أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Saturday 24th November,2001 العدد:10649الطبعةالاولـي السبت 9 ,رمضان 1422

مقـالات

ما بعد طالبان..!!
د. عبدالله بن سالم الزهراني
لم يكن أمام دول العالم من خيار إلا التصديق والتأييد للولايات المتحدة الأمريكية ضد من أسمتهم بالارهابيين وضد من يأوي الارهابيين في أفغانستان. ولم يكن الشجب والتنديد بما حصل في نيويورك وواشنطن كافياً من قبل من شجب أو ندد أو استنكر. حيث أصبح اصطلاح الشجب والتنديد والاستنكار موضة قديمة «old Fashion» بالذات في هذه القضية التي طعنت كبرياء الولايات المتحدة، أما أي قضية أخرى في العالم، فلكل الحق في أن يشجب وأن يندد وأن يستنكر كما يشاء وكيفما يشاء وخاصة فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية.
ليس هناك من شك في أن العديد من دول العالم اكتوى بنار الارهاب ولذلك كان التأييد في محاربة الارهاب دون تردد حيث لم يكن هناك خلاف حول هذا المبدأ الأساسي ولكن كثيراً من الدول تطلعت فقط والبعض على استحياء الى محاولة التعرف على الأهداف إذا كان هناك من أهداف أخرى غير ما أعلن والكيفية التي يمكن من خلالها تحقيق الأهداف كما تطلع الكثير من الدول وسعى إلى التأكد من وجود أدلة على من يعتقد أنهم قاموا بذلك العمل الارهابي ضد الولايات المتحدة، ورغم أنه لم يكشف عن تلك الأدلة إلا لبعض المقربين من المستهدفين مكانياً مثل باكستان وبعض الحلفاء الودودين مثل بريطانيا هاتان الدولتان لم تفشيا أياً من الأدلة ورغم أنه لم يظهر ولم يتضح من تلك الأهداف إلا هدف محاربة الارهاب إلا أن الظروف حتمت على الكثيرين الموافقة والتأييد للولايات المتحدة في هذه الحرب ضد الارهاب دون التدقيق والتمحيص في الأدلة والأهداف التي اقتضتها المواقف السياسية.
ولقد سارعت كل الدول العربية إلى استعدادها التام للتعاون مع الولايات المتحدة الأمريكية وكان ذلك أمراً متوقعاً لأن ذلك موقف سياسي عربي لا بد لكل دولة أن تتخذه خاصة وأن الدول العربية بأسرها وقعت على اتفاقية لمحاربة الارهاب بأشكاله المختلفة والتعاون في ذلك الأمر فيما بينها ولكن تلك الاتفاقية الموقعة من قبل وزراء الداخلية العرب لم يرد فيها ما يمنع التعاون مع أي طرف في العالم في مكافحة الارهاب فما بالك بطرف ليس مثل كل الأطراف ألا وهو الولايات المتحدة، لأن الارهاب يظل ارهاباً في أي مكان وفي أي زمان وإن تعددت أشكاله، إلا أن التوجس والشكوك تكونت لدى كثير من دول العالم وبالذات دول العالمين العربي والإسلامي حول الأهداف لهذه الحرب ضد أفغانستان وخاصة مع كثرة زلات اللسان في الأيام الأول للرئيس جورج بوش الابن وأعوانه وورود مصطلح الحرب الصليبية والعدالة المطلقة وحديث بيرسكوني رئيس وزراء ايطاليا وحديث مارجريت تاتشر والادعاء بأن المسلمين لم يدينوا بشدة وإدانة كاملة ما حصل من هجوم ارهابي على مبنى التجارة العالمية والبنتاقون. ومما زاد الشكوك حول وجود أهداف غير معلنة هو القمع والاحتجاز من قبل المخابرات والمباحث الأمريكية للمئات من العرب والمسلمين بل وحتى اختفاء بعضهم دون أن يكون عنه خبر أو ماذا حدث له.
ولا ننسى هيجان الشارع الأمريكي وما واجهه البعض من المسلمين هناك من القتل والضرب والسباب والشتائم. لم يقتصر الأذى والاعتداء على العرب والمسلمين على ما حصل في الولايات المتحدة وانما امتدت حمى ذلك الاعتداء والاساءة في أوروبا من قبل الحكومات والشعوب ولا تزال هذه الحمى سارية. إن هذه الحمى العدوانية لم تطل الزوار للغرب وللمقيمين اقامات مؤقتة من العرب والمسلمين بل انها طالت من يحمل جنسيات الولايات المتحدة ودول أوروبا من تلك الشعوب.
لقد حدث كل ذلك رغم أن كل الجمعيات والتجمعات الإسلامية دانت واستنكرت وشجبت وأكدت أنه لا علاقة بين الإسلام كدين وبين الارهاب. كما أن تلك التصرفات في الولايات المتحدة وأوروبا حدثت ولا تزال تحدث رغم إدانة الدول العربية والإسلامية كلها لما حدث من هجوم ارهابي على الولايات المتحدة.
لقد استمرت بعض الصحف الأمريكية في التجني ومهاجمة المملكة العربية السعودية والادعاء بأن نظام تعليمها ومناهجها ومؤسساتها التعليمية هي مراكز تفريخ للإرهاب.
ولعل الهدف كان واضحاً ولا يخفى على أحد وهو محاولة جر المملكة إلى تحالف عسكري مع الولايات المتحدة الأمريكية لضرب أفغانستان وهو ما لا ترضاه المملكة العربية السعودية.
لقد أبدت المملكة استعدادها للتعاون مع الولايات المتحدة في حربها ضد الارهاب والارهابيين أينما ثقفوا سواء بالتحقيق أو بمعلومات ولكن ليس بالتورط في حرب ليست واضحة المعالم ولا الأهداف، المملكة هي قلب العالم الإسلامي وجرها إلى المشاركة في حرب ضد أفغانستان يعني جر هذا الرمز للعالم الإسلامي إلى محاربة شعب إسلامي ولذلك لم ترض المملكة بأن تكون قواعدها مكان انطلاق أو قيادة للعمليات العسكرية. ثم إن الولايات المتحدة لا تحتاج إلى حليف عسكري فلديها كل القوة وستنال التعاون في حال ضربها للارهاب ولكن ليس للأبرياء إلا إذا أرادت الولايات المتحدة أن يتفرق وزر دماء الأبرياء.
ولقد كان موقف المملكة واضحاً عندما كانت تقصف المدن الأفغانية من قبل الصواريخ والطائرات الأمريكية والبريطانية دون تمييز بين المواقع العسكرية والمدنية ورفضها وإدانتها لقتل الأبرياء.
ولا شك أيضاً أن ذلك الهجوم على المملكة في الصحف الأمريكية جاء نتيجة لمواقف المملكة تجاه القضية الفلسطينية واصرارها على أن تكون لها مكانة واضحة ورئيسية واهتمام أكثر في السياسة الأمريكية وألا تضيع في خضم الأحداث التي تعرضت لها الولايات المتحدة.
ولا شك أن ذلك استمرار لسياسة المملكة في دعم القضية الفلسطينية ومحاولة الوصول لحل لها خاصة وأن شارون وطغمته الارهابية استغلوا ما حدث من ارهاب على الولايات المتحدة ليجيروه لصالحهم في عدائهم ضد العرب والمسلمين من خلال التحريض ومن خلال اللوبي اليهودي في السلطة الأمريكية لتوجيهها ضد الإسلام والعرب والمسلمين وليس ضد ارهابيين بعينهم. بل إن شارون استغل ما حدث ليمارس الارهاب بكل وحشية وعنف على الشعب الفلسطيني متذرعاً بأن مقاومة الفلسطينيين للاحتلال الصهيوني ليست إلا نوعاً من الارهاب.
لم يرض ذلك التنبيه إلى القضية الفلسطينية للساسة الأمريكيين من قبل حكومة المملكة وضرورة تغيير سياستها تجاه هذه القضية ولذلك أمعن المغرضون في الهجوم من خلال الصحافة على المملكة. ولا شك أن ذلك الهجوم هو نوع من الابتزاز ومحاولة الحصول على بعض التنازلات فيما يتعلق بالدين الإسلامي التي تمثل المملكة العربية السعودية رمزه ومركز اشعاعه بحكم بدئه من أرضها وبحكم وجود الحرمين الشريفين اللذين هما مقصد جميع المسلمين. إن ذلك الابتزاز إنما هو نابع من محاولة الربط بين الإسلام والارهاب والذي يقول به البعض من الساسة الغربيين ثم يعود لينفيه.
على كل حال الولايات المتحدة اتخذت قرارها بالحرب بذلك الهدف المعلن الذي هو القضاء على الارهاب والذي أصبحت الشكوك تزداد يوما بعد يوم بعدم تفرد هذا الهدف كما أصبحت الشكوك تزداد يوما بعد يوم بأن الولايات المتحدة تنوي البحث عما تدعي بأنه ارهاب في مكان أو أماكن أخرى.
كما أن مؤشرات الحرب وكيفية التعاطي معها من قبل الولايات المتحدة تشير إلى نية الولايات المتحدة في البقاء مدة طويلة في قلب الوسط الآسيوي واستغلال هذه الفرصة حيث إن كثيراً من الفرص لا يتكرر مرتين.
قدمت الولايات المتحدة إلى أفغانستان وهي مدركة تماماً للمخاطر التي قد تواجهها في ذلك البلد لو تورطت بحرب برية وخاصة أنها درست التاريخ القديم نسبياً فيما يتعلق بالامبراطورية البريطانية التي عرفت الأفغان جيداً بعد ثلاث معارك دامية معهم انتهت باعتراف بريطانيا بأفغانستان عام 1921م كما استفادت أمريكا من تجربة الروس التي جاءت إلى أفغانستان بعدتها وعتادها وقضها وقضيضها ومكثت عشر سنوات ورجعت أدراجها بخفي حنين. كما أن الولايات المتحدة وعت الدرس جيداً من حربها في فيتنام التي أيضاً استمرت أكثر من عشر سنوات وخرجت أيضاً مهزومة.
وبناء على كل ذلك ونتيجة لكرامتها التي تمرغت بفعل ذلك الهجوم الارهابي عليها ونتيجة للغليان في الشارع الأمريكي والرغبة في الثأر فإن الولايات المتحدة الأمريكية أعدت عدة مختلفة لهذه الحرب وأعلنت أن هذه الحرب ستكون مختلفة في مدتها وأدواتها ووسائلها ولم تخف احتمال استخدام كل أنواع الأسلحة المتاحة لديها بما فيها أسلحة الدمار الشامل لو لزم الأمر.
جاءت القوات الأمريكية للحرب ضد من يعتقد أنهم ارهابيون وضد طالبان التي يقولون إنها تحمي الارهاب وأعلنت أنه لا بديل عن الانتصار في هذه الحرب مهما كان الثمن.
ولا شك أن هذه الحرب مختلفة تماماً عما سواها من الحروب التي خاضتها الولايات المتحدة حيث إنها استخدمت قنابل لم يسبق لها أن استخدمتها من قبل وهي قنابل مدمرة تحرق الأخضر واليابس ولم تأبه في ذلك بأي قانون دولي كما أنها لم تحرص على مراعاة المدنيين وهذا لم يحدث إلا في الحرب العالمية الثانية كما أنها لم تراع المساجد التي هدمتها مدعية بأن طالبان يستغلونها للاختباء.
وهي في هذا وذاك وجدت بيئة خصبة وأناساً متعطشين للسلطة ممثلاً في تحالف الشمال الذي كفاها المؤنة في خوض الحرب البرية وتحمل وزر الضحايا بحيث يكونون كلهم وقوداً لهذه الحرب.
إن الولايات المتحدة مهدت الطريق للقضاء على طالبان من خلال الصواريخ والطائرات وهي الآن لن تتدخل فيما يحدث من قتل وسلب ونهب في المدن الأفغانية بعد أن دخلها تحالف الشمال.
وقد رأينا ما حدث في مزار الشريف وكيف تم قتل مائة شاب كانوا مختبئين حيث أخرجوا وأعدموا. لم تعترض الولايات المتحدة رغم تعارض هذا مع كل الأعراف والقوانين الدولية وهكذا حصل في كابل عندما ارتكبت مجازر ضد مدنيين عزل حيث هرب طالبان أو انسحبوا انسحاباً تكتيكياً كما يقولون.
إن الولايات المتحدة بهذا التصرف كأنها تنتقم من الشعب الأفغاني بقتلهم أكبر عدد ممكن انتقاماً وثأراً لما حدث في نيويورك ولكن هذا القتل هو بأيد أفغانية لتتبرأ فيما بعد ذلك مما يحصل من مذابح. ولكن تصرفهم هذا ليس مخرجاً قانونياً لأنه لو كان مخرجاً قانونياً لها فهذا يعني أن من تدعي أنهم ارهابيون في أفغانستان لم يقوموا بالهجوم بأنفسهم على الولايات المتحدة وبهذا فإنها تؤيد ادعاءهم وتعطيهم مخرجاً قانونياً.
الأفغان لن ينسوا تخلي الولايات المتحدة عنهم عام 1990م بعدما هزموا الروس ولم تحاول الولايات المتحدة مساعدة الأفغان في جوانب تنمية أو في محاولة الاصلاح بين الفصائل وتشكيل حكومة واسعة بل انسحبت وكأن الأمر لم يعد يعنيها في شيء. إن الولايات المتحدة ربما لا تكون في عجلة من أمرها في انهاء الوضع في أفغانستان فهي ربما تستمر في استخدام سياسة فرق تسد بين الفصائل التي هي جاهزة للتصادم والاستمرار في التصادم. أفغانستان بلد الأقليات والأعراق المتنوعة وكذلك المذاهب العقدية ولهذا فهي بيئة خصبة لاستمرار الصراع.
ومما يزيد ذلك الوضع فرقة وتعقيداً هو الروابط المصلحية التي تربط كل الدول المجاورة لأفغانستان بتلك الأعراق والقبائل ورغبتها في تدعيم مصالحها. أعتقد أن الولايات المتحدة لن تجازف ميدانياً بالنزول إلى الأرض الأفغانية لأن منحى الحرب بدأ يتغير وإن يبدو ظاهرياً بوادر انتصار لأمريكا وتحالف الشمال إلا أن الاستراتيجيات ستتغير.
سقوط كابل لن يغير من الأمر شيئاً فكابل لم تسقط فقط هذه المرة ولكنها سقطت وتم تبادل السيطرة عليها مرات ومرات. وإنهاء حركة طالبان لا يعني إنهاء الحرب الأفغانية لأن طالبان جزء من قبائل كبيرة تشكل 60% من الشعب الأفغاني فهم لن يأتوا للحرب ضد خصومهم تحالف الشمال باسم طالبان وإنما سيأتون باسم آخر.
وما يرتكبه تحالف الشمال من مجازر ضد السكان المدنيين لن ينسيهم دماء أبنائهم وأقاربهم. وإذا بقيت الحرب سجالاً وبين كر وفر واتخذت شكل حرب العصابات التي يجيدها الأفغان فإن سياسة القضاء على الارهاب ستفشل فشلاً ذريعاً.
إذا حدث هذا الأمر فإن الحرب الأهلية ستكون أكثر اشتعالاً وسيكون لروسيا مصلحة وللهند مصلحة من أجل الضغط على أفغانستان التي تمثل عدوا لكلتا الدولتين بحكم مساندتها للمجاهدين ضد الروس وبحكم العداء المستحكم مع الهند منذ التقسيم عام 1947م وبحكم وجود الخلاف على كشمير ذات الأغلبية المسلمة إذ تتهم الهند باكستان بأنها تدعم ثوار كشمير من أجل المطالبة باستقلالهم. ومن المحتمل أيضاً أن تظهر سياسة استراتيجية أمريكية جديدة ترى فيها أنها تخدم مصالحها الاستراتيجية على المدى البعيد كقوة وحيدة عظمى تفضل فيها الولايات المتحدة البقاء في الدول المجاورة دون الوصول إلى من تتهمهم بالارهاب أو من يأويهم من أجل مراقبة التنين الصيني والدب الروسي والسجاد الإيراني والمارد الباكستاني والثعبان الهندي ولا ننس البترول القزويني والكافيار في ذلك البحر الذي يزيد من شهية البقاء.

أعلـىالصفحةرجوع














[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved