رئيس التحرير : خالد بن حمد المالك

أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Friday 18th January,2002 العدد:10704الطبعةالاولـي الجمعة 4 ,ذو القعدة 1422

تحقيقات

«الجزيرة» تفتح ملف «الأحداث» وتكشف عن مآس جديدة في سجل المخدرات
هربوا من نيران ظروفهم فأسقطهم الأصدقاء في جحيم المخدِّرات
تحقيق مريم شرف الدين تصوير أحمد قيزان
نختم اليوم سلسلة تحقيقاتنا عن ضحايا المخدرات من الأحداث والذين تعج بهم دور الملاحظة يتلقون فيها العلاج والنصح والإرشاد
نقف اليوم وفي آخر المطاف مع أحد القائمين على هذه الدور نتعرف على حجم المأساة وكيف يرى أوضاع الأحداث عن قرب؟ وكيف يقيم أساليب علاجهم واصلاحهم؟
نلتقي اليوم مع الأستاذ خالد النقادي مدير دار الملاحظة الاجتماعية بجدة ليضع النقاط على الحروف ويبين أهم الأسباب التي تدفع بالصغار إلى عالم الجريمة والمخدرات.. ويروي لنا تجربته مع أولئك الأحداث محذراً من أسلوب التدليل المفرط الذي يمارسه بعض الآباء والأمهات مع أبنائهم وزيادة مصروفهم وإعطائهم ما يريدون وما يبتغون.. أو ترك الحبل على الغارب لهم ليفعلوا ما يشاؤون ويصاحبوا من يشاؤون.
نترك لكم تفاصيل هذا اللقاء والذي نختم به سلسلة تحقيقاتنا عن هذا الموضوع آملين أن نكون قد وفقنا في تسليط الضوء على واحدة من أهم المشكلات التي يجب أن نتضافر لعلاجها والوقوف ضد استفحالها.
فإلى تفاصيل اللقاء :
مدير دار الملاحظة بجدة:
* علينا معالجة العوامل التي أدت لانحراف الأحداث
* الصغار أكثر تعرضاً للجنوح بسبب عواطفهم وعدم مبالاتهم
سألنا الأستاذ النقادي في البداية عن كيفية تحديده للسلوك الاجتماعي لهؤلاء الأحداث.. وهل وقوع هؤلاء الأحداث في بوتقة المخدرات أو غيرها من الانحرافات أو القضايا الأخرى من الممكن ان ينحو سلوكياتهم إلى الجانب السلبي أكثر منه إلى الإيجابي؟
فأوضح قائلاً إن انحراف الأحداث مرض اجتماعي تعمل كافة الدول والمجتمعات على علاجه والوقاية منه بشتى الوسائل.. هذا مما جعلها توجد المؤسسات ودور الرعاية المتخصصة .. للاهتمام فيها بالمنحرفين صغار السن.
ويشير هنا إلى العناية التي أولتها الدولة لهذه الفئة.. ومن أجل ذلك اهتمت حكومتنا الرشيدة ممثلة في وزارة العمل والشؤون الاجتماعية.. وبذل جهودها لتهيئة المكان المناسب لرعاية هؤلاء الأحداث من خلال دور الملاحظة الاجتماعية التي انشأتها.
لتحمل على عاتقها تبعات هذا الدور التربوي الاجتماعي لاعادة بناء وتقويم سلوكيات هؤلاء الأحداث وتهيئتهم ليعودوا إلى المجتمع اشخاصاً أسوياء صالحين.
سلوك مضطرب
ثم يحدد هنا السلوك الاجتماعي لهؤلاء الأحداث.. واعتباره على انه سلوك مضطرب ومنحرف عن جادة الصواب وتأكيده من ناحية أخرى بان الانحراف كظاهرة اجتماعية لا يختص بها هؤلاء الأحداث فحسب .. وانما هناك بعض فئات المجتمع تشاركهم في ذلك.. إلا اننا ربما نجد الأحداث هم أكثر الفئات تعرضاً للجنوح والانحراف بسبب العواطف الجامحة التي تسيطر عليهم بفعل الاغراءات المتنوعة من .. قرناء السوء وعدم المبالاة بعواقب الأمور ... إلخ.
كما يرى .. من الأهمية عند محاولتنا تحديد الانحراف لا ينبغي علينا أن نوضحه على وتيرة واحدة وانما .. ينبغي علينا تصنيفه وفقاً للانحرافات التالية:
منه ما يكون نتيجة زلة عارضة أو نزوة عابرة.
ويعتبر من الأمور اليسيرة حين يتبين لصاحبه الصواب فيعود إلى رشده.
ومن الانحراف ما يشكل جريمة شائنة وخطيئة متعمدة وخطأة متعمدة.. وهذا النوع من الانحراف يحدث اضراراً جسيمة على الأفراد والمجتمع.
ومنه ما يأخذ طبيعة المرض الملازم نتيجة ضعف الشخصية بانهزامها وفساد التفكير وقصوره أو فطنة الخلل العقلي وربما يعود لغياب الوازع الديني.
تطورات مخيفة
ويوضح الأستاذ النقادي: من المعروف أيضاً أن الانحراف يبدأ يسيراً بصورة غير مخيفة إلا أنه يزداد تدريجياً حتى تتهاوى جميع الحصون التي كانت تعصمه من الزلل.. ويبرز في صور مختلفة منها:
الانحراف الخلقي والانحراف العقلي والانحراف الاجتماعي والانحراف النفسي والاقتصادي.
بالإضافة إلى ان لكل نوع من هذه الانحرافات .. سببه وملابساته ويلاحظ من صورها المتعددة بانها لا تعود كلها أو جميعها إلى عوامل فطرية بل إلى عوامل مكتسبة نتيجة لظروف معينة يمر بها الحدث.. تتكالب جميعها على إفساده.
وينبه هنا انه في حالة إذا ما وقع هؤلاء الاحداث في بوتقة الانحراف.. وعدم وجود من يأخذ بأيديهم فسوف تتجه سلوكياتهم نحو الجانب السلبي.
ويضيف مدير الدار: إن البناء الاجتماعي في مجمله يؤثر على درجة انحراف الاحداث.. بينما في المجتمعات الاسلامية وكمجتمع مثل مجتمعنا الذي ننعم فيه بالكثير من القيم الإسلامية.. تقل فيه ظواهر الانحراف عن المجتمعات غير الإسلامية.. وهذا مما ساعد على انخفاض الجريمة بدرجة واضحة نظرا للالتزام الجاد بتعاليم الإسلام.
البناء الاجتماعي والانحراف
ويوضح .. ان البناء الاجتماعي يبقى له تأثيره على انحراف الاحداث سواء سلباً أو إيجاباً .. كل على حسب التزام الأسرة بالثوابت الدينية أو البعد عنها.. وفي حالة ما اذا تطرقنا لدور الأسرة كبناء اجتماعي في انحراف الاحداث لوجدنا أمورا كثيرة منها على سبيل المثال وليس الحصر..
انصراف الآباء عن أسرهم وانشغالهم بتوفير الكسب المادي وترك الحبل على الغارب للابناء في كل تصرفاتهم وعدم تخصيص جزء من وقتهم لرعايتهم ابنائهم والقيام على توجيههم وربما عدم الالتفات ايضا إلى تأثير القدوة الحسنة في نفوس هؤلاء الابناء .. و هذا بالطبع مما يدفعهم الى ممارسة بعض التصرفات غير اللائقة والظهور بمظاهر شائنة وممارستهم ايضا لبعض السلوكيات أو العادات السيئة دون ادراك منهم لما سيخلفه ذلك من اثار غير ايجابية على ابنائهم..
ويستشهد هنا بقول الشاعر..
وينشأ ناشىء الفتيان منّا..
على ما كان عوَّده أبوه
كما يشير هنا إلى دور التفكك الأسري ودوره في انحراف هؤلاء الأحداث..
ربما ينشأ الفتى في أسرة مفككة الاوصال.. أو تكون مهددة بانفصال الزوجين أو نتيجة سفرهما المتكرر للخارج سعيا وراء الدخل الزائد أو للتنزه والترويح تاركين ابناءهم دون رعاية أو رقابة التي يستحقونها منهم.
ويتعرض الابناء بذلك للانحراف بسهولة تحت وطأة العوامل المحيطة بهم وبوجود الزملاء والأصدقاء غير الاسوياء الذين يدعونهم للانخراط معهم في تسلسل تعاطي المخدر أو التباهي بتدخين السجائر .. أو من خلال توزعهم على الاسواق والطرقات.. للمعاكسات أو الغناء والرقص أو السكر والعربدة .. إلخ.
سلوكيات أسرية خاطئة
كما يشير هنا إلى المخاطر التي تنتج عن التدليل الزائد..
ومن الحالات الشائعة لجوء الآباء او الأمهات الى الافراط في التدليل الزائد.. واعطاء ابنائهم مصروفاً يزيد عن حاجتهم والاستعانة بالخدم من ناحية اخرى للقيام بدور الام الذين ربما يكونون على غير الدين والملة.
وهذا مما يؤدي إلى عدم معرفتهم لما يقع لابنائهم من ممارسات أو المشكلات التي يتعرضون لها.
ايضا .. من الاخطاء البينة في تنشئة الابناء.. عدم الاستجابة لرغبات الابناء حتى اذا كانت معقولة والاستهانة بآرائهم في حالة اذا ما صبروا عن مكنون انفسهم بحجة انهم مازالوا صغاراً وليسوا اهلا للتدخل في شؤون الأسرة.
ايضاً التضييق على الابناء وعدم اعطائهم كفايتهم من المصروف.. ظهورهم بمظهر مزرٍ امام اقرانهم ربما يؤدي الى اصابتهم بالعقد النفسية.. اضافة إلى نزعة الخجل التي ستسيطر عليهم والانعزال عن الآخرين.. وفقدان الثقة في انفسهم.
وينبه هنا كيف ان هذا بالطبع من الممكن ان يقودهم الى الارتماء في احضان قرناء السوء والسقوط في شباك المنحرفين.. وربما يؤدي اتجاههم إلى هذا المسلك الى النفور من البيت والبحث عن مكان آخر لاشباع رغباتهم ا لمكنونة فيه.
مراقبة وإصلاح
كما ينبه الاباء..أن من اكبر المهام الملقاة على عاتقهم مراقبتهم لابنائهم.. والتعرف دائماً على أحوالهم.. لان التوجيه في البداية. وفي حالة ظهور أي شبهة تؤكد على الانحراف يؤدي الى الاصلاح المبكر.. لاعتبار ان هذه العملية في مبدئها عادة ما تكون سهلة وميسرة..
* أما في حالة إذا ما استفحل هذا الواء وتعمقت جذور الرذيلة في أنفسهم..
ربما يصعب تقويم السلوك إلا بعد جهد جهيد.. وربما يسهل الانتصار على جيش ولا يسهل الانتصار على النفس.
ولهذا يعتقد .. ان البناء الاجتماعي السلبي للاسرة قد يشكل خطورة في ابجديات العملية التربوية خلال المرحلة القادمة في حالة عدم المبادرة.
هذا مما يقتضي.. الاهتمام بوضع الحلول المناسبة في المنزل والمدرسة ويقترح في سياق ذلك:
باعتبار ان المدرسة كما نعلم المحطة الثانية ولما لها من اهمية قصوى في تربية الابناء وتقويم سلوكياتهم واصلاحها لها..
يرى انه ينبغي على المسؤولين اختيار الكفاءات التي تقوم بالعملية التعليمية.. ومراعاة كافة المقومات التي تجعلهم هم القدوة الحسنة لهؤلاء الابناء.
وضرورة ان تتضمن المناهج قدرا كافياً من العلوم الدينية.. عند وضعهم او اعدادهم للمناهج
تحديد الاهداف المرجوة من تعليم الناشئة في كل مرحلة من مراحل التعليم وضرورة بنائها على أسس سليمة تهدف إلى خلق مواطن صالح مؤمن بربه وملتزم بدينه ويتوقد فيه ا لحماس لخدمة وطنه مع الاخذ في الاعتبار ايضا ان تهذيب الغرائز وتوجيه العواطف لا يتحقق إلا بالالتزام المدرسي بالمثل العليا واقتناعه برسالته التربوية السامية وان يكون لطلابه وخاصة المدرس الناجح لابد ان يكون وراءه اسرة ناجحة كانت السبب في وجوده سوف تساعد ايضا على خلق جيل ناجح بكل تأكيد والعكس صحيح.
الانحرافات الآثمة والجريمة
وحول الظواهر الاجرامية المستحدثة بمختلف اشكالها وباعتبارها السبب في حالة الاضطراب الاجتماعي وتشويه الكثير من القيم الانسانية.. وباعتبار ان الجريمة ظاهرة اجتماعية متداخلة.. كيف بامكاننا تحويل النظم والقيم الاجتماعية السلبية السائدة الى نظم اجتماعية ايجابية وتهيئة المناخات الملائمة التي تساعد هؤلاء الاحداث على التوبة والعودة عن ما كانوا عليه؟ والتي تعزز ايضا من ناحية اخرى من توفير الحماية للناشئة الآخرين وعدم جعلهم عرضة للوقوع في مثل هذه المآسي
يقول مدير دار الملاحظة الاجتماعية بجدة الاستاذ النقادي:
ان المجتمعات الاسلامية كانت الى عهد قريب بمنأى عن الظواهر الاجرامية. كما نشاهدها عليه اليوم.. او الانحرافات الآثمة.. وتعزيته لهذا لالتزامها الجاد بتعاليم الدين الاسلامي.. وكيف ان الافكار الضالة والمفاهيم الخاطئة قد تسربت الينا.
ومنها مشكلة الاعلام الرديء الذي تشبه الفضائيات التي انتشرت في مجتمعنا.. وادت الى انتشار النار في الهشيم ولا شك ان ما يعرض على شاشة التلفاز من افلام سينمائية وتمثيليات ومسرحيات و مشاهد عالمية واحداث مثيرة ساعدت على جذب معظم اعضاء الاسرة اليها وعلى الاخص صغار السن.
ومن خلال ملاحظته يرى من ناحية أخرى..
كيف ان البرامج التلفزيونية في كثير من الاحيان لا تحسن تخير المادة المعروضة وربما استيرادها لها من كل مكان.. حتى تشغل وقت الارسال الامر الذي يجعلها بمثابة كرنفال متكامل من المناظر المختلفة والعروض المتنوعة والفنون المتعددة. وينبه في هذا السياق ان كل ممنوع مرغوب.. وبالتالي فان احب الاشياء الى الانسان هي كل ما حاولنا منعه أو حجبها عنه.
ويحذِّر هنا .. من مغبة ما يلحق بابنائنا من شرور نتيجة البث التلفزيوني عبر الاقمار الصناعية بما تحتويه في فضائياتها من برامج.
عنف واثارة وجريمة وجنس.. وإلى مدى أكثر من الممكن ان يصل ذلك.
وهذا ما يجعله يطالب.. بضرورة الانتقاء الجيد لبرامج الإعلام واستبعاد كل ما يخالف قيم ومبادىء وعقيدة الاسلام وما يتنافى معها.
الفراغ والجريمة
ويشير هنا إلى المخاطر المترتبة على الفراغ.. والكم من الجرائم التي ارتكبت بسبب الفراغ وكيف ان الاسلام كان حريصاً على توجيهه لنا إلى استغلال هذا الوقت فيما يعود علينا بالنفع ويجعلنا مسؤولين بين يدي الله عن أوقات فراغنا فيما قضيناها.
حتى في حالة إذا كان للانسان الحق في التمتع بوقت الفراغ والاستفادة منه كيف يشاء وعدم فرض أو اختيار اسلوب معين له إلا ان من الأهمية بمكان الالتفاف والعناية بضرورة استثمار هذا الوقت.. وبالذات بالنسبة للأبناء خاصة.. واختيار الصور النافعة التي تساعدهم على تنمية شخصياتهم واكتساب المعلومات والخبرات والمهارات وفق ميولهم هم.
هذا بالاضافة الى مشكلة قصور التعليم الديني وما يسببه من الولاء والانتماء.
وكيف انهم وجدوا عند حصرهم للاسباب المؤدية لانحراف الاحداث.. ضعف الوازع الديني وبشكل واضح لديهم ونتج عن انصراف الابوين من الاشتراك في تربية اولادهم بالتعاون مع المدرسة.
وعدم الاهتمام بتنشئتهم لهم على القيم والمعاني الإسلامية والأخلاقية.. مما ساعد على غياب الوازع الديني الذي يعتبر أحد أهم الركائز لتوفير الحماية لهؤلاء الاحداث من الانحراف والجنوح.
مقترحات للمصالحة
ولمعالجة هذه المشكلة يقترح:
عند التدريس.. ضرورة الاعتماد على المخاطبة العقلية التي تعتمد بدورها على توافر الادلة والبراهين وليس على التلقين والحفظ واتاحة الفرصة للابناء للانخراط في الانشطة الطلابية بالمدارس خلال العام الدراسي او المعسكرات الصيفية التي تقام خلال الاجازة المدرسية للاستفادة والاكتساب وتنمية المهارات والقدرات لتنويع المهارات والتسلح بكل ما هو مفيد ونافع ويساعد على تنمية الادراك العقلي والذهني.
وحث الابناء على اتخاذ القدوة الحسنة من أفاضل العلماء وصالح الجلساء وليس من الممثلين والفنانين حتى لا تسري فيهم عدوى السيئات.
وتبصير الابناء بمسئوولياتهم في النهوض بامتهم وتعريفهم باهداف اعداء الإسلام ومساعيهم لتحطيم معنوياتهم.

أعلـىالصفحةرجوع
















[تعريف بنا][للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][البحث][الجزيرة]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved