أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Monday 14th January,2002 العدد:10700الطبعةالاولـي الأثنين 30 ,شوال 1422

مقـالات

قرابين الطفولة إلى مارد الجشع
جانبي فروقة
تروي إحدى المشاهدات للجان حقوق الإنسان ان جين الأفريقية ذات الأربعة عشر ربيعاً قد عاشت كابوساً حقيقياً عندما تم إجبارها وبالترهيب على شرب الدم المسال من رؤوس النساء المشنوقات اللاتي يتدلين من على السقف في محاولة تعكس أحابيل تجار الجنس وديوثي الطفولة لتقييد جين بالخوف وتكبيلها لتنفيذ أوامرهم عندما هموا بزجها في سوق البغاء في أوروبا وتمكنت جين من الهرب لتروي قصتها على الملأ في أبشع أشكالها والتي تقشعر لها الأبدان في ما يجري وراء الكواليس وفي دهاليز الاتجار غير المشروع بالرقيق من نساء وبراعم طفولية.
تم في العقد الماضي رصد ازدياد وتنامي حجم سوق الرقيق والاتجار بالطفولة عن طريق الجريمة المنظمة وزبانيتها من مافيات وعبر قنوات سرية تتغاضى عنها معظم الحكومات دون إماطة اللثام عن وجه الكارثة البشرية والجريمة اللاإنسانية المرتكبة في حق الطفولة. علقت كارول بيلامي «المديرة التنفيذية لليونيسف على هذه الانتهاكات السافرة والموغلة في الوحشية واللا إنسانية قائلة: «الملايين من الأطفال حول العالم يشرون ويباعون مثل القطيع ويستغلون كعبيد للجنس» واستطردت أيضاً فيما بعد قائلة: «هناك انتهاكات صارخة لحقوق الأطفال تتجاوز الاستغلال والإساءة الجنسية».
تم اعتماد اتفاقية حقوق الطفل في 20 نوفمبر 1989م والتي حصلت حتى الآن على أكثر تصديقات في تاريخ معاهدات حقوق الإنسان حيث بلغ إجمالي الدول المصادقة 191 دولة مما يبشر بإدراك الأمم أن حقوق الطفل بدأت تطفو وتتصدر واجهة الحياة المدنية والاجتماعية كأولية حتمية وركن أساسي في سنن تغيير المجتمعات للنهوض بها وأن اغتيال حقوق الطفل أو اهمالها يترتب عليها انزلاقات خطيرة للمجتمعات في هاوية الفساد والتحلل في الدرك الأسفل من الضياع.
كانت الاتفاقية تمثل مجموعة متفق عليها من المعايير والالتزامات التي تزكي موقع الطفل وأوليته في أجندة الدول لشق طريقها المعبد بأشواك العولمة والإرهاب والفقر والحروب والجريمة المنظمة والنزاعات في السعي الدؤوب لإقامة مجتمع يسوده العدل والسلام. وقد حددت الاتفاقية الحقوق الأساسية للأطفال في كل زمان ومكان وتتجسد جملة وتفصيلاً في حقهم في البقاء وفي النمو الى أقصى الحدود وحقهم في الحماية من المؤثرات الضارة والاستغلال السيئ وحقهم الكامل في المشاركة والمساهمة في كل مظاهر الحياة الثقافية والاجتماعية والأسرية وباختصار تصون الاتفاقية الحقوق بالنص على معايير يتعين تطبيقها في مجالات الرعاية الصحية والتعليم فضلاً عن الخدمات القانونية والمدنية الاجتماعية وكما تؤطر هذه المعايير بوضوح المعالم المرجعية التي يمكن الاستناد اليها في سن معيار جديد لقياس تطور وتقدم الدول بمدى تطبيقها والتزامها وتفعيلها لحقوق الطفل بين ثنايا سياساتها وأولوياتها وجداول أعمالها وتستند الاتفاقية الى اربعة مبادئ أساسية: عدم التمييز «المادة 2» ومصالح الطفل الفضلى «المادة 3» وحق الطفل في الحياة والبقاء والنمو «المادة 6» واحترام آراء الطفل «المادة 12». وقد اعتمدت الاتفاقية تعريف الطفل على أنه: كل صبي او فتاة لم يتجاوز الثامنة عشرة من عمره ويعتبر الطفل فرداً كاملاً في أسرته ومجتمعه بآن واحد وله الحق في ان تتاح الفرصة له ليكون منتجا وحر الرأي فالطفل هو إنسان له طائفة كاملة من الحقوق. وفي عام 1995م وقع 71 من رؤساء الدول والحكومات وغيرهم من الزعماء في مؤتمر القمة العالمي من أجل الطفل على «الإعلان العالمي لبقاء الطفل وحمايته ونمائه» وتم اعتماد خطة العمل لتحقيق مجموعة من الأهداف الدقيقة ضمن جدول زمني محدد وشملت الأهداف: تحسين ظروف معيشة الأطفال وفرص بقائهم عن طريق رفع المستوى الصحي وخدماته والحد من انتشار الأمراض والأوبئة التي تجتاح فلا تبق ولا تذر وتهيئة المزيد من الفرص التعليمية وتوفير المرافق الصحية والغذاء الصحي المناسب. وقد تم اعتماد بروتوكولين اضافيين لاتفاقية حقوق الطفل من قبل الجمعية العامة للأمم المتحدة في 25 مايو 2000م وهما «البروتوكول الاختياري لاتفاقية حقوق الطفل بشأن اشتراك الأطفال في الصراعات المسلحة» و«البروتوكول الاختياري لاتفاقية حقوق الطفل بشأن بيع الأطفال وبغاء الأطفال والمواد الإباحية عن الأطفال». ولابد من المصادقة على البروتوكولين قبل ان يدخلا حيز التنفيذ وهو نفس الإجراء المتبع في اتفاقية حقوق الطفل، والحكومات مدعوة الى التوقيع في أقرب وقت فكل الطاقات والجهود المبذولة من أجل الطفل تحدد رؤية ما أطلق عليه «الأولوية للأطفال».
منذ بدء حملات التوعية بحقوق الأطفال والجهود تتضافر لتتشكل جبهات رئيسية تحوي أحواضاً ومصبات لهذه الأنهر من الطاقات والجهود متكرسة في حوض التوعية بحقوق الأطفال ومعاهداتها وحوض دعوة التضافر من أجل إزالة الألغام الأرضية المضادة للأفراد وحوض عمالة الطفولة وحوض تجنيد الطفولة وحوض الاتجار غير المشروع والاستغلال الجنسي والسيئ للطفولة ورفد كل هذه الجهود بإنشاء حوض مجلس لليونيسف يتلقى التبرعات لتمويل ودعم خططه.
في حوض تجنيد الأطفال نجد احصاءات اليونيسف تنبئنا بتورط أكثر من 300 ألف طفل تحت الثامنة عشرة في الصراعات المسلحة في أكثر من 30 دولة وبيان ان آلة الحرب والصراعات قد طحنت أكثر من 2 مليون طفل خلال العقد الماضي وكما أصيب 4 الى 5 ملايين طفل بإعاقات مستديمة وتشرد أكثر من 12 مليون طفل يفترشون الأرض مهادا والسماء لحافا وتعصف بهم رياح الجوع. والاحصاءات الحالية تشير الى انه في افغانستان المبتلاة بداء الإرهاب «مرض القرن الجديد» ينفق ربع أطفال أفغانستان قبل سن الخامسة وفي رحى الصراع وطاحونته في فلسطين تسحق البراعم في أبشع صور فيغتال محمد الدرة في حضن أبيه وتطفأ شمعة الحياة لإيمان ذات الأربعة شهور وقبل أن تتم ربيعها الأول ويحصد منجل الصهاينة حياة أطفال أبرياء وهم في طريقهم الى مدرستهم في خان يونس، مازال لواء حقوق الأطفال في فلسطين مخضبا بالدم وفصله مازال في خريفه تتساقط فيه براعم الطفولة بفعل أعاصير شرور الإرهاب والصراع والحقد الفتاكة.
وفي حوض الألغام يفجر إحصاء اليونيسف الحقيقة الكارثية في انتشار ما يزيد عن 60 الى 70 مليون لغم ارضي مضاد للأفراد في 68 دولة أي بواقع لغم واحد لكل 19 طفلاً في العالم وكما تحصد هذه الألغام 26000 شخص سنويا يشكل المدنيين الأبرياء من نساء وأطفال تحت سن 15 ما نسبته 30 الى 40% من هذه الحوادث وتحصد هذه الألغام شهرياً 800 شخص وتسبب عاهات وإعاقات لأكثر من 1000 آخرين وتشير التقديرات الأخيرة في أفغانستان وحدها الى انتشار 13 مليون لغم تحصد 500 شخص شهرياً. وقد تعالت الصرخات والنداءات الدولية لتحريم الألغام المضادة للأفراد عندما تم تداولها من قبل 89 دولة اجتمعت في سبتمبر 1997م في أوسلو النرويج لصياغتها لتدخل حيز التنفيذ في بداية مارس 1999م ومن ثم توقيع 139 دولة في مارس 2001م ومصادقة 111 دولة على المعاهدة التي تتضمن تحريم استعمال الألغام المضادة للأفراد وانتاجها وتصديرها وتخزينها على الدول الأعضاء وتدمير الألغام خلال 4 سنوات وتنظيف المناطق خلال عشرة أعوام.
وفي جبهة الصراع ضد الاستغلال الجنسي البشع للطفولة والاتجار غير المشروع بهم تقدر احصاءات اليونيسف تداول 2 مليون امرأة وطفل كسلع تباع وتشرى في سوق النخاسين للجنس والتي تقدر ببلايين الدولارات وتعبر هذه التجارة الحدود بين الدول زاجة الأطفال في مستنقع الدعارة ووحل المواد الإباحية وكما أسلفنا في قصة جين نجد الأطفال الأبرياء يهربون من نار الفقر ليكتووا بلظى وسعير العبودية باستغلال التجار لهم وإقحامهم في عجلة صناعة الرق الحديثة للتجارة بأعضائهم وأجسادهم. وفي جميع الأحوال تتقاذف أمواج التجارة والاستغلال الجنسي السيئ ضحاياها بين لجج الفساد والضياع من الأمراض والجنون والإدمان على المخدرات والحمل غير المشروع والنبذ الاجتماعي في ابتلاء عظيم لمستقبل الطفولة ووأء الأمل في غياهب الفقر والعنف وانتشار الفساد وتحلل المجتمعات وذلك كله بجعل الأطفال مطية للجشع وضحية العولمة. وقد تم استعراض ما توصلت اليه الجهود ومداولة كل جوانبها والتوصيات في المجلس العالمي الثاني ضد الاتجار والاستغلال الجنسي للأطفال والذي أقيم في يوكوهاما اليابان ما بين 17 20 ديسمبر من العام الحالي.
تعمل اليونيسف مع العديد من المنظمات الحكومية وغير الحكومية على إعادة تأهيل كل ضحايا الاستغلال الجنسي السيئ والاتجار غير المشروع في محاولات حثيثة لدمجهم في الحياة وتأمين حياة لائقة من مأوى وملبس ومأكل لانتشالهم من الضياع وحقن مستقبلهم بجرعات الأمل.
وفي حوض عمالة الطفولة الطامة الكبرى وبلطم أمواج العولمة شطآنها، فكما ورد مؤخراً في تقرير منظمة العمل الدولية وجود 250 مليون طفل ما بين الخامسة والرابعة عشرة يعملون في الدول المتقدمة ويوجد أكثر من خمسين مليون طفل تحت سن الثانية عشرة يعملون بأجور زهيدة لا تسمن ولا تغني من جوع ولا تقي برداً أو ترد قرا وفي ظروف خطيرة في أعماق المناجم ومكبات النفايات والمصانع غير المجهزة بأنظمة السلامة.. وفي جبهة الصراع لإزالة عمالة الطفولة تم إقرار المعاهدة 182 للحد من إساءة الاستخدام الشنيع في عمالة الأطفال ووقف ممارسات استعبادهم وفي تصديق 89 دولة على المعاهدة في 26 يونيو 2001م كل الأمل وتأكيد إرادة المجتمع الدولي في إزالة الممارسات السيئة والشائنة في عمالة الطفولة.
يعاني الآن ووفق مشاهدات تقرير شيكاغو تريبيون 6.3 مليون طفل افغاني شظف العيش بالعمل لإعالة عوائلهم مضحين بتعليمهم، ويقول زبير البالغ 9 سنوات فرحا «وهو طفل أفغاني يعتبر من المحظوظين لأنه يعمل في إحدى الورش الميكانيكية» اتقاضى يومياً 20 روبية «33 سنتاً أمريكياً» وعندما سئل: ماذا تفعل بالنقود؟ أجاب ببراءة الأطفال: أعطها أمي.
نأمل أن يستيقظ الضمير العالمي ليقف بحزم ضد عبودية الأطفال بكل مظاهرها وأن يقف تدفق الأطفال كوقود في محرقة آلة الاقتصاد العالمي، ولنوقف تقديم أطفالنا كقرابين الى مارد الجشع بإفكه العظيم ولنغير العالم والأطفال معنا.

أعلـىالصفحةرجوع
















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved