أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Tuesday 27th November,2001 العدد:10652الطبعةالاولـي الثلاثاء 12 ,رمضان 1422

الاخيــرة

آيسكريم رمضان
عبدالله بن إدريس
شهر رمضان المبارك هو أزهى شهور العام وآنَسُها وأثراها للأرباح الأُخروية، ولهذا يتلقفه المسلم بشغف كبير وباحتفاء شعوري نفساني لا يتحقق في غيره من أيام العام. وهذا الشعور لا يتحقق للصائم إلا في بلده بالدرجة الأولى.. وفي البلاد الإسلامية الشقيقة بدرجة ثانية.
أما في خارج عالمه الاسلامي، فهو يحتسب أجره عند الله.. لكنه لا يشعر لهذا الشهر العظيم، بطعم، ولا لون، ولا رائحة.
* * *
لم أصم رمضان خارج المملكة العربية السعودية إلا مرتين: إحداهما في القاهرة.. وكان شعوري وشعور العائلة معي بروحانية الشهر وجماله وحبوره النفسي في هذا البلد العربي المسلم قريباً جداً مما يماثله في بلدي..
أما صيامي للمرة الثانية خارج المملكة، فقد كان في (لندن) وهذا هو رمضان الوحيد الذي لم نجد له أي طعم تلذُّه النفس كما لو كنا في المملكة.. ولا رائحة تنشقها الروح، ولا لون يعبق بنورانيَّة هذا الموسم العظيم..!!
لا نداء للصلاة نسمع، ولا تراويح في مسجد تجمع.. ما عدا جامع المركز الاسلامي في (ريجنت بارك) وهو يبعد عن شقتنا، حيث نسكن هناك عدة أكيال فيما أذكر .
وكأن الذي يصلي التراويح تلك الليالي أحد أساتذة جامعة الملك سعود، جزاه الله خيراً، لكن يبدو أن حفظه للقرآن ليس جيداً، ولو أنه قرأ في المصحف لتفادى قفز الآية، بل الآيات إلى ما بعدها، وقد عجبت لذاكرته التي تنسى الآية التالية. فتذكر الثالثة، والخامسة والسابعة وهكذا والمصلُّون خلفه إما أنه لا حافظ بينهم للقرآن ليردُّوا عليه.. أو أنهم اصطلحوا معه على هذه الطريقة العجيبة!! لم أصلِّ في هذا الجامع تراويح غير ليلة واحدة.. وانكفأت الى مسكني أصلي بعائلتي الفرائض وما تيسر من تراويح على قدر كبير من الشعور بالغربة.. وعدم الجدِّ والنشاط والمطلوب في هذا الشهر.. ولكن ما لا يُدرك كلُّه لا يُترك جُلُّه..
* * *
ومن أطرف ما مرَّ بي في لندن خلال ذلك الرمضان الذي لم نذق له طعماً إلا طعم (الآيسكريم ) ونحن صيام..!! أنه لم يفرض علينا وجوده الروحاني المشرق.. بل أنساني وأنسى معي ابني (إدريس) ذات يوم حيث خرج كلٌّ منَّا يتمشى في ذلك الشارع الضاج بالحياة..
ويا للعجب .. كيف محا جَوُّ لندن صورة الصيام من أذهاننا معاً.. ولمدة ساعة تقريباً، فقد كان الباعث على خروج كلٍّ منَّا شراء الصحف..
والتقينا في محل كبير لبيع (الآيسكريم).
وأخذنا نستمتع بلعق ما في أيدينا من علبة الآيسكريم ونغذُّ السير في حديقة الهايدبارك، ونحن مستمرُّون في قضم هذا المأكول اللذيذ غير شاعرين بشيء اسمه شهر الصيام.. ولا دار في خلد أيٍّ منَّا أننا صائمون.
* * *
وما استيقظنا من غفلتنا مع هذا (الملحوس المنحوس) وهذا البارد الذي يستدفىء بحرارة أفواهنا الحادبة عليه إلا وابني الآخر قادمٌ من الجهة المقابلة لسيرنا في هذه الحديقة .. فنظر إلى ما في أيدينا باندهاش شديد وضحكة مجلجلة نبَّهتنا إلى هذا النسيان الطويل لما نحن فيه.. وأن السبب في هذا هو فقدان الجو الرمضاني المعروف في بلادنا وبلاد العرب والمسلمين بحمد الله بأنه شهر ولا كالشهور..! مع أن العبادة لله بجميع الفرائض والسنن، لازمة لحياة المسلم في سائر أيام السنة.
لذلك فإن الذي يدرك رمضان في بلاد غير اسلامية يُحرم من كثير من خيرات هذا الشهر المبارك ومباهجه وحبوره الدينية والاجتماعية.
* * *
وإلى مواقف أخرى في معشوقة الملايين (لندن) إن شاء الله تعالى.

أعلـىالصفحةرجوع

















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved