Tuesday 26th March,200210771العددالثلاثاء 12 ,محرم 1423

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

قصة قصيرةقصة قصيرة
ضجت حناجرهم بالغناء
طلق المرزوقي

القمر سكب فضته على الصحراء، فأخذت تطارد فلول الليل، حتى حولت الأرض الى مرآة مصقولة بعناية شديدة، القافلة تمخر البيداء، يممت وجهها نحو الغرب يحدوها شوق، لمنابع الماء، كان البدو ذاهبين الى البعيد حيث سحابة سكبت مهجتها هناك، الجمال تقاطرت خلف بعضها، كأنها حبات مسبحه نضدت بخيط واحد، لا تحيد عنه، في منتصف القافلة تقبع الهوادج وقد خبئت فيها العذارى، كانت نسائم الصيف تلفع وجوه البدو فتنعش الجميع، كانوا يراقبون كيف أن الصحراء فضحت أسرارها لضوء القمر، الأشياء تبدو واضحة عليها غلالة من السحر، فالجبال تناثرت بفوضوية متناهية، والأشجار قليلة، يخيل للرائي أنها فرت تحت سطوة الظما، الأودية مسالك وعرة، يعرف البدو كيف يهزمونها.
***
جاسر على جمله الذي في المقدمة، خلف جمل شيخ القافلة، تذكر أنه ظهر هذا اليوم وقف طويلاً يحدق في القافلة الأخرى التي حملت «بنا» المرأة التي استوطنت قلبه، وقد انزلقت باتجاه الجنوب، تركوه يكابد الشوق وحده، تذكر أنه أخذ يحدق في القافلة حتى التهمها السراب، استبد به العشق فأسلم حنجرته للغناء:
محتمين الظعن عنا
محتمين الظعن عنا
سعد من هو شاف بنا
سعد من هو شاف بنا
واشقا قلب المعنى
واشقا قلب المعنى
كل ما جا الليل ونا
كل ما جا الليل ونا
الرجل الذي على الجمل الذي وراءه اوجمه الغناء فأنشد:
يالعميل الدرب منا
يالعميل الدرب منا
دونها قرمٍ تسنى
دونها قرمٍ تسنى
من ذيل القافلة جاء صوت ندي لامرأة، جاوزت الاربعين، كان غناؤها مترعا بالتحدي:
يا مهنا لا تمنى
يا مهنا لا تمنى
وبن عم البنت حنا
وبن عم البنت حنا
دونها السيف المحنا
دونها السيف المحنا
فضة القابعة في الهودج أطلت برأسها من وراء ستارة المقدمة، أطربها الغناء، وأخذت تلوح بيديها، المخضبة بالحناء، للأخريات علامة الرقص، فأخرجن أيديهن، ورحن يتمايلن طربا لا بد ان حمى الرقص تلبستهن.
***
الإبل أرخت آذانها للحداء، وأخذت تخب السير عجلى تزرع بأعناقها جسد البيداء.
أطفأ تعب المسير، بقايا حداء كان في حناجرهم، سكتوا جميعاً واسلموا أجسادهم الناحلة لظهور الجمال، التي راحت تؤرجحهم في هدوء وداهم النعاس أعينهم.
خيوط الصباح داهمت آخر فلول الليل، وبدأت تكنسها من الأفق، بدأت الجبال تتخذ شكلها المألوف، صلدة، أطرافها حادة تصدم نظر الرائي، رمال الصحراء مائلة إلى اللون البني الداكن، جرداء، لا أثر للكلأ فيها، جاسر أخذ يحدق في أطراف الهوادج السفلى، التي كانت مضفرة بجدائل حمراء مشوبة بسواد، مصنوعة من وبر الجمال، وصبغت بألوان حمراء تخللتها بعض الخيوط السوداء، كان يراقبها وهي تتأرجح متسقة مع حركة الجمال الدائبة، فاجأه صياح شيخ القافلة الذي أمر الجميع بالتوقف فاستجابوا.

 

[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير إدارة المعلومات
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved