عندما يملُّ الإنسان من صفحات حاضره.. فإنه يجد راحة نفسية في تقليب صفحات ماضيه.. ولا شك أن الماضي أكثر مروءة ومحبة ومودة ولطفاً من مستقبل الماضي.. وإذا علمنا أنه جاء في الأثر «كل عام ترذلون» أدركنا لماذا الماضي دائماً في المشاعر يكون أجمل وأحلى وألطف.
وقبل العيد قرأت ما كتبه الاستاذ الحبيب علي العمير في جريدة عكاظ في زاويته «تحت الشمس» وقبل كل شيء إنني أتعجب.. كيف لم يذب هذا الرجل طيلة هذه الأيام والشهور وهو تحت الشمس لكن إذا علمنا ان موطنه الأصلي الذي ولد فيه هو جازان أدركنا لماذا لم يذب طيلة جلوسه وقلمه وقرطاسه تحت الشمس فلم نعرف ان درجة الحرارة في ذلك البلد الرائع قلَّت عن الثلاثين حتى في «المربعانية الشتوية» زد على ذلك ما يتمتع به أبومحمد من ينابيع دموية متدفقة «ما شاء الله» منذ أمسك بالقلم.. وفي الحقيقة أنني خفت من تهديداته تلك.. فقد ينطلق عاقل بني مرة ويفعل الأفاعيل.. وما يدريك لو كان العمير قد عشش في مخه.. حب الإرهاب.. ورغم أني أكنُّ له الود.. وأستقبله إذا ما زار الرياض وتكرم بإشعاري بوجوده..أستقبله بودٍّ واحترام لكني أفعل ذلك.. وقد أحضرت لوليمته خمسة من القراء الذين لا يستعصي عليهم أعتى سكان بطن الأرض.. ولم أجرؤ يوماً ما على التوحد معه رغم أنه لطيف المعشر..يحب المداعبة..ويألف التراشق باللفظ الأديب الساخر.. فتلك مغامرة حمقى أن أتوحد معه.. لكن ذلك لن ينسيني أياماً جميلة قضيناها في مجلة الرائد تحت رعاية استاذنا الكبير عبدالفتاح أبو مدين الذي نكنُّ له التقدير والاحترام رغم أنه أيضاً بخيل بإشعاري بوجوده في الرياض إذا ما قدم إليها لفحص عيونه.. ومسألة العيون هذه قديمة مع الاستاذ الكبير.. فقد بدأت منذ منتصف الثمانينيات للهجرة عندما كنا نشاكسه في مجلته الرائد ونشنُّ ومعي العمير عليه حرباً شعواء لكونه يؤيد شيوخ الأدب.. وعندما قدر الله عليه أن يصدم رجلاً طويلاً عريضاً «أيضاً بسبب العيون» وجدتها فرصة في سخريتي منه.. فاقترحت على لسان أحد شيوخ الأدب الذين كان يؤيدهم أن يردوا له الجميل فيركبوا القزازة الأمامية لسيارته من النوع الطبي.
كانت مجلة الرائد رائدة في تطوير مجال الأدب السعودي وكان هناك أدباء «بحق وحقيق..» لكن كما قلت مستشهداً: «كل عام ترذلون».
| 