أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Sunday 25th November,2001 العدد:10650الطبعةالاولـي الأحد 10 ,رمضان 1422

محليــات

لما هو آت
تبعات الذلِّ... والإذلال (3)
د.خيرية إبراهيم السقاف
لعلّ الموضوع الذي نبحث فيه على درجة بالغة في الأهمية. إذ في الوقت الذي توجِّه تربية «الولد» على البرِّ بأمِّه، وبأبيه، من خلال مبدأ ديني تلخِّصه الآية الكريمة: «... واخفض لهما جناح الذلِّ من الرحمة» 24 الإسراء ، فإنَّها تتيح له العقوق بهما من خلال رفعه جناح الإذلال لأخته، بما يقصيه عن مبدأ الرَّحمة إلى الجور والقسوة فالعقوق.
وفي هذا الشأن تبدو لنا متغيرات ثلاثة منبثقةٌ من واقع العلاقة من جهة بين «الولد» الابن الأخ وبين أبيه، وبين هذا الولد الابن وأمِّه، وبينه وبين أخته من جهة أخرى: أهمُّها أوَّلها: إذ كيف يبرُّ والديه في الوقت الذي يعقّهما من خلال أخته؟ أليس هذا هو برُّ العقوق بعينه، ففي حين هو موجَّهٌ بالبرِّ بأُمِّه على وجه الخصوص في موقع من البيت، فإنّه يعقُّها في موقع آخر...، وهو إن لم يتحقق عنه برُّ أبيه الشرعي في المنزل فإنَّ هيبة الأب الرجل المورَّثة أيضاً من قِبل التربية، والمنبثقة من الولاية فإنّ هذه الهيبة تضمن للأب تحاشي شرَّ ابنه، وتنفصل بذلك صورة العلاقة بينهما عن العلاقة بين هذا «الابن» مع أمِّه وأخته، حيث في الوقت الذي يخفض فيه جناحاً لأُمِّه، يرفع جناحاً آخر في وجه أخته بل فوق هامتها.. وفي ذلك تناقضٌ وفصامٌ من المحال أن يتحقق في الإنسان السويِّ نفسياً بما يؤكد وجود هذا الفصام في شخصية (الابن) داخل كلَّ الأُسر نتاج التربية وعدم تطبيق مفهوم البرِّ كما هو وارد في التربية الإسلامية التي لا نذكر أنّ المسلمين الأوائل قد كانوا في علاقاتهم داخل أُسرهم في منأى عنها حيث كانوا نماذج البرِّ، وأمثله الرحمة، وقدوة التكاتف والتكافل الأُسري.
ورُبَّ قائل لماذا البحث فيما ليس له غبار، بمعنى ما ليس له وقعٌ، أو صدى، أو علنيَّة، غير أنَّه لا بد من القول إن سكوت النساء عن عقوق أبنائهنّ داخل الأُسر ليس بالضرورة هو سكوت إقرار بما يفعلون بل العكس من المثل الذي ينصُّ: «إن سكوت الرجال إنكار، وسكوت النساء إقرار» فسكوت الأم في حال مثل هذه، بما تراه من خلل في العلاقة بين ابنها وأخته إنَّما هو في الغالب خوفها من استفحال الأمر في حال تدخَّل الأب في غير هدوء أو تعقُّل فيزداد الأمر سوءاً وتوتُّراً داخل المنزل. فتكتم ألمها بصمتها خوفاً عليه من تعسُّف الأب. فالأم التي استطاعت أن تحمله كرهاً، وتضعه كرهاً وفق معادلة تحمُّل الألم التي أشار إليها القرآن الكريم في هذا المعنى 15 الأحقاف «ووصينا الإنسان بوالديه إحساناً حملته أُمُّه كرهاً ووضعته كرهاً...». وهي معادلة لا يصحُّ الاستفادة منها ذريعة في تخلِّي الأب عن دوره في الرعاية التي تفرض عليه الإلمام بكل مايجري تحت سقف بيته، إذ في تجاهله إمعاناً في إيذاء الابن لأُمِّه مما يخرجه من دائرة الرحمة برّاً إلى القسوة عقوقاً. مما يعني ضرورة المصارحة والمكاشفة تواصلاً بين أفراد العائلة بما يدور تحت سقف منزل هذه العائلة لاسيما في ظلِّ حقيقة إنَّ ما يحدث تحت سقف العائلة يطفو على سطح المجتمع الأكبر العام.
فإن لم يحدث تلافي مثل هذه الحقيقة فإنّ الأمر يقود إلى متغير آخر وهو تأثير هذا الابن الأخ في أخته، ذلك الذي تنتقل عنه آثار إذلاله لها إلى علاقاتها المستقبلية مع الزوج، فالابن، كما أنَّه هو بدوره يكون في موقع المتأثِّر بهذا عندما يصبح زوجاً فتنعكس أدواره مع أخته إلى تعامل زوجه معه تلك التي لديها أنموذجه في أخيها فتتبادل المؤثِّرات فيها لتلعب معه التأثير ذاته. إذ إنَّ كافة (المنازل) تُخَرِّج هذا النوع من العاقين في سلوك عقوق مزدوج ومتجانس في تربية الولد.ولعلّ كافة المحاورالتي وردت في موضوعي الأمس وما سبقه تشير إلى هذه المتغيرات الناجمة عن الواقع تلك التي تؤكد ضرورة التَّفقُّه في مفهوم «البرِّ» الذي يتعامل معه «الولد» داخل أُسرته، إذ كم من الأذى قد ألحق بأُمِّه؟ وبأبيه، من خلال عقوقه لهما في أخته؟.وكم من التنصُّل منه قد وقع فيه في تناقضه في التعامل مع هذا المفهوم من خلال هذه العلاقة الثنائية المتناقضة؟.
أَوَ ليس هذا هو برُّ العقوق الذي يهيمن على سلوك الأولاد مع والديهم من خلال تناقض السلوك في التعامل مع مفهوم «البرِّ»، ومفهوم «العقوق» اللذين لم يصلا بعد إلى إدراك الأفراد من خلال التربية؟...
إنَّ ما هو مطلوب هو التَّفكُّر في هذا الأمر بجديَّة تفكُّر تحليل يخضع عقوق الوالدين وبرَّهما أمام هذا البرِّ العاق بهما في تعامل «الولد» الناجم عن تربيته وسوء تخليقه بخُلق الإسلام المنطلق من ضرورة فهم البرِّ فهماً واعياً، وعملياً يخضع له سلوكاً بحيث لا يخضع لهما جناح الذلِّ من جهة في تعامله معهما بأي دافع كان، ويعود فيعقّهما من خلال الأذى الذي يلحقه بهما وهو يذلّ تحت الجناح ذاته أخته، فزوجه، فالمرأة فيهما وفي سواهما.
إنَّ آثار هذا العقوق لا يجهله فرد في مجتمع تتناقض فيه مفاهيم التربية بين القول والتطبيق، وتزدوج فيه بالتالي مسالك التنفيذ، ولا أدلّ على ذلك من موضوعنا هذا حيث يمارس البرُّ والعقوق في آن معاً وفي موقف واحد، دون وعي تبعات ذلك في مستقبل الأفراد، ومن ثمَّة في واقع التعامل والعلاقات البشرية العامة. بما يطفو فوق السطح العام قادماً من تحت السقوف الخاصة.

أعلـىالصفحةرجوع




















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved