* تحقيق ظافر الدوسري وسيلة الحلبي:
يعتبر الكثيرون أن الإساءة للأطفال «البراعم الواعدة» والقسوة والتخويف هي الوسيلة الوحيدة لتربيتهم ولكن ثبت خطأ هذا علمياً لأن الطفولة السعيدة تعني أنهم سوف يكونون في المستقبل شباباً متمتعين بالصحة النفسية والبدنية والسعادة لأنهم عماد ورجال المستقبل ولما كان لكل طفل شخصية مختلفة وللبعض منهم عصبية قد تكون نتيجة مرض عضوي أو مكتسب من أحد الوالدين أو من الجو المحيط به، كان لا بد أن نقف عند هذه النقطة لنعرف كيف نتعامل مع أطفالنا العصبيين.
تقول الأخصائية الاجتماعية فاطمة محمد السلوم مديرة المركز الشامل للإناث عن هذا الموضوع أن من الأطفال من يميل إلى الهدود والعزلة وعدم الاختلاط وتحاشي العلاقات الاجتماعية ومنهم من يتميز بالنشاط والميل إلى المشاركة مع من يتسم بالانفعال المتغير والشعور الرقيق والمهارة والحركة والذكاء ومنها أيضا من يتصف بالعصبية وسهولة الاستثارة والغضب وعدم الاستقرار وقد تجتمع هذه السمات كلها في طفل واحد فنجده يتقلب بينها إلا أن هناك بعض الأطفال يتسمون بعدم الاستقرار بصورة بارزة وتظهر عليهم بعض الأعراض العصبية الواضحة على هيئة حركة لا شعورية تلقائية غير إرادية تتمثل في قرض الأظافر أو رمش العين أو هز الكتف من وقت لآخر أو تحريك الرأس جانبا أو مص الأصابع أو عض الأقلام أو مداومة اللعب في الشعر أو حك فروة الرأس لدرجة إحداث جروح بها أو غير ذلك من الحركات التي لا تقرها البيئة الاجتماعية وتنهره الأم بسببها ولكن دون جدوى أو استجابة من قبل الطفل.
وهذه الحركات عصبية لا إرادية ترجع إلى التوتر الشديد الذي يعاني منه الطفل مما يؤدي إلى توتر الجهاز العصبي فيحاول الطفل التخلص من هذا التوتر بهذه الحركات بصفة متتالية وبطريقة تسلطية قهرية لا إرادية.
وتواصل حديثها قائلة: للأسرة دور كبير لذلك فإن للأسرة تأثيراًً بالغ الأهمية في حياة الطفل خاصة في سنواته الأولى فمثلا نوع العلاقات السائدة في الأسرة بين الأبوين وبينهما وبين الأطفال قد تؤثر في سلوك الطفل فهو يتفاعل مع مجتمع الأسرة أكثر من تفاعله مع أي مجتمع آخر لا ينفصل في مشاعره عن الأسرة.
وعن كيفية تكوين شخصية الطفل تقول يكون الطفل فكرته عن نفسه أي عن ذاته في بادئ الأمر من علاقته بالأسرة فقد يرى نفسه محبوباً أو مرغوباً فيه أو منبوذا أو كفئا أو غير كفء.
ثم ينشأ راضيا عن نفسه أو نافرا منها أو ساخطا عليها وغير واثق فيها فتسود حياته النفسية التوترات والصراعات التي تتسم بمشاعر الضيق والعصبية وبمشاعر الذنب والقلق والنفس والرثاء للذات والاكتئاب والضجر.
ويرى بعض العلماء أن أهم أسباب عصبية الأطفال وقلقهم النفسي يرجع إلى الشعور بالعجز أو بالعزلة كنتيجة لحرمانهم من الدفء العاطفي في الأسرة وعدم إشباع الحاجة إلى الشعور بالحب والقبول وكذلك إلى سيطرة الآباء التسلطية وعدم إشعار الطفل بالتقدير ومن أمثلة ذلك: قسوة الآباء وتفرقتهم للأطفال وحرمانهم من الحاجات الضرورية وعدم الاهتمام بهم والاستماع إليهم ومعرفة ظروفهم واحتياجاتهم وحل مشكلاتهم.
وتوضح لنا أعراض بعض الافعال قائلة إن أهم هذه الأعراض هي انعدام الاستقرار والحركات العصبية وأحلام اليقظة والثورة والغضب لأقل سبب والتشنجات العصبية والهستيرية غير الصرعية وعض إخوانه أو عض من يتشاجر معهم.
وهناك عوامل أخرى وأمراض جسمانية قد تسبب عدم استقرار الطفل وعصبيته منها اضطرابات الغدة الدرقية وازدياد إفرازها عن الحد الطبيعي وسوء الهضم والزوائد الأنفية واللوز والإصابة بالديدان والتبول اللاإرادي ومرض الصرع.
رأي طبي
الدكتورة سناء مصطفى استشارية طب أطفال تحدثت في هذا الموضوع بنظرة طبية وتربوية قائلة أن الرسالة التربوية التي ننقلها لأطفالنا يجب إن تكون واضحة وغير متناقضة .. العيب والحرام، الزين الشين، ويظل دائما هكذا مهما اختلفت الظروف، الأسود أسود والأبيض أبيض.. الحلال بيّن والحرام بيّن.
هذا هو ما يحتاجه الطفل ما بين عمر 4 و7 أعوام ... أن نعطيه معلومة ثابتة لا تتغير حسب حالتنا النفسية ومزاج اللحظة وإلا فسيتخبط ويقول لنفسه: اليوم أنا كسرت الكوب وكانت مشكلة كبيرة وأمس كسرت التلفزيون ولم يصح عليّ أحد إذن فأنا الآن إن كسر التلفزيون يمكن التغاضي عنه ولن يكون مشكلة كبيرة أما كسر الكوب فيال الويل إنه عمل خطير عندما أريد كسر شيء فسأبحث عن تلفزيون آخر ولكن الأكواب سأبتعد عنها تماما.
وأضافت تقول: هذه الرسالة أو المعلومة التي سجلها الطفل في ذهنه هي بالضبط عكس ما تقصده الأم تماما فهي لا تعطي أهمية كبيرة للكوب وتحرص أكثر على التلفزيون ولكن مزاج الأم في تلك اللحظة جعلها لا تدرك أن الطفل يسجل في ذهنه هذه الأحداث ولا ينسى أبدا الرسالة التربوية المتناقضة.
تخبط شديد
وتواصل حديثها قائلة: ولو وضعنا أنفسنا مكانه لأدركنا مقدار التخبط الشديد الذي يواجهه أطفالنا معنا بدون أن ندري.
إذن فإن قاعدة الشين والزين ، الخطأ والصواب يجب أن تتناسب مع أهمية الأحداث ويجب أن يعامل الخطأ الشديد باستمرار على هذا الأساس، أي أن الأسود أسود دائماً، وردود أفعالنا تكون متناسبة مع مقدار السواد: أسود غامق رصاصي ..الخ.
ولا يجوز أن يكون الأسود أسود اليوم وغدا رصاصي، لا يجوز أن أغضب اليوم مع الأسود وغدا أتسامح.
أن نفهم نحن أولا ماذا نقصد بالشين والعيب، وسيساعدنا كثيرا في نقل هذا الفهم لأولادنا وفي طريقة تعاملنا معهم.
البوصلة الصحيحة
وتختتم حديثها قائلة: والأهم من ذلك هو أن الأم ستساعد أولادها على التفكير والتمييز بين ما هو أبيض أي حلال، أي صواب، وبين ما هو أسود أي عيب أي حرام .. وبذلك تنشأ داخلهم «البوصلة» الصحيحة في تقييم الأشياء بأنفسهم ومن ثم ينمو ذكاؤهم.
إذا عرف الأطفال ما هو الأبيض بوضوح والأسود بوضوح فإنهم سيستطيعون مع الوقت والخبرة أن يدركوا أن الأبيض درجات والأسود درجات وأن الدنيا مليئة بالشين والزين وبهذا تقل عصبيتهم.
|