أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Saturday 12th January,2002 العدد:10698الطبعةالاولـي السبت 28 ,شوال 1422

مقـالات

السلطة الأولى
يوسف القبلان
لم تعد الصحافة أو الإعلام بشكل عام هي السلطة الرابعة في العالم كما يقال فقد انتقلت الى المقعد الأول وأصبحت هي السلطة الأولى، وأصبحت السلطات الأخرى تنتظر أوامر هذه السلطة ولا تجرؤ على مقاومتها!
نحن بلا شك نعيش في عصر الإعلام.. عصر الصورة والكلمة القوية المباشرة.. عصر الخطابة.. التقنية إن صح التعبير.
نعيش في عصر المعلومات.. من يملك المعلومة يملك القرار ومن يملك الإعلام يملك السيطرة.
لنتخيل أن الأحداث العالمية القائمة الآن، منذ تفجيرات 11 سبتمبر والمستمرة حتى الآن، حدثت بدون تغطية إعلامية، وبدون مصورين، وبدون صحافة، وبدون كلمات ومؤتمرات صحفية؟
كيف ستكون الصورة؟ وكيف ستكون المواقف والآراء وردود الفعل؟
إن الأحداث العالمية القائمة الآن تؤكد أن الوسائل الإعلامية أصبحت هي السلطة الأولى، فهي لا تلاحق الأحداث بل تصنعها!!
المراسلون يصلون إلى المواقع التي لا يجرؤ أحد إلى الوصول إليها ويجدون الترحيب والحماية في بعض الأحيان، ويتعرضون للقتل في أحيان أخرى كما أنهم يمنعون من دخول ساحة الأحداث كما تفعل إسرائيل مما يدل على خوفها من وسائل الإعلام والذي يخاف عادة هو الذي يرتكب الأخطاء في الخفاء (أقصد المجازر).
القنوات التلفزيونية تقود الرأي العام أكثر مما تفعل خطب الرؤساء وقراراتهم.
الدول التي تدعي الحرية والديمقراطية تلجأ إلى محاولة كتم حرية الإعلام وتتدخل حتى في المصطلحات المستخدمة في النشرات الأخبارية لأنها تدرك مدى تأثير وسائل الإعلام في توجهات الرأي العام.
القيادة السياسية تجتمع لتناقش كيفية التعامل مع وسائل الإعلام وخاصة التي يصنفونها في خانة الاعداء.
الإنسان العادي جداً يتحول بين يوم وليلة بسبب وسائل الإعلام إلى أسطورة، والإنسان المتميز، والقائد الناجح المؤثر يمكن بواسطة وسائل الإعلام تحويله إلى مهرج!!
وفي الذاكرة سقوط الرئيس نيكسون بسبب قضية وترجيت التي اكتشفها أحد الصحفيين ونشرها واستمر في التعامل معها حتى أخرج نيكسون من البيت الأبيض.
وكاد كلينتون يخرج من البيت الأبيض بفضيحة مدوية ومأساة شخصية بالنسبة له، وكان يمكن السكوت عن هذه الفضيحة لو كان العالم بلا صحافة.
الشغب في الملاعب الرياضية يحدث أحياناً بسبب الإثارة الصحفية والكتابات الانفعالية التي تؤثر في الجماهير.
رئيس الجهاز الحكومي ينتابه التوتر ويطلب عقد اجتماع طارىء، لأن إحدى الصحف وضعت جهازه تحت المجهر وسلطت عليه أقلام النقد!!
السلطة الأولى تجعلك تقول من الكلام مع أصدقائك ما تعجز عن البوح به للقراء أو للمشاهدين أو المستمعين!
السلطة الأولى يتودد إليها الجميع إما خوفاً من نفوذها أولاستخدامها مطية للوصول إلى هدف معين.
السلطة الأولى مرآة، وضمير، وقوة، وتأثير، ووسيلة تقع عليها مسؤولية كبيرة.. هذه المسؤولية العظيمة إذا لم يتم تقديرها أو شابها شيء من الخلل فقد يؤدي ذلك إلى كارثة على مستوى الأمة.
تصور لو أن صحيفة ذات تأثير قوي، وتوزيع واسع اطلقت اشاعة في صفحتها الأولى عن مرض قاتل سيصيب الأمة خلال ساعات.. كيف ستكون ردود الأفعال في الشارع.. ومن سيتحمل المسؤولية؟؟
في بعض الدول يتم إغلاق الصحف بسبب الرأي الذي لا يعجب السلطة الرسمية، وفي دول أخرى تقود وسائل الإعلام المجتمع نحو التغيير.
إن وسائل الإعلام ومن أهمها الصحافة أمام مسؤوليات هذه السلطة كونها هي التي تشكل الرأي العام وتقوده مثلما يحصل الآن في أمريكا حيث أصبح الإعلام يوجه بطريقة رسمية ووضعت قيود على النشر وأصبحت معاداة الحرب من الأمور التي لا يجوز الحديث فيها.
أمام هذه المسؤوليات العظيمة.. قد يؤدي الطرح غير الناضج أو الانفعالي وغير المسؤول إلى توجيه الرأي العام إلى اتجاهات تتعارض مع المصلحة الوطنية.
ونحن القراء أمام السلطة الأولى.. ما هي العلاقة بيننا؟ هل تشابه علاقة الشعب بحكومته؟
هل نحن من المصفقين لهذه السلطة أم من المعارضين؟
وهل النهج الذي تسير عليه هذه السلطة هو الصواب بعكس نهج السلطات الأخرى؟
أليست السلطة دائماً عامل جذب للرأي الآخر؟ وهل تتقبل السلطة الأولى هذا الرأي الآخر بروح رياضية وبديمقراطية أم تقابلها بالرفض والغطرسة؟
هل ينطبق على السلطة الأولى قول الشاعر:


لا تنه عن خلق وتأتي مثله
عار عليك إذا فعلت عظيم

بمعنى أنها تدعو الحكومات إلى إتاحة الحرية الصحفية وإلى تقبل النقد، ثم ترفض هي تطبيق هذا المبدأ عليها في علاقاتها بالقراء وبالمسؤولين؟!
هل يتوفر لدى السلطة الأولى الامكانات البشرية المؤهلة من مستشارين، ومتخذي قرار وموظفين فنيين مؤهلين ومتخصصين في المجالات المختلفة للقيام بمهام ومسؤوليات السلطة المتعددة؟
الواقع أن بعض وسائل الإعلام قوية بإمكاناتها مثل الدول العظمى فسلطة وتأثير بعض الصحف أو القنوات التلفزيونية تتفوق أحياناً على سلطة وتأثير بعض الحكومات بل ان بعض السياسيين يتوجه بقراراته وفقاً لتوجهات وسائل الإعلام، وبهذا قد لا يكون من المبالغة أو الخطأ القول على سبيل المثال بأن بعض وسائل الإعلام هي التي تدير البيت الأبيض وخاصة إذا كانت هذه الوسائل خاضعة لسيطرة اللوبي الصهيوني.
وهناك في المقابل وسائل إعلامية نامية مماثلة للدول النامية في إمكاناتها وانتشارها وتأثيره في الرأي العام، بل ان بعض الصحف تستمر في الصدور رغم أنها بلا قراء!!
ولسنا بحاجة إلى إعطاء أمثلة وأسماء فهذا الأمر واضح للقراء بدليل الاحصائيات التي تجري لتحديد أعداد المشاهدين للقنوات التلفزيونية واعداد القراء فلغة الأرقام لا تكذب.. وفي هذا الاطار لن تجد وسيلة اعلام عربية قادرة على التأثير في الرأي العام العالمي على الأقل في الوقت الراهن، أما في المستقبل فالأمر يتوقف على مدى قناعة أهل السلطة (الأولى والثانية والثالثة) بأهمية تسليم مقعد القيادة للسلطة الأولى الجديدة.
وهذا يقود إلى سؤال مهم وهو هل تفقد وسائل الإعلام تأثيرها اذا كانت حكومية وتكون قوية مؤثرة إذا كانت مستقلة؟
واذا كانت مستقلة فكيف يتم تقييم ادائها، ونجاحها؟!
ما هي المعايير الموضوعية لهذا التقييم؟
هل هو المعيار المادي التجاري أم معيار الموضوعية، والصدق، والحس الوطني؟ والأمانة؟
ما هي الحدود المتاحة لوسائل الإعلام.. كيف يتم تقدير المصلحة الوطنية في سياسة النشر بالنسبة للصحافة.. فإذا كانت الجريدة مدفوعة بحسها الصحفي ومسؤولياتها كسلطة أولى إلى طرح موضوعات جريئة وجديدة، ونشر أخبار غير مسبوقة لأغراض تحقق سياسة الجريدة.. فمتى يقول رئيس التحرير ان هذا الموضوع رائع وغير مسبوق ولكنه يضر بالمصلحة الوطنية؟
ومن يحاسب النشر غير الموثق، وغير المسؤول، والذي يتم بطريقة سطحية لا يبذل فيها جهد ولا يستند إلى تخصص؟
من هو الحزب المعارض للسلطة الأولى (وسائل الاعلام).. وكيف يمكن التأثير فيها اذا كانت هي التي تمتلك الرأي العام، وتخاطبه مباشرة، وتقدم له الحوافز، والمغريات، والمعلومات والتقارير، والمقابلات، وغير ذلك.
(بدأنا نرى في الآونة الأخيرة أن دولاً ديموقراطية بدأت تتدخل في المصطلحات التي تستخدمها القنوات التلفزيونية في نشراتها الاخبارية، وتمتنع عن عرض بعض المواد استجابة لمطلب حكومي).
وفي بعض الدول يتم توجيه وسائل الإعلام حسب المناخ السياسي المتغير، وعندما تستجيب لهذا التوجيه تتهم بأنها غير مستقلة، وإن رفضت قيل انها تسير في خط يتعارض مع المصلحة الوطنية.
أما السلطة الرسمية فهي إن وجهت الصحف للمصلحة الوطنية فهي تقيد حرية الكلمة، وإن تركتها للمراقبة الذاتية فقد يؤدي ذلك حسب وجهة نظر السلطة الرسمية إلى سلوك إعلامي غير مسؤول.
وسائل الإعلام (السلطة الأولى) إذا مارست حريتها المنطقية والمطلوبة فهي مطالبة بأن لا تمنع هذا الحق عن الآخرين.
بعض الصحف مثلاً تنشر موضوعات أو تقارير على أنها حقائق، ثم يتضح بعد النشر عدم صحة ما نشر.
المشكلة هنا أن المتضرر من النشر سواء كان جهازاً أو فرداً يحاول كسب مساحة للتوضيح والدفاع فلا تتاح له الفرصة في نفس الصحيفة التي نشرت ذلك الموضوع المغلوط.. فهل يجوز للسلطة الأولى أن تمارس هذا السلوك غير الديموقراطي؟!
وهناك من يقول إذا كانت وسائل الإعلام تحتج على المراقبة والتوجيه فمن يحاسبها على أخطائها؟! وعلى تقصيرها، وعلى أدائها غير المقنع، أو حقائقها الناقصة أو الموجهة، أو أحكامها التعسفية، أو آرائها الجاهزة، أو تقاريرها المنحازة؟! في جميع المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية والرياضية وغيرها.
هل يستطيع الجمهور المستهدف من قراء، ومشاهدين، ومستمعين، القيام بهذه المهمة، وهل الابتعاد عن وسيلة إعلامية، والانتقال إلى وسيلة منافسة حل كاف لكي يكون البقاء للأصلح؟
إن الكلمة المكتوبة لها مفعول السحر، وهي لدى القارىء خبر صادق حتى يثبت العكس. إن مجرد طباعة المعلومة في الجريدة يحولها إلى حقيقة حتى لو كانت (مفبركة) وهذا المبدأ ينطبق على وسائل الإعلام الأخرى، وهو تأكيد على عظم المسؤولية التي تقوم بها السلطة الأولى.
وأمام كل ما تقدم تبرز بعض التساؤلات ومنها:
لو اتخذ القادة السياسيون قراراً بالعمل لمدة أربعة أسابيع بعيداً عن وسائل الإعلام، وفي عزلة تامة عن أية وسيلة إعلامية... كيف ستكون القرارات الصادرة عنهم؟!
لو قرر المشاهدون تخصيص ثلاثة أيام في الأسبوع بدون تلفاز... ما مدى تأثير ذلك على القنوات التلفزيونية من حيث برامجها، وإعلاناتها، وما مدى تأثير ذلك في سلوك الناس، وأحاديثهم، وقراراتهم اليومية.
لو قاطعنا الأخبار السياسية على الأقل لمدة أسبوع... هل ستتأثر حياتنا اليومية؟ هل سنكون نفسياً أفضل أم أسوأ؟
هل يعتمد أصحاب القرارات القيادية على المعلومات التي يحصلون عليها مباشرة، أم التي يصوغها المستشارون بالطريقة التي تخدم توجهاً محدداً.
وهل يعتمد المستشارون على وسائل الإعلام أم على الأفكار التي يؤمنون بها.
تلجأ الدول العظمى بواسطة وسائل إعلامها إلى تضخيم أعدائها، بل واختراع وصنع الأعداء وأحياناً تحويل الاصدقاء الى اعداء.. أليس ذلك لمصالح سياسية واقتصادية.. وأين ضمير الصحافة العالمية التي تدعي أنها صحافة حرة؟!
وماذا عن حقوق الإنسان التي توزع الدول الكبرى شهاداتها حسب مزاجها السياسي، وأين صحافة العالم الحرة من هذا الموضوع؟
هل الوسائل الإعلامية تلاحق الناجحين أم تصنعهم؟
لماذا لا نرى مراسلاً سعودياً ينقل لنا من مواقع الأحداث الساخنة رؤيته ومشاهداته سواء للصحافة أو التلفاز؟
أليست الصحافة هي مهنة المتاعب؟!
إلى متى تظل الوسائل الإعلامية العربية تستقبل أخبارها من مصادر خارجية؟

أعلـىالصفحةرجوع


















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved