Thursday 14th March,200210759العددالخميس 1 ,ذو الحجة 1422

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

رئاسة تعليم البنات والتعامل مع الأزمات!!رئاسة تعليم البنات والتعامل مع الأزمات!!
د. ابراهيم بن عبدالله السماري

فجعت كما فجع غيري بالحادث المروع الذي وقع في مدرسة البنات بشارع المنصوري بمكة المكرمة وراح ضحيته اربع عشرة طالبة وجرح أكثر من خمسين طالبة الهم الله ذوي فلذات الاكباد الصبر والسلوان وخلف عليهم خيراً. ولان الحادث فيه وفيات وجريحات وقد تكرر دون ان تتخذ الاحتياطات اللازمة فقد تذكرت حينئذ حادث انهيار مدرسة البنات في جلاجل منذ عدة سنوات والضجة التي اثيرت حينذاك ثم انتهت ولم تستفد الرئاسة من ذلك الحادث حيث تكررت الحوادث بعد ذلك دون اتخاذ اجراءات حاسمة لمنع تكرارها. وتذكرت كذلك رسالة وصلتني قريباً من اخت كريمة تعمل في الثانوية الثامنة والعشرين بالرياض صاغتها بأسلوب ادبي جميل معلقة على حادث عرضي تعرضت له المدرسة احدث بلبلة بين الطالبات والمعلمات واولياء الامور واظهر مدى الخلل الموجود في عملية صيانة مدارس البنات وما يمكن ان يحدثه من فواجع وعدم مبالاة بعض مسؤولي الرئاسة بآثار الحادث او التفكير في حلول عملية لضمان عدم تكراره. وبالتالي تبينت لي الحاجة الى تعامل خاص مع مثل هذا الحادث وفق اسس علمية صحيحة في مجال الامن والسلامة وكتبت مقالاً عرضت فيه هذه الرسالة الا انه لم يكتب له النشر لاسباب خارجة عن ارادتي. ولكن بعد حادث مكة المكرمة وتداعياته اصبحت الضرورة داعية الى الكشف عن رسالة الاخت الكريمة التي تأكدت من تفاصيلها بنفسي ومن موقع الحادث على الطبيعة ومن اطرافه والمسئولين الذي عالجوا تداعياته.
قالت الاخت في رسالتها بالنص:« في صباح يوم الثلاثاء الموافق 8/7/1422ه اتجهت الطالبات اللائي فاق عددهن الف طالبة يضاف لهن المعلمات الى مبنى الثانوية الثامنة والعشرين واحتشدن في الطوابير وبعد انتهاء اذاعة الصباح صعدت الطالبات الي فصولهن.
ولكن شيئا ش«ما» لم يكن طبيعياً ذلك اليوم اذ لم تمر عشر دقائق من الحصة الاولى حتى اعلن اغلب المكيفات اضرابه عن العمل وبعضها تارة ينطفئ وتارة يعمل مخلفة رائحة تزكم الانوف وبدأت سحب الدخان تظهر في الاجواء.
وهنا تحركت الهيئة الادارية للمدرسة على رأسها المديرة للبحث عن مصدر الدخان حتى وصلن الى غرفة الكهرباء المجاورة للباب الرئيس للمدرسة حيث بدأ واضحاً للعيان ذلك الشرر المتطاير من مولدات الكهرباء وهي تصدر صوتاً عالياً وقوياً يثير الرعب في النفوس. طلبت مديرة المدرسة من المعلمات اطفاء المكيفات كما حاول حارس المدرسة اطفاء مولد الكهرباء المشتعل لكن محاولاته باءت بالفشل فقامت بالاتصال بشعبة السلامة بالرئاسة التي اظهرت تجاوباً ملموساً بالحضور للموقع واشعار الدفاع المدني بالحادث لاتخاذ تدابير السلامة المطلوبة في مثل هذه الحالة ووصل الدفاع المدني بعد وقت قصير من الاتصال عليه وطلب اخلاء الموقع من الطالبات والمعلمات لان ضرورات الامن والسلامة تستدعي ذلك حفاظاً عليهن.
قامت المعلمات بانزال الطالبات من الفصول وسط ذعر واضح واصوات الخوف والهلع ترتفع مما تسبب في تدافعهن عند الدرج والممرات ولان عدد الطالبات يفوق الالف طالبة فقد خرجن الى الشوارع المحيطة هرباً من المدرسة التي ينبعث الدخان منها وتقف امام بوابتها سيارات الدفاع المدني والاسعاف.قامت معلمات المدرسة وادارياتها بمتابعة خروج الطالبات الى المدارس المجاورة لان الثانوية الثامنة والعشرين تقع ضمن مجمع يضم متوسطة وابتدائية وروضة كما قمن باسعاف من تحتاج الى اسعاف بسبب التزاحم والذعر والاتصال بذوي الطالبات عن طريق جوالاتهن نظراً لتعطل الخطوط الهاتفية في المدرسة بسبب حريق المولد الكهربائي. وتم نقل ثلاث طالبات بواسطة سيارة الاسعاف الى المستشفى حيث رافقتهن احدى المعلمات حتى عودتهن بعد الاطمئنان عليهن وتم تسيير باصات المدرسة لتوصيل الطالبات اللائي يعرفن طريق منازلهن اليها.كما استدعت ادارة المدرسة هيئة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر التي اسهمت بجهد مشكور في عملية تجميع البنات في المدارس المجاورة والحفاظ عليهن ومنع اختلاط الرجال بهن وتزويدهن بالماء البارد واستخدام مكبرات الصوت لاستدعاء الطالبات لمن حضر من اولياء امورهن. وفي هذه الاثناء حضرت احدى المسئولات من مكتب توجيه الغرب وهي الاستاذة س د ذكرت الاخت الكريمة اسمها كاملاً في رسالتها وصاحت بأعلى صوتها امام الطالبات الباقيات لماذا اخرجتن البنات لماذا لم تنظموهن في طوابير لماذا لم تسجلن اسماءهن ثم هددت وتوعدت بتسجيل محضر فكأنها تريد اخراج الطالبات في توابيت لان رجال الدفاع المدني صرحوا انه لو تأخر استدعاؤهم قليلاً لانفجر المولد والموجهة الفاضلة تريد صف الف طالبة في طوابير وتسجيل اسمائهن قبل خروجهن فهل يعقل هذا؟
والعجائب لا تنقضي فقد اتصل مسؤول من الرئاسة بمديرة المدرسة في نفس اليوم طالباً اعادة الطالبات الى المدرسة لمواصلة دراستهن لان الامر سهل علماً بان الكهرباء ظلت مقطوعة الى يوم الجمعة والحادث وقع في فصل الصيف فهل يعقل ان تسير الدراسة بدون مكيفات وماء بارد وفي فصول مزدحمة كما هي حال كل فصول المدارس الحكومية؟
وفي يوم الاربعاء اي في اليوم التالي والكهرباء مقطوعة حضرت الموجهة التربوية ل ح ذكرت الاخت الكريمة اسمها كاملاً في رسالتها الى المدرسة وطلبت من الطالبات الدخول الى الفصول وذهبت المعلمات للفصول الا ان الطالبات رفضن ذلك بدون كهرباء وتم القاء محاضرة على الطالبات في ساحة المدرسة الا ان الطالبات لم يصعدن ولاسيما بعد ان سال الدم من انف احدى الطالبات فوافقت الموجهة على بقائهن في الساحة. كل ذلك تم برغم وجود حفرة في الارض ظهرت منها اسلاك كهربائية عارية ومكشوفة واخرى محترقة.
وبعد الحادث قرأنا تصريحاً من مدير التعليم لاحدى الصحف التي تصدر خارج مدينة الرياض ذاكراً فيه ان الحادث يسير لان عدد الطالبات ثلاثمائة طالبة فقط في حين ان هذه الثانوية تقع ضمن مجمع دراسي وفيها اكثر من الف طالبة كما ذكر ان الحادث سهل جداً في حين ان لطف الله عز وجل منع مضاعفات كادت ان تحدث بسبب النظر اليه على انه حادث سهل. كما استغربنا اعراض مدير التعليم عن الاشارة الى الجهود التي بذلها الدفاع المدني والمشاركة المشكورة من رجال هيئة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر وفوق ذلك تجاهله الاشارة الى الظروف التي صاحبت هذا الحادث وهي بحاجة الى دراسة متعمقة». انتهت رسالة الاخت الكريمة كما قمت بالتأكد من الواقعة عن طريق اكثر من مصدر من داخل المدرسة ومن خارجها بخصوص هذا الحادث. وبناء عليه اود ان اؤكد على بعض النقاط المهمة التي اراها جديرة بالتناول والمدارسة بحثاً عن المصلحة العامة التي تحرص عليها الرئاسة العامة لتعليم البنات تنفيذاً للتوجيهات الكريمة من القيادة الحكيمة. ومن هذه النقاط:
1 هذا الحادث حادث عادي يمكن ان يحصل في البيت او في المتجر او في المكتب او في المدرسة ولذا فانه قد يتكرر اذا لم تتخذ الحيطة لمواجهته. ومن اهم اسباب الحيطة العناية بالصيانة ذلك المسحوق العجيب الذي يخفف بعد توفيق الله عز وجل من الكوارث والفواجع. فهل قامت الجهة المسئولة في الرئاسة بوضع جدول زمني لعمليات الصيانة في المدارس التابعة لها؟
فهذا الحادث وامثاله من الاحداث تفتح حقيبة الاسئلة عن اهمية الصيانة وعن الجهود الحقيقية المبذولة في هذا المجال وعن اسباب عدم وضع جداول محددة لعمليات الصيانة الدورية في المدارس وفي غيرها من التجمعات حفاظاً على الارواح والممتلكات.
2 هذا الحادث يؤكد دون ادنى شك الحاجة الى تدريب اداريات المدارس والمعلمات والطالبات او بعضهن على الاقل على اعمال الاسعافات الاولية واعمال الصيانة الخفيفة عن طريق الدورات الميدانية المتخصصة ولاسيما ان جمعية الهلال الاحمر السعودي تعقد بصورة مستمرة مثل هذه الدورات للنساء في مختلف مدن المملكة. فما الذي يمنع من تكليف بعض المعلمات والاداريات بل وموجهات الرئاسة ومشرفاتها التربويات للالتحاق بهذه الدورات؟
ولماذا لا تشتمل الكتب المدرسية على ارشادات عملية لمواجهة مثل الحالة التي شهدتها الثانوية الثامنة والعشرين بدلاً من التركيز على موضوعات عامة لن تفيد الطالبة عند حدوث الازمات؟ ولماذا لا يخصص جزء من النشاط المدرسي لعقد دورات متخصصة وتطبيقية في الاسعاف والصيانة العملية؟
3 هذا الحادث يؤكد ضرورة النظر الى عمل المشرفات التربويات برؤية ارحب افقاً من مجرد تصيد اخطاء المعلمات واصدار التوجيهات بصيغة الامر ومشتقاته. وذلك بتدريبهن على حسن التصرف في الازمات حين تستدعي الحالة حضور الخبيرات القادرات على ضبط السلوك العام كما حدث في حال احتراق المولد الكهربائي في الثانوية الثامنة والعشرين.
فكيف تفكر مشرفة تربوية في الطوابير وتسجيل الاسماء والطالبات يعانين من حالة اسعافية يسيطر الرعب فيها على القلوب بسبب الادخنة المتصاعدة والاسلاك العارية وطلب الدفاع المدني اخلاء المكان حرصاً على السلامة العامة كما يقتضيه التصرف السليم؟
لن تفكر هذه المشرفة بهذا التفكير الا اذا فقدت الخبرة اللازمة للتعامل في مثل هذه الحالة بسبب نقص تدريبها وحصر تجربتها في العمليات المكتبية الروتينية ذات الاوامر التقليدية التي لا يمكن تطبيقها في الحالات الطارئة؟
4 هذا الحادث يؤكد ضرورة الدقة في وصف الحدث والتعامل معه لان هذا هو مفتاح العلاج الصحيح في المستقبل. فمثلا حينما يقال ان عدد الطالبات ثلاثمائة طالبة وهن الف بقصد الايهام بان الحادث اقل مما صور به فليس لذلك دلالة سوى الاحساس بخلل في معالجة الحدث بالصورة المطلوبة. وبدلاً من معالجة الخلل لضمان عدم تكراره فان اسهل الطرق هو تهوين امره في نظر الآخرين وهنا مكمن الداء.
5 هذا الحادث يؤكد ان بناتنا في ايد امينة في مدارسنا ودلالة ذلك اولئك المعلمات اللائي رافقن الطالبات الى المستشفى حتى مغادرتهن له بسلامة. ومسارعتهن الى استدعاء هيئة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر لمنع حدوث منكر لم يحسب حسابه. ولا ريب ان التفاعل الحي من ادارة المدرسة ومعلماتها والجهات المعنية في الرئاسة والجهات الاخرى كل ذلك يصب في نهر واحد هو الحرص على سلامة بناتنا وعدم تعريضهن للمضايقات وهو ما يشعرنا بالفخر والطمأنينة.
6 انني اثق ان هذا الحادث ليس هو الوحيد الذي يقع في مدارس البنات او في مدارس البنين او غيرها لانه من الحوادث العرضية التي تقع في كل حين ومكان كما اثق انه لا يمكن التقليل من حرص المسئولين في الرئاسة العامة لتعليم البنات على توخي سبل السلامة ولكن الاهم في نظري هو ضرورة الاستفادة من تلك الحوادث في وضع تصورات دقيقة وشاملة بأسلوب علمي ووفق تخطيط حكيم، كي تشكل هذه التصورات عند تنفيذها حاجزاً وقائياً في المستقبل باذن الله عز وجل وهذا هوعين العقل ولا اظن الرئاسة غافلة عنه ان شاء الله تعالى. والله الموفق.

 

[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.comعناية مدير إدارة المعلومات
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved