أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Tuesday 27th November,2001 العدد:10652الطبعةالاولـي الثلاثاء 12 ,رمضان 1422

مقـالات

كيف نصحّح النظرة إلى الإسلام والمسلمين (1)
د. عبدالله سالم الزهراني
رغم العداء والصدام مع الحضارة الغربية التي كانت الحروب الصليبية من أشدها قسوة وجورا على الإسلام والتي انتهت بدحر الفرنجة على يد صلاح الدين الأيوبي في معركة حطين إلا أن الإسلام لم يتشوه تجاه أعدائه ولم يؤخذ عنه فكرة سيئة بدرجة التكوين الذي وصل إليها في وقتنا الحاضر في اعتقادي.
ورغم غياب التشريعات والقوانين فيما يتعلق بالحروب في السابق إلا أن الإسلام كان مشرعا فيما يتعلق بالأسرى بالإضافة إلى بعض الأعراف السائدة.
كان المسلمون عندما يأسرون أحداً من الأعداء فإنهم لا يقتلونه ولذلك فإن كثيرا من المعارك مع أعداء المسلمين في تاريخهم الطويل كانت تمثل دروساً في رقي التعامل وكان لها انعكاسات جيدة من قبل الأعداء ليس هذا فقط في جانب الحروب ولكن في جوانب التعامل في عمومه ولعل جانب التعامل الحياتي هو الأهم وهو الذي يعكس الصورة الفعلية والحقيقية لما ينبغي أن يكون عليه التعامل لأن الدين المعاملة.
لقد صدمت عندما كنت أشاهد الأخبار المتعلقة بالحرب في أفغانستان إنني كغيري شاهدت مناظر مؤلمة ومفزعة في إحدى القنوات الفضائية بعد دخول قوات التحالف إلى مدينة كابل العاصمة الأفغانية.
الأول عندما كان أحدهم يتكلم مع رجل عادي كبير في السن في الشارع لا يحمل سلاحا وقد لا يكون له ذنب إلا إطالة لحيته إذا كان ذلك ذنبا حيث لطمه أحدهم من قوات تحالف الشمال على وجهه لطمة عنيفة تحركت من ألمها الجسدي والنفسي والمعنوي من مكاني وأطبقت على أسناني غيظا من ذلك الشخص الذي مد يده بطريقة وحشية وليته اكتفى بذلك إلا أنه مد يده إلى لحية ذلك المواطن وقبضها وهزها بقوة ثم أعاد الكرة على اللحية مرة أخرى.
والمؤلم أن هناك أناسا كثر من حولهما ولم يتدخل أحد. كلاهما مسلمان، الأول من المنتصرين الذين دخلوا كابل والآخر من الخاسرين المسحوقين الذين تقطعت بهم السبل وقرر البقاء في مكانه.
أما المنظر الثاني فهو لرجل من تحالف الشمال مرّ بجوار جثة هامدة ممددة على قارعة الطريق وركلها تشفياً وغلاً وحقداً وفاته إدراك المثل الذي يقول (لا يضر الشاة سلخها بعد ذبحها). إن مثل هذا التصرف يسيء للمسلمين وسيستغل سواء اليوم أو بعد يوم لدى أعداء الإسلام في الإمعان في تشويه صورة الإسلام والمسلمين.
ورغم علمي أن مثل هذه التصرفات قد تحدث في أعتى الجيوش في العالم وأكثرها انضباطاً، إلا أن الأفغان في مجمله شعب مسلم والإسلام ينهى عن مثل تلك التصرفات ولكن قناعتي بدأت تزداد بأن الغالبية الأفغانية لم تفهم الإسلام على حقيقته ولم تفهمه بتسامحه ورحمته ووسطيته البعيدة عن التطرف والغلو والبعيدة عن التساهل في جوهر العقيدة ولكن البعض لا يفهم إلا القشور والتطرف والتشنج والغلو. إن التطرف هنا لا يعني فقط مجرد التشدد والغلو في الدين ولكن يعني النقيض من ذلك أيضاً أي التساهل في الدين حيث إن المنظر الثالث كان لأناس في كابل كانوا في الأساس مطلقين للحاهم ولكن بمجرد دخول قوات التحالف تزاحموا على محلات الحلاقة لحلق لحاهم ورغم أن حلق اللحية ليس الأساس الجوهري في الدين ولكن حلقها في هذا السياق يعني الإساءة للدين في اطار معين كما أن المناظر المتطرفة الأخرى هو عرض الصور الفاضحة وبشكل يظهر وكأن ذلك مباح من الدين الإسلامي. أليس ذلك تطرفاً؟ إن الذي شاهدته وهذه الصفات من المؤسف ليست فقط في أفغانستان ولكننا نجدها في كثير من البلدان الإسلامية ولكن بدرجات متفاوتة.
لقد ضربت حركة طالبان مثالا لتشويه الإسلام من خلال الغلو والتطرف والتشنج والمكابرة في الرأي وعدم التزحزح عنه والاعتقاد بأنهم هم وحدهم من يطبق الإسلام بصورته الحقيقية.
كيف يمكن أن تكون صورة الإسلام على ما كان عليه طالبان وهم يمنعون الفتيات من الدراسة والخروج من المنازل والتعامل في الحياة اليومية ونحن في القرن الحادي والعشرين؟. لم تكن المرأة في أي يوم من الأيام من تاريخ الإسلام معطلة بل إنها تشكل نصف المجتمع. لم يكن دورها فقط قاصراً على الأعمال المنزلية وإنما كانت مشاركة في كل جوانب الحياة منذ فجر الإسلام. فلماذا النكوص وظلم المرأة؟.. ألم يكن من الممكن جعل النساء الأفغانيات يقتدين بأمهات المؤمنين؟. ألم يقل رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه (خذوا نصف دينكم عن هذه الحميراء)، يقصد أم المؤمنين عائشة بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنهما، كيف يمكن للمرأة أن تتفقه في دينها إذا حجرت في المنزل؟
طالبان لم تترك مجالا للتفاهم والحوار والتعايش ضمن منظومة العالم حيث خلقت لها أعداء دون مبرر وكل ذلك باسم الإسلام. كيف نفسر هدمهم لتماثيل بوذا والآثار التي هي جزء من تاريخ الأفغان؟ إن هذه التماثيل بغض النظر عن قيمتها التاريخية والعقدية ولكن هدمها ينم عن جهل وعدم درء العواقب.
إن هذه التماثيل جزء من التاريخ الأفغاني ومرت عليه قرون عديدة وليس بالضرورة أن يكون مسلمو الأفغان اليوم أفضل من مسلمي أفغان الأمس.
لم يحاول المسلمون السابقون الأفغان هدمها من قبل فلماذا اليوم؟ لم يكن ينقص الأفغان عداوات حتى يستزيدوا منها بذلك الهدم.
لماذا رفضوا الوساطة من علماء دين أجلاء أتوا إليهم من العديد من الدول الإسلامية؟ لماذا رفضوا نداءات الأمم المتحدة التي كانت أفغانستان في أمس الحاجة إلى معوناتها ومساعداتها؟ لماذا رفضت نداءات العديد من قادة العالم بالتراجع عن قرارها في ذلك الشأن؟ لماذا تأخذ الدين ستارا ومبررا لذلك العمل الذي استثار العالم؟ لماذا لم يجعلوا قرار هدم التماثيل قراراً سياسيا بدل استصدار فتوى دينية تربط بين الإسلام وذلك التصرف؟ لماذا الشطط في الرأي والتصلب وعدم التشاور مع أئمة المسلمين من خارج أفغانستان؟ لماذا أعمتهم نشوة النصر ودخولهم كابل عن محاولة التفاهم مع العالم للاعتراف بهم وهم الذين كانوا في أمس الحاجة إليه؟ لماذا لم يتجاوبوا مع الوسطاء من دول مختلفة وعلى رأسها المملكة العربية السعودية للإصلاح بينهم وبين الفصائل المختلفة؟.
لقد أتيح لطالبان فرصة وهي بالتأكيد لن تتكرر مرة أخرى ألا وهي سيطرتها على 90% من أراضي أفغانستان ولكنهم اضاعوها بالاعتماد على استشارة المتطرفين الذين آووهم. ما الذي عملته القاعدة وأعوانها لأفغانستان؟ هل بنت طرقا ومستشفيات ومدارس أم وجهت السياسة الأفغانية نحو النهاية والدمار وإفساد العلاقة مع كل دول العالم؟
ما الذي كسبته من تجميع الأفغان العرب؟ تدعي طالبان بأنهم ضيوف عندهم في أفغانستان. لماذا لم يحترم الضيف مضيفيه؟ لماذا لم يسع طالبان إلى الوساطة بينهم وبين دولهم إذا كان هناك خلاف مع دولهم؟ إن حمايتهم والسماح لهم بالتدريب وحمل السلاح والتهجم على دولهم التي عاشوا بها لا يعني سوى شيء واحد هو أن طالبان تؤمن بنفس الأفكار التي يؤمن بها هؤلاء الأفغان العرب؟ وهو الاعتقاد بأن لا إسلام صحيح إلا إسلام طالبان والأفغان العرب كما يسمونهم؟ وهذا ما جر العداوة لهم والتشويه للإسلام من خلال أعمالهم وأفكارهم.
ومن جانب آخر فإن التسمية بأمير المؤمنين والأمارة الإسلامية يمكن اعتبارها من الغلو وربما كان واحدا من الاسباب التي زادت من عداء الدول المجاورة في الشمال مثل تركمنستان وطاجيكستان وأزبكستان لطالبان وذلك تخوفا من طموح أمير المؤمنين من توسيع نفوذه لأن تلك الدول تخاف على سيادتها. وفوق هذا وذاك كسبت عداء الروس ليس فقط بفعل هزيمة الروس في أفغانستان ولكن أيضا خوفا من انتشار التشدد والغلو والتطرف إلى المسلمين في داخل روسيا خاصة أنها تواجه أزمة داخلية مع الشيشان. وعلى كل حال فإن التسمي بأمير المؤمنين في أفغانستان لم يكن الملا عمر سباقا إليه في أفغانستان بل إن شخصا اسمه (دوست محمود خان)، نصب نفسه أميراً للمؤمنين في أفغانستان عام 1838م عندما غزا البريطانيون أفغانستان لأول مرة ولكن هدفه كان يختلف عن هدف الملا عمر. حيث كان خان يسعى إلى لمّ الأفغان لمحاربة البريطانيين وأوشك على توحيد أفغانستان في ذلك الوقت لكن الإنجليز تمكنوا من أسره وإرساله للهند ليعود بعد المذبحة والهزيمة القاسية التي لحقت بالإنجليز عام 1842م وخروجهم من أفغانستان وقد حكم دوست محمود خان أفغانستان حتى توفي عام 1863م.
ويمكن القول من خلال الأحداث والتصرفات لطالبان بأن كثيرا من تصرفاتهم لا تعطي الانطباع الحقيقي عن الإسلام ومن هنا نتج عن تلك التصرفات الطالبانية انعكاسات سيئة لدى غير المسلمين وبالذات المعسكر الغربي.
إن هناك من المسلمين من لم يفهم عقلية الغرب ولا طريقة تفكيرهم ولا نظم حياتهم السياسية والاجتماعية والاقتصادية ولذلك يجد صعوبة في كيفية التعامل معهم في كل هذه الجوانب.
وبناء على ذلك فإنه من السهل تسجيل أي تصرف من ساسة العالم الغربي تجاه أي قضية تهم المسلمين بشكل عام بحيث يكون ذلك التصرف مخالفا لوجهة نظر بعض دول العالم الإسلامي تجاه تلك القضية فإن الوصف المباشر لذلك أو تلك المواقف بأنها مواقف عدائية وبالتالي ربطها مباشرة بالجانب العقائدي المسيحي المخالف للجانب العقائدي المتمثل في الإسلام في جوانب أساسية. والحقيقة التي يجهلها ربما الكثيرون هي أن المجتمعات الغربية هي مجتمعات لا تصف نفسها بالمسيحية كما نصف أنفسنا بالمسلمين وذلك على اعتبار انها مجتمعات مفتوحة ولكل الحرية في أن يمارس المعتقد الذي يرغبه في أطر قانونية تشمل كل الرعايا على هذا البلد أو ذاك.
ورغم الاختلاف العقدي إلا أن الغرب في كنائسهم وصلواتهم لا يسيئون إلى الإسلام ولا يتهجمون عليهم في صلواتهم داخل كنائسهم ولا حتى في منابرهم السياسية.
zahi_2000@hotmail.com

أعلـىالصفحةرجوع

















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved