أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Thursday 3rd January,2002 العدد:10689الطبعةالاولـي الخميس 19 ,شوال 1422

الثقافية

اللعبة السردية في «السكر المر» بين تقليدية التشكيل ودينامية الرؤية
د. محمد صالح الشنطي
في الحديث عن السياق العام المتعلق بالجنس الروائي كنوع أدبي من أجل موضعه هذا العمل الروائي في هذا السياق لابد من الاشارة الى حقيقة مهمة تتمثل في استيعاب الرواية لعناصر مختلفة من الاجناس الاخرى، فهي على حد تعبير احد النقاد تقع عند ملتقى هذه الأجناس، لذا كان الإلحاح على تعددية مكونات النص الروائي في دورتها التطويرية الثانية التي أعقبت رواية القرون الوسطى التي ظلت أمشاجاً من الفروسية والمغامرة ذات صلة بالملحمة فكان مرتبطا بضرورات تاريخية اجتماعية في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر حيث الكشوفات والنظريات العلمية وتشييد المجتمعات البرجوازية والإقرار بقيمة الفردية والبحث عن الذات على نحو ما يرى مؤرخو هذا الفن، كما اشار الى ذلك الناقد المغربي محمد برادة.
وربما كان في تأطير باختين لتطور الرواية في مراحل تاريخية طبقا لمتغيرات شخصية البطل التي أفضت بالضرورة الى تحوُّلات في طرق الأداء والتشكيل ما يفيد فثمة طوراول جامع لعديد من التوجهات في بناء الشخصية الروائية يتمثل فيما اسماه طور (الرحلة)، حيث يغيب البطل ويفقد ملامحه المتميزة، ويُصارالتركيز على زمن المغامرة والوقائع، مما يذكرنا بما جاء في كتاب «بناء الرواية»لا دوين موير(ترجمة) ابراهيم الصيرفي «الدار المصرية، القاهرة»عن رواية الحدث التي غايتها إثارة الفضول والمتعة والانفعالات الحادة كالتوقع والفزع، وفي مثل هذا النوع من الرواية يكون للحادثة الصغيرة نتائج كبيرة غير متوقعة، فالحدث يستحوذ على الاهتمام بتعقده وحله، وعلى الرغم من وجود مثل هذا الحدث في «السكر المر» فإنه ليس هو المقصود بذاته، وإنما الكشف عن جوانب الشخصية لذا تصبح وظيفة الحبكة ان تضع الشخصيات في مواقف جديدة، وتغير من علاقاتها بعضها ببعض، ومن خلال ذلك كله تجعلها تسلك سلوكا نمطيا على حد تعبير ادوين موير، وهو ما نلحظه في «السكر المر» فنحن نجد المؤلف يضع بطل الرواية في مواقف جديدة تكشف عن جوانب الشخصية «ففارس عزت»نجم المجتمعات والحفلات يوضع في موقف الزوج الغيور القاسي المتخلف عند اقترانه برجوة وسفره معها في شهر العسل، ثم يوضع في موقف جديد يكشف عن بعد آخر من أبعاد شخصيته حين يفتعل شجاراً معها لأن الجامعة أصدرت قراراً بتعيينها، وفي موقف آخر يتحول الى كذاب أشر يغرِّر بأهل خطيبته الجديدة، ويزعم انه غير متزوج.. وهكذا، ومع هذا تصنف شخصية البطل هنا بأنها مسطحة من الناحية الفنية لا تتطور بل تتكشف عن أبعاد جديدة ثابتة.
وإذا كان باختين قد أشار الى مرحلة (الاختبار) بوصفها مرحلة تالية تمثل طوراً جديداً في تطورالرواية عالمياً، فإننا نجد السمات العامة التي حددها لهذه المرحلة تنطبق بشكل أو بآخر على بطل «السكر المر» وفي ذات الوقت لا تخرج عن ملامح رواية الشخصية كما تحدث عنها ادوين موير، فالبطل في رواية الاختبار يمثل صورة جاهزة له خصاله التي يتم اختبارها على امتداد الرواية، واذا كانت الرواية العاطفية المثيرة للانفعال مبنية على الانزياح بالنسبة للمجرى العادي للحياة بوصفها لوناً من ألوان رواية الاختبار، فإن «السكر المر» تتميز بهذه السمة، سمة المواقف الاستثنائية المخترقة للمألوف والمتكئة على الصدفة، حيث تتم التحولات الكبرى على نحو مفاجىء والمصادفة المحضة كما سبق ان أشرت فانفضاح أمر فارس عزت فيما يتصل بكذبته على أهل خطيبته الثانية يتم بترتيب مسبق، ولكن من خلال تكنيك يجعل الأمر يبدو وكأنه مجرد مصادفة، كذلك تعرف «رجوة» على زوجها الثاني (فلاح) يتم مصادفة أيضا، ونهاية «فارس عزت» تتم من خلال ارتطامها بسيارة نقل عن طريق الصدفة، وهكذا وإذا كان من أهم سمات مرحلة الاختبار في الرواية يتمثل في التركيز على البطل، وما يحيط به فإن الأمر يبدو كذلك في هذه الرواية) حيث تعجز الاحداث عجرا تاماً عن تغيير البطل فيكتفي المؤلف بجعلها محكا يختبر من خلالها.
أما المرحلة الثالثة متمثلة في الرواية (البيوجرافية) التي تنهض على اللحظات النموذجية والجوهرية من كل حياة بشرية حيث حياة البطل تتغير، ولكنه يظل ثابتا والتغير الوحيد الحادث هو الخاص بأزمة البطل، فإن هذه الرواية (السكر المر) يمكن ان تلتقي مع هذا الاطار، علماً بأنه ليس المقصود بالرواية البيوجرافية هنا رواية السيرة الذاتية بمعناها الحرفي، ولكن في شكلها الفني.
إن هناك سمات مشتركة من كافة مراحل تطور الفن الروائي في الحبكة الاولى، وخصوصاً تلك التي تعتمد على الحبكة البسيطة التي تقدم البطل في مشاهد مترابطة ممتدة أفقياً كرواية البكارسك التي تأخذ شخصية رئيسية داخل سلسلة متتابعة من المناظر ثم تقدم عدداً منها لتنتهي الى رسم صورة عن شريحة مجتمعية خاصة غير اننا لا نصل من خلال تحليلنا لهذه الرواية الى الرواية في طورها المتقدم الذي عبر عنه باختين في حديثه عن رواية «التشكل» حيث النموذج الواقعي الذي لا يكون تطور البطل فيه منفصلا عن التطور التاريخي (فتشكل الانسان يتم داخل الزمن التاريخي الحقيقي الضروري).
حيث يصبح البطل عن تحول «ما» في مرحلة تاريخية بوصفه نموذجاً تنعكس فيه كل الخصائص الجوهرية. وحيث يكون الاعتماد على قانون السببية بدلا من الاعتماد على الصدفة والتحول في الحدث لا يعتمد على تغير الوقائع الخارجية وإنما يتم على المستوى النفسي أيضاً، فالسير التلقائي المنطقي المحكوم بالفعل ورد الفعل المنبثق من جماع الخصائص الكلية للشخصية هو الطابع المميز للرواية الواقعية بوصفها رواية درامية أيضا تختلف عن رواية الشخصية ورواية الحدث.
ويتكىء الخطاب الروائي على اساسين هما: السردي والوصفي بوصفهما قادرين على تجسيد وايهام المحاكاة أو احتمال الوقوع غير ان ثمة عنصراً ثالثاً يركز عليه نقاد الرواية الحديثة وهو «الحوارية» التي في ضوئها ينبثق الخطاب الروائي من رحم الخطاب الحياتي العام القائم التعدد والتنوع والتفاعل، وإذا كان ما يسمى (الكرونوثوب) وهو ما يعني الزمان والمكان ثم التشخيص الادبي بوصفهما عنصرين متممين لأركان الخطاب الروائي تحصيل حاصل فإن انفتاح «السكر المر» على ألوان من الخطاب وخصوصاً العامية، واللغة القرآنية المهيبة والأمثال، وما الى ذلك يمثل احتضانا لتعددية الخطاب، ولكن نمط التحليل المقالة هيمن على جزء من الرواية، كذلك مركزية السرد الذاتي الاحادية، ولاشك ان ما أمسى بالكلام الآمر هو المسير في مقابل الكلام المقنع الذي يشكل جوهرالحوارية، من هنا كان السرد الاحادي الصوت هو السائد في الرواية فرجوة هي التي تقدم من وجهة نظرها الرواية بينما يغيب الصوت الآخر، صوت فارس عزت ولا يبرز الا سرديا من وجهة النظر الذاتية، باللغة الساردة خاضعة لعملية النقل (نقل كلام الآخر) انه النسق السيمولوجي والارشادي) المغلق. أما فيما يتعلق بالكرونوتوب (الزمكان) ارتباط الزمن الروائي للفضاء المكاني، فثمة قضية بالغة الأهمية تتمثل في نمطية الزمان المكان ذي المرجعية المحددة، وتخيلية هذا العنصر الذي يجعل رواية نسقها الزمكاني الذي يميزها عن الانساق الاخرى، والحقيقة (الكرونوتوب) هنا نمطي دائري مقفل، اللقاء الزواج الفراق الموت: البيت، الجامعة ، المستشفى، الطريق، ليس ثمة زمن تاريخي له نكهته الخاصة، ولا مكان له خصوصيته، إنها النمطية المقابلة للأحادية.
أما اللغة فهناك لون من ألوان العلاقة بالأشياء فهي هنا علاقة تطابق، وعلاقة التطابق تندُّمن التشخيص الادبي المفترض في الخطاب الروائي، فالخطاب الأدبي يتأسس على المسكوت عنه كما يقال فعنصر التخييل الذي يمثل الجانب الاساسي في شعرية اللغة الادبية يحرر الخطاب من مرجعيته الخارجية، ويستبدل بها نوعا آخر من العلاقة يقوم على اجتماع أنماط الحكي «الاسلبة والتهجين والكلام المباشر والخطاب الضمني والأجناس التعبيرية»، ونحن في «السكر المر» لا نجد هذا التشخيص، فثمة نمط واحد من نماط الحكي يقوم على النقل وموازاة المرجعية الواحدة والنقل المباشر، وإذا كان هناك استثمار للأشكال التعبيرية الاخرى كالمقالة فإنما يتم ذلك في إطار المباشرة ولكن هذا لا يعني افتقاد الرواية لعنصر التشخيص الادبي في اللغة. فالاقتباس من القرآن الكريم ضمن اعادة قولبة اللغة وكذلك الأمثال، والتماهي مع اللغة المنفلوطية كل ذلك يمنح اللغة الأدبية بعداً اختراقيا مفارقاً ولكنه لا يصل لها الى درجة التنوع التي تؤكد منهج التشخيص المألوف في الرواية الفنية، ثمة تماثل في اللغة على الرغم من هذا التنوع فهو تنوع محدود في اطار النمط: الخطاب اللغوي الواحدي الاتجاه، وسأعرض تفصيلا لذلك:
أولا: الاستقصاء والمبالغة والترادف، وهو ما نلمسه في مستهل الرواية حيث التعريف بفارس عزت: فارس في مجتمعه، فارس حيث يكون في المناسبات الاجتماعية، قطب الرحى وواسطة العقد في مدرجات الجامعة في الحفلات العامة والخاصة. أسطورة، فارس أحلام أكثر من عذراء... الخ.
ثانيا: استثمار الاساليب البلاغية التقليدية حيث أسلوب المدائح التراثية المألوف في تعريف الإعلام والشخصيات.
ثالثا: الحرص على موسقة الخطاب في بُعده النصي بالحرص على الايقاع، وبحسن التقسيم والازدواج واستخدام المسكوكات اللفظية «سرت سريان النار في الهشيم» ولا أصبح له في المخيلة وجود وأصبح له في الخاطر حضور»ص9.

أعلـىالصفحةرجوع
















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved