أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Friday 23rd November,2001 العدد:10648الطبعةالاولـي الجمعة 8 ,رمضان 1422

العالم اليوم

الفلسطينيون بين دحلان ونسيبة..!!
عادل أبو هاشم
شهدت الساحة الفلسطينية في الأيام الأخيرة أزمة قد تكون بداية الكارثة الكبرى التي حذرنا منها عشرات المرات في السابق، هذه الأزمة التي جعلت من حق كل فلسطيني ان يصرخ محذراً من الانحدار، وان يخرج فوراً إلى الشارع للاحتجاج وهو يسمع ان سري نسيبة مسؤول ملف القدس يندد بالانتفاضة الفلسطينية، ويدعو في الوقت نفسه أبناء شعبه للتخلي عن حق العودة نهائياً..!!
الإعلام الإسرائيلي لم يصدق ان يبادر مسؤول فلسطيني إلى انتقاد الانتفاضة بذلك الشكل الشرس الذي ساوى بين الضحية والجلاد.. القاتل والقتيل.. وبين الحجر وصواريخ الأباتشي.. ولم يصدق ان هناك فلسطينياً واحداً يفرط في حق اللاجئين المقدس بالعودة إلى أرض آبائه وأجداده، فهلل لتصريحات نسيبة الذي وصفه بالفلسطيني الأصيل المستعد للتنازل عن حق العودة..!!
صحيفة معاريف أشارت إلى أنه في الوقت الذي مازال فيه 9.99 في المئة من الفلسطينيين يتطلعون إلى فلسطين الكاملة بل يصرون على ان القدس لهم فقط، يبزغ من الأفق دكتور شجاع يسير بشجاعة ضد التيار، لقد طلت ابتسامته الجميلة علينا من نافذة الفرص الجديدة..!! وخلافاً لياسر عرفات، فقد أعلن عن استعداد للاعتراف برابطتنا المعينة بالقدس، الأمر الذي يدل على ان مسيرة أوسلو لم تمت بل فقط خرجت في إجازة طويلة، ومرة أخرى يظهر ان هناك إمكانية ان يكون هناك من يمكن التفاوض معه ومن يمكن التنازل له..!!
ولكي تعطي الصحيفة الإسرائيلية للفلسطينيين صورة جديدة لنسيبة تختلف عن تلك الصورة المحفورة في أذهانهم أكدت (أن نسيبة هو السنونو الذي يبشِّر بالربيع في أوج الخريف، على ضوء لطفه وجماله لايستطيع الإسرائيليون الادعاء بأن كل الفلسطينيين مجبولون على شكل صورة عرفات..!! إن الدكتور نسيبة يحرص ان يحلق ذقنه كل صباح، وشفتاه لاترتجفان وهما تبشِّران بإنكليزية طليقة عن تخليه عن حلم العودة..!!)
عجوز فلسطيني أصيب بالدهشة والألم والغضب عندما سمع تصريحات مسؤول ملف القدس الجديد بما تحمله من شرعية للاحتلال قال: إنه أمر يدعو للرثاء والشفقة حقاً حين تتكلم الضحية والسكين مغروزة في عنقها لتبارك يد القاتل الخيرة والطيبة..!!
وإن ما يفاجئنا به نسيبة كل يوم من تصريح أو خطاب اعتذار للإسرائيليين يدعو كل فلسطيني إلى الترحم كل يوم على فيصل الحسيني..!! وإذا كان نسيبة يريد التنازل.. فليتنازل عن منزل والده، إلا أنه لايستطيع ان يتنازل عن منزل والدي..!!
في نفس الفترة قدم العقيد محمد دحلان مدير الأمن الوقائي في قطاع غزة استقالته احتجاجاً على حالة الفساد والشلل التي أصابت بعض أجهزة السلطة، معلناً عن فشل إسرائيل ودول أخرى في فرض قيادات جديدة على الشعب الفلسطيني..!! ومطالباً بإجراء إصلاحات داخلية داخل أجهزة ومؤسسات السلطة تتلاءم مع حجم وخطورة المرحلة..!!
وما بين هشاشة ادعاءات وأكاذيب سري نسيبة التي استنكر فيها التضحيات الهائلة التي قدمها شعبنا على مدار أكثر من نصف قرن، وصدق وواقعية محمد دحلان الذي يطالب السلطة الوطنية الفلسطينية بالقضاء على طحالب الفساد، دخل الفلسطينيون في متاهة جديدة تضاف إلى آلاف المتاهات التي أدخلوا فيها منذ مسيرة مدريد! وأعاد الفلسطينيون إلى الأذهان مرة أخرى مراحل هذه المسيرة التي قادت مصيرنا الوطني إلى الاختناق..!!
لايختلف فلسطينيان على تأثير التسوية السياسية منذ اتفاق أوسلو عام 1993م على مجالات الحياة الفلسطينية المختلفة، حيث دفعت هذه التسوية بالكثيرين من الرعاع والدهماء، وممن لم يكن لهم تاريخ نضالي عسكري أو سياسي، إلى القفز على السطح والعمل بشكل علني بدون خوف أو وجل من أحد، بل أصبح كل واحد منهم يتباهى ببطولات غير موجودة لديه، ولايعلم عنها هو نفسه شيئا، وأصبح ينسب إلى نفسه أعمالاً كثيرة لم يقم بها ولم يحلم في يوم من الأيام بها، وظهرت طبقة جديدة من طحالب الفساد، والمتسلقين، والانتهازيين، والوصوليين، والمنتفعين الذين احتلوا مناصب ليسوا أهلا لها، واعتبروا أنفسهم فوق القانون، وفوق الضوابط، وفوق المساءلة والحسابات، وحجة كل واحد منهم: انه محرر الأوطان وقاهر الأعداء..!! وكان عزاء الفلسطينيين على صمتهم وصبرهم على هذه الفئة المنحرفة ان أمرهم سينكشف عاجلا أم آجلا أمام السلطة والشعب، ومرت ست سنوات قبل ان يكتشف الشعب الفلسطيني خطأ ما اعتقدوا به، وظهرت في هذه السنوات أشياء وممارسات من بعض المتنفذين في السلطة، أصبح السكوت عليها يعتبر جريمة، بل خيانة للوطن وبعد ان كانت هذه الممارسات يتداولها بعض المتنفذين في السلطة بسرية تامة، أصبحت بعد فترة وجيزة منهجا وظاهرة في المجتمع الفلسطيني، يتسابق بل يتباهى ويتفاخر أزلام السلطة بممارساتها على رؤوس الاشهاد، وأصبح شعار (من أمن العقوبة.. أساء الأدب) هو شعار الست السنوات الأولى من عمر السلطة إلى ان جاءت انتفاضة الأقصى المباركة ليتوارى أزلام الفساد خلف بطولات أطفال ونساء وشيوخ وشباب الانتفاضة ولتتحد جميع فصائل وشرائح الشعب الفلسطيني في بوتقة واحدة ضد العدو الإسرائيلي.
ما بين تصريحات سري نسيبة واستقالة محمد دحلان اكتشف الفلسطينيون صدق المقولة التي عرفوها مبكراً ومنذ بدايات الصراع الفلسطيني الإسرائيلي وهي الزعامة والقيادة السياسية والنضالية لاتوهب ولاتورث، وان الثائر الحقيقي لايصعد على موقعه القيادي على اكتاف عائلته، ولا على ميراث آبائه وأجداده، فالقائد الحقيقي يولد في خنادق القتال، وفي قيادة المظاهرات، وفي تصدر المواجهات الدامية مع الاحتلال، وفي الصمود في المعتقلات وزنازين الاحتلال، وفي العمل التنظيمي والتعبوي والتحريضي الدؤوب والمتفاني وسط الجماهير وأبناء الشعب.
ووجد الفلسطينيون ان الصفاء والشفافية والطهارة الثورية وإنكار الذات والتضحية وإباء المناضل متجسدة في القائد الذي لايعرف المراوغة والمداهنة، ويتكلم بصراحة ابن المخيم الذي نشأ وترعرع فيه، حيث يرضع الطفل الفلسطيني كراهية المحتل مع حليب أمه..!
صحيح ان الانتفاضة المباركة الأولى قد أكدت على الخيبة الكبرى التي أصابت الإدارة الأمريكية والاحتلال الاسرائيلي اللذين لعبا دورا أساسياً في تلميع صورة أولاد العائلات لدفعهم إلى مواقع القيادة، في محاولة لفرضهم كبديل للجيل الذي حمل البندقية وآمن بالقضية وخاض غمار المواجهات معركة بعد معركة، ومن معتقل إلى آخر، وجاب رحاب فلسطين المحتلة مؤسسا لقواعد المقاومة ومدرباً لرجالها وقائداً لبطولاتها في وجه العدو الصهيوني مخلصا لقضية شعبه، مما حدا بهؤلاء (الأولاد) إلى الهرب إلى خارج الأراضي الفلسطينية..!!
وكان لي لقاء بالأخ محمد دحلان قبل دخوله الأراضي الفلسطينية، ومن جملة ما دار في حديثنا الدور الذي لعبته العديد من العائلات الفلسطينية التقليدية وأبنائها في صلب الحركة المعادية للصهيونية والانتداب البريطاني ومنذ مطلع القرن وحتى نكبة 1948م وإن كانت بعض هذه العائلات تتحمل جزءاً هاما من أسباب ومسببات هذه النكبة وكان الخوف من أن يعود أولاد هذه العائلات من الباب الخلفي للثورة، حيث أكد لي ان الثورة الفلسطينية المعاصرة تدرك ان مرحلة التحرير الوطني ضد الاحتلال الاسرائيلي تفسح المجال لأوسع القوى الوطنية للمشاركة في العمل الوطني وفي مقاومة الاحتلال وليس من حق أحد ان يستثنى فلسطينيا من المشاركة في هذا الواجب الوطني المقدس الذي ينهض به شعبنا كله بمختلف شرائحه الاجتماعية وبجميع فئاته مع الأخذ بعين الاعتبار الاستفادة من التجربة التاريخية حتى لاتتكرر مآسي الماضي ونكباته، فمصير الوطن والثورة هو في النهاية أكبر بكثير من ان يترك في أيدي (الأولاد) وخاصة إذا كانوا من أولاد العائلات!!
وافترقنا وهو يردد تحذيره من الخوف من عودة بعض الرموز الفاسدة من الباب الخلفي للثورة وليس في رصيدهم سوى الوجاهة ورضا سلطات الاحتلال والتلطي خلف حماية القنصلية الأمريكية في القدس والقدرة على الرطانة باللغة الانجليزية!! وبعد سنوات من تحذير دحلان عاد هؤلاء (الأولاد) من الباب الأمامي للسلطة الفلسطينية..!!
إن الحقيقة الوحيدة التي يتمسك بها كل الفلسطينيون في الداخل والخارج، وفي الشتات والمنافي، هي ان انتفاضة الأقصى قد شكلت أرضية صلبة للسلطة الفلسطينية للقضاء على كل مظاهر ورموز الفساد التي صاحبت مسيرة السلطة للوقوف صفا واحدا في مجابهة عدونا الأبدي والأزلي وللوصول للأهداف والحقوق الفلسطينية، وإن هذه السلطة لم تستغل هذه الانتفاضة في تحقيق هذا الهدف..!! لتظهر حقيقة جديدة وهي ان وجود أمثال سري نسيبة في هذه السلطة قد يلقي بظلال قاتمة على هذه المسيرة لن يمحوها وجود محمد دحلان فيها..!!
كاتب وصحفي فلسطيني الرياض
aabuhashim@hotmail.com

أعلـىالصفحةرجوع





















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved