قاضي البلد في زمنه الشيخ إبراهيم بن محمد العتيقي، وجاء في أولها ما نصه: «بسم الله الرحمن الرحيم وجه تحريره، بأنه قد ثبت عندي بالبينة المرضية، بأن دار سليمان الحيلي، الكائنة في سوق السِّعران من محلة باب البر من قرية المجمعة، أنها خاربة متعطلة النفع، ما يتأتى منها للأضحية الموقوفة لسليمان شيء، فأفتيت بجواز بيعها، وصرف ثلثي ثمنها فيما يكافىء الأضحية للمصلحة.. وجاء في آخر الوثيقة ما نصه شهد على ذلك عبدالله بن صقير، وأحمد بن آدم، وشهد به وأملاه إبراهيم بن محمد العتيقي، وكتبه عن أمره حمد بن عبدالعزيز العريني، وصلى الله على محمد وآله، حرر في ذي القعدة سنة 1289ه». وعليها ختم الشيخ ابراهيم، رحم الله الجميع.
فهذه الوثيقة وغيرها وقد وقفت على ذلك تبرهن بأن حي باب البركان قائما ببيوتاته ومسجده قبل التاريخ الذي أشار اليه الاستاذ الهدلق، ونقله عنه الاستاذ الحقيل.
الأمر الثالث: ما نقلاه من الخلاف في عدد بوابات سور البلد، فذكر الأستاذ الحقيل نقلاً عن الأستاذ: الهدلق، قولين في ذلك:
الأول: أنها ست: باب القنطرة، والرميلة، وحويزة، والنقبة، وباب البر، والجديد، قال: وهذا هو الثابت.
الثاني: أنها تسع، فيضيف إلى ما تقدم: باب الهمال، والهلالية، والأمراء ا.ه.
والمؤكد من مشاهدة الواقع ، وجزم به من أدرك ذلك، وهو أيضاً مقتضى المصلحة العسكرية للبلد، أن بواباته المعهودة ثلاث فحسب، وهي: باب القنطرة، في أقصى الشمال الشرقي، وباب حويزة، في أقصى الشمال الغربي، وباب البر في الجهة الجنوبية، وحل محله فيما بعد، باب الجديد، وما عدا ذلك فهي عبارة عن أنقاب. جمع: نَقْب. تُحدَث خلال السور وقت الأمن، ليصدر ويرد من خلالها أهل كل حي، تيسيراً عليهم، وتسد زمن الخوف والحرب، والأنقاب المعروفة:
نقيب العقدة، نقيب: باب الرميلة، وهما في الجهة الشمالية. نقيب: ساطورة في أقصى الجهة الجنوبية الغربية، نقيب: حمد الناصر العسكر، في منتصف الجهة الجنوبية تقريبا، نقيب: السّلوم، في أقصى الجهة الشرقية الجنوبية.
الاستدراك الثاني: يتعلق بالمربي الفاضل، والعابد الزاهد، الشيخ أحمد بن صالح الصانع، المتوفى سنة 1357ه رحمه الله ومدرسته.
فقد ذكر الأستاذ: الحقيل، ص 26 نقلاً عن الأستاذ: الهدلق: أن مدرسة الشيخ: أحمد الصانع، مقسمة إلى دورين.. الخ.
وهذا خلاف الواقع، فالمدرسة المذكورة من دور واحد فحسب، وهي لا تزال ماثلة للعيان.
وفي الصفحة نفسها، نقل عنه ما نصه: «وبه يعني الدور الأول من المدرسة منصة مبنية من حجر، في الجهة الجنوبية للدار، أسفل الدرج الموصل إلى أعلى، يجلس عليها الشيخ أحمد ومن معه من المدرسين الآخرين، ويصطف الطلاب أمامهم» ا.ه. المقصود. يفهم من هذا الكلام: أن المدرسة كان يدرِّس بها غير الشيخ أحمد، وهذا مجانب للصواب، فالمدرسة لم يكن يدرِّس بها إبان حياة الشيخ أحمد إلا هو، وهذا ما يعرفه طلابه، وهم كثير، ولا تزال طائفة منهم متوافرين في الوقت الحاضر، رحم الله الأموات ووفق الأحياء للخير.
وفي ص 110، نقل الأستاذ: الحقيل، كلاما نصه: «وقد تزامن ظهور مدرسة الشيخ أحمد مع تدريس الشيخ عبدالله العنقري، إلا أني أرى حسب ما لدي من الوثائق أن الإقبال على درس الشيخ العنقري كان أكثر من الشيخ أحمد» ا.ه. المقصود.
يفهم من هذا: أنه يوجد تنافس بين: درس الشيخ العنقري، ودر الشيخ أحمد، والواقع أن هذا غير صحيح البتة، لأن كلاً من الدرسين مكملان لبعضهما، ولكل منهما هدف محدد؛ فدرس الشيخ أحمد، الهدف منه: تعليم القراءة والكتابة، وقراءة القرآن وحفظه، وبعض مبادىء العلوم الشرعية، وهو يعد تأسيسا لدرس الشيخ العنقري، الذي يلتحق به الطلاب لاحقاً.
الاستدراك الثالث: خلال تعداد الأستاذ: الحقيل، لمن تولى امارة المجمعة، فاته ذكر الأمير: محمد بن عبدالعزيز بن عبدالله العسكر، فهو ممن تولاها، وقد وقفت على خطاب موجه من الملك عبدالعزيز رحمه الله إلى الأمير محمد رحمه الله مؤرخ في العشرين من ربيع الآخر سنة 1352ه.
الاستدراك الرابع: ذكر الأستاذ الحقيل ص 68 رأيه في كلام المؤرخ ابن بشر، والشيخ عبدالرحمن التويجري رحمهما الله حول تولي الشيخ عثمان بن منصور لقضاء المجمعة، فقال: «ففي رأيي أن كلام ابن بشر أوفى وأصدق من كلام التويجري، لأن ابن بشر من المعاصرين لهذا القاضي، وقد مدحه ابن بشر وذمه التويجري» ا.ه.
ولا أعلم وجه العلاقة بين إثبات ولاية الشيخ عثمان بن منصور لقضاء المجمعة من عدمها، وبين ما ذكره الاستاذ الحقيل من ذم الشيخ عبدالرحمن لابن منصور، لأن كلام الشيخ عبدالرحمن في الشيخ عثمان، إنما هو بسبب ما ذكر عن معتقده، ومولاته لأعداء الدعوة السلفية، وقد سبقه في الكلام فيه أئمة الدعوة وتلاميذه، ومنهم:
الشيخ العلامة: عبدالرحمن بن حسن رحمه الله في رسالته المسماة: بالمقامات.
وابنه الشيخ: عبداللطيف رحمه الله رد عليه في كتابه: مصباح الظلام في الرد على من كذب على الشيخ الإمام.
والشيخ: أحمد بن مشرف، والشيخ حمد بن عتيق، والشيخ أحمد بن عيسى، والشيخ سليمان بن سحمان وغيرهم، رحم الله تعالى الجميع(3).
والشيخ عثمان عفا الله عنه أفضى إلى ما قدم، وقد استوفى الكلام عن حاله وتقرير ما كان عليه، فضيلة الشيخ: عبدالله بن عبدالرحمن البسام، والأستاذ، الدكتور: عبدالرحمن بن سليمان العثيمين، فليراجع(4).
وأما ما ذكره الأستاذ الحقيل من مدح المؤرخ ابن بشر للشيخ عثمان، فلأنه شيخه ومن أخص تلاميذه، وقد أثنى عليه في عدة مواضع من تأريخيه (5)، ولا يستغرب هذا من التلميذ في حق شيخه.
الاستدراك الخامس: خلال تعداد الأستاذ الحقيل لقضاة المجمعة فانه ذكر الشيخ عبدالعزيز بن محمد بن علي آل الشيخ، المتوفى سنة 1321ه(6) رحمه الله وقد وقفت على حكم صادر عنه، مؤرخ سنة 1311ه.
وفاته أيضا ذكر الشيخ: عبدالعزيز بن عبدالله بن سوداء، فهو ممن تولى قضاء المجمعة، وقد وقفت على حكم قضائي صادر عنه مؤرخ في الثاني عشر من ربيع الأول سنة 1365ه.
الاستدراك السادس: في ص 133 نقل الأستاذ الحقيل، عن الدكتور الوليد بن الشيخ عبدالرحمن الفريان ما يخص الشيخ عبدالله بن إبراهيم الصانع، فقال: «درس على الشيخ العنقري، وقد لازمه مدة طويلة، تولى القضاء في عسير، توفي سنة 1407ه» ا.ه.
والصواب: أن الشيخ عبدالله بن ابراهيم الصانع رحمه الله لم يتول القضاء في عسير ولا غيرها، وإنما كان من خاصة تلاميذ الشيخ العنقري ومن الملازمين له، وكان الشيخ يكل له كثيراً من الأمور، ولما استعفى الشيخ من قضاء سدير ظل ملازماً له إلى أن توفي شيخه، بعد ذلك انتقل الى الرياض ولازم الشيخ العلامة: محمد بن ابراهيم آل الشيخ، وكان شيخه العنقري قد أشار به عليه وظل ملازما للشيخ محمد، مديراً لمكتبه الخاص الى أن توفي الشيخ محمد رحمه الله سنة 1389ه، وظل الشيخ عبدالله على رأس العمل إلى ان أحيل على التقاعد سنة 1401ه، وقد توفي بالرياض في السادس عشر من رجب سنة 1407ه، رحمه الله.
الاستدراك السابع: في ص 133 أيضاً، ذكر أن من علماء المجمعة، الشيخ أحمد بن عبدالعزيز بن سليمان.
والصواب: السّلمان، وهو من اهل جلاجل وليس المجمعة، ويعد من تلاميذ الشيخ العنقري المتقدمين، وقد رأيت بخطه حكما كتبه بأمر شيخه مؤرخ في السابع من ذي القعدة سنة 1339ه.
الاستدراك الثامن: خلال تعداده للعلماء فاته ذكر عالمين جليلين من علماء المجمعة في الوقت الحاضر، هما فضيلة شيخنا الاستاذ الدكتور عبدالله بن علي الركبان، عضو هيئة كبار العلماء وعضو اللجنة الدائمة للافتاء، وفضيلة شيخنا الأستاذ الدكتور: محمد بن أحمد الصالح، الأستاذ بكلية الشريعة بجامعة الامام محمد بن سعود الإسلامية، فذكرهما مما تحلى به الكتب، لعلمهما وفضلهما، نفع الله تعالى بهما وجزاهما خير الجزاء.
هذا ما تيسر تحريره راجيا من العلي القدير أن يجعله خالصا لوجهه، وأن ينفع به وصلى الله عليه وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.
(1) عنوان المجد، طبعة وزارة المعارف 2/21.
(2) انظر: عقد الدرر، طبعة وزارة المعارف ص 82، وتاريخ بعض الحوادث، ط1 ص 191.
(3) انظر: مشاهير علماء نجد، ص: 62، 75، وروضة الناظرين ط3، 2/108.
(4) انظر: علماء نجد خلال ثمانية قرون، ط 2، 5/96 99، وتعليق د. عبدالرحمن العثيمين على السحب، ط 1، 2/704 708.
(5) انظر: عنوان المجد، طبعة وزارة المعارف 1/230، والسوابق ص 401، وهي ملحقة في آخر عنوان المجد.
(6) ترجمته في علماء نجد، ط 2، 3/528، وروضة الناظرين، ط3، 1/298.

أعلـىالصفحةرجوع




















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved