أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Saturday 15th December,2001 العدد:10670الطبعةالاولـي السبت 30 ,رمضان 1422

مقـالات

الأفغان العرب
زياد الصالح *
ليس من المنطقي ولا يندرج ضمن معايير العمل السياسي والسياقات الإنسانية، هذا العداء الصريح الذي يجاهر به قادة تحالف الشمال في أفغانستان ضد العرب ودولهم دون استثناء، بدعاوى انخراط اعداد من الشبان العرب في القتال الدائر هناك ضمن تشكيلات حركة طالبان أو في تنظيمات القاعدة التي يقودها أسامة بن لادن، أو بحجة عدم حياد قناة «الجزيرة» القطرية في تغطية الأحداث في الساحة الأفغانية، أو قيام اثنين من «الجزائريين» باغتيال أحد زعماء التحالف المرحوم أحمد شاه مسعود، في عملية غادرة لا تقرها الأعراف والتقاليد العربية أساساً.
فالخلط الذي يقع فيه قادة التحالف الشمالي في الزج بالعرب وكأنهم أصل البلاء الذي شهدته افغانستان والسبب الرئيسي في مظاهر المحنة التي تعيشها منذ سنوات، لا يستقيم مع الوقائع التاريخية ولا يتفق مع الأحداث التي مرت بها هذه البلاد والمعاناة التي ضربتها على مدى أكثر من ربع قرن.
وابتداء.. لابد من التأكيد أن المتطوعين العرب الذين اصطلح على تسميتهم بالأفغان العرب لا يمثلون إلا أنفسهم، وهم مجرد مجاميع غادرت بلدانها وقضاياها هرباً وخيبة بعد أن أخفق أفرادها في التعبير عن أنفسهم وآرائهم في أوطانهم سواء كان ذلك بسبب تطلعاتهم الخيالية وطروحاتهم التطرفية، أو عدم قدرتهم على تحمل مضايقات حكوماتهم، فآثروا الابتعاد عنها وانصرفوا إلى غيرها تحت ستار الجهاد، رغم أن الجهاد يبدأ مع النفس أولاً وفي المكان الذي يقف فيه الإنسان، والزمان الذي يعيشه واقعاً، كما أن أسامة بن لادن الذي وجد في افغانستان حاضنة له أطلق من شعابها وعزلتها دعاواه الملتبسة، يعبر عن حاله وأفكاره التي لم تجد استجابة واسعة لها إلا في حدود دنيا في هذا المكان أو ذاك، كما دلت على ذلك أحداث الشهرين الماضيين.
والأمر ذاته ينطبق على قناة «الجزيرة» القطرية، التي سلكت منهجاً انحيازياً لطالبان وبن لادن في تناولها لأحداث افغانستان، وقعت في سلسلة أخطاء ومغالطات كان بمقدورها تجاوزها ومراجعتها، ولكنها لحسابات بعضها معروف سلفاً، والآخر خفي ستكشفه الأيام القابلة، سقطت في المحظور وتعثرت خطواتها، وتهاوى الشعار الذي رفعته منذ انطلاقتها قبل خمس سنوات، عندما وصفت اداءها بالموضوعي تارة، والرأي والرأي الآخر تارة أخرى، فهذه القناة التي أخضعت سياساتها للمشاغبات ضد دول عربية معينة مرة، ومشاكسة دول أخرى مرات عدة، لا تعكس توجهات العرب ولا تجمع وجهات نظرهم أو اهتماماتهم، ولا يمكن بأي حال من الأحوال، اعتبارها نافذة عربية وانما هي صوت قطري رسمي محدود يمثل أصحابه فقط.
وليس صحيحاً ما يقوله أحد قادة تحالف الشمال الأفغاني، عبد الرسول سياف من أن انحياز «الجزيرة» لطالبان تسبب في ردة فعل قاسية لدى تحالف الشمال ضد الأفغان العرب، كما أنه ليس صحيحاً أيضاً أن يتم شحن الخواطر والمشاعر ضد العرب لأن اثنين من الجزائريين دبرا اغتيال أحمد شاه مسعود، لأن ما قاما به عمل ارتزاقي بكل مواصفات الارتزاق، دفع الاثنان ثمنه عندما ارتدت عليهما فعلتهما.
ليس دفاعاً عن الأفغان العرب والمهمات العبثية التي قاموا بها في أفغانستان وانخراطهم في أحزابها وفصائلها المتقاتلة، إلا أن الدوافع الانسانية تستدعي من تحالف الشمال والقوات الأجنبية التي وصلت إلى بعض المناطق الأفغانية وبعثات الأمم المتحدة والهيئات الاغاثية فيها والسلطات الباكستانية، المبادرة إلى التعامل مع المجموعات العربية وغيرها من الجنسيات الأخرى التي قاتلت في صفوف طالبان وشبكة بن لادن، بطريقة تسمو على الضغائن والأحقاد، والتعاطي معهم وفق تعاليم الإسلام الحنيف، باعتبارهم أسرى حرب، هزموا ولم تعد لهم قوة، بعد أن تلقوا ضربات موجعة، وفتحوا أعينهم على وقائع مفجعة، كانوا طرفاً فيها عن قناعة أو ضلال.
صحيح أن قادة الأفغان العرب استخدموا اساليب التهريج والايقاع في الآخرين وتجنيدهم ودفعهم إلى أتون المحرقة في أفغانستان، إلا أن الصحيح أيضاً ان العشرات والمئات من الشبان العرب، خدعوا بالشعارات التي رفعها نفر هائج يفتقر إلى الوعي، فوقعوا في شباك نصبت لهم في شعاب وجبال ووديان أفغانستان، وانخرطوا في لعبة الدم هناك، دون أن يدركوا مخاطر ما أقدموا عليه إلا بعد فوات الأوان، ورغم ذلك فإن الرحمة مع هؤلاء ومعاملتهم بالحسنى والعمل على انتشالهم من الأوضاع والحالات المزرية التي يعيشون تحت وطأتها وتسليمهم الى هيئات الأمم المتحدة أو دولهم الأصلية التي قدموا منها، هو الخيار الأسلم والصحيح، لتحالف الشمال والسلطات الجديدة في أفغانستان، لاعطاء مثل انساني وصورة طيبة عن الشعب الأفغاني الذي عانى الويلات من منهج طالبان الاستعلائي والتمييزي، وأيضاً لقطع الطريق على الذين ما زالوا يروجون سمومهم ودعاياتهم لصالح حركة طالبان وتنظيم القاعدة، والدعوة إلى استمرار القتال وسفك الدماء في افغانستان تحت عناوين تلفيقية وحجج متهافتة.
ولعل قادة تحالف الشمال هم أعرف من غيرهم، بالوسائل التي اتبعتها طالبان وبن لادن في استقدام الشبان العرب إلى أفغانستان، وعمليات غسل الدماغ التي أجريت لهم، وكيفية زجهم في أتون الحرائق، وهذا يستلزم من الحكام الجدد في افغانستان أن يأخذوا بنظر الاعتبار للظروف التي فرضت أجواءها واستحقاقاتها على أناس ذهبوا مدفوعين بدوافع الجهاد صدقاً أم ادعاء ولكنهم حولوا رضوا أم أبوا إلى بنادق محمولة وقنابل موقوته، وأصبحوا أسرى لنفوس مريضة وأدوات لا تفرق بين الصواب والخطأ، ومن هنا فإن الواجب الإنساني والمسؤولية الأخلاقية يتطلبان اعادتهم إلى جادة الحق قدر الإمكان وضمان سلامتهم ونزع خيوط الأحقاد والأفكار السوداء من عقولهم، ومنحهم فرصة جديدة لتأهيل انفسهم، وتسليمهم إلى بلدانهم المسؤولة عنهم، شاءت أم اعترضت، باعتبارهم من رعاياها، ولها الحق في محاكمتهم وتطبيق ما تراه مناسباً معهم، وفق قوانينها المرعية بعد كفالة حقوقهم وسماع أقوالهم، فمن تاب واهتدى وعاد إلى السبيل السليم، كان له ما يستحقه من العطف والرعاية والاهتمام وعكس ذلك فكل واحد مسؤول عما جنت يداه وقادته خطاه.
وعلى الدول العربية والإسلامية، التي لها أبناء ضلوا الطريق في أفغانستان، أن تسعى هي الأخرى إلى المطالبة بهم، وتكثيف جهودها واتصالاتها مع الأطراف التي أسرتهم، لاعادتهم إلى أوطانهم، وبالتأكيد فان نسبة كبيرة منهم، لابد وقد خرجوا بانطباعات عن المحنة التي خاضوا في دروبها بنية حسنة أو قصد سيء، بعد أن هزتهم مشاهد الدم والدمار، والمسؤولية تقتضي من الجميع مد أيادي المساعدة والعون إلى من آفاق من غيبوبته، وتذليل المعوقات أمامه للاندماج من جديد في الحياة الطبيعية وسط أهله ومجتمعه، شرط أن يخلف وراءه تلك التجربة المرة التي عاشها في سنوات الانقياد الأعمى والمتاهات.
ومطلوب من الجامعة العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي وجمعيات التوعية الدينية وهيئات حقوق الإنسان في كل مكان، أن تسهم بدورها عن طريق الدبلوماسية والعلاقات مع الأطراف المعنية في أفغانستان، لانقاذ المئات أو الآلاف من الشباب العرب والمسلمين من المصير المجهول الذي ينتظرهم هناك، فمأساة هؤلاء مع أنهم يتحملون القسط الأكبر فيها مأساة كبيرة غير أن مستلزمات حمايتهم وإعادتهم إلى بلدانهم تفرض على الجميع المشاركة في عمل جماعي ومنظم، يرمي في المحصلة الى اجتثاث هذه الظاهرة الطارئة على المجتمعات العربية والإسلامية، ومسح الصورة المخيبة للآمال من المخيلة، وتبديد النزعات التهييجية التي لا تؤدي إلا إلى مزيد من الشرور مع النفس والآخر.
لقد أخطأ الأفغان العرب لاشك في ذلك، وصموا آذانهم عن دعوات الخير الموجهة اليهم في سنوات سابقة، ولكن الصفح عنهم مطلوب أيضاً، اذا ابدوا صلاحاً ومودة وعودة إلى طريق الصواب، فالاسلام العظيم ومبادئ الانسانية يدعوان إلى المغفرة والتسامح والسلام، واعطاء كل ذي حق حقه، دون امتهان أو إذلال، والعاقبة لمن اتقى.
* نائب المدير الإقليمي للاتحاد العالمي للإعلام واستطلاعات الرأي

أعلـىالصفحةرجوع















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved