أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Saturday 1st December,2001 العدد:10656الطبعةالاولـي السبت 16 ,رمضان 1422

الثقافية

من أعلام الأدب السعودي أ. د. محمد بن سعد بن حسين
د. موسى بن عيسى العويس*
مسيرة الحياة العلمية والأدبية والفكرية في المملكة العربية السعودية حافلة بنماذج من الأعلام الذين أثروا ولا يزالون يثرون بعطائهم المختلف الحياة الثقافية للأمة العربية والإسلامية.
والدكتور محمد بن سعد بن حسين واحد من الرموز الأدبية الذين أنجبتهم هذه البلاد على مر تاريخها وان كان لهذا الأديب صفة خاصة انفرد بها عن سواه من مؤرخي ومؤصلي الحياة الأدبية في المملكة العربية السعودية.
هذه الخصوصية في كونه الراصد والراسم للخطوط العريضة للأدب السعودي والمبرز لغاياته وأهدافه، حتى استطاع عبر اسهاماته المتنوعة أن يقيم لهذا الأدب وزنه بين الأقطار العربية، وأن يحملهم على الاعتراف به وإبراز أثره في حيّز الدراسات الأدبية.
ولا بدع في ذلك، فابن حسين عاصر حقبة طويلة من تاريخ هذه البلاد، وعاش كثيراً من أحداثها وتقلباتها في أنماط الحياة: السياسية والثقافية والاجتماعية، بل أتاحت له نشأته الاجتماعية الخاصة أن يشارك فيها على أكثر من صعيد، زد على ذلك احتكاكه بشكل أو بآخر بتيارات وثقافات إقليمية أتيح للأديب إبان حياته العلمية خارج البلاد أن يتشربها دون أن يذوب فيها، بل أحسبها من أسباب استقلاليته في الرأي والتفكير، لاسيما وقد أوتي من دقة الملاحظة، وقوة المقارنة والاستقصاء ما يؤهله لذلك ومن هنا لم يكن غريباً أن يتكئ الدارسون للأدب السعودي على وجه الخصوص على كثير من آرائه النقدية والتاريخية لمراحل نشأة وتطور الأدب السعودي.
وقد التفت الاستاذ الدكتور طلعت صبح السيد أحد الدارسين الذين أتاحت لهم فرصة العمل الأكاديمي في هذه البلاد إلى دراسة آثار ابن حسين الأدبية والثقافية، وذلك في كتابه (ابن حسين بين التراث والمعاصرة)، ليكمل بمؤلفه سلسلة من الدراسات الأدبية التي خص بها الأدب السعودي أثناء إقامته كعضو هيئة تدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية. وقد حاول المؤلف أن يستقصى في كتابه نشأة هذا الأديب والعوامل المؤثرة فيها، ودراسة ابداعه الشعري والنثري، والمحاور الأدبية والنقدية والاسهامات الفكرية والثقافية لابن حسين، وخرج من ذلك كله بعدة حقائق تاريخية وعلمية لا تتصل بهذه الشخصية فحسب، وإن كانت هي الوسيلة التي فتحت له مغاليق هذه الحقائق، مشرعاً بهذا العمل الأدبي للدارسين باب الحوار والمشاركة في أدب ابن حسين وآثاره الفكرية. ويبدو أن اتكاء المؤلف في دراسته وتحليله على سيرة ابن حسين الذاتية التي تعد ألصق فن أدبي بحياته أعطى هذه الدراسة طابعاً خاصاً، حيث أصبحت مرجعية تاريخية لدراسة الأدب السعودي المعاصر وظواهره الفنية، وعلاقته بالأدب العربي في الأقطار الأخرى.
إن حياة كحياة هذا الأديب مليئة بالكفاح والنضال والعزيمة والإصرار ألهبت حماسة المؤلف، وجعلته يتغلب على صعوبات الدراسة، تغلب ابن حسين على واقعه الاجتماعي المرير الذي عبر عنه شعراً بقوله:


ولي فؤاد صبيٌّ أمره عجب
لا يعرف الخوف لاتثنيه أخطار
غاب الضياء بعينيه فما وهنت
زيمة فيه، أو أعياه إبصار

وقد حرص المؤلف أن تتصدر هذه الأبيات غلاف الكتاب ليعيد لذاكرة قارئ هذا الكتاب قول أبي فراس الحمداني:


لعمرك ما الأبصار تنفع أهلها
إذا لم يكن للمبصرين بصائر

لقد صرفته كغيره من علماء عصره بصيرته عن كثير من اللذائذ وقطعته عن المتع التي يعيشها العالم الآخر !! وليس اصدق من شعره على تصوير واقعه الذي أعرفه بحكم التتلمذ على يده حين قال:


غرضت من اللذات لاشيء اشتهي
سوى أن أعيش الدهر استنطق الكتبا

ومؤلفاته العديدة التي رفدت المكتبة العربية وسدت فراغاً فيها، تشي عن استنطاقاته للثقافة العربية القديمة والمعاصرة بمختلف مناحيها.
وابن حسين كواحد من علماء العصر الذين انغمسوا في قضايا أمتهم مخلصين لها ذابين عنها في عالم اضطربت فيه بعض القيم وجدّت فيه بعض التحولات الفكرية ليس من الغريب أن يشعر في حياته المليئة بالجد بغربة نفسية عبر عنها بقوله:


إن تسلني عن حياتي فالجواب
وحشة الوحدة في ذل اغتراب

ولم يكن هذا الشعور الذي لازم الشاعر في بعض سنيّ حياته مانعاً له أن يعيش حياة منطلقة كغيره من الشعراء، بل إنك حين تمعن النظر في أشعاره الوجدانية وبخاصة في بواكير شبابه يمتلكك الإعجاب بقوة عواطفه، وغزارة شعوره ودقة تصويره لميوله، رغم البيئة الاجتماعية التي أحاطت به وأطّرت شخصيته، أو حاولت أن تلزمه سمتاً معيناً في أدبه. وخذ على سبيل المثال هذه الأبيات حين تحترب في نفسه عواطف الشوق والحنين والآلام والآمال فيقول:


جئنا إلى الربع نستهدي الوفاء به
ياليتنا لم نجئ يوماً لماضينا
ماذا جنى القلب حتى يرتمي شرقاً
من هجر غيداء لم نسعد بها حينا
كنا حسبنا الهوى ينسيك حادثة
لكن وجدناه زاد الشوق تمكينا
ما كان أغنى هواها إذ يلج بنا
عن دفعه الروح في أعلى تراقينا
حيناً يسوط بآلام الصدور دمي
وينشر الشوك في كبدي أفانينا

وواقعه الإجتماعي أملى عليه ألا يسترسل في عواطفه الوجدانية ليقول:


أكاد أبصر من دنياي زخرفها
إذا تصورت حسناً فيك يصبينا
لولا حيائيَ، لولا غيرة حبست
مني لساني ولولا عزة فينا
صرحت باسمك في شعري ليملأه
نوراً ويزداد إحساناً وتحسيناً

وأخيراً فلا يمكن أن يستوفي كاتب ما دراسة مثل هذه الشخصيات عبرمقالة أو نحوها، وإن كان مثل هذا العمل لافتاً لانتباه الدارسين كي يتناولوا فنون أدبه المتنوعة، واسهاماته الفكرية المختلفة بالبحث والدراسة.ثم إنني انتهز هذه الصفحة وعبر هذه المقالة لأرفع مقترحاً لصاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبدالعزيز أمير منطقة الرياض وقد عرف عن سموه الاهتمام والاحتفاء برموز الحركة الثقافية في هذه البلاد أن يتبنى مشروعاً يتم التنسيق فيه مع المؤسسات التعليمية والثقافية، لتخليد اسماء مثل هذه الأعلام التي خدمت المسارات الثقافية لهذه الدولة.
* إدارة تعليم منطقة الرياض

أعلـىالصفحةرجوع



















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved