Thursday 28th February,200210745العددالخميس 16 ,ذو الحجة 1422

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

نهار جديدنهار جديد
نصوص دخيلة
عبدالله سعد اللحيدان

في انتاج كل مفكر ومبدع نجد نصوصاً دخيلة، وكأنها ليست له، ومع انها صدرت باسمه ونسبها الى نفسه ذات يوم.
عند الفلاسفة، والمفكرين، والنقاد، والشعراء، وكتاب القصة والرواية، والفنانين التشكيليين، وكل من يمارس او مارس نوعاً من انواع الثقافة الانسانية.
لم يكن هذا النصّ او الرؤية او الموقف او الاسلوب المتعلق به دخيلاً عندما انتجه ونشره، لانه كان معترفاً به، ولكنه اصبح دخيلاً في السياق العام لصاحب النصّ، او عندما تبرأ منه و تحول الى غيره واثبت عملياً هذه البراءة بانتاج نصوص مختلفة ومغايرة ولا يوجد بينها وبين ذلك النص الدخيل او النصوص الدخيلة اي علاقة لافي الشكل ولا المضمون ولا التقنيات، واحياناً يتطلب اثبات البراءة هذه اثبات البراءة من الدوافع والاهداف التي تم انتاج النص الدخيل عليها ومن المواقف التي انطلقت من تلك الدوافع والاهداف وتم بناء النص تجسيداً لها، ولا يشترط قيام صاحب النص بهذه العملية، وانما هذه هي مهمة من يعنيه الامر من متابعين ونقاد.
اقصد النصوص الدخيلة تماما، التي لا تشمل بالتأكيد النصوص التي كتبها الكاتب في بداياته، وتجاوزها لاحقاً وبشكل كبير ولا فت والتي لا يرغب في الاشارة اليها لكونها بدائية في نظره ، ولكنها لا تخرج ولا يمكن اقصاؤها من نسقه الرؤيوي العام ومواقفه المتكاملة ووسائله واساليبه التعبيرية المتنامية بشكل هارموني او بشكل قفزات.
واقصد بالنصوص الدخيلة وبالبراءة منها مايمكن التمثيل به والقياس عليه في انتقال الانسان من دين الى آخر بحيث تصبح اقواله وافعاله القديمة دخيلة على سياق حياته الجديد والعام.
ومثال من نوع آخر، فالمتنبي لم يتبرأ من نصوصه التي مدح بها كافورا، ولا يمكن لأحد ان يعتبرها دخيلة على السياق العام له ولشعره «قولاً وعملاً» وحتى مع قيامه بهجاء كافور والبراءة من مدحه السابق له، لانه واصل «الشعر والحياة» على نفس النسق في مدح الآخرين، فكل ممدوح جديد هو كافور ولكن في مكان آخر.
يعترف الكاتب بأن هذه النصوص دخيلة وينكرها، اي ينكر مابنيت عليه من رؤى ومواقف واساليب وما حملته من افكار وتصورات وما صرحت به من مقولات، ويصدق هو على هذا الاعتراف «قولاً وعملاً» في سياقه العام، ومن خلال اقواله وافعاله الجديدة كماً وكيفاً.الموضوع اكثر دقة وحاجة الى التفصيل من الطريقة العامة التي عرضته بها، لان مساحة النشر لاتحتمل، ولوجود عدد من المهتمين والمتخصصين في النقد الثقافي هم اكثر مني قدرة على ورغبة في التفرغ لمثل هذا الموضوع الذي يحتاج الى جهد ووقت وبحوث ودراسات، ومع ان الموضوع ليس جديداً تماما، بقدر ما يتطلب ان ينطلق هذه المرة من زاوية ورؤية جديدة، واسلوب جديد في المعالجة بحيث يتم العمل والفرز بعيداً عما يقع فيه الكثيرون من لبس بين الدخيل والاصيل في سياق ما وعن عدم قدرة على التحديد، فليست القصيدة الكلاسيكية دخيلة تماماً وبشكل مؤكد في سياق شاعر رومانسي وليست القصيدة البرناسية مثلها في سياق شاعر واقعي ولا القصيدة الرمزية مثلهما في سياق شاعر خطابي ومباشر، او في سياق هذه المجموعة او المذهب او المدرسة او العصر ايضا، وبمعنى ان الامر قد يتحدد بدقة اكثر في الرؤية والموقف والخصائص الاسلوبية، ومثل هذا يمكن ان ينطبق على الشاعر الخليلي او شاعر قصيدة التفعيلة او شاعر قصيدة النثر اذا كتب او وجد في سياقه قصائد من السياقات الاخرى. الحديث هنا لا يعني ولا يعنى بالتفريق بين الاصيل والدخيل بمفاهيمها العامة، او باشكاليات التراث والاصالة والحداثة وما بعدها، او باضفاء صفة الاصالة على او حجبها عن كاتب او انتاجه، فهذا موضوع آخر ولا علاقة له بمحاولة وضع الكتّاب وانتاجهم في سياقاتها الحقيقية والصحيحة واستبعاد ماهو دخيل بالنسبة لها وقياساً عليها، وليس له علاقة بالتقليد والابداع، فالكاتب قد يكون اصيلاً في كل اقواله واعماله «الأصيل منها والدخيل، بالنسبة لسياقه العام» ولكنها هي التي يمكن وصفها بأنها كذلك، وإذا كان صادقاً مع نفسه وناجحاً في التجسيد، هناك وهناك.

 

[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الرئيسية]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىmis@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved