Thursday 14th February,200210731العددالخميس 2 ,ذو الحجة 1422

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

كتاب التكوينكتاب التكوين
اكتشاف العبقرية المبكرة
محمود قاسم

يظل اللون اول الأشياء التي تجذب العينين مهما كان عمر الإنسان الذي يتعامل مع اللون.
وذلك باعتبار ان اللون هو اهم ميراث حسي ومعنوي يرسخ في نفس الإنسان منذ ان تفتحت عينيه لرؤية ما حوله، بعد ايام من ميلاده، ليميز الأشياء من خلال الوانها، ومن هنأ تأتي أهمية، وخطورة كتب التلوين بالنسبة للطفل في جميع مراحل عمره الأولى، حيث سنلاحظ ان هذا النوع من التعلم والثقافة لا يخص فقط طفل ما قبل المدرسة، بل ايضاً الاطفال الذين يزحفون في العمر نحو نهاية العقد الأول من العمر، وربما الى ما بعد ذلك بسنوات.
وتعتبر كتب التلوين بمثابة وسيلة تثقيفية خاصة بالطفل ليس فقط الغرض منها التعرف على الذوق العام للطفل، وتوجيهه الى حالة من الذوق السليم، بل ان علاقة الطفل باللون الذي يختاره في الكتاب تعتبر ايضا عملية تعليمية معرفية، كأن نقول ان الورود يمكن ان تكون بيضاء او حمراء، او صفراء.
وتأتي حساسية التعامل مع هذا النوع من الكتب انها تأتي من خارج الطفل، ففي أغلب الأحيان فان الطفل ليس هو من يختار الكتاب، بل ان الكبار هم الذين يختارون هذه الكتب، إلا في حالات المعارض التي تبدو فيها هذه الكتب معروضة بحيث تبهر الطفل وتشد انتباهه لاقتنائها، باحجامها المتباينة، ورسومها الجذابة.
كما تأتي حساسية التعامل مع هذه الكتب من خلال سهولة اعدادها، فهي تبدو مثل الملموسات التي يسعى اطفال ما قبل المدرسة الى التعرف عليها دون المحددات المجردة. ومن هنا فإن الناشرين الذين يصدرون هذا النوع من الكتب غالبا ما تخلو ادارتهم من وجود خبير نفسي للأطفال ليحدد نوع الكتب، او موضوعاتها، لكنها قد تعتمد على الابتكار، فالكثير من دور النشر تقدم بشكل مضمون سلاسل «لون النباتات». و«لون الفاكهة»، و«لون الحيوانات»، وما شابه.
فهذه الأشياء هي أول الملموسات لدى الطفل، وهو يستخدمها في حياته اليومية، وخاصة في الطعام والشراب، فالبرتقالة «برتقالية» اللون لان ماما تقدمها له، كما انه يمكنه ان يلعب بها بعيدا عن فكرة التهامها بأكثر من طريقة.
ويمكن هنا ان نتناول تنوع كتب التلوين لطفل ما قبل المدرسة من خلال عدة اوجه، تعكس جميعها ان رغبات الطفل، واقباله على التلوين لا تتسم بصفة الثبات، فالطفل الذي يبدو متحمسا لكتاب التلوين بشدة عندما يقع بين يديه أول مرة فإنه يلون. وكثيراً ما يشخبط، الصفحات الأولى، فهو يلون صفحات بعينها، ونادرا ما يقوم بتلوين كافة رسومات الكتاب. وغالبا ما يكون الاختيار عشوائيا غير منتظم، فهو في السنوات الأولى من حياته لا يكاد يعرف بداية الكتاب من نهايته، ومن هنا يحرص اغلب الناشرين الى اصدار كتب التلوين في مجموعات، حيث ان هذه الآلية تتناسب مع نوع الاستهلاك الذي يبديه الطفل في تلك المرحلة، فهو لم يتعلم بعد مفردات الكبار مثل الحرص، والتدبير، لكنه تواق الى المزيد. ولذا تعتبر كتب التلوين هي الأكثر ربحية، والمضمونة اكثر لدى المستهلك.
وهناك عدة اعتبارات يأخذها الناشرون في الحسبان بالنسبة لكتب التلوين، فيما يتعلق بنوع المطبوعة نفسها، تتواصل هذه الاعتبارات معا في قناة واحدة يحدها «التنوع»، وهي:
أولاً: حجم الكتب:
ففي الوقت التي تتقارب فيه الاحجام والمقاييس الخارجية بالنسبة للكتاب التقليدي الموجه للكبار، فان احجام كتب الاطفال الخاصة بالتلوين تتنوع بشكل حاد فيما بينها، فقد نجد الكتاب الصغير الذي يمكن ان يكون في مقياس الجيب، بينما يمكن ان يكون هناك الكتاب الضخم الذي يصل في بعض الأحيان، كما رأيت يوما، الى 70 في 50 سم. وهو مقياس كبير قد يكون اطول من الطفل نفسه لكنه يعكس اهتمام الصغير بالتعامل، وامتلاك الأشياء العملاقة، ومنها الدميات التي نجدها ضمن ألعاب الصغار.
وقد لوحظ في هذا تباين الأبعاد النفسية بين طفل وآخر، وايضا تباين الحالة النفسية للطفل بين فترة زمنية وأخرى، فالتلوين هو تعامل مع المسطحات الفارغة المحددة برسوم مألوفة الممتدة امامه يراها في الطبيعة محشوة بالألوان، كما ان الطفل يحاول الاحساس بان الاشياء التي يتعامل معها هي في نفس حجمه. ومن هنا فان الكتب التي اعدها حلمي التوني للتلوين بعنوان «كان زمان» من منشورات دار الشروق تعكس تعامل الطفل مع المساحات الكبيرة، والرسوم المألوفة، وقد بدا هذا النوع من الكتب مناسبا اكثر للكبار الذين يتذكرون الاشياء القديمة الماثلة في اذهانهم، وهي تبدو غريبة على طفل اليوم.
ومن الواضح ان مؤلف، ومعد هذه الكتب قد حاول ان يستجلب للصغير طفولته هو، وليس الزمان الذي ينتسب الى الاب او الجد، وتعكس هذه الحالة رؤى المهتمين بثقافة الطفل، والغريب انه لم يتم استحضار نفس الأشياء المعاصرة للطفل من اجل ان يصورها. فاذا كان على الطفل في هذا النوع ان يلون اشياء ابيه او جده، فلم نر في مطبوعات التلوين الخاصة بالطفل ما يشير الى ادوات المستقبل من الروبوتات، ومركبات الفضاء، وقد شاهدت هذا النوع من الكتب لدى العديد من الناشرين الأجانب.
وبالنسبة للكتب الكبيرة الحجم فقد أصدرت دار «الوئام» في المملكة العربية السعودية مجموعة من المطبوعات الكبيرة الحجم. يتعذر الاحتفاط بها إلا في مكان خاص.
لكن النوع الشائع من هذه الكتب هو ما يقع في حجم كراس الرسم، الصغير، وهو أقرب الى هذه الكراسات منها الى الكتاب العادي، ويعكس الى أي حد نحن أمام كراسات منها الى كتب، وقد أخذت هذه الكتب اسماءها بدلاً من «الكراس» لاعتبارات خاصة بالتسويق.
وبشكل عام فإن عدد صفحات هذا النوع من الكتب يكون عادة محدوداً، قد لا يزيد عن الصفحات الاربع والعشرين، لكن الغريب ان مؤسسة «ديزني» تصدر كتبا اوراقها من النوع الذي يتشرب اللون، وتصل الى الست وتسعين صفحة من قطع الكوارتو.
وفيما يتعلق بنوع الورق فإنه يتم اختيار ما لا يتشرب اللون، وما يمكن ان يمتص هذا اللون، وفي بعض الاحيان يكون ضاربا الى الصفرة، منه الى الورق الناصع البياض.
ثانياً: نوع المادة المراد تلوينها:
تتباين المادة الجذابة التي يرغب الطفل في تلوينها اولاً حسب المحددات الاتية:
المرحلة العمرية.
المستوى التعليمي.
المستوى الاجتماعي.
نوع الكتاب.
درجة وجود هذه الأشياء على مقربة من الطفل.
فالمرحلة العمرية تلعب دورها بالنسبة للون المختار، والمادة المرغوب في تلوينها، فالطفل الصغير الاقل من الثالثة يرغب في تلوين الأشياء الملموسة، كالفاكهة المتداولة، والاسماك، والحيوانات الأليفة، والمألوفة بالنسبة له.
اما بالنسبة للطفل الأكبر سنا فهو، كما اشرنا يميل الى الاتساع والتعدد والتجريد وتبعا لذلك فان بعض الاطفال يميلون الى محاكاة الطبيعة. كأن يقومون بتلوين البرتقالة بلونها الاقرب في الطبيعة، او بالوان مخالفة تماما للونها المألوف في الحياة لكن طفل المدرسة يميل الى تلوين الاشياء بالوان هي اقرب الى ما هي موجودة عليه في البيئة التي حوله.
ولا شك ان المستوى التعليمي ينعكس على الطفل. فقد لوحظ ان الطفل في حضانات اللغات يتم التركيز على «تعليمه» أصول التلوين بواسطة المشرفة، أكثر مما يحدث للطفل الذي لم يذهب الى مدارس الحضانة، او الطفل في الحضانات الأقرب الى اماكن الاهتمام بالطفل حتى يأتي ولي الأمر لاستلامه.
ونحن نركز على مسألة ان الطفل يتعلم في الحضانة بعض قواعد التلوين، تحت اشراف متخصص، تقريباً، في الوقت الذي يمكن لعملية التلوين ان تكون نشاطا اقرب الى الهواية في مثل هذا السن.
ثالثاً: اللون المستخدم:
يميل الطفل بشكل عام الى استخدام الألوان الواضحة الصريحة، بنسب أكثر من الألوان الباهتة، فمن المعروف ان الاحمر هو سيد الألوان المستخدمة، يليه الأسود، «رغم ان الأسود ليس لونا، بل هو ممتص لكافة الألوان» وذلك حسب الدراسة التي اعدها للاطفال الفنان الراحل محمود بقشيش.
فالاحمر هو ابرز الألوان الصريحة التي يتعامل معها الطفل، والاخضر لون يرتاح له الصغير، وهو يستخدمه لتلوين الاشجار التي لابد ان يعرف انها تعني النماء والخير، في نفس الوقت فان الطفل باستخدامه الألوان المتناقضة فانه يكتشف انه يقوم بتوضيحها متجاورة معاً.
هذا اللون المستخدم غالبا ما يتم بأقلام الألوان الخشبية التقليدية المعروفة فهي الاسهل استخداما، وعلى نفس المستوى من الافضلية هناك ايضا الوان الشمع والفلوماستر، ثم تأتي الألوان المائية في اخر المرحلة، وهي التي يميل الطفل، الموهوب فعلا الى استخدامها وفي مرحلة متقدمة من السن قد تكون في نهاية العقد الأول من عمر الطفل. وهذه الألوان تتناسب مع المرحلة التي يميل فيها الطفل الى التركيب، وهي مرتبطة بالرسم من ناحية، وايضا بالابتكار، وممارسة الهواية.
فلا شك ان قدرة الطفل على دمج الألوان من اجل تحديث لون جديد بالنسبة له عملية مرتبطة في المقام الاول بقدرته على الابتكار، ويعني هذا ان الصغير صارت له شخصيته عن الطفل التقليدي الذي قد يصل الى هذا السن دون ان يكون قد غير كثيرا من آليته في استخدام الألوان.
وتبدو الألوان وكأنها تعكس عبقرية الطفل وذكاءه، لكنها قد لا تعكس حالته النفسية، فقد لوحظ ان الاطفال الفنانين في معهد السرطان يستخدمون الألوان المبهجة، باعتبار ان الاحساس بان الأسود ليس لونا كئيبا، وان الأبيض يعكس ملاءات السرير التي تعني المرض، وقد يكون هناك تفسير آخر، في ان الطفل يحاول ان يطرد الألم باللجوء الى الوان الحياة التي قد تنصرم منه، رغم انه قد لا يعرف المعنى الحقيقي للموت ويتصرف على أساس ان ما لديه هو حالة عارضة اشبه بدور انفلونزا.
وما ذكرناه لا يعني انه حالة ثابتة مؤكدة، فليس هناك شخص في حالة صيرورة أكثر من الطفل.

 

[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الرئيسية]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىmis@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved