أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Sunday 6th January,2002 العدد:10692الطبعةالاولـي الأحد 22 ,شوال 1422

مقـالات

في الأفق التربوي
التربية عند السلف
أ.د. عبد الرحمن إبراهيم الشاعر
للتربية الإسلامية عند السلف مفاهيم ومعايير أساسية يبنى عليها المنهج التربوي الإسلامي. كما أن لها قيّماً ومبادئ نابعة من القيّم والمبادئ الإسلامية التي نشأ عليها سلف الأمة والتي كان لهم نهج حياة وأسلوب عمل ووسيلة لتلقي العلم والمعرفة، وكانت محفوفة بالصبر والصدق والأمانة والتقوى والحلم والإيثار وحسن الخلق. وكان السلف لهم فلسفة في التربية منطلقاتها تربية النشء ووضعهم على الطريق المستقيم، ووسائلهم لذلك ما ورد في القرآن الكريم وما أتت به السنة الشريفة. يقول ابن القيّم الجوزي في هذا الصدد إن الله سبحانه وتعالى شرف الإنسان بحمل الأمانة، وقد منحه عقلا يميز به، وجعل العقل مناط التكليف حيث تتمثل حيلة العقل في صحة الإدراك وقوة الفهم وجودته، وبالعقل يمكن إدراك العلاقات. بل المعرفة روح العلم ولبّه وكماله.
ويشير ابن خلدون في فصل الفكر الإنساني إلى أن الله سبحانه وتعالى ميّز البشر عن سائر الحيوانات بالفكر الذي جعله مبدأ كمال نهاية فضله على الكائنات، وذلك أن الإدراك هو شعور المدرك في ذاته والإنسان يدرك الخارج عن ذاته بالفكر الذي وراء حسه، فينتزع بها صور المحسوسات ويحول بذهنه فيها، والفكر هو التصرف في تلك الصور وراءالحس وجولان الذهن فيها بالانتزاع والتركيب. والنظريات الحديثة تقول إن للمعرفة ستة مستويات، هي: الفهم والإدراك، والتطبيق، والتركيب، والتحليل، والتقويم.
ويشير الخليل بن أحمد الفراهيدي من خلال منهجه التربوي التجريبي إلى صفات الناس ومنهم المعلمون فيقول: «من الناس من يدرك أنه يدرك فذاك عالم فأتبعوه، ومنهم من يدرك ولا يدري أنه يدرك فذاك ضال فأرشدوه، ومنهم من لا يدرك أنه لا يدرك فذاك طالب فعلموه، ومنهم من لا يدرك ولا يدري انه لا يدرك فذاك جاهل فحذروه». والأسلوب التربوي التجريبي الذي انتهجه الفراهيدي هو ما تسعى إليه التربية الحديثة في تحليل المواقف التعليمية وتطوير استراتيجية تعليمية تربوية تنطلق من قياس القدرات الإدراكية للمتعلم التي ترتبط في الغالب بالمتغيرات الوراثية والنفسية والاجتماعية.
وفي الجانب السلوكي يوصي الإمام الشافعي مؤدب أولاد الرشيد بقوله «ليكون ما تبدأ به من إصلاح أولاد أمير المؤمنين إصلاحك نفسك، فإن أعينهم معقودة بينك، فالحسن عندهم ما تستحسنه، والقبيح عندهم ما تكرهه، علمهم كتاب الله ولا تكرههم عليه فيملوه، ولا تتركهم منه فيهجروه، ثم رووهم من الشعر أعفه، من الحديث أشرفه، ولا تخرجهم من علم إلى علم غيره حتى يحكمونه، فإن ازدحام الكلام في السمع مضلة للفهم».. ويرى الإمام الشافعي كذلك انه من سمع بأذنه صار حاكياً، ومن أصغى بقلبه كان واعياً، ومن وعظ بفعله كان هادياً». ويقول زينة العلماء التقوى، وحليتهم حسن الخلق، وجمالهم كرم النفس.
ومن أخلاقيات مهنة التعليم وصفات المعلم لدى السلف ما أشار إليه محمد بن سحنون بأن المعلم يجب أن يشتهر بجملة من الصفات العلمية والأخلاقية ومنها الخبرة التامة بالقرآن وعلومه، والورع والعفاف والاستقامة والعدل في تعليم الصبية وأن يوفهم حقهم في تعليمهم وتربيتهم حسب ما تقتضيه آداب القرآن من حسن السلوك والاستقامة. كما على المعلم ألا يجعل التلاميذ يصرفون أوقاتهم في شيء غير التعليم وألا يشغل نفسه بشيء يصرفه عن تعليمهم حتى ولو كان هذا الشيء القراءة في كتب العلم.
بعد استعراض الأسلوب التجريبي في التربية لدى الغرب نلحظ أنهم يقرون انه كي يتسنى لهم دراسة جذور مدخل النظم في التعليم، لا بد من الإقرار بأن هذا الأسلوب مبني أساساً على الملاحظة والاختبار، أي أنه أسلوب تجريبي، ويعزون الاعتماد على الدلائل التجريبية إلى «لومينيوس» الذي عاش في القرن السابع عشر والذي يرى وجوب استخدام الطرق الاستقرائية في تحليل عملية التعليم وتحسينها.
وفي مجال مبادئ التعليم الأساسية يلحظ السبق للسلف في وضع وحدة المفاهيم السائدة في نظرية التعلم التي تميزت بأهمية كبرى لفهم التعلم الإنساني، ومن الواضح أن بعض نواحي التعليم تتسم بعمومية حدوثها، فما هي سوى مجالات يمكن ملاحظتها حين تعرف تداعيات المعاني والخواطر في عملية التعليم الشرطي التقليدي لدى البشر.
أن تكرار الأحداث في مواقف تداعي المعاني أو الخواطر أو الأفكار يعد في الأصل شرطاً من شأنه زيادة قوة الارتباط الشرطي إلا أن تأثير الممارسة على التعليم والاحتفاظ بمادة التعلم وتذكرها ليس تأثيراً بسيطاً، وقد أشارت الدراسات الحديثة إلى أن مجرد تكرار فعل ما لا يقوي التعليم، حيث لا تحدث الممارسة تثيرها إلا حين يحدث تكرار لموقف التداعي الجاري تعلمه مع توفر الشروط التي تتيح الترابط والتعزيز المتضمن، والتي تحدث أثرا ملموسا على التعليم حين تصاحب بالممارسة.
وحين يحدث تعلم مواقف نتيجة تداعيات متعددة بالممارسة تزداد صعوبة استدعاء إحدى هذه التداعيات بسبب تنافس غيرها معها. وهذه الظاهرة الهامة يطلق عليها التداخل، والذي يزداد احتمال حدوثه بازدياد أوجه التشابه بين مختلف التداعيات التي يجري استدعاؤها. وهذا ما ذهب إليه السلف من التحذير من ازدحام الكلام وما أوصى به السلف بأن لا يخرج التلاميذ من علم إلى علم حتى يحكموه لأن ازدحام الكلام في السمع مضلة للفهم.
أن النشاط العقلي تحكمه عدة مؤثرات خارجية وداخلية توجه العملية التعليمية ،من أهم تلك المؤثرات المعلم الذي يرى فيه السلف القدوة الحسنة للتلاميذ، لأن أعينهم معقودة بعينه، فالحسن عندهم ما يستحسنه والقبيح عندهم ما يكرهه. والله المستعان.
shaer@anet.net.sa

أعلـىالصفحةرجوع



















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved