أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Saturday 15th December,2001 العدد:10670الطبعةالاولـي السبت 30 ,رمضان 1422

مقـالات

البيوت الزجاجية (2)
الإرهاب الحضاري
رضا محمد العراقي
في الجزء الاول من هذا المقال أشرنا إلى الحملة المسعورة التي تتزعمها الصحافة الغربية ضد مناهج التعليم العربية ولاسيما في السعودية ومصر، وزعمت أنها تفرز إرهابيين.. وبينا بالأدلة أنها مزاعم خاطئة، ثم أوضحنا في المقابل كيف تفرز مناهجهم (بريطانيا وأمريكا) ارهابيين يعيثون في الارض فساداً.
ونستكمل ما بدأناه من أن الارهاب لا ملة ولا دين له، كما أنه ليس صناعة حضارة أو دين أو ثقافة بعينها.. بل افراز شاركت فيه كل الحضارات والأديان والثقافات.
والارهاب كمصطلح لم يُتفق على تفسير له واضح الدلالة والمعنى.. بل هو مصطلح غامض غير مفهوم على اطلاقه لا نستطيع أن نسوغه بمعنى محدد إلا بعد ان يتم وضع تفسير محدد واضح المعاني يفكك طلاسمه الحاصلة الآن.. غير اننا سنمضي معهم في المضي مع المصطلح حتى يأذن بغيره.
ولو أننا كشفنا في المعاجم الانجليزية (وهي بالطبع غربية!!) عن معنى الارهاب فإنهم يذكرون ضمن المعاني ان مجموعة يهودية كانت تعرف باسم (Zezlots) (المتعصبون) ظهرت في القرن الأول الميلادي كانت أول فرقة مارست الارهاب!!
وقد انطلق الاعلام الغربي في يوم 19 ابريل 1995 ليعبر عن مكنوناته وينفس عن احقاده على الإسلام والمسلمين والعرب ذلك اليوم الذي دمر فيه المبنى الفيدرالي بأوكلاهوما، وراحوا يكيلون للعرب والمسلمين الاتهامات بالارهاب المنبعث من الاصولية الاسلامية والمتطرفين العرب.. لكن تيموثي ماكفيه المواطن الامريكي خيب ظنهم لسبب بسيط انه قام بتفجير شاحنة مفخخة أمام المبنى الفيدرالي وتهدم المبنى على رأس من فيه.
وقد تبين أن التفجير جاء انتقاما لجماعة الدافيدين (نسبة الى دافيد قورثي) حيث اختير هذا المبنى الفيدرالي بالتحديد لان به مكتب التحقيقات الفيدرالي الذي تولى قيادة عملية الاغارة على وكر جماعة دافيد قورثي ببلدة واتكو بولاية تكساس وكان يوم التفجير 19 ابريل ذكرى مرور عامين على تلك الواقعة التي اتخذتها العناصر المناوئة للحكومة الفيدرالية بالولايات المتحدة رمزا على قهر الحكومة الفيدرالية ضد المواطن الامريكي.. هذا ما قالته وبثته وسائل الإعلام الامريكية نفسها اثناء حادث التفجير وهو يوضح بجلاء ان الارهاب متغلغل في المجتمع الغربي بصفة عامة والامريكي بصفة خاصة.. فلو عرجنا الى حوادث القتل الجماعية التي يمارسها الطلاب ضد زملائهم بالمدارس وهي كثيرة ما كفتنا مقالات عديدة عنها وهي في محصلتها نتاج لثقافة مجتمع رضع من الارهاب.
وكما يقولون ان السينما كغيرها من وسائل الإعلام مرآة للواقع الذي تعيش فيه.. وكل الافلام والمسلسلات الأمريكية في مجملها تحض على العنف، وتعلم الجريمة، وتكافىء المعتدي وتبرزه كبطل مغوار بعد ان يقتل ضحاياه ويمثل بهم، ويغتصب النساء، ويمارس العنف الأمر الذي يعكس للمشاهد ان ذلك هو الأنموذج الأمثل الذي يجب ان يحتذى به!!
هذه هي احدى افرازاتهم الثقافية والتربوية التي تجسدت في نهايتها الى انتشار الجريمة، واستشراء العنف، وعملت على تفكيك الأسر، وافتقاد القيم المثالية العليا.
وفي هذا السياق يحضرني مقولة للمستشار طارق البشري بمجلة الوطن العربي (3/10/1997) قال (ان الغرب لا يتصور وجود تجربة حضارية أو فكرية أو انسانية جديرة بالوجود والحياة إلا ان تكون هذه التجربة قائمة على أساس الفكر الغربي.. فخلال القرنين الاخيرين سيطر الغرب علينا، واحتل أراضينا، وخلال ذلك كنا نجد من الغربيين من يدافع عنا أحيانا، كانت بعض العناصر المثقفة والليبرالية، وبعض العناصر الانسانية من داخل المعسكر الغربي تدافع عن حقنا في ألا تغزى أراضينا، وحين كانت تطرح القضية السياسية نجد من بين هؤلاء من يدافع عن استقلالنا، وحين كنا نتحدث في الاقتصاد لم نكن نعدم من يقف إلى جانبنا، ولكن حين بدأنا نتحدث عن (استقلالنا الحضاري وتميزنا العقدي) وقفوا جميعا صفا واحدا ضدنا، لأن الغرب برمته، لا يتصور تجربة في الحياة خارج إطار (حضارته).
اذاً هناك فرض إرهابي للحضارة الغربية على الآخرين، يريدون من خلالها ان ينتشر نموذجهم الحضاري على كل الأجناس والاعراق التي تعيش على وجه البسيطة بالقوة والعافية!!
فمن رفض ذلك الاذعان اتهم بالتخلف والرجعية ويعوزه ان يتطور ويتأهل من أجل النهوض للفوز بحضارتهم!!.
ونحن عندما نطلق مصطلح (الارهاب الحضاري) نفهم ان من يصفنا بالتخلف والرجعية لمجرد تخلينا عن حضارتهم، فهو بذلك يفقد الآخرين شرعية الوجود ويكفرهم حضاريا فهم لا يعترفون ولا يسمحون في نفس الوقت ان يكون هناك وجود حضاري مخالف لتجربتهم الفكرية.
هكذا كان الغرب عنصريا شديد الشراسة عند تعامله مع الحضارات الاخرى ولاسيما الحضارة الاسلامية لانها حضارة تؤمن وتدرك ان النقل من الحضارات الاخرى يكون بالشيء الذي يعود بالنفع عليها.. فلا تأخذ (حلوه ومره) كما قال طه حسين من حضارتهم.. فالغرب لا يريد ان يحدث معه كما حدث من التجربة الاسلامية مع الحضارة اليونانية حيث نقلت منها الفلسفة والمنطق والفلك والرياضيات واهملت منها المعتقدات والآداب لأنها كانت وثنية.
ونفس الشيء فعلته الحضارة الغربية مع الحضارة الاسلامية عندما كان لها التفوق والريادة فقد أخذت من حضاراتنا بعض العلوم والمناهج وتجاهلت الإسلام والعقيدة!!
لذلك لا أعرف سببا واحدا واضحا يفسر هذا التشدد الحضاري الغربي.. كما لا اعرف مبعث استشاطتهم غضبا عندما ينادي احد علماء المسلمين بأن يكون التحديث والمعاصرة وفق المنظور الاسلامي لا بالمنظور الغربي حيث المعاصرة بمعناها الذي نعرفه وندركه ان يخضعها المسلم بهمومه ومشاكله ويجتهد في حلها وفق التصور الإسلامي لها.
كما كشفت الاحداث الأخيرة ان الغرب يعيش داخل بيوت زجاجية يحاولون التحصن داخلها بعد ان فعلت بهم احتقانا سياسيا وغلوا حضاريا فجر الافكار المكنونة وانطلقت تصريحات وعبارات من معاقلها بفعل هذه الازمة.. حيث قال الرئيس الامريكي جورج بوش ان الحرب مع الارهاب (حرب صليبية) وفيما قال رئيس الوزراء الايطالي بيرولسكوني (ان الحضارة الغربية النصرانية متقدمة عن الحضارة الاسلامية التي تتسم بالتخلف والركود).
هذان الموقفان اعادا بالذاكرة ذلك الفرق الكبير بين الحضارة الاسلامية والحضارة الغربية في تلك المناظرة التي تمت بين السلطان العثماني والأمير المجري (هينادي) وظلت تتردد حتى هذه اللحظة.
فأثناء الفتوحات العثمانية في البلقان ووسط اوروبا سئل الامير المجري ماذا تصنع لو انتصرت على المسلمين؟ فقال: أؤسس العقيدة الرومانية الكاثوليكية.
ولما سئل السلطان العثماني.. ماذا تصنع لديننا لو انتصرت؟
قال: اقيم كنيسة الى جانب كل مسجد وادع مطلق الحرية لكل فرد أن يصلي في أيهما شاء.
وحين غزا بونابرت (الذي لم يعرف سبل التعايش مع الآخر) ارض مصر.. سلك سبيلا لاحتلال البلاد حيث ادعى (ان الفرنساوية هم ايضا مسلمون خالصون ) وانه (اكثر من المماليك الذين كانوا يحكمون البلاد يعبد الله سبحانه وتعالى ويحترم نبيه محمد صلى الله عليه وسلم والقرآن الكريم).
فهذا السلطان العثماني ابن الحضارة الإسلامية الراقية ماذا قال، وهذا بونابرت ابن الثورة الفرنسية والحضارة الغربية ماذا كذب من أجل تحقيق المراد..
هكذا كان الفرق بيننا وبينهم.. والله المستعان.

أعلـىالصفحةرجوع















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved