Thursday 24th January,200210710العددالخميس 10 ,ذو القعدة 1422

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

عبدالله بن خميس في ميدان الشعر
د. طاهر تونسي

الأستاذ عبدالله بن خميس أشهر من أن يُعرَّف فهو شاعر كبير وناثر مجيد فله كتاب الشوارد وله كتابه النفيس.. «المجاز بين اليمامة والحجاز» وقد جمع كثيرا من الشعر الشعبي في مصنفات كثيرة. وله في مجال الصحافة مشاركته في جريدة الجزيرة تأسيسا وتحريرا. ويطيب لي أن أتناول ديوانه «على ربى اليمامة» وقد كتب تحت العنوان عبارة «ديوانان في سفر واحد». وهذه هي الطبعة الثانية من الديوان وقد صدرت سنة 1403ه. وقد رسم الفنان فهد ناصر الربيق صورة مستوحاة من العنوان صور فيها الصحراء على شكل جبال وأرض قاحلة وبعض النخيل وقليل مما ينبت في الصحراء. وقد بدأ ابن خميس بأن أهدى ديوانه إلى والده الذي قال عنه انه ألهمه الشعر رواية واسمعه صدى وشده اليه تشجيعا وعلمه من نهجه دروسا من الأخلاق والحياة. وقد صدرت الطبعة الأولى من الديوان سنة 1397ه وقد تحدث في البداية الأستاذ ابن خميس عن تجربته الشعرية فقال: عَلاقتي بالشعر بدأت مبكرة وصلتي به قديمة فحينما كنت اتصيد عبارات النطق وأحاكي من حولي وأروّض نفسي على الكلام الصحيح في سن الطفولة، كان الشيخ الوقور والدي رحمه الله يستذكر محفوظاته الأولى ويتنفسها بصوت نديّ، وبيان شجيّ على طريقة الأقدمين في التغني بالشعر والترويح عن النفس ببعض نفحاته، فكنت أتلذذ بهذا الصوت وأصيخ له وأجد ارتياحا لسماعه لأجده فيما يبث من حولي من الأحاديث العابرة والكلام المعهود. ومع مرور الزمن وتكرار القطع المفضلة التي يرددها الشيخ في إنشاده وجدتني أحفظها تلقائيا حفظا آليا لا نصيب له من الفهم. ولم تزل تخزنها الذاكرة ويعيها القلب رغم تعاقب السنين وإهمالي معاودتها بعد وفاة والدي رحمه الله فصاحب هذه النشأة حب الشعر وتذوقه ومن ثم قراءته وحفظه ورياضة الملكة لديه وتغذية الحافظة بالمتابعة وتنميتها بالتكرار ومدها بروافد جديدة وفيض من عطاء اعلام الشعر وفحوله. كل ذلكم كان إرهاصا لمعاناة قرضه وتوطئة للدخول من بابه المرتج الممتنع فكانت المحاولات الأولى وتلاها محاولات متدرجة وكلها كان نصيبها الوأد والنسيان».
وأما عن رأيه في شعره فيتحدث عن ذلك ابن خميس فيقول: «وقصائد هذا الديوان هي ما رضيت عنه بعض الرضا ورشحته للنشر ولكن ما كل ما يرضى عنه منتجه يستحق الرضا من قارئه. فبنات الأفكار وان كُنّ عند أربابهن غوالي إلا آن تقويمهن لا يكون إلا لمن لا تربطه بهن سوى رابطة البيان وعلاقة الذوق السليم».
وننطلق بعد ذلك إلى قصائد الديوان وابتدىء بالقصائد التي أحببتها للشيخ ابن خميس. وأولها قصائده في الكهرباء. ومعروف أن ابن خميس قد اشترى دارا في وادي ابن عمار. ووادي ابن عمار يضم العمارية وأبا الكباش والمعيذر والملقى والوصيل. وسكن ابن خميس في دارته وكان ينتظر أن تمتد الكهرباء إلى دارته. وبعد انتظار طويل أرسل قصيدة إلى وزير الصناعة والكهرباء آنذاك يستعطفه ان يوصل الكهرباء إلى داره فيقول في تلك القصيدة انه يعيش في الظلام ويعترف في قصيدته أن وزير الصناعة والكهرباء سابقا الدكتور غازي القصيبي قد قهر الظلام في أماكن كثيرة ولكنه لم يقهره في وادي ابن عمار وانه يعيش في الظلام مع صديقين هما كشافه وعكازه.
يقول ابن خميس:
على الذبالة والفانوس والجازٍ
عيشى ظلامك حتى يأذن الغازي
وسعته الصبر مهمازا فأوسعني
صدّا فحطم هذا الصد مهمازي
فرت جيوش الدياجي من مكامنها
من دار همدان حتى دار عنازِ
إذا سألت وزير الكهرباء بها
من انجز النور فيها؟ قال: إنجازي
وان سألت لماذا ظلَّ في غلسِ
وادي ابن عمارَ؟ هز الرأس كالهازي
أظل فيه بلا نور يؤانسني
وفي حنادسه عطلت تلفازي
ولي قرينان لا أنفك دونهما
أصاحب الليل كشافي وعكازي
هذا يضىء لخطوي منتهى قدمي
وذا ينفّر عني كل وخّازِ
فرد الدكتور القصيبي بقصيدة على نفس الروي والوزن وتناول في مطلعها جهود إيعازه لموظفي وزارته جاء في قصيدته:
أوعزت للقوم حتى كل إيعازي
وقلت لا تتركوا صحبي على الجازِ
وقلت هذا خميس الشعر جاءكمُ
يحدو الشوارد لم تهمز بمهمازِ
أعطاكم من حسان الشعر فاتنةً
مجلوّة ًبين إبداع وإعجازِ
وما هجاكم وحلو الطبع شيمته
ولو هجاكم لذقتم سطوة الغازي
أى الوساطات بين الناس نافذةً
ان الوساطة أفعى ذات إنجازِ
فوسط الشعر لم يشفع له أحدُ
سوى القوافي وإكباري وإعزازي
ويمضي الوقت وينتظر الشيخ ابن خميس وتمر الأيام والشهور والسنون فيخرج متفجعا متألما بقصيدة يصف فيها المهندس الطيب الذي أوكلت إليه آلاف المعاملات فلا يستطيع انجاز شيء لوادي ابن عمار يقول فيها:
وعدتم غير أن الوعد خيل
أتى منا على خمس عجافِ
دفعتم بالمقاول كي نراه
فما وفّى القليل ولن يوافي
أثيرا عنده خمسون شغلا
ويرضيهم بما دون الكفافِ
فلو ان المدى شهر وشهر
وتسعة أشهر عداً توافي
ولكن المدى مطل ومينٌ
وتسويف عقوبته عوافي
وهنا يرد وزير الكهرباء بقصيدة رابعة ولكنه في هذه المرة يأخذ دور المهاجم فيعتب على ابن خميس أنه سكن في بيت بعيد لا تصله طائرات الهليكوبتر ولا سيارات الجمس فيقول له:
أعبدالله يا شيخ القوافي
ومرتجل البديعات الظرافِ
هجرت الناس والدنيا وحيدا
بعماريةٍ وسط الفيافي
يفرقها عن العمران دربٌ
طويل ذو انعراج وانعطافِ
فلا هليكوبتر تفضي إليه
ويشكو الجمس من طول المطافِ
فتغفو انت في ظل ظليل
وتمرك يانع والماء صافي
وأقرأ ألف معروض وشكوى
وتقرأ أنت أشعار الرصافي
ثم يطمئنه انه قد تناول موضوعه في الوزارة وقد أخبروه انه في شهرين ستمد الكهرباء لوادي ابن عمار فيقول في نفس القصيدة:
سألت القوم عنك فأخبروني
بأن الكهرباء غداً توافي
فإن جاءت فكافئنا بشعر
كضوء الحب في ليل الزفاف
وفي بستانك المعمور أولِم
بهرفي سمين في الخراف
وتمر الأيام ولا ينال ابن خميس أمنيته فيكتب القصيدة الأخيرة في الموضوع يقول فيها:
ضربوا به في الخلف أسوأ سنةٍ
لو أنصفوا لم يظلموا عرقوبا
إن مات عرقوب فوعد واحدٌ
والله يغفر للمسيء الحُوبا
يغدو حنين كي يعود بخفه
دهرا ولا يلقى حنين مجيبا
***
الأستاذ الأديب الغزالي حرب من الكتّاب المرموقين وله صولات وجولات على صفحات مجلة الرسالة وله مؤلفات جيدة. وقد وصل إلي المملكة العربية السعودية وطلب من أخيه الشاعر عبدالله بن خميس أن يتوسط له لدى جهة تعليمية لاتخاذه مدرساً فحاول الشيخ ابن خميس وأخفق فعاتبه الاستاذ الغزالي حرب عتابا شديدا فأرسل له الاستاذ ابن خميس هذه الاعتذارية يذكر في بدايتها انه حاول قدر جهده في هذا الموضوع وان أهل الإدارة يبتعدون عنه لأنه رجل غضوب للحق ان هُضم يقول فيها:
غزلت لهم غزلاً دقيقا فما أجدى
وأذهبت نفسي أمترى عطفهم وجدا
ولا ذنب لي إلا بياني وسَوْرةٌ
عُرفت بها ان يُهضم الحقُّ أو يُردى
فإن يخذلوني واشجا في صميمهم
فما أخطأ القصدَ الغزاليُّ أو أكدى
أقلني أبا الأشبال فالجَدُّ عاثر
ومثلُك من يرعى الصداقة والودا
وها هو في قصيدة أخرى يتحدث عن مفتاح شخصيته وهو الإباء والكرامة وعدم بذل النفس رخيصة يقول فيها:
يقولون قدها فالإباء يؤودها
ودهرك لايسمو بآبيه قدرا
فقلت دعوها إنها ذات مبدأ
وكل بما يمليه مبدأه أدرى
ليركع من شاء الهوان فإنني
سموت بقدري أن أداجي به غمرا
وان أطرق الأبواب ترتج تارة
ويفتحها حجّابها تارة شبرا
إذا لم تكن نفسي ذات مطمح
تطامن عما تبتغي هامة الشعرى
ومع ذلك يعود في قصيدة أخرى فيذكر ان الإنسان ذا الكرامة في هذا الزمان لاحظ له من الدنيا فيعيش في زمن مخالف لطبيعته ثم يأمر الناس بنصائح على سبيل السخرية لا على سبيل النصيحة الصادقة!
بع فيه نفسك بالهوان ولاتني
ملقاً وتمويهاً لتنجح فيهِ
وإذا أردت به الصفا كن جاهلاً
حتى تكون موائما لبنيهِ
لو كان علم المرء ملء إهابه
وسعى حثيثاِ فيه لا يغنيهِ
إلا إذا مزج الغواية بالهدى
في خلق محتال وزيّ فقيهِ
وننتقل بعد ذلك إلى قصيدة العيد في أبها وأرى أن فيها ضعفا وتكلفا وتصنعا ولم يستطع شاعرنا ان يحلق كما فعل في غيرها ومطلعها:
من مهجة ظمئت لله تمجيدا
وقفت مذدكرا استلهم العيدا
اما قضية الشعر الحر فظهر رأيه فيها عندما نشر شاعر اسمه عبدالرحيم نصار قصيدة بعنوان «سنوات حزن فلسطينية» فما كان من الأستاذ ابن خميس إلا أن هاجمه بقصيدة جيدة وتنقسم القصيدة إلي جزأين أولهما رده على نصار وإظهاره لضعف نصار والقسم الثاني دفاعه عن الشعر الكلاسيكي المقفى وهجومه على فكرة الشعر الحر يقول في قصيدته:
ما أنصفتك قوافي الشعر يادارُ
وفيك للملهم المنطيق أسرارُ
ضنّوا عليك بأوزان وتقفيهٍ
يشتارها مثل أري النحل مشتارُ
أبكاكِ نصار لكن دمعه شبم
لم يسقه بدم الفرصاد نصار
يزاوج اللفظ أحيانا ويفرده
ويصطفى تارة منه ويمتارُ
عون عجاف وأمشاج سوائمه
وأمهات وأظآر وأنكارُ
ما بينها من أصيل الشعر من نسبٍ
هي الحروف وألفاظ وأسطارُ
جوفاء ما ألهبتها نار عاطفةٍ
أوسار فيها من الأفكار تيارُ
ثم يتعرض للشعر الحر فيقول انه بدعة قلدنا فيها غيرنا وأنه لايجوز تسميته بالحر لأن الحرية هنا مظلومة يقول في ذلك:
حرية ظلموها واسمها لغة
فوضى وسيان شاءوا الحق أم جاروا
لأنها بدعة التقليد نافقة
قالوا فقلنا وسرنا حيثما ساروا
نصار.. لم تنصف الهندي تشحذه
وإنما أنصف الهنديً بشار
وفي الديوان قصيدة في رثاء الأستاذ الناقد الشاعر محمد حسن عواد. وكان الشاعر ابن خميس في رحلة خارج المملكة ساعة الوفاة وعندما علم بوفاة صديقه محمد حسن عواد هزه النبأ فكانت قصيدته في رثاء العواد وهي قصيدة منصفة وتعطيه فضل الريادة ويتناول فيها جانباً من أدب العواد وهو جانب المعارك الأدبية وفي ذلك يقول ابن خميس:
مدره يدرأ الخصوم بأيدٍ
كلما لج بالخصوم المجونُ
يأخذ النقد لايجاري كبيراً
أو يماري في نقده أو يمينُ
نقموا حدة الخصومه منه
وهو درء يزين منه اليقين
من يراعٍ جم الإفاضة لدنٍ
مستجيش يخافه التنينُ
يرهب الواغل المسف شباهُ
ويجافي سوح البيان الهجين
ونعرج بعد ذلك على قضية المسلمين الأولى فلسطين فبمناسبة افتتاح المعرض الفني لصالح رعاية أسر مجاهدي وشهداء فلسطين بالرياض وذلك سنة 1386ه ينشد قصيدته التي مطلعها:
الثأر يوقظه الحسام المنتضى
والحق كل الحق فيما قد مضى
وهنا توقدت شاعرية المرحوم أحمد بن ابراهيم الغزاوي فكتب قصيدة يعارض فيها ابن خميس.. يقول الغزاوي:
أشعلت يا ابن خميس نيران الغضا
فيمن تفيأ بالصوارم وانتضى
ونسجتها في كل قلب خافق
تجرى الدماء به حميما مرمضا
هي من بيانك في بنانك آية
إن الرضيّ بها ازدهى والمرتضى

(*) جزء من بحث مطول عن شعر ابن خميس

 

[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الرئيسية]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىmis@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved