Monday 4th February,200210721العددالأثنين 21 ,ذو القعدة 1422

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

الرئة الثالثة
بُوركَ ما قلتَ يا سيدي وليّ العهد الأمين!
عبدالرحمن السدحان

لا بدّ للمرء المنصف أن يقف إجلالاً وإعجاباً وتقديراً لما تضمنه الحديث الشامل الذي أدلى به سمو ولي العهد أيده الله نهاية الأسبوع الماضي لاثنتين من أقوى الصحف الأمريكية حضوراً وانتشاراً، وهما ال(واشنطن بوست) وال(نيويورك تايمز)، وقد وضع سموه عبر ذلك الحديث نقاطاً على كثير من الحروف التائهة في دهاليز العلاقات العربية الأمريكية بوجه عام، والعلاقات السعودية الأمريكية بوجه خاص، مما اكسب كلمات سموه حفظه الله هيبة وشموخاً ووضوحاً.
* *
كانت ردة فعلي الأولى عقب قراءة ذلك الحديث المطرَّز بالدبلوماسية والصدق أن سمو ولي العهد تحدث عن علاقتنا مع أمريكا بلسان المسؤول ووجدان المواطن معاً، هذا المواطن الذي يختزن ذهنه وخاطره مشاعر وأفكاراً تمنى يوماً أن يُسمِعَها من حوله، فناب عنه الأميرُ عبدالله في التعبير عنها تعبيراً ذكياً وقوياً وصريحاً يتكئ على العقل، ويباركه الحق والحقيقة.
* *
وكم كنا في حاجة لحديث قوي كهذا يعيد تعريف علاقاتنا التاريخية مع دولة صديقة في قامة أمريكا ومكانتها على أساس من الصراحة والمناصحة والصدق، لأن ما تفعله حالياً بعض قنوات اعلامها، وما يصرح به بعض رموز سيادتها ليس في مصلحتها، ولا في مصلحة الأمن والسلام الدوليين. وأعتقد أن حديث سمو ولي العهد حفظه الله يعتبر بداية قوية لحملة إعلامية تمنينا طويلاً أن يخرج عبرها صوت هذه الأمة من عباءة الصمت إلى فضاء التعبير المدروس والموزون، عقلاً ووجداناً.
* *
فبُورك فيما قلت ياسيدي ولي العهد الأمين، وبورك فيما تحدّثْت به حديثاً اخترق جدران الإعلام المضاد في أمريكا، ونتَمنّى المزيد منه من لدن آخرين، داخل هذه البلاد وخارجها!
* *
ولقد كنتُ وما برحتُ من أنصار الرأي القائل بأن خطابنا الإعلامي عن تفوق الإعلام الصهيوني في بلد كالولايات المتحدة الأمريكية أمر يشوبه الغلو أحياناً، وقد يُوحي ذلك الخطاب باستحالة نجاح إعلام مضاد في أي وقت أو مكان.
* *
وأذكر أنني ناقشت هذا الموقف أكثر من مرة مع أطراف متعددة داخل امريكا وخارجها، وحاولت رصد بعض الأصداء حوله، فخرجت بحصاد من الرأي متعدد الأبعاد يُسلِّم مؤقتاً بمقولة التفوق الإعلامي المعادي، لكنه يربط ذلك بعدة متغيرات أهمها ما يلي:
أولاً: إن نجاح الإعلام الصهيوني داخل أمريكا ليس بالضرورة وليد قوة ذاتية غزيرة الموارد، مطلقة الحدود والخيارات، وإنما هو انعكاس طبيعي لضعف الإعلام العربي المضاد له، إذ إن اليهود، عبر فترة طويلة جداً من الزمن عملوا في فراغ، فلم يجدوا مجابهة ولا مواجهة، وإذا وجدت، فهي أشبه برذاذ مطر هادىء على سفوح الرمال.
* *
ثانياً: إن الإعلام العربي في أمريكا ما زال يسير متعثر الخطى، رغم الجهود المتقطعة التي بذلت وتبذل حيناً بعد آخر في هذا السبيل في وقت ينعم فيه اليهود الأمريكيون بسمع وبصر مواطنيهم، وكانت تلك الجهود في معظم الأوقات تمثل عطاء المقلّ، حجماً وأسلوباً ومحتوى، يضاف إلى ذلك عدم استمراريتها وتقويمها وتسديد خطاها بما يتناسب مع ظروف المكان والزمان والقضايا المطروحة وأحوال البشر المعنيين بها!.
ثالثاً: إن معظم أفراد الجاليتين العربية والمسلمة المقيمين في أمريكا يعيشون حالة من تشرذم الرأي واختلاف الكلمة وغياب الحيلة والوسيلة مادياً ومعنوياً كي يقوموا بجهد إعلامي مضاد على التراب الأمريكي، هذا لا ينفي وجود جهود إعلامية تُبذل من لدن فئات وأفراد ينتمون إلى جذور عربية، لكنها في الأوقات الصعبة تشبه صيحة في واد سحيق، ولو وجدوا شيئاً من الدعم الذكي والمتابعة المستمرة لكان لهم ولما يفعلون شأن آخر!.
وأذكر بهذه المناسبة أن منظمة الطلاب العرب في لوس أنجلوس دعت عام 1968م دبلوماسيا عربياً في هيئة الأمم المتحدة لالقاء كلمة موجزة بمناسبة أسبوع فلسطين وكان أصحاب الدعوة أشد ما يكونون تلهفاً وانتظاراً للدبلوماسي العربي القادم من نيويورك، وجاء اليوم الموعود ووقف المسؤول العربي أمام بضع مئات من الحاضرين، أغلبهم من الأمريكيين، لا يفقه معظمهم عن القضية ولا عن العرب إلا قليلاً، ويطمعون أن يزدادوا بالموضوعين علماً وفهماً.
* *
ويرتجل الدبلوماسي العربي كلمة (تاريخية) بانجليزية العهد الفيكتوري! وعبثاً يحاول الحاضرون أن يصطادوا المعنى من عينيه بعد أن عجزوا عن ملاحقة دوي كلماته، فيخفقوا مرة أخرى لأن عيني الخطيب المفوه كانت تظللهما نظارة سوداء والوقت ليل!
فلا رأوا شيئاً ولا فهموا شيئاً! ويطول أمد الكلمة (العصماء) ويتنامى (فحيح) صاحبنا الدبلوماسي العربي، ويزداد تبرم الحاضرين به، بل ويشرع بعضهم بالضرب على الموائد احتجاجاً، وبعد حوالي الساعة والنصف تقريباً تنتهي الكلمة، وتغرق القاعة في عاصفة من التصفيق، وأسأل بعضهم مذهولاً: لِمَ التصفيق الحاد وانتم تتبرمون؟! ويرد أكثر من واحد في سخرية ضاحكة: إننا نصفق فرحة لانتهاء الخطاب، لا استحساناً له، لأننا لم نفقه مما قال شيئاً! عندئذ، شعرت أن رصيد الإعلام العربي قد خسر جولة جديدة.. كان بطلها الدبلوماسي العربي (الهام) القادم من نيويورك!

 

[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الرئيسية]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىmis@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved