Friday 15th February,200210732العددالجمعة 3 ,ذو الحجة 1422

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

العلاقات السعودية البحرينية في عهد الملك عبدالعزيزالعلاقات السعودية البحرينية في عهد الملك عبدالعزيز
الإمام عبدالرحمن توجه للبحرين بصحبة الملك عبدالعزيز بعد مغادرته نجد
الإمام عبدالرحمن توجه للبحرين بصحبة الملك عبدالعزيز بعد مغادرته نجد

* الرياض المحرر السياسي المنامة جمال الياقوت:
احتفاء بمناسبة إعلان مملكة البحرين تنشر «الجزيرة» بحث عن العلاقات السعودية البحرينية قدم ضمن النشاط الثقافي للاحتفاء بمرور مئة عام على تأسيس المملكة حيث يتحدث البحث الأول الذي أعده الدكتور محمد السروجي من جامعة الاسكندرية كلية الآداب عن العلاقات السعودية البحرينية في عهد الملك عبد العزيز.
وقد بدأ بحثه بالحديث عن تاريخ شبه الجزيرة العربية إذ يرى أن الدارس لتاريخ شبه الجزيرة العربية يلحظ الترابط القبلي الواضح بين مختلف دولها، فبالنسبة لآل سعود وآل خليفة نجد أنهم ينتمون إلى قبيلة عنزة، وكانوا يقطنون الهدار بنجد، وما زالت بقاياهم تقطن بها إلى الآن.
وترجع العلاقات بين السعودية والبحرين إلى الدولة السعودية الأولى «1745 1818م» حيث اتجهت شطر البحرين لتحقيق هدفين رئيسين: أحدهما ديني، وهو نشر الدعوة السلفية، والآخر اقتصادي لتدعيم الروابط الاقتصادية بين الدولتين. ومن بعدها الدولة السعودية الثانية «1840 1891م» وخلالها اعترى تلك العلاقات بعض المتغيرات.
وفي خلال تلك الفترة تمت العديد من الزيارات بين البلدين، كان هدفها التشاور والتعاون لما فيه مصلحة بلديهما. فقد زار البحرين الأمير سعود بن فيصل بن تركي في 14 ذي القعدة 1287ه/1870م خلال صراعه مع أخيه الإمام عبدالله بن فيصل، قام فيها بإهداء الشيخ عيسى آل خليفة سيف جده «تركي» المسمى بالأجرب، توكيدا للصداقة بينهما. كما قام الأمير عبدالله بن فيصل بزيارة البحرين في 9 جمادى الآخرة 1304ه/26 أغسطس 1887م.
كانت أول زيارة قام بها الإمام عبدالرحمن بن فيصل والد الملك عبدالعزيز حوالي عام 1293ه/1876م، وكان ذلك بعد نحو سبعة أعوام من تولي الشيخ عيسى بن علي آل خليفة الحكم،وقبل ولادة الملك عبدالعزيز.
أما الزيارة الثانية للإمام عبدالرحمن فكانت في عام 1309ه/1891م وكان بصحبته ابنه عبدالعزيز الذي لم يكن قد تجاوز العاشرة من عمره وقتذاك عندما كان يبحث له ولأسرته عن مأوى آمن يلجأ إليه بعد مغادرته نجد إلى الصحراء فقطر ثم البحرين. وقد سمح الشيخ عيسى بناء على طلب الإمام عبدالرحمن أن يأذن لأسرته بالإقامة إلى جواره، فأذن له.
ولما كان البحرين وقتذاك في حالة لا تسمح له بتقديم المساعدة اللازمة للإمام لاسترداد بلاده، فقد انتقل منه إلى قطر ثم الكويت عام 1310ه/1892م، حيث مكث به أكثر من عشر سنوات، تعلم فيها عبدالعزيز من الشيخ مبارك الصباح حاكم الكويت أصول السياسة والحكم والإدارة، خصوصا وأنه كان قريباً منه، يحضر مجالسه ومجالس السيد خلف باشا النقيب، وهو من كبار رجالات الكويت. فكانت الكويت إذن المدرسة الأولى التي تلقى فيها عبدالعزيز دروس السياسة والحياة.
وعندما بلغ عبدالعزيز السادسة والعشرين من عمره انطلق من الكويت عبر الصحراء متجهاً إلى الرياض مع أربعين وقيل ستين من أهله وعشيرته وأصدقائه، حيث نجح في فتح الرياض في الخامس من شوال 1319ه/ 15 يناير 1902م. ومنها أخذ يعمل بجد ونشاط وتخطيط في توحيد بلاده.
الأوضاع في البحرين في مستهل القرن العشرين
لا يستطيع الباحث أن يتناول العلاقات السعودية البحرينية، دون الإلمام بعلاقة كل من الدولتين ببريطانيا التي كانت تبسط نفوذها على منطقة الخليج في ذلك الوقت، فكلتاهما قد ارتبطت معها بمعاهدات ألزمتها باتباع سياسة خاصة لا تتعارض مع مصالحها في المنطقة. فبالنسبة للبحرين ومشيخات الخليج الأخرى، فقد ارتبطت ببريطانيا في عام 1235ه/1820م بمعاهدات ثنائية. إضافة إلى الاتفاقية العامة «اتفاقية السلم العامة» التي فرضتها بريطانيا بالقوة، وجميع بنود هذه الاتفاقية بصفة عامة في مصلحتها.
كان لاتفاقية السلم العامة نتائج إيجابية وأخرى سلبية على البحرين، فمن الناحية الإيجابية فقد اعترفت بريطانيا بآل خليفة حكاما على البحرين كدولة مستقلة، وبذلك قضت على تطلعات حاكم عمان في إخضاعها لسلطانه، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى قضت على ادعاءات إيران كذلك.
وتتمثل الآثار السلبية في تدخل بريطانيا في الشؤون الداخلية والخارجية للبحرين. وكذلك في تعيين مقيم وطني لها في المنامة، ناهيك عما يقوم به هذا المقيم من تدخل في شؤون الحكم، فضلا عن كونه عينا لبريطانيا في هذا البلد.
كانت بريطانيا تشعر من حين لآخر، بأنها في حاجة لعقد اتفاقيات جديدة مع البحرين تثبت اتفاقية عام 1820م السالفة الذكر، وتضيف إليها امتيازات جديدة. ففي عام 1277ه/1861م عقدت بريطانيا اتفاقية مع حاكم البحرين تنص على التزامه بالاتفاقيات السابقة، إضافة إلى شرط جديد، وهو أنه في حالة تعرض بلاده لخطر خارجي، فلا يواجهه إلا بإذن من المقيم البريطاني الذي يتولى هذا الأمر بنفسه، كما حددت الاتفاقية الضريبة التي تفرض على التجار البريطانيين المقيمين في البحرين.
حاولت الدولة العثمانية في عام 1296ه/1879م أن تحصل من شيخ البحرين على موافقة بإنشاء مستودع للفحم في بلاده. وعندما علم بذلك المقيم البريطاني في البصرة روبرتسون Robertson أبلغ حكومته بالأمر، ومن ثم بادرت الحكومة البريطانية بإخطار سفيرها في الأستانة بإقناع الحكومة العثمانية بالعدول عن هذا المشروع، وذلك لإبعاد النفوذ العثماني عن البحرين بكل السبل.
ولذا ذهب المقيم البريطاني روس لمقابلة شيخ البحرين؛ لتوقيع اتفاقية جديدة في 1309ه/1892م، تلزمه بعدم إقامة علاقات خارجية مع أية دولة، أو منح إذن ببناء مستودع للفحم إلا بعد موافقة الحكومة البريطانية. ومما لا شك فيه فإن هذه الاتفاقية قد أضافت قيودا جديدة على شيخ البحرين لصالح بريطانيا أولا وقبل كل شيء.
لم تكتف بريطانيا بذلك، ولكنها رأت عقد اتفاقية جديدة تسد فيها الثغرات التي وجدت في الاتفاقية السابقة، وما سبقها، بحيث تتأكد السيطرة البريطانية لا على البحرين فحسب بل على شيوخ الساحل المهادن كذلك. فنصت على التزام شيخ البحرين ومن يخلفه من بعده بعدم الدخول في اتفاقيات مع أية قوة أجنبية إلا بموافقة بريطانيا. وكذلك عدم إقامة مقيمية أو وكالة، أو بيع، أو رهن، أو تأجير أرض بحرينية إلا لبريطانيا.
وبهذه المعاهدة تمكنت بريطانيا من تثبيت ما حصلت عليه من امتيازات في الاتفاقيات السابقة، إضافة إلى ما تضمنته الاتفاقية الأخيرة من قيود مكنتها من إحكام قبضتها على مشيخات الساحل المهادن بما في ذلك البحرين، وأن تفرض عليها حماية مقنعة. وكانت المعاهدة في عام 1309ه/1892م.
الأوضاع في نجد وملحقاتها
أشرنا في النقطة السابقة إلى الأوضاع السياسية في البحرين في مستهل القرن العشرين، عندما بدأ عبدالعزيز في استعادة ملك آبائه وأجداده، وما صادفه من عقبات، وما خاضه من حروب حتى تم له توحيد بلاده. ففي هذه الظروف القاسية لم تنقطع الرسائل ولا الزيارات بين البلدين.
نجح عبدالعزيز في فتح الرياض في 5 شوال 1319ه/15 يناير 1902م، ثم ضم إليه الوشم وسدير والزلفي. وفي ذلك الوقت استنجد ابن رشيد بوالي بغداد العثماني لإمداده بقوة عسكرية، قدرت بثماني كتائب، فضلا عن المال والسلاح، لدفع خطر عبدالعزيز. ورغم ذلك فقد انتصر على خصمه ابن الرشيد.
كان حدوث ثورة الإمام يحيى حميد الدين في اليمن في غير صالح العثمانيين، فقد شتت جهودهم ودفعهم إلى الدخول في مفاوضات ناجحة مع عبدالعزيز لسحب قواتهم من نجد، لحاجتهم إليها في اليمن.
هذا ما ذكره فيلبي ولكن الانسحاب حدث في عام 1324ه فذهبت بعض القوات إلى المدينة والبعض الآخر إلى العراق.
وفي 19 صفر 1324ه/13 إبريل 1906م حدثت بين عبدالعزيز وابن الرشيد معركة «روضة مهنا» التي انتهت بمقتله. وعندما ولي ابنه متعب خلفاً له، طلب من عبدالعزيز تسوية ما بينهما بالطرق الودية. فتم الاتفاق على أن تكون المناطق شمال القصيم تحت إمرة ابن الرشيد، وما عداها من أقاليم نجد تكون تحت حكم الملك عبدالعزيز، وكان ذلك أمراً مؤقتاً فرضته الظروف.
وخلال قيام عبدالعزيز بتوسيع رقعة بلاده، كان يعمل في الوقت نفسه على توطين البدو فيما سمي بالهجر، حتى يضمن ولاءهم، وأطلق على هؤلاء اسم الاخوان. وكانوا يمثلون القوة الضاربة التي اعتمد عليها عبدالعزيز في فتوحاته.
وقد انتهز عبدالعزيز فرصة ارتماء العثمانيين في أحضان الألمان قبيل الحرب العالمية الأولى، وضم اقليم الأحساء في 1331ه/1913م بعد أن أرغم العثمانيين على الانسحاب دون معارضة من قبل بريطانيا. والتجأت القوات العثمانية المنسحبة إلى البحرين، حيث وصلتهم بعض الإمدادات العسكرية، فعاودوا الهجوم على العقير، فهزمهم عبدالعزيز شر هزيمة. ومما ساعد عبدالعزيز في ضم الأحساء أن الحكام في شبه الجزيرة كانوا منقسمين إلى معسكرين معاديين: الأول تحت لواء الدول العثمانية بزعامة آل الرشيد، والثاني تحت لواء بريطانيا ويتزعمه ابن الصباح. وقد شغلهم هذا الانقسام عن متابعة تحركات عبدالعزيز.
ومع قيام الحرب العالمية الأولى أرسلت بريطانيا شكسبير Shakespeare ممثلاً لها في الرياض. وحدث في ذلك الوقت أن نشبت معركة بين ابن الرشيد وعبدالعزيز في «جراب» قتل فيها شكسبير في 1333ه/يناير 1915م. و مما دفع عبدالعزيز إلى سرعة التخلص من آل الرشيد بعد ذلك هو إحاطة الحكومات الهاشمية في الحجاز والأردن والعراق بممتلكاته، ومع ذلك لم يكن خطر آل الرشيد المتحالفين مع العثمانيين يعادل تهديد الشريف حسين حاكم الحجاز وحليف بريطانيا في الحرب ضد العثمانيين.
معاهدة دارين
وقف عبدالعزيز في الحرب العالمية الأولى موقف الحياد، فلم يكن له مصلحة في الانضمام إلى أحد الطرفين المتصارعين. ورأت بريطانيا أن تحدد موقف عبدالعزيز هذا في معاهدة تطمئن فيها على الأوضاع في الجزيرة العربية والخليج خلال فترة الحرب، فوقعت معه في 19 صفر 1334ه/26 ديسمبر 1915م معاهدة دارين، اعترفت فيها بحكمه لنجد، والأحساء، والقطيف، والجبيل، والمدن والموانئ التابعة لتلك المناطق. وكان من نتيجتها عدم مهاجمة عبدالعزيز للشريف حسين حاكم الحجاز وحليف بريطانيا ورغم أن هذه المعاهدة قد منحت بعض الامتيازات في المنطقة، «إلا أن قيمتها سقطت قبل إلغائها بسنوات عديدة».
بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى، أخذت الأمور تسير في صالح عبدالعزيز، وفي اتجاه معاكس بالنسبة لخصمه الشريف حسين، ففشلت محاولات لورانس Lawrance في عام 1339ه/1921م في إقناع الشريف بالموافقة على المخطط الصهيوني في فلسطين، مما أفقده عطف بريطانيا. زد على ذلك عدم اعترافها بإطلاق الحسين على نفسه لقب ملك العرب.
وبعد سقوط الطائف في يد عبدالعزيز في 1343ه/أغسطس 1924م، واتجاه قواته صوب مكة، اضطر الملك حسين إلى التنازل عن الحكم لابنه علي في 20 ربيع الأول 1343ه/18 أكتوبر 1924م. وبضم عبدالعزيز الحجاز نودي به ملكا على الحجاز وسلطانا على نجد، وذلك في 1344ه/8 يناير 1926م. هذه الأحداث قد عززت مركز الملك عبدالعزيز لدى حكام شبه الجزيرة العربية، ومنهم حاكم البحرين بطبيعة الحال.
معاهدة جدة
عندما أصبح الحجاز على وشك الدخول في حوزة الملك عبدالعزيز، طالب الحكومة البريطانية بضرورة البدء في مفاوضات لتعديل معاهدة دارين «1915» التي أصبحت لا تتفق ومكانته في الجزيرة العربية. وتم ذلك في معاهدة جدة مايو 1927م، ونصت المادة الأولى منها على اعتراف بريطانيا بالاستقلال، والسيادة الكاملة لملك الحجاز ونجد وملحقاتها. كما نصت المادة السادسة من مشروع المعاهدة على تعهد الملك عبدالعزيز بعدم التدخل في شؤون إمارات الخليج الخاضعة للحماية البريطانية، ولكن عبدالعزيز لم يقبل هذا النص لأنه يتنافى مع الكرامة العربية، فصيغت المادة بشكل جديد على النحو التالي الوارد بالمعاهدة:
«يتعهد صاحب الجلالة ملك الحجاز ونجد وملحقاتها بالمحافظة على علاقات الود والسلم مع الكويت والبحرين ومشايخ قطر والساحل العماني الذين لهم معاهدات خاصة مع حكومة صاحب الجلالة البريطانية».
وقد احتجت إيران لدى عصبة الأمم على ما ورد بالمعاهدة من أمور تتعلق بالبحرين، إدعاء بما لها من سيادة على هذه البلاد، ومن ثم فليس لبريطانيا الحق في أن تمثل البحرين.
ولما كانت بريطانيا أهم صديق للمملكة في المحافل الدولية، وجد الملك عبدالعزيز أن من مصلحته تجديد تلك المعاهدة مرتين : الأولى في عام 1936م، والثانية في عام 1943م. و نص في التجديد الأخير على أن تجدد المعاهدة تلقائيا، ما لم يرغب أحد الطرفين في إنهائها، على أن يكون ذلك قبل ستة شهور من موعد الانتهاء.
وقد حرص الملك عبدالعزيز بعد دخول الحجاز في حوزته على تخليصه كلية من الامتيازات الأجنبية التي كانت سائدة في ممتلكات الدولة العثمانية.وحاولت بريطانيا جاهدة الإبقاء على امتيازات رعاياها وحدها، ولكنه رفض رفضا باتا، وذهب في رفضه إلى حد تأجيل توقيع معاهدة جدة إلى أن تم حل هذه المشكلة.
وبعد أن حصل الملك عبدالعزيز على اعتراف الحكومة البريطانية اعترافا تاما باستقلال دولته، اتصل بحكومة الولايات المتحدة الأمريكية للحصول منها على اعتراف مماثل، وذلك لإيجاد نوع من التوازن في القوى بينهما في المنطقة التي يسود فيها النفوذ الإنجليزي، وكان ذلك في عام 1928م. ولكن هذا الاعتراف تأخر إلى عام 1932م، حيث وقع الملك عبدالعزيز معاهدة صداقة وتجارة وملاحة.
والحقيقة أن الولايات المتحدة الأمريكية كانت تتبع سياسة العزلة من الناحية السياسية، وكان كل ما يهمها في ذلك الوقت هو الناحية الاقتصادية. وسنجد أنه بالرغم من توقيع امتيازات النفط الأمريكية مع المملكة العربية السعودية في عام 1933م، فإن الولايات المتحدة ظلت تعترف لبريطانيا بالتفوق السياسي في منطقة الخليج وشبه الجزيرة العربية. وفي ذلك الوقت كانت تتعامل مع المملكة العربية السعودية في بعض الأحيان عن طريق السفارة البريطانية في جدة، وذلك قبل أن تنشئ التمثيل الدبلوماسي لها في عام 1941م.
وفي خلال توقف استغلال النفط خلال الحرب العالمية الثانية قلت إيرادات المملكة، وشعرت بحاجتها إلى قرض مالي لإيجاد نوع من التوازن بين الإيرادات والمصروفات، فاتجهت إلى الولايات المتحدة الأمريكية لنيل هذا القرض، ولكن الولايات المتحدة طلبت من بريطانيا التي تتلقى معونات منها بأن تقرض المملكة ما تريده، وذلك حرصا على عدم إغضاب بريطانيا خلال فترة الحرب.
هذه السياسة المتحفظة التي سارت عليها الولايات المتحدة الأمريكية خلال فترة الحرب، قد تغيرت جذريا بعد خروجها منتصرة في الحرب في عام 1945، إذ أصبحت زعيمة العالم الرأسمالي، بينما توارت كل من بريطانيا وفرنسا وتقهقرتا إلى الصفوف الخلفية. وبدأت الحكومة الأمريكية تتبع سياسة إزاحة وإبعاد نفوذ الدولتين التقليديتين بريطانيا وفرنسا عن منطقة الشرق الأوسط، وأن تحل هي محلهما. فأخذت توطد علاقاتها بدول المنطقة، ومنها المملكة العربية السعودية. وقد أدى توطيد العلاقة مع الولايات المتحدة الأمريكية إلى إضعاف النفوذ الإنجليزي في المنطقة مما أتاح للملك عبدالعزيز الفرصة لتوطيد علاقاته بجيرانه ومنهم البحرين دون تدخل من بريطانيا.
رأينا كيف أن معاهدتي دارين «1915» وجدة س1927» قد انعكستا على العلاقة بين السعودية والبحرين. فبريطانيا كانت تنظر بعين الريبة وعدم الارتياح إلى أي تقارب يتم بين البلدين، خشية أن يزداد نفوذ الملك عبدالعزيز في البحرين على حساب النفوذ الإنجليزي، لا سيما أن الملك كان يتمتع بشخصية قوية، وحب من شيوخ البحرين وأهله.
ففترة حكم الملك عبدالعزيز قد امتدت فشملت جزءا كبيرا من حكم الشيخ عيسى بن علي بن خليفة آل خليفة المتوفى عام 1351ه، وابنه حمد المتوفى 1361ه، وحفيده سلمان. وفي خلال تلك الفترة تبودلت الزيارات بين حكام ومسؤولي البلدين، توثيقا لعرى الصداقة والمودة بين الطرفين، وللتشاور فيما يجد من أحداث.
وبطبيعة الحال كانت تلك الزيارات تمليها مصالح ودوافع بعضها ظاهر والآخر خفي، كما كانت الظروف السياسية القاسية التي يمر بها البلدان، إضافة إلى التدخل الأجنبي من حين لآخر، كانت تدعو إلى مثل تلك الزيارات للتشاور والتعاون والتناصح، لما فيه مصلحة البلدية.
زيارة الملك عبدالعزيز الأولى للبحرين «1348ه/1930م»
جاءت زيارة الملك عبدالعزيز الأولى للبحرين في أعقاب الدعوة التي وجهت إليه للالتقاء مع الملك فيصل ملك العراق في 21 رمضان 1348ه/27 فبراير 1930م، وكان الهدف منها العمل على تحسين العلاقات بين الدولتين. فعقدت بينهما ثلاثة لقاءات أعرب فيها العاهلان عن الصداقة وحسن النية لكل منهما تجاه الآخر. وقد حضر هذه اللقاءات القنصل العام الإنجليزي همفري. وهذا يوضح مدى حرص بريطانيا على أن تكون تلك اللقاءات تحت إشراف رجالها في الخليج، حتى تتمكن من تنفيذ سياستها في المنطقة تنفيذا دقيقا.
واختيار السلطات الإنجليزية لهذا التوقيت بالذات لاتمام الزيارة، حيث كانت المفاوضات بين الجانبين البريطاني والعراقي لتوقيع معاهدة 1930 «30 يونيه 1930» على وشك الانتهاء، يدفعنا إلى التساؤل، هل كان هذا اللقاء لوضع أسس جديدة من الصداقة وحسن الجوار بين البلدين في ظل المعاهدة الجديدة؟ ربما لأن بريطانيا التي كانت مسيطرة على المنطقة كان يهمها تنسيق سياستها، بحيث يسود الهدوء والسلام فيها، وهذا ما يحقق مصالحها دون ريب.
وهذه المعاهدة التي أطلق عليها معاهدة التحالف والصداقة، والتي منحت العراق نوعا من الاستقلال مع ارتباطه بتحالف مع بريطانيا، كانت ترى فيها المثل الذي يجب أن يحتذى في علاقاتها مع الدول الأخرى مثل مصر. ومن ثم فقد جاءت معاهدة 1936 مع مصر شبيهة إلى حد كبير مع معاهدة 1930 مع العراق .
وبعد أن أتم الملك عبدالعزيز لقاءه مع الملك فيصل، أراد في طريق عودته أن يزور صديقه القديم الشيخ عيسى بن علي آل خليفة شيخ البحرين. ومن المرجح أنه كان يريد إطلاعه عما دار بينه وبين الملك فيصل من حديث وما تطرقا إليه من موضوعات، حيث إن الملك عبدالعزيز كان يثق ثقة تامة في الشيخ عيسى، وكان يستشيره في كثير من الأمور، وهذا واضح من الرسائل المتبادلة بين الرجلين. هذا بالإضافة إلى العلاقات المتنامية بين البلدين، فأمر الملك سكرتيره محمد المانع أن يرسل برقيتين للبحرين: إحداهما إلى الشيخ عيسى، والأخرى إلى القنصل البريطاني لإبلاغهما بعزمه على زيارة البحرين.
ونظرا لأن المقيم البريطاني في الخليج الكولونيل بيسكو Biscoe لم يكن يرغب في إتمام تلك الزيارة فأرسل للملك عبدالعزيز برقية في منتصف الليل وهو على وشك دخول البحرين تخبره بأن الشيخ عيسى مريض خارج المنامة، وينصح جلالته بعدم إتمام الزيارة. وفي الوقت نفسه أبلغ الشيخ حمد كذبا أيضا بأن الملك عبدالعزيز قد ألغى زيارته.
وكان المقيم البريطاني يهدف من هذا التصرف إلى تحقيق هدفين: الأول التدخل في شؤون البحرين لغرض هيمنته عليها تحقيقا للمصالح البريطانية، الثاني فرض أكبر عدد من الموظفين البريطانيين على إدارة البلاد تحقيقا للهدف نفسه.
ولما علم شيوخ البحرين وعلى رأسهم الشيخ حمد بأن الملك عبدالعزيز على ظهر الباخرة في الميناء، أتى للقائه.. دون أن يخبر المعتمد السياسي أو المستشار في البحرين، فاضطر جلالته نزولا على رجائهم أن يقوم بالزيارة. وفي الوقت نفسه صمم على عدم زيارة القنصل البريطاني ردا على هذا التصرف غير اللائق. كما أسرها في نفسه، فعندما طلبت الحكومة البريطانية في العام التالي عن طريق سفيرها في جدة إصدار تصريح للأميرة أليس Alice والإيرل أرثلون Earl of Arthlone بالمرور عبر المملكة من جدة إلى العقير، رفض الملك ذلك، فأدركت الحكومة البريطانية سبب الرفض، وهو موقف المقيم البريطاني من زيارة الملك للبحرين، فقدمت اعتذارها لما بدر من المقيم . وهذا درس وعته في مستقبل الأيام في تعاملها مع الملك.
قوبل الملك عبدالعزيز في هذه الزيارة بحفاوة بالغة من قبل الشيخ عيسى، ودار حوار بين العاهلين، طرح فيه الملك المشكلات التي تواجهه في سبيل قيام مملكة موحدة، يعيش فيها الجميع في أمان ورخاء، واستمرت إقامة الملك يومين كان فيهما موضع حفاوة وتكريم من قبل الحكام والمحكومين على السواء. وقد علق القبطان برايور بالبحرين على هذه الزيارة بمدى تأثير شخصية الملك عبدالعزيز على الشيخ حمد. كما أنه أوضح أن هذه الزيارة كشفت عن ضعف السيطرة البريطانية على البحرين بشكل واضح.
وفي هذه الزيارة وجه عبدالعزيز الدعوة للشيخ حمد للحج وهو يودعه قائلا: «لن أرضى حتى أراك في مكة». وقد لبى الشيخ حمد الدعوة في عام 1357ه/1939م.
زيارة ولي العهد الأمير سعود للبحرين
بعد الزيارة السالفة للملك عبدالعزيز بحوالي سبع سنوات، وفي 10 شوال 1356ه/15 ديسمبر 1937م على وجه التحديد زار الأمير سعود ولي عهد المملكة العربية السعودية الشيخ حمد شيخ البحرين، استقبله في الميناء الشيخ محمد بن عيسى، والشيخ سلمان الابن الأكبر للشيخ حمد مع بعض أفراد الأسرة، وأربعون من التابعين. ولم يكن للمقيم السياسي اعتراض عليها، لأنها ليست ذات طابع سياسي، خصوصا وأنه قد أخذ موافقة المستشار بلجريف Palgrave بعد موافقة وزارة الخارجية البريطانية، وكذلك جميع الحفلات التي تقام لتكريم ولي العهد وأن يقام احتفال للأمير بمقر الوكالة البريطانية بالبحرين.
الزيارة الثانية للملك عبدالعزيز للبحرين
«12 ربيع الأول 1358ه/ 2 مايو 1939م»
وفد على الظهران في مطلع شهر ربيع الأول 1358ه الشيخ حمد بن عيسى وبصحبته بعض كبار رجال أسرته لدعوة الملك عبدالعزيز لزيارة البحرين. وعندما قبل جلالته الدعوة غادر الشيخ حمد الظهران عائدا إلى البحرين، ليكون في استقباله، ولحق به الأمير فيصل، والأمير خالد، والشيخ حافظ وهبة.
غادر الركب الملكي الخبر متجها إلى المنامة في 12 ربيع أول 1358ه، وكان الأمير سعود ولي العهد قد سبق والده ليكون في استقباله أيضا. ورافق الملك في هذه الزيارة ثلاثمائة من أفراد حاشيته. وقد وصل المنامة قبل مغرب ذلك اليوم. حيث كان في استقباله الشيخ حمد بن عيسى وكبار أفراد الأسرة. وسار الموكب الملكي إلى قصر القضيبية الذي بني خصيصا لإقامة الملك.
وقد ازدانت المنامة بالأعلام والزينات، وبلغت الحفاوة بجلالته من قبل الشيوخ الذين وفدوا لتحيته، أنهم ألقوا في طريق الموكب العظيم العبي والمشالح التي كانوا يرتدونها ليمر فوقها الموكب تشريفا وتعظيما للضيف الكبير.
والحقيقة أن الملك عبدالعزيز كان على صلة قوية ودائمة بالشيخ عيسى وخليفتيه من بعده، وكان يطلعه أولا بأول على تطور الأحداث في شبه الجزيرة. وكان يجله كوالده،ونلمس ذلك من الرسائل التي يبعث بها الملك إليه، مخاطبا إياه بقوله: «من عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل فيصل إلى جناب الأجل الأمجد الأفخم، بهي الشيم الوالد المكرم الشيخ عيسى آل خليفة، سلمه الله تعالى وأدام بقاءه».
زار الملك أثناء ضيافته المنشآت النفطية، ومصنع تكرير البترول، وبعض الأسر المعروفة بالبحرين.
وفي الحفل الختامي الذي أقيم في نهاية الزيارة، ألقى الشيخ سلمان بن حمد كلمة تحية وتكريم للضيف الكبير، وتبودلت الهدايا القيمة. وبعد مغادرة الملك البحرين، أرسل إلى الشيخ حمد برقية مفعمة بأصدق عبارات الود والشكر على الحفاوة الكبيرة التي قوبل بها.وكان لهذه الزيارة أعمق الأثر في توطيد أواصر المحبة بين البلدين.
العلاقات الاقتصادية
إن العلاقات الاقتصادية بين البلدين قديمة منذ أن كان اقتصاد البحرين يعتمد على صيد اللؤلؤ ونظرا لأن البحرين كانت المركز الرئيس لتجارة اللؤلؤ في الخليج، فقد كان اللؤلؤ الذي يستخرج من الشواطئ السعودية يعرض للبيع في أسواق بالبحرين.
أضف إلى ذلك أن ما تصدره السعودية من تمور وماشية وصناعات يدوية للبحرين وفي المقابل فكل احتياجات السعودية من مواد غذائية وملبوسات كانت تأتي إليها عبر البحرين.
ازداد النشاط التجاري بين الدولتين بعد اكتشاف البترول فيهما، وكان الملك عبدالعزيز على معرفة بما يحدث في البحرين من تطورات اقتصادية، فأرسل في 8 شعبان 1350ه/1930م رسالة إلى فرنك هولمز مدير شركة النفط في البحرين يبدي فيها اهتمامه بما يقوم به من نشاط في إدارة الشركة. وقد رد عليه المدير شاكرا مع إبداء رغبته في مقابلة جلالته، فوعده الملك بتحقيق تلك الرغبة عندما تتاح له الفرصة خلال وجوده بالمنطقة الشرقية.
ونظرا لوجود جالية نجدية كبيرة العدد في البحرين، فقد عين عبدالعزيز في أعقاب عقده معاهدة دارين 1915 مع بريطانيا وكيلا تجاريا بالبحرين لرعاية مصالح هؤلاء النجديين . وقد قبلت بريطانيا ذلك على مضض نظرا لظروف الحرب العالمية الأولى ولاطمئنانها على أن المعاهدة المذكورة تحمي البحرين من اعتداءات نجد.
كانت البحرين تفرض الضرائب على التجارة العابرة «ترانزيت» عن طريقها والمتجهة إلى الأحساء. وكان التجار السعوديون يتضررون من تلك الضريبة وطالبوا بإلغائها أو تخفيفها، وللوصول إلى حل يرضي الطرفين اقترح عبدالعزيز على الكولونيل بيسكو المقيم البريطاني في الخليج بعض المقترحات لحل الخلاف، مثل توحيد رسوم التأشيرات بين البلدين وإنشاء اتصال لا سلكي بينهما، وكذلك إيجاد تمثيل قنصلي لدى البحرين، فاعترضت السلطات البريطانية على المطلب الأخير وذلك لخشيتها أن تطلب إيران المعاملة بالمثل، ولاسيما أن أعداد الإيرانيين بالبحرين تفوق أعداد النجديين. وتخفيفا للأزمة الاقتصادية التي يمر بها البلدان فقد عقد اجتماع في البحرين في مارس 1935م ضم ممثلين للطرفين للنظر في الرسوم الجمركية طالب فيه السعوديون بإعفاء الحاجيات الخاصة بالملك عبدالعزيز من ضرائب الترانزيت «العبور» وكذلك إلغاء الضرائب المفروضة على البضائع المنقولة مباشرة للأحساء. أما البضائع التي تنزل إلى البر في البحرين ويعاد تصديرها للبحرين فيفرض عليها ضريبة لا تزيد عن 2%، ثم عدل المفاوضون السعوديون عن طلب إعفاء حاجيات الملك الخاصة من الضرائب وكذلك أن يؤخذ «بنظام الماينفست» بالنسبة للبضائع المتجهة إلى الموانئ السعودية، وقد نجح الطرفان في الوصول إلى اتفاق جمركي يرضيهما.
احتجت إيران التي كانت تدعي حق السيادة على البحرين لدى المملكة العربية السعودية بمذكرة أرسلها السفير الإيراني بالقاهرة على عقد هذه الاتفاقية التجارية والتي تمت باشتراك بريطانيا. كما أرسلت نسخة أخرى من هذا الاحتجاج إلى السفارة البريطانية في طهران.
قام يوسف ياسين بتقديم مشروع رد الحكومة السعودية على احتجاج إيران إلى ممثل الحكومة البريطانية في جدة جاء فيه «إن حكومة المملكة العربية السعودية ليس لها علم بحقوق إيران في البحرين، وهذه هي المرة الأولى التي تتلقى فيها مذكرة تحتوي على ادعاء من هذا النوع، وعلى الرغم من أن البحرين كانت تابعة في الماضي إلى أجداد الملك عبدالعزيز بن سعود، فإن الحكومة السعودية اعترفت بحمد بن عيسى كأمير على البحرين، وأبرمت اتفاقيتها معه، وهي آخذة في اعتبارها أن حاكمها هو حمد بن عيسى».
وعندما عرض مشروع الرد السعودي على وزير الخارجية البريطانية لاستطلاع رأيه فيه أبدى تخوفه من عبارتين وردتا فيه: العبارة الأولى ما أشار إليه الرد من أن البحرين كانت تابعة لأجداد الملك إشارة إلى ماكان عليه الوضع في عهد الدولة السعودية الأولى «1744 1818» فربما اعتبر هذا ادعاء جديداً يضاف إلى الادعاء الإيراني. أما العبارة الثانية فهي إطلاق لقب أمير على حاكم البحرين فرأى ضرورة أن يلقب حاكم البحرين بلقب شيخ البحرين؛ حتى لا تستغل السعودية لقب أمير باعتباره تابعا لها وأوصى أيضا أن يشار في الرد إلى أن الحكومة البريطانية قد مثلت البحرين في هذه الاتفاقية، وذلك توكيدا لسيطرتها على تلك البلاد.

 

[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الرئيسية]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىmis@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved