أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Wednesday 16th January,2002 العدد:10702الطبعةالاولـي الاربعاء 2 ,ذو القعدة 1422

مقـالات

الحربُ.. وأشرعةُ الوصاية..!
إبراهيم عبدالرحمن التركي
(1)
* * خذي رأيي وحسبك ذاك مني
على ما فيّ من عوجٍ وأمتِ
أبو العلاء المعري
* * *
* * إننا نراقب بانتباهٍ شديد نشاط إذاعة «أوروبا الحرة» ونشعر بارتياح لمواصلتها خدمة المصالح القومية الأميركيّة.
ريتشارد نكسون
* * *
* * «... إنما افتقر الشرقيون لأنهم يخافون الفقر، وماتوا لأنهم يخافون الموت فاقرع الأبواب بمطرقة الاستغناء وارفع صوتك، واجعل لقدمك موطئاً في بساط الغاصبين..
جمال الدين الأفغاني
* * *
(2)
اليوم لا شكوى فقد ملّ «الأنينْ»
ورنا إلى اليأسِ «الحزين»..!
وتبدل «الصمتُ» المعفَّرُ بالأسى
ليقول قافيةً تُبين..!
أنا من تهاوى في الظلام
ويحسب الجهلَ اليقين..!
أنا من تمرغ في الوُحولِ
وصار رمز المستكينْ..!
أنا قادمٌ نحو الوراء
قد انحنى مني الجبينْ
ومضى يُمنِّي نفسه
أن المدى للسادرينْ
* * *
(3)
** يتصدرُ الجانب «العسكريُّ» و«السياسيُّ».. في المتغيرات العالمية الهادفة لبلورة نظامٍ جديد واجهة «التكوين» و«الاهتمام» مما جعل الأغلبية «الصامتة» البعيدة عن «التأثير» في القرار، اللصيقة «بالتأثر» مشغولةً بمتابعة تداعيات الأوضاع «العسكرية» الجغرافية السياسية «الجيوبولتيكالية» على الوضع العالمي الشامل، وعلى الأوضاع «الأمميّة»، و«القوميّة»، و«الوطنية» الخاصة..!
** وفي تداخلات هذه الضوضاء «الذهنية» الغارقة في «التفسير» و«التحليل» و«التبرير» من «المتكئين» على «الأرائك»، أو «المكتوين» باللهب، تضطرمُ أوار حربٍ أخرى هادئةٍ، تتسلل إلى «العمق» وتبدِّل في «السلوك»، دون أن تجد مواجهة «عنيفة» أو حتى «مسالمة»..!
** ولعل في «مفارقات» إفرازات الأحداث المتلاحقة منطقاً يتّسمُ «بالصدقية» و«المعقولية» يفترض أن آثار الحرب المدمرة التي تشنُّها «أميركا» لبسط نفوذها على العالم لن تحقق «كثيراً» وإن حققت فلن تستمر «طويلاً»، فلا «أفغانستان» ستلتفُّ حول «الأفغان، الأميركان» إلى الأبد، ولا الشعوب «الخانعة» و«الخائفة» ستظلُّ في سُباتها، وربما صحونا «قريباً» أو «بعد أُمّةٍ» على تبدُّلات غير مسبوقةٍ أو غير «متنبأٍ» بها تُعيد الوضع إلى «المربع» الأول..!
** هذه رؤيةٌ قابلة للتحقق لتبقى الحرب الأخرى أشدَّ، وأطول، وأنكى تأثيراً، وهي الحرب «الدعائية» و«الإعلامية» التي تمتلك فيها الولايات المتحدة، ومعها الغرب، أمضى «الأسلحة»، وهي التي يتوقع المتابعون أن «النجاح فيها كافٍ لإفشال أي محاولات «نهضوية» قادمةٍ تسعى «للتحرر» و«التحرير»..!
(4/1)
** يرى عالم اجتماعٍ أمريكي يدعى (م. جوكاس) أن على الرجل «الدعائي» القيام «أولاً» بالدفاع عن «المصالح» ذات الأهمية «الخاصة» لمجموعة محددة من الطبقات المستغلة وليس الدفاع عن مصالح المجتمع بمجمله، وفي الوقت ذاته فإنه في خطوة تاليةٍ سيُعطي هذه المصالح «صيغة» لتمثيل شمولها مصالح المجتمع كاملاً..!
** وإلى أن تتأملوا في هذا البُعد «الاستراتيجي» المهم للوسيط الإعلامي، تأتي حركة أخرى لتقديم الصورة الدعائية بأسلوب «متقنٍ» لا يشعر الجمهور المستهدف بتأثيرها أو «بالعلاقة» التي تربط بين نواتج «التأثير» والأهداف «النهائية» للدعاية..!
** ولمزيد من القراءة يمكن مراجعة كتاب (التخريب الأيديولوجي الإمبريالي) تأليف غ. ف. فا تشنادزه وترجمة مصطفى نوح..
** من أجل هذا الهدف تتميّز «الدعايةُ الإعلام» بمحاولة لصق الصفات «السيئة» بمن يُراد «تشويُههم» مثل: «الإرهاب التخريب معاداة الحرية والديموقراطية العمل ضد مصالح الشعوب... «وهذه نقطة أولى»..
** ثم إن هذه المفاهيم «الدعائية والإعلامية» ترفق «حملاتها» برؤى جميلة برّاقةٍ تأخذُ مكانها ومكانتها في عواطف «المستهدفين» ومعها تتردد مصطلحات «الشرف، العدالة، التقدم، الرفاهية، السلام، الأمن..» ونحوها مما «يخاطب» رغبات الناس، و«يخطب» اهتماماتهم..! و«هذه الثانية»..
** وفوق ذلك تلجأ هذه الممارسات الدعائية إلى الأسلوب غير المباشر عن طريق «المجاز» و«الاستعارة» و«الكناية» وبقية أبواب علم «البيان» وما يتبعها من «الرموز» لتأكيد قيمة معيَّنة بوساطة النظر إلى «صورتها» أو الاستماع إلى «توصيفها»، ويكفي لدى بعض الشعوب أن يروا «علماً»، أو «إشارة»، أو «شخصاً» ليملأوا صفحات عقولهم بما طاب من «سمات» لما لايستحق أحياناً من «مسمَّيات».. وهنا «الثالثة»..!
** وفي هذا الاتجاه كذلك تستخدم هذه الوسائط الدعائية «البراهين» و«الأمثلة» و«الاستشهادات» لإقناع المتلقي بصدق توجهاتها، وتعمل من أجله على متابعة «أناس» من داخل حدود المدى المراد التأثير فيه كما في حال أفغانستان لتأخذ من «شهاداتهم» مصدراً مقنعاً لدعم عملياتها «لوجستيّاً» وإعطائها طابعاً «شرعيّاً»..! و«هنا النقطة الرابعة»..!
** وهذه الأساليب لا تغفل أيضاً عن مخاطبة الجمهور بما يحيي «نبضه» تجاه أوضاعٍ «ميّتة» وفيها «مغازلةٌ» للشعوب «حبّاً» بها و«هياماً» بمصالحها..!
** وتكتمل بهذا «خمس نقاط» أوليّة تتبعها «أخريات»..!
* * *
(5)
** لا تقف الحرب «الدعائية» عند الأساليب السابقة فنراها تتلاعب «بالحقائق»، وتزوِّر «المسلَّمات»، وتعطي تفسيرات «خاصة» «خاطئة» لقلب فكر «الدهماء»، وتتحول عمليات «الإبادة» إلى عمليات «مشروعةٍ»، و«المقاومة» إلى أعمال «عنفٍ» و«إرهاب»..!
** ثم إنها أي هذه الحرب «الظاهرة» «الخفيَّة» ستضعُ في أعماق الناس «تماشيها» مع المفاهيم السائدة التي يعتنقها الجميع، وأنها تسعى لصالحهم ومن أجل مصالحهم، وتحاول المقارنة بين واقعهم، وبين وقائع مشابهة مُعاشة، فتنقل مثلاً صورة الحياة «المخملية» في «أميركا»، وتقارنها مباشرة مع الأوضاع في دول العالم «الثالث» حتى «الثلاثمئة» كما في أفغانستان ليتمنّى «المتابع» أن لو عاش في بيئة مماثلة مما يجعله تبعاً لذلك «منزلقاً» في «متاهات» «رفض» السائد، و«بيع» المبادىء، والانصراف للتفكير في كيفية «الانتقال من بيئات» «الفقر» عن طريق الارتباط بأنظمة «القهر» المتشكل بألوان «الغِنى» و«الصِّبا» والعيش الرغد..!
* * *
(6/1)
** في دراسة منشورة كتب أحد أساتذة الإعلام في جامعة كاليفورنيا (سان دييغو U.C.S.D (غ. شيللر)، عن انتهاج هذه الوسائط في التأثير على الجماهير أسلوبين هما: التأثير «المباشر» «المتعمّد» المرتكز على عرض الحدث دون ترك مجالٍ للتفكير في أسبابه ومبرراته، أما الثاني فيركز على «الانتقائية» في «إبراز» الملامح التي يراها و«تغييب» ما سواها، ممّا يساعد حسب قراءة الباحث على إخفاء «الجذور» الاجتماعية للظواهر والأحداث ومؤكداً وهْمَ من يفترض «حياديّة» المعلومات.
** وفي تماثل ذي صلة مع نظرية «غوبلز» التي تطلب من الوسيط الإعلامي «تكرار» الكذب حتى الوصول بالمتلَّقين لمرحلة التصديق، فإن الإعلام الأميركي (والغربي بالتبعيّة، ومماثلاته من إعلام الدول الموجهة) يفترض أن الناس في البدء كما يقول الإعلامي الأميركي «ميرهو» وينقل عنه صاحب كتاب «التخريب الأيديولوجي الإمبريالي» لا يستطيعون التقاط الأفكار من المرة الأولى لكن «التكرار» يرسخها في أذهان حاملها لمدة طويلة..
(6/2)
** رأى أحد خبراء الحرب النفسية في بريطانيا خلال «الأربعينيات» أن هدف رجل الإعلام الرئيس هو نيل «الثقة» ثم البدء بتغيير اقتناعات الجماهير وتوجيه رؤاهم وتحريك تصرفاتهم..!
** هل تكفي هذه الاستشهادات للإيمان بأن الحرب التي تواجهها «الأمة» من الماء إلى الماء هي الحرب «الإعلاميّة»، «الدعائيّة»، «النفسيّة» التي تبقى إيذاناً بتعديل في «المسارات» بحيث تعود «الجيوش» إلى «ثكناتها» و«الساسة» إلى سفسطاتهم» داخل «مكاتبهم» وخارج «مؤتمراتهم»، وتبقى القيادة رهناً بما يصنعه الإعلام الدعائي الذي يصوّر «الكذب» صدقاً، و«الهزيمة» نصراً، و«الاستلاب» حرية وديمقراطية وانفتاحاً..!
(6/3)
** «أفغانستانُ» شاهدة اليوم وفلسطين قبلها فقد أصبح «الحصار» استقلالاً، و«الاستسلام» والخنوع سلاماً، و«الاغتصاب» شرعية دولية، وأنستنا «الدعايةُ» حقيقة الحروب الظالمة، والهزائم العسكرية والسياسية من لدن قرار «التقسيم» وحتى مفاوضات «كامب ديفيد» و«أوسلو» و«وادي عربة»، و«شرم الشيخ»، و«بون» وما أتى إرهاصاً لها، وما يأتي نتيجةً لدوْرها وجوْرها..!
** ومثل هذه وتلك «الحرب العراقية الإيرانية» التي طغت فيها أبواق الدعاية معلنة حماية «البوابة الشرقية» للوطن العربي، ولم تمض أشهر حتى نسينا تلك «البوابة» من غير أن يعنينا أأغلقت أم ظلت مفتوحة لرياح «الخوف» و«الشك» و«الفرقة» لنحارب «حليف» الأمس الذي أصبح «عدو» اليوم، ودون أن نسأل: كيف؟ وماذا؟ ولماذا؟
** هذه هي حال الأمة منذ «الفتنة الكبرى» مروراً «بثورة الزنج»، و«القرامطة»، وملوك «الطوائف»، وانتهاءً «بالشتات» الذي نعيشه، فقد ضاعت الحقيقة داخل «الدعاية» التي تحيل القبح إلى حسن، و«المرفوض» إلى «مفروض»، والمطالبة «بالتعقل» «خيالاً» و«خبالاً»..!
* * *
(7)
** هل قالت هذه المقالة «شيئاً»..؟
** ربما «كثيراً»، وربما «قليلاً»، ولعلها تكتفي بإشارات بسيطة عبر «صور» متعاقبة لموقف «المؤثر» و«المتأثر»، «المرسل» و«المستقبل»، حين يصبح «الانحياز» واجباً، و«الاستقلال» غائباً..!
** تنتهي «الحرب» العسكرية «بدمارها» وتختفي «المناورات السياسية» بظلمها «وإظلامها»، وتبقى الحرب «الدعائية»، و«النفسية» ساكنة في أعماق أجيالٍ، وذاكرة أوطان..!
** وإلى أن تجتاز «الأمة» مقاعد المتفرجين «الخاملين» المستعدِّين للتصديق والقبول، فإن الخطوة الملحّة الآن هي محاولة خلق حوارٍ «داخلي» يستجيب لشروط ومواصفات الحوارات الحضارية، والخلوص إلى إنجاز مشروعٍ إعلامي يفهمُ كيف يصلُ إلى «النُّخبة» كما إلى «الجماهير»، ويتقن فن مخاطبة «الآخر» فيختار «المكان والزمان»، و«المنهج» و«الأداة»، و«الإنسان» و«العنوان»، عارفاً «حقوقه»، معترفاً «بعثاره»، داعياً «بالحكمة»، مجادلاً «بالحُسنى»..!
* «الوصاية» تُنجب «الأرقَّاء»..!
IBRTURKIA@hotmail.com

أعلـىالصفحةرجوع


















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved