Thursday 24th January,200210710العددالخميس 10 ,ذو القعدة 1422

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

نايبول صاحب جائزة نوبل في الأدب
عدم الجذور يفقد الكاتب هويته
محمود قاسم

هل سرق ا لكاتب التريندادي ديرك والكوت جائزة نوبل من مواطنه ف.س.نايبول عام 1992؟
هذه هي الحقيقة. فالكاتب التريندادي نايبول، المقيم في انجلترا، هو الأكثر موهبة، وعطاء، ويمثل برواياته، وكتبه المتعددة هذه الثقافة، وعندما راحت الجائزة إلى والكوت كان هناك إحساس ان الجائزة أخطأت مسارها، وهي في طريقها إلى صاحبها.
وذلك باعتبار ان جائزة نوبل تمنح في مرات محدودة إلى الثقافات البعيدة، ويتم اختيار كاتب يمثل هذه الثقافة بقوة مثلما حدث مع نجيب محفوظ فيما يخص الرواية العربية.
وكان الاحساس العام ان كاتباً من ترينداد لن يحصل على نفس الجائزة قبل فترة طويلة، ولكن من الواضح ان مايشهده العالم الآن من أحداث شديدة الحرارة يعني ان الحظ العاثر قد انقلب مرة أخرى، وجاءت النتيجة لصالح الكاتب.
فوسط نقاش محتدم عن الشرق، والاسلام، ومنظور الغرب إليه، جاء نايبول ليمثل ثقافة المنطقة الساخنة، فقد كرّس قلمه للبحث عن مفاهيم البسطاء في بقع عديدة من العالم رحل إليها الهنود والترينداديون.
تعالوا نتعرف أولا على ا لكاتب، فاسمه الحقيقي فيدياضهاد سوراج برساد نايبول، ولد عام 1932 في جزيرة ترينداد التابعة لبحر الكاريبي، وهو ابن لأحد البراهمة النازحين من شمال التهند. وقد عاش في بلاده حتى عام 1950م فأراد ان يهرب من ذلك المجتمع «المغلق» حسبما يرى فهاجر إلى المملكة المتحدة ليستكمل دراسته الجامعية «عندما وصلت إلى انجلترا شعرت أنني تخليت عن ملابسي وأنني شخص قبيح ، أسود، اخلو من أية محاسن وليست لدي أي خلفيات، ولا أمتلك سوى الوحدة، وذكائي.
ولاشك ان شخصا لديه مثل هذا الشعور لابد ان يكون لديه الاستعداد ان يتخلى عن كل قبحه الخارجي ليتسرب هذا القبح إلى داخله. هذا القبح تغلغل شيئاً فشيئاً في داخله. يفعل مايحلو له يحرك سن القلم ليعبر عن رؤيته القبيحة تجاه هذا الشرق الذي جاء منه، وليرتدي الملابس التي يرى هؤلاء الذين ذهب إليهم ان يرتديها، والفكر الذي يجتذبه، فهم الذين سيصنعونه، ويبرزونه، ويقدمونه بالصورة التي تناسبهم، وأيضا يمنحنونه الخلود في الوقت المناسب بحصوله على جائزة نوبل.
في عام 1954م بدأ في كتابة الرواية، وعندما أراد ان يفعل ذلك كتب باللغة الانجليزية التي قدم بها كل أعماله، حيث نشر له حتى الآن أكثر من عشرين كتابا منها أربعة عشر رواية، وعدة كتب انتقد في بعضها سلوك المسلمين في العالم ا لمعاصر وذكر الكثير من المغالطات التي تستلزم من علماء وفقهاء الاسلام ان يقوموا بالرد عليه، ودحضه.. من هذه الكتب «بين المؤمنين» و «غروب الإسلام» و«يوميات إسلامية» و «مابعد الإيمان. رحلة إسلامية إلى الدول المؤمنة» وهي رحلة قام بها الكاتب إلى أربعة دول إسلامية في آسيا. وهي الباكستان، وإندونيسيا، وإيران، وماليزيا. كما نشر كتابا حول رجل عجوز يقوم بزيارة مصر بعنوان «سيرك في الأقصر».
الجدير بالذكر ان الكاتب لم يشر إلى مسألة القائد في رواياته العديدة وكان الهم الأساسي أكثر أهمية لديه، ومن هذه الروايات: «عامل التدليك المتصوف» عام 1957م، و «شارع ميجيل» عام 1959م، و «منزل السيد بيسواس» عام 1961م، و «المحاربون» عام 1975م، و «في منعطف النهر» عام 1977، وهي الرواية الوحيدة المنشورة له باللغة العربية في سلسلة روايات الهلال، في فبراير عام 1992 وله أيضا رواية منشورة في التسعينيات بعنوان «الهند، ألف ثائر وثائر».
تقول مجلة «بانوراما» الايطالية في عددها الصادر في 7 ديسمبر عام 1981 ان نايبول رجل بلا جذور، وانه رغم أصله الهندي إلا أنه متعلق بالغرب، أما مجلة «الاكسبريس» الفرنسية، فتقول في 16 سبتمبر 1983 انه صحفي رحال اكثر منه أديبا، أما مجلة «تايم» الأمريكية، فترى انه الروائي الأول وتحاول أن تشبهه بالكاتب البحار جوزيف كونراد وقد خصصت مجلة نيوزويك ملفاً مهماً عنه في 18/8/1981، وظهرت صورته على غلاف المجلة كأنه واحد من نجوم السينما.
في الفترة بين اغسطس عام 1979 إلى فبراير 1980 قام نايبول بجولة في بعض البلاد الإسلامية شملت كلاً من الدول المسلمة المشار إليها هذه الرحلة التي استغرقت ستة أشهر كان هدفها الأول هو التعريف بالمسلمين الذين لايتكلمون اللغة العربية في آسيا، وذلك عقب الثورة الإسلامية في إيران، انها أول ثورة دينية في العصر الحديث ومنذ فترة طويلة من الزمن لم تقم ثورة دينية بمثل هذه المواصفات، مما سبب انزعاجاً للغرب الذي نصب العداء ضد الثورة وكان مطلوب من الكاتب ان يقدم رؤيا للغرب عن المسلمين.
وكما نرى فان نفس الأمر يتكرر الآن، وفوز نايبول بالجائزة، يعني انه في وسط الظروف التي تم فيها الحديث عن المسلمين في نفس المنطقة بشكل خاص، وان الارهابيين الذين ارتكبوا تفجيرات الثلاثاء الأسود، هم من المسلمين الذين سكنوا المنطقة ومن الواضح ان الكاتب لم يقم بالسفر إلى أفغانستان لأنها لم تكن قد دخلت دائرة الاهتمام بعد.
وقد عاد نايبول من هذه الرحلة ليقدم كتاباً حول انطباعاته، وبدا كأنه يلقي نكتة وهو يقول ان كتابه «غروب الإسلام» هو بالألوان الطبيعية، وأعلن أنه سوف يقدم هذه البلاد بنفس المنظور الذي تصور به السينما الأمريكية هذه البلاد، ياله من منطق.
والجدير ان الكاتب ظل يجتر الذكريات في كتبه التالية ومن أشهرها مابعد الإيمان وهو الكاتب الذي كتب عنه إدوار سعيد قائلاً:
«لماذا يعود بعد عشرين عاما ليقدم كتابا ثانياً يضارع الأول في الإطالة والاملال؟ السبب الوحيد الذي أجده ان لديه نظرة جديدة مهمة إلى الإسلام تتلخص في ان الإسلام هو دين العرب، وان كل مسلم غير عربي هو معتنق للدين».
يقول الكاتب ان آيات الله قد استقبلوه في إيران كشخص غريب ليس منه أي خطر، أما الباكستانيون فقد استقبلوه كباكستاني وتقول مجلة الاكسبريس التي صورته على غلافها في 6 نوفمبر عام 1981 ان رجلا مثل نايبول يؤمن بالتقدم العلمي، والتقنيات، والتصنيع، والمعاصرة ماكان له ان يذهب إلى هذه البلاد لأنه سيعود ليكتب بنفس المنظور، وكأن كل من لهم نفس القناعات سيكتبون بنفس الرؤية.
ويبدو ان الكتاب الذي قدمه نايبول جاء على هوى رجال الغرب في عام 1980 حين شهدت إيران اعدامات متتالية لخصوم الثورة، وبدأت الحرب العراقية الإيرانية، فكانت الحملة عنيفة لارضاء الغرور الأجنبي ضد المسلمين المتناحرين فيما بينهم، فهو يرى ان الإسلام هو الذي أمر اتباعه ان يفعلوا ذلك وان ايران تصدّر نظامها الدموي إلى العالم الإسلامي وخاصة مصر.
وهذا ليس كتاباً تحليلياً عن الإسلام ولكنه رحلة في بلاد إسلامية، يقوم بها رحالة يحكي مشاهداته، ويرى ان المسلمين ليست لديهم قدرة على التطور لسبب بسيط ان تعاليمهم لاتسمح لهم بذلك، وهو كما نرى رأي أشبه بتصريحات بيرلسكوني عن الإسلام في الشهر الماضي.
والكاتب يتحدث عن الأماكن التي زارها، والأشخاص الذين قابلهم وهو لايرحل إلى هذه البلاد في رحلة سياحية عادية، بل هي رحلة دينية ضد إسلامية، يتخذ له في كل بلد من هذه البلاد دليل هو في أغلب الأحيان ناقم على مايحدث أمامه ويصور له الأشياء بمنظوره.
ويرى الكاتب في حديث له إلى مجلة نيوزويك في 8 أغسطس 1980 ان المسلمين قوم عنصريون متخلفون ليس لهم وجود فكري أساسي، وان المسلمين لم يكتسبوا الفكر الصحيح الا باتصالهم بالغرب، ومثل هذه الأقاويل وغيرها موجودة في الأحاديث الصحفية التي تُجرى معه في المجلات التي وصلتنا والغريب ان المثقفين لدينا لم يقرأوا الكاتب رغم شهرته.
ولايكن الكاتب مثل هذه المشاعر فقط تجاه المسلمين، بل تجاه العالم الثالث الذي جاء منه. وهو كما يقال رجل فقد حاسة الشعور بالحنين إلى جذوره، فقد أشهر كافة أسلحة الهجوم على العالم الثالث في كتابه «عودة ايفابيرون»، وأيضا في رواياته مثل «في منعطف النهر» و «أخبرني من أقتل».
والروايات التي كتبها ليست بها حدة الانتقاد، لكنها محاولة لوصف البسطاء في هذا العالم فروايته «في منعطف النهر» يرى ان إفريقيا قارة تعج بالقلاقل السياسية، والاجتماعية، سالم الراوية يعيش في جنوب افريقيا، من أصل هندي، وهو رجل متشائم، يسكن في الساحل الشرقي الإفريقي منذ سنوات، ويقيم في نفس المنطقة هندوس وبرتغاليون، ومن الصعب فيه تحديد الهوية الإفريقية والديانة الرئيسية فيه هي البوذية بالطبع، وعندما يقرر الرحيل عن البلد، لأن الأمور لم تعد كسابق عهدها، تكون الوجهة هي المدينة وهناك يقابل أحد عبيده القدامى الذي جاء يطلب الايواء وان يعود إلى حمايته، رغم ان سالم ليس بالرجل الثري، لذا فإنه يقوم بتسليم عبده السابق إلى صديق له يدعى فرديناند.
ولايشير نايبول إلى اسم البلد الإفريقي، الذي يتحدث عنه لكنه أقرب إلى زائير، ويقول نايبول ان الناس في هذه البلاد لايتغيرون بسهولة، يعيشون نفس النمط من الحياة، ولايعرفون الثورة أو التمرد، وسالم هذا ليس من أصل إفريقي، ولاعلاقة له بالقارة السوداء انه رجل يعشق الحضارة الغربية، وهو مزيج من عدة حضارات، فهو يبيح لنفسه زوجة صديقه، ويرى الكاتب ان مثل هذه الأمور مألوفة بكثرة في هذه البلاد.
يقول الراوية في الفصل التاسع من الرواية:
«بدأت أدرك في نفس الوقت ان إحساسي بالهم لأني رجل منساق مع التيار، وبلا جذور هو إحساس زائف، ولم يكن حلمي بالنسبة لي بالوطن والأمان ليس أكثر من حلم للعزلة يتسم بالخطأ في التاريخ والغباء والضعف الزائد انني أنتمي إلى نفسي فحسب ولن أسلم رجولتي لأحد.
وبالنسبة لواحد مثلي فان هناك حضارة واحدة ومكاناً واحداً مثل لندن أو مكاناً يشبهها، أي ان مكاناً آخر كان خداعا للعقل الوطن من أجل ماذا؟ هل هو من أجل ان أنحني أمام رجالنا العظماء؟ أم للاختباء، وبالنسبة لاناس في مثل وضعنا، اناس اقتيدوا للعبودية، فان هذه أكبر خدعة على الاطلاق، نحن لانملك شيئاً، بل نعزي أنفسنا بمجرد الفكرة الخاصة بالرجال العظماء لقبيلتنا أمثال غاندي ونهرو، ولكننا نخفي أنفسنا أي نقول «خذ رجولتي واستثمرها لي، أو خذ رجولتي واصبح رجلاً عظيماً من أجلي، لا، إنني أريد ان أكون رجلا بنفسي».
هل هناك كلمات تلخص حياة كاتب، وفكره، وهمه العام أكثر مما جاء في هذه الفقرة؟
وفي رواية «المحاربون» فإن هناك شخصاً مشابهاً هو جيمي أحمد، انه زعيم هندي، ينحدر من أصل صيني، عاش سنوات عديدة في المملكة المتحدة، انه صورة حية لزعيم هندي عرفه الكاتب يدعى ميشيل عبدالملك، الذي تم شنقه بعد ان قتل امرأته البيضاء عام 1975م في ترينداد، مسقط رأس الكاتب، لقد فعل ذلك تبعا للعادات الاجتماعية في بلاده، رغم انه تعلم لسنوات في الغرب ولم يحدد نايبول، أيضاً، المكان في هذه الرواية كعادته، يرحل إلى بلد هو أقرب إلى جامايكا حيث ينغمس وسط الفقراء ويدير مؤسسة زراعية، شعارها «العودة إلى الأرض».. لكن السكان يرفضون استمرار الجمعية، ولأنه مشدود إلى النموذج الغربي يقابل بيتر روش، أو فرديناند في الرواية السابقة، الصحفي الانجليزي وعشيقته جين التي يستبيحها لنفسه أيضا كرجل غربي الفكر دون ان يحس بالندم، ولايقوم الكاتب بالقاء أي لوم عليه.
ومن الواضح ان الكاتب قد ألف في حياته رواية واحدة راح يقلب في أحداثها ويكررها، وأشخاصها من رواية إلى أخرى، مثلما تجدد الأمر في روايته «أخبرني من أقتل» فقد رحلت الشخصية التي تتبعناها عن منطقة الكاريبي إلي لندن، برفقة أخيه سانترس ا لراوية وبعد رحلة انجلترا يسافر بمفرده إلى الولايات المتحدة، وهناك ينام فوق الأرصفة، ويكرر نفس المعاناة التي يعانيها الزنوج في البلاد. يظل الأمريكيون بالنسبة له مخلوقات غير حقيقية انهم أناس غائصون في التليفزيون، وقد صاروا قطعة منه. يتزوج من امرأة زنجية، وعليه ان يفكر مثل الزنوج، لذا فانه شارك في مظاهرات السود عام 1968 ويشارك في احراق العديد من المنازل التي يمتلكها البيض انه رجل، كما يدعى نايبول، يبحث عن حريته، ولكن ماهي الحرية في هذا المجتمع الامريكي؟
بلاشك يصبح للحرية معنى مرنا عند كاتب له مثل هذه التجارب، وأبطاله هم كائنات مستنسخة منه. والبطل القادم من الشرق، في هذه الروايات يتسم دائماً بالدونية والضياع، وهو يسعى دائماً إلى الهجرة من بلاده مثلما فعل نايبول، يبحث عن مأوى خارج الوطن الذي لم يضق به صدره لكن البلاد التي يذهب إليها لاتتقبله بسهولة، حتى لو حصل على جائزة نوبل، حيث قيل ان نايبول هو الكاتب البريطاني، التريندادي الأصل.
ومن الواضح أننا أمام كاتب متمرد، لم يضع هويته تحت قبعة بعينها، ولم ينتقد المسلمين وحدهم لأنهم لم يستطيعوا التأقلم مع الحضارات المعاصرة. فهو كلام مشابه للرحالة المعاصرين الذين انبهروا بمنجزات الغرب ومنهم الطهطاوي، والشيخ محمد عبده، لكن الكاتب انتقد الهندوس، والبيض العنصريين في الولايات المتحدة ، وأيضاً هويات عديدة ومن يقرأ إبداع المؤلف سيكتشف أنه يكتب كل هذه التناقضات بما لايعكس وجهة نظره بل آراء الكثيرين ممن التقاهم في الحياة.

 

[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الرئيسية]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىmis@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved