أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Monday 7th January,2002 العدد:10693الطبعةالاولـي الأثنين 23 ,شوال 1422

مقـالات

البيوت الزجاجية (3)
الأصولية المسيحية «سبَّاقة» في الإرهاب
رضا محمد العراقي
أشرنا في الحلقتين السابقتين من هذا المقال الى ان مناهج الغرب أفرزت وما زالت ارهابيين يعيثون في الأرض فساداً.. وبينّا ان الغرب يفرض على البسيطة إرهاباً حضارياً عنوة بالامتثال لنموذجهم وحضارتهم ومن يخالف ذلك يتهم بالرجعية وتلتصق به تهمة التخلف!!
وفي هذا الجزء من مقالنا نسلط الضوء على بداية الإرهاب الأصولي المسيحي.. مؤكدين ان الكنيسة كانت سبباً ودعماً له.. فاستخدمت مآربها في التنكيل بخصومها من الإصلاحيين كما عمدت الى تحريض الأوروبيين لغزو الديار الاسلامية في حرب لا هوادة فيها..لذلك نقول للذين ربطوا بين الإرهاب وبين العرب والأصولية الاسلامية قد جافوا الحقيقة وفقدوا الصواب ولم يبحروا جيداً في أعماق التاريخ أو يقفوا على شواطىء محايدة من التقييم وضبط حركة الأحداث بميزان العدل والموضوعية.. لأن الأصولية المسيحية كما هو معروف سلفاً هي الأكثر عنفاً وتطرفاً من أي ديانة أخرى.. ذلك لأن الكنيسة منذ العصور الوسطى وبدايتها الأولى كانت تؤمن باحتكار المعرفة والحقيقة المطلقة وحدها لا ينازعها فيها أحد مهما كانت قدراته.. وقد اقترفت الكنيسة في سبيل الحفاظ على ذلك أشد الجرائم للسيطرة على السلطة والجاه والقوة.
وكان اضطهاد الهراطقة (الهرطقة تعني المروق عن الدين الصحيح) وضرورة إعادة تنصيرهم ولو بالقوة علامة فارقة، لتسطر احدى الصفحات السوداء بتاريخ الاصولية المسيحية مع معارضيها الذين يقفون ضد تنامي هيمنتها ونفوذها.. وكان رد فعل الكنيسة عنيفاً في القضاء عليهم واسكات أصواتهم للأبد .. وكانت دواوين استئصال الهرطقة هي بداية حقيقية لمحاكم التفتيش الكهنوتية التي راح ضحيتها مئات الآلاف.
ومن المفيد في هذا الصدد ان نشير الى المرسوم البابوي الذي صدر في بدايات حكم الكنيسة يعاقب من خلاله كل من ارتد الى الوثنية (لاحظ انهم يتهكمون الآن على الاسلام في حكم المرتد) وقد داهمت الشرطة في القرن السادس الميلادي منازل العديد من الناس وساقوهم بالسياط لتعميدهم قسراً وقد نفذوا حكم الإعدام بالآلاف من الذين رفضوا التعميد.!!
ويقول الدكتور ابراهيم الحيدري (الشرق الاوسط 24/10/2001م) عن الحروب الصليبية: «انها حروب أفرنجية مسيحية قامت ضد العرب والمسلمين في شرق البحر الابيض المتوسط ومصر والمغرب، وكانت لها دوافع وأهداف عديدة، دينية واقتصادية وسياسية ومهما اختلفت الاسباب فإن دوافعها كانت واضحة ويمكنها تلخيصها بقرار مجمع كلر مونت عام 1095م والكلمة التي اختتم بها البابا اوربان الثاني خطابه فيه قائلا: .. «هكذا أراد الله»..، واصبحت صرخة الحرب التي احتل بها الصليبيون القدس عام 1099 بحجة اضطهاد المسلمين للحجاج المسيحيين الذين يحجون الى بيت المقدس.. وفي تلك الحملة كان الصليبون يحملون على أجسامهم الصليب حتى تكون الحرب مقدسة».
وتم احتلال القدس في مجزرة رهيبة ليس لها مثيل سقط فيها أكثر من 70 ألف مسلم.
ان اتهام الغرب بتصدير الارهاب من خلال اصوليته المسيحية ليس من بنات أفكارنا بل هو اعتراف من أشهر الفلاسفة الغربيين «سبينوزا» الفيلسوف الذي سبق ظهور كتابات التنوير بمائة عام تقريباً مثل فولتير وروسو.. حيث قال في كتابه «مقالة في اللاهوت السياسي» عام 1670م: «إن الاشياء وصلت الى درجة لم نعد نستطيع معها التمييز بين أصولي مسيحي أو يهودي أو تركي أو وثني فجميعهم متعصبون ويفهمون الدين على غير حقيقته».
وأوضح ان الهدف النهائي من تأليف هذا الكتاب أن يثبت أن الكتب السماوية لا تُعلِّم التعصب وإنما تُعلِّم التسامح والمحبة اذا ما فهمناها على حقيقتها.. وبالتالي فلا ينبغي ولا يعقل ان تصدر الفتاوى اللاهوتية التي تبيح القتل والاغتيالات والتعصب والحروب الأهلية والدينية.
لا نغالي اذا قلنا ان التعصب للدين أو تصدير الارهاب للآخرين لم يبرح من القارة الأوروبية في ظل هيمنتها، بل كان نتاجاً لثقافتهم وافراز تعصبهم لعقيدتهم .. لذلك يحاولون بكل ما أوتوا من قوة ان يلصقوا تهم الارهاب بالعرب والاسلام.. وحتى لا اتهم بالتعصب والتحيز لثقافتي العربية وديانتي الاسلامية سأسرد المزيد من الأدلة التي توحي بعمق التعصب المسيحي وإرهابه لكل الذين يخالفونهم في الثقافة والديانة:
ففي أواخر القرن الماضي «شهر اكتوبر 1999» أذاع المكتب الصحفي للفاتيكان نص رسالة وجهها الأب جويس برنارد يني المعين أسقفاً لأزمير بتركيا الى مجمع الأساقفة الأوروبيين طالب فيها البابا بأن يعقد اجتماعاً خاصاً لبحث مشكلة الوجود الاسلامي في أوروبا.
مدعيا ان هناك «مؤامرة» دبرها المسلمون لاختراق القارة والهيمنة عليها من خلال سيل المهاجرين الذين يزحفون اليها من كل صوب!!
وقد نشرت صحيفة «ناشيونال بوست» الكندية «14/10/1999» تفصيلات تلك الرسالة على صفحاتها الأولى بعنوان كبير: «أسقف يتهم المسلمين بالسيطرة على أوروبا». وأوضحت ان برنارد يني من «صقور الفاتيكان» وقد قضى 42 عاما في أزمير بتركيا.
ويدعي برنارد يني في رسالته ان استمرار هجرة المسلمين من شمال أفريقيا وآسيا الى ايطاليا جعل الاسلام الديانة الثانية بعد المسيحية وهي الديانة الأكثر انتشاراً في ايطاليا الآن. وشكا من انتشار المساجد والزوايا في المدن الايطالية.. ومن ان هناك أعداداً متزايدة من الايطاليين يتحولون الى الاسلام!!.
هذا ليس فقط على مستوى رجال الدين المسيحي ولا الفاتيكان بل وضحت معالم ذلك الانزعاج من التنامي الاسلامي في القارة الأوروبية من رجال السياسة والقانون حيث تسن منذ زمن قوانين الارهاب التي تحد من حرية الاسلاميين ونشاطهم داخل القارة العجوز وتضيق عليهم الخناق حتى يهجروها الى غير رجعة، هذه القوانين لم تكن وليدة الأحداث التي حدثت بنيويورك وواشنطن بل سبقتها بكثير لكن الأجواء تهيأت لسنها وتطبيقها الآن.
وبدأنا نسمع هذه الأيام أصواتاً علت نبراتها تطالب بالمعاملة بالمثل حيث انطلق اسقف كانتربري في بريطانيا يطالب المجتمع المسيحي بإيقاف هجرة المسيحيين من الشرق الأوسط.. مستدلاً كما يزعم بدراسات صدرت من الفاتيكان تشير الى ان الهجرة تزداد معدلاتها بين المسيحيين الى دول مثل أستراليا وكندا وأمريكا وأوروبا.
وتناسى هذا الأسقف بل تجاهل تلك الدراسة التي نشرها الدكتور برنارد سابيلا السكرتير التنفيذي لدائرة خدمة اللاجئين الفلسطينيين في القدس (DSPR) التابعة لمجلس كنائس الشرق الأوسط في قبرص يقول فيها: انه في عام 1944م كان في القدس فقط 30 ألف مسيحي وارتفع العدد في بداية الستينيات «حقبة القومية العربية» الى 50 ألف مسيحي.. اليوم تناقص العدد الى ما يقارب الخمسة آلاف نتيجة الضغط السياسي وسياسة التهويد لمدينة القدس وعدم وجود الاستقرار الاقتصادي لهم.. مثل هذه الدراسة وتلك الأرقام لم يلتفت اليها الغرب خوفاً من الآلة الإعلامية اليهودية الجبارة وضماناً لإسكاتهم.. أما إذا كانت الدراسة تخص المسلمين أو ضدهم فإن الإثارة والإبراز يجدان طريقهما الى النشر والتحريض.
فيحاول الفاتيكان والقوى المسيحية ان تسيس بعض الدراسات أو التصريحات التي تنطلق من هنا أو هناك ويحاولان من خلالها تعليق الجرس في رقبة القط لإيهام العالم بأن هناك مؤامرة محبوكة الأركان من المسلمين للسيطرة والهيمنة على الغرب.
ورغم أنهم الذين قدموا الينا واحتلونا تارة بالحرب الصليبية وأخرى بالاستعمار كما صدروا الينا ارهابهم وثقافتهم الملغومة بالتشدد والعنصرية.. يحاولون الآن ان يوهموا أنفسهم قبل غيرهم ان مسيحيي الشرق يهاجرون من بلادهم هرباً من القهر والظلم رغم أنها هجرة اقتصادية في بداياتها ونهايتها وشاركهم فيها المسلمون للبحث عن فرص أفضل للعيش.
ألم أقل لكم ان الارهاب الأصولي كان من صنع الكنيسة الأوروبية والثقافة الغربية.. والآن يحاولون تصدير هذا الاتهام لنا وإلصاقه بعقيدتنا..؟ وكما يقول المثل الشائع: «رمتني بدائها وانسلت..!!».
ولا حول ولا قوة إلا بالله.
* للتواصل reda5@ayna.com

أعلـىالصفحةرجوع

















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved