أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Saturday 5th January,2002 العدد:10691الطبعةالاولـي السبت 21 ,شوال 1422

عزيزتـي الجزيرة

التعليم وسُبة الإرهاب
نظرة إلى العمق الإستراتيجي في المناهج
هل في مناهج التعليم ما يغذي الارهاب في بلادنا.. قد يبدو هذا السؤال في أول وهلة ليس له محل من المعقولية ولاسيما ان المثقفين والمسؤولين من أصحاب الاختصاص ومن كل توجهاتهم المختلفة أخلصوا جهودهم من اجل ان ينفوا هذه الشبهة عن مناهج التعليم الرسمية.. وأجمعوا انها خالية من شوائب الارهاب أو الدعوة إليه.. لكن المراقب والراصد لتبعات وتضاعيف الأحداث الأخيرة قد لا يُغنيه هذا الاجماع وذلك النفي على لسان المسؤولين عن الشك والريبة وهو يشاهد اتفاقا احيانا وتقاطعا أحايين أخرى بين مواضيع منهجية عقدية وبين بعض الأصول والعناصر في خطاب «الارهاب» المعاصر، ويتمثل هذا التقاطع في مواضيع التوحيد وفي أحاديث الولاء والبراء ونواقض الإيمان وأقسام الشرك واستحقاق الإيمان أو الحكم بالكفر وغير ذلك.ومن أجل الكشف عن صحة هذه الريبة وواقعيتها يجب ان ننظر أولاً في العمق الإستراتيجي للتعليم الديني في المناهج الرسمية، فمنذ ان تشرّفت الحكومة السعودية الأولى بمناصرة دعوة الإمام المجدد محمد بن عبدالوهاب تبنت دعوته منهجاً وسياسة وتعليما ثم توارثت الأجيال علماء ومتعلمين في البلاد كتب ومختصرات الإمام المجدد منهجا ثابتا للتعليم، يبدأ مع أول خطوة للمتعلم حتى مرحلة النضج والتخرج، ثم بدورها مدارس التعليم الرسمية ورثت مختصرات الإمام محمد بن عبدالوهاب كتبا منهجية ومعتمدة للمرحلتين الأوليين بالنص وباقي المراحل بالمعنى. ومختصرات الإمام محمد بن عبدالوهاب تخصصت في توحيد العبادة والثورة ضد الشرك والمشركين، وبيان وسائل الشرك وطريق التوحيد المخلص منها.. ولأنها تعالج وتقرأ حالة البلاد في حاضر ومجتمع مؤلفها التي تعج بأنواع الشرك والانتكاس عن التوحيد، فقد استخدم الإمام أشد وأقسى التعابير ضد الوثنية ووسائل الشرك حتى استطاع ان ينتصر عليهم، ومن هنا نعرف ان كتب الشيخ كانت قراءة لهذا المجتمع الحاضر وثورة ضد عناوين الشرك الموجودة.
ولكن الطالب في المراحل الأولى في عصرنا قد لا يتصوّر ويدرك معاني الشرك، ونواقض الإسلام وبعض القواعد التوحيدية إلا نظرياً لسلامة مجتمعه منها، ولكن حين يريد ان يعرفها واقعاً ملموساً فإن الطالب لا يبالي «ربما» بأن يلقي بهذه المعاني والأحكام الشرعية على كل من هو «غربي» و«شرقي» من غير الشعوب الإسلامية دون ان يتروّى ويتأنى، بل قد يتعامل مع بعض الشعوب الإسلامية المجاورة التي قد يتخللها بعض الأخطاء في العبادة والتوحيد على انهم هم المشركون والبدعيون، ومن ثمَّ يحصل انفصام شديد بين النظرية والتطبيق في ذهن الطالب، ومن هنا يجب ان تراعى خطورة اطلاق هذه الأحكام إلا على من استحقها وارتكب إثمها بشروطها وعدم موانعها، ولا يجوز ان نُغفل هذه المراعاة في مناهج التعليم، وقد يتطور الحال في ذهن الطالب على ألا يتعامل مع الآخر غير المسلم إلا بالرفض.. لأن الآخر هو المشرك هو الذي أغلظ وأشد شركاً من أبي جهل وأبي لهب وجميع المشركين السابقين.. وهكذا حتى يستبيح ماله ودمه.ونحن في عصر يسوده العهود والمواثيق كما ان المسلم بحاجة إلى غيره والتعامل معه لأبسط لوازم حياته. ومما تميزت به مؤلفات الإمام المجدد كثرة التقاسيم وتعديد الأنواع، ولكن قد يفهم الطالب ان نتائج هذه التقاسيم وأحكامها واحدة كما في أنواع الشرك مثلاً وخصوصا ان دليل أحدها قد يصدق على كل نوع منها، كما في دليل شرك الرياء «الأصغر» وهو غير مخرج عن الملة قد يصلح دليلا للشرك الأكبر المخرج عن الملة وهو قوله تعالى: «.. ولا يشرك بعبادة ربه أحداً» فيجب توضيح الأحكام المترتبة على هذه الأنواع والتقاسيم.
كما ان القواعد التوحيدية ونواقض الإسلام التي ذكرها الإمام ابن عبدالوهاب في مختصراته تستحمل عدة تفاسير ومعاني عند التطبيق، ولكن موجة «الارهاب» في عصرنا ركبت أشدها ضيقا وحرجا مما ضيّق عليها وعلى المسلمين.. فيجب تفسيرها بالوسطية والاعتدال في مناهج التعليم حتى لا يفهم منها غير ما اريد لها.ولعل من المفيد ان نذكر هنا اننا نستبق ذهن الطالب في مراحل مبكرة لتعليمه أشياء قد لا يدركها وإن ادركها، أدركها على غير مرادها، فمن ذلك ان يتعلم الطالب في الصف الثالث الابتدائي في سن الثامنة أركان الإسلام ومع كل ركن التعريف والدليل على ركنيته وفي السطر الثالث ان من أنكر حكم الوجوب كافر بالله تعالى، فيا ترى هل يستطيع الطالب ان يفرق بين انكار حكم الوجوب وبين ترك الفعل، ام انه يفهم ان مجرد الترك كفر بالله تعالى، وبعد ذلك يتساهل في هذه المرحلة المبكرة جدا في إطلاق الأحكام الكفرية.. لعل هذا مما لا يطيقه معلم الابتدائي تعلما وتعليماً فضلاً عن الطالب.أفلا يكفي ان يتعلم الطالب حكم الوجوب والفرضية لهذه الأحكام دون تكليف الأحكام التي لا يطيقها ولا يحيط بها مع موانعها وشروطها.
ولقد كانت من حكمة النبي صلى الله عليه وسلم والمعلم الأول ان يقول «مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع واضربوهم عليها وهم أبناء عشر..» ولم يقل علموهم ان من أنكرها كافر بالله تعالى.. فحقاً ان ثوابت الدعوة لا تتغير ولكن سياستها مع الواقع قد تتغير.. هذا إذا أراد أهلها مناصرتها وإكمال مسيرتها.
محمد بن إبراهيم التركي
معلِّم في منطقة القصيم

أعلـىالصفحةرجوع
















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved