أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Saturday 12th January,2002 العدد:10698الطبعةالاولـي السبت 28 ,شوال 1422

مقـالات

قلعة أجياد وموقع المملكة على قائمة التراث العالمي
د. عبدالعزيز بن صالح بن سلمة
أفهم حدوث شيء من عدم الدقة في معلومات ينقلها صحفي مهني محترف على لسان مصدر يتصل به، بسبب الحاجة الى التغطية السريعة لحدث أو ظرف ما، وهذا ماحدث معي حينما نقل على لساني أن قلعة أجياد لاتشكل معلما ذا قيمة تاريخية أو ثقافية أو طبيعية، وقد أسفت لنقل ما قلته على هذا النحو لأنني أعرف أن لهذه القلعة قيمة تاريخية، وأنها مرتبطة بفترة وإن كانت لنا عليها الكثير من المآخذ لا تمت لتلك الأصوات العلمانية المتطرفة التي تهجمت على المملكة بصلة.
وأعرف أن تلك الأصوات تنتمي الى عقيدة سياسية تنكرت لكل ما كانت تمثله الدولة العثمانية، اللهم إلا عندما يتعلق الأمر ببعض الجوانب الفولوكلورية التي تبقت منها وبعض الرموز التاريخية والدينية والثقافية التي يرى فيها هؤلاء فقط أنها مصدر جذب للسياح الأجانب، لا أقل ولا أكثر، مزيلين منها كل بعد روحي يعرف العالم بأجمعه أنهم حاربوه ولا زالوا يحاربونه بشراسة تثير عجب غير المسلمين قبل المسلمين أنفسهم.
نعم لتلك القلعة قيمة تاريخية، مثلما كان لمعالم أخرى زالت من قبل قيمة تاريخية تطلبت خدمة المسلمين ورعايتهم والتيسير عليهم أثناء الحج والعمرة إزالتها، ومن ضمنها معالم تاريخية وثقافية عربية تتعلق بهوية أهل هذه البلاد قبل غيرهم. ولكن لم يكن هناك مفر من التضحية بها للقيام بما هو أهم: خدمة بيت الله الحرام وتيسير أداء مناسك الحج والعمرة والزيارة لملايين المسلمين. ولا أدري هل فيما أكدته المملكة بخصوص المحافظة عليها ماسيقنع تلك الأصوات، أم أنها سوف تتجاهل ذلك وتستمر في هيجانها ومحاولة تهييج الشعب التركي؟
وأتساءل: لماذا هذه الشراسة و التجريح من قبل بعض المسؤولين الأتراك وبعض وسائل الإعلام التركية؟ ولماذا هذا السلوك السياسي غير اللائق والمفتقد إلى أصول التعامل المتحضر بين الدول؟ لا أعتقد أن ذلك ينم عن حرص على الحفاظ على التراث الاسلامي أو حتى التركي العائد لفترة الدولة العثمانية. لأنه لو كان الأمر كذلك لكانت تلك الأصوات في تركيا قد وجهت عُشر ماوجه الى المملكة من اتهامات إلى إسرائيل، التي أزالت ولا زالت تقضي على كل ما يمت إلى الدولة العثمانية بصلة، من معالم وآثار دينية وتاريخية وثقافية. ولكانت وجهت الاحتجاج تلو الاحتجاج لما تقوم به اسرائيل من جرائم أدانتها اليونسكو في حق بيت المقدس وكل المباني والمنشآت التي تحيط به. ولا أذكر أن تركيا قامت ولو لمرة واحدة بمساعدة المجموعة العربية والإسلامية في حمل اليونسكو ولجنة التراث العالمي على الضغط على إسرائيل للكف عن تعريض المباني الاسلامية للتدمير، سواء من خلال حفر أنفاق تحت الحرم القدسي الشريف، أو هدم مبان تاريخية تعود لعصور إسلامية مختلفة، بما فيها العهد العثماني.
ولا أذكر كذلك وتقارير الدورات السنوية للجنة التراث العالمي تشهد بذلك أن تركيا قد قامت بأي جهد للمحافظة على الكنوز الإسلامية التي قامت صربيا بتدميرها في جمهورية البوسنة والهرسك، وأغلبها مساجد ومبان ذات طراز معماري فريد. ولم تقم الحكومات التركية المتعاقبة بتمويل ترميم ما أمكن ترميمه من المعالم الإسلامية بعد توقف العدوان الصربي. إن سجلات اليونسكو تشهد بأن المملكة هي التي قامت بذلك العمل النبيل، وأقول ذلك لأنه أتيح لي الإطلاع على سير أعمال الترميم تلك شخصيا برفقة مسؤولين من اليونسكو، في سراييفو وفي موستار وغيرها، ولأن اليونسكو كما يدل ماصدر عنها من وثائق قد عبرت عن شكر المجتمع الدولي لهذه الجهود.
وبعد كل ذلك، أتساءل: كيف تصل الوقاحة بوزير يتوقع منه الإلمام ببعض الثقافة، والمعرفة بما تقوم به منظمة دولية مثل اليونسكو إلى حد التهجم واستخدام العبارات المقذعة في نقدها على دولة أسهمت في المحافظة على آثار تنتمي إلى العهد الذي يتنكر هو ونظامه منه: العهد العثماني؟. وترى، هل أراد ذلك الوزير وبعض المسؤولين الأتراك أن يثبتوا بأنهم يتفوقون على شارون وحكومته في اختلاق الأزمات من خلال التزييف وقلب الحقائق؟
أما محاولته وبعض الساسة الأتراك الخلط بين ماقرر بشأن قلعة أجياد، وبين هدم نظام طالبان البائد للآثار البوذية في باميان، فهي تنم عن انتهازية سياسية غبية لن تنطلي على أحد، وإن كانت ستمد بعض الجهلة والمتجاهلين من منسوبي وسائل الإعلام التركية بوقود لمقالاتهم وتعليقاتهم التي تبعث على السخرية. ويحزنني أن الشعب التركي المسلم الذي نعتبره جميعا شعباً عزيزاً علينا قد ابتلي بمثل هؤلاء وأولئك.
وأخشى ما أخشاه أن يقول البعض وهو قائل لا محالة أننا أحسنا صنعا بعدم تسجيل أي موقع ثقافي في المملكة على قائمة التراث العالمي. وهذا في رأيي هو عين الخطأ. إذ إن من شأن تسجيل مواقع نعتز بها وترمز إلى ثقافتنا وتشكل جزءاً من هويتنا التعريف بها في جميع انحاء العالم والاعتراف الدولي بقيمتها. وليس هناك من سبب يجعلني أعتقد بأن عشرات الدول التي تتنافس كل عام لتسجيل مواقع ثقافية تاريخية وطبيعية فيها أقل حرصا منا على سد أي ثغرة تمكن أي جهة من التدخل في سيادتها الوطنية. بل إنني لمست أن البعض يفسر عدم قيام دولة بتسجيل مواقع بها خصوصا الدول التي تتوافر لديها ثروة تراثية مادية وطبيعية متنوعة بقصور الإدراك بأهميتها الإنسانية، أو بأنها لاتعتز بهذه الثروة.
وعندما أقول أن هناك تنافسا بين الدول في تسجيل ما تمتلكه من مواقع تعتبرها تراثا مهمًّا للإنسانية أتذكر محاولات إسرائيل المستميتة في تسجيل مواقع تزعم أنها لها على قائمة التراث العالمي. ورغم فشلها في هذه المحاولات في الماضي، وآخرها قبل عامين لتسجيل موقع جبل صهيون، تمكنت في آخر العام الماضي من ضم قلعة مسادا إلى تلك القائمة.
وأخيراً أعتقد أن على المسؤولين الأتراك الذين يشنون هذه الحملة غير المبررة والتي لاتليق بحكومة تحترم أسلوب اللياقة وأعراف التعامل المتحضر بين الدول أن يهتموا بشؤونهم الداخلية وإصلاح أحوالهم هم، عليهم أن ينكبوا على معالجة اقتصادهم المتهاوي وأن يحسّنوا من سجلهم القائم في مجال حقوق الإنسان، وعليهم أن يدركوا أن هذا الاسلوب في الكسب السياسي الانتهازي الرخيص أسلوب لن يجدي. وبئس الكسب الذي لايتحقق من ورائه إلا اجتذاب بعض الاهتمام الإعلامي الباحث عن الإثارة والتسلية.

أعلـىالصفحةرجوع


















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved