Friday 12th April,200210788العددالجمعة 29 ,محرم 1423

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

من يحاسب الولايات المتحدة؟! من يحاسب الولايات المتحدة؟!
تيموثي جارتن آش

لقد كان السؤال الحاسم في القرن العشرين هو: كيف ترى روسيا؟ ومع بداية القرن الحادي والعشرين أصبح السؤال: كيف ترى الولايات المتحدة، واصبح الجواب الان هو: أطلعني على رأيك في الولايات المتحدة أقل لك من انت، بينما كنت جالسا تحت أشعة الشمس في كاليفورنيا حاولت ان افكر بالأوروبيين الذين قام الكثير من كتابهم بتصوير أميركا على انها الوحش العملاق الاناني الذي يستبيح العالم بافعاله الشريرة، وقد نعتوها بأبشع الصفات التي تلازم الرأسمالية.
ومن الطبيعي ألا تكترث الولايات المتحدة او ترتدع لكل ما يقال عنها أو من أي نقد لاذع يوجه اليها، فالمسألة تحتوي على الكثير من التناقضات والتحالفات بحيث يصعب الحصول على تفسير بسيط.
ان أحداث الحادي عشر من سبتمبر كان لها الوقع الاكبر علينا فنحن هنا في ستانفورد اصبحنا نتمسك بالشعارالذي يقول «سنقف متحدين» والذي اصبح ملصقا عاما منتشراعلى ابواب المكتبات والبنايات العامة، واضافة إلى هذه الملصقات المعادية للارهاب يوجد بالمقابل ملصقات تستهجن الهجمات على العرب الامريكيين، وهذا هو في الحقيقة ما يميز أميركا وهو احتواؤها على جميع الوان الطيف بحيث يغدواطلاق اي تعميم بسيط عملا خاطئا.
ما اود قوله هنا اني أعشق هذه البلاد ولهذا فانا خائف وقلق على دورها الحالي في العالم، انا أحب الحرية والانفتاح والنشاط الدؤوب الذي يتمتع به الناس هنا، فالجميع هنا متساوون بغض النظر عن أصولهم ، ويتمتع الجميع بنفس الفرص لاثبات ذاتهم وتحقيق طموحاتهم وتشكيل حياتهم بالطريقة التي يرونها مناسبة. كما اني أحب الدقة التي تميز مجلة النيويورك تايمز والحماس لدى شبكات التلفزة، كما تبهرني الجامعات الموجودة والتي تعد من الافضل في العالم والتي تضم اساتذة ونشطاء من أوروبا الشرقية ودول البلقان الذين يريدون من الاخرين مشاركتهم
الحرية التي يتمتعوا بها، فكل شخص هنا لديه الحق في الحياة الحرة الكريمة المبدعة.
والسؤال المحير هنا هو لماذا حصلت أحداث الحادي عشر من سبتمبر في هذه البلاد؟ ان الانبهار بالسحر والثقافة الأمريكية لم يحميها من هذه الهجمات ، ولهذافانا قلق على هذه البلاد الرائعة وعلى دورها الحالي، وجزء كبير من هذا الخوف يكمن في تغيير الرئيس الاميركي بوش لمسار السياسة الأمريكية الاسبوع الماضي.
ان الخوف حقيقة يكمن اذا اقدمت الولايات المتحدة على مهاجمة العراق بدون تحقيق تسوية وسلام على الجبهة الفلسطينية الاسرائيلية وذلك لان العالم الاسلامي سيتوحد حينها ضد الغرب، وستكون أوروبا منقسمة وسيعاني العالم من خسائر وعواقب وخيمة لسنوات طويلة. وتزداد مخاوفي أيضاً وبشكل كبير من القوة الكبيرة الهائلة التي تمتلكها الولايات المتحدة في الوقت الحاضر، فهي تتمتع بقوة منقطعة النظيرلا يماثلها في ذلك أحد في العالم، فلديها التكنولوجيا الجبارة ولديها القوة الاقتصادية الضخمة لا ينافسها فيها سوى الاتحاد الاوروبي اما ميزانها العسكري فلا يوجد له مثيل على الاطلاق، فالميزانية العسكرية لديها تتعدى ميزانية الدول الثماني الكبار مجتمعة.
وخلاصة القول ان الولايات المتحدة تتمتع الان بقوة هائلة لم تحظ بمثلها أي قوة سابقة ولا حتى الامبراطورية الرومانية في أوج عظمتها.
وهذا بحد ذاته مشكلة لأن الانفراد بالقوة والهيمنة له تبعات خطيرة، وعلى النقيض مما يعتقده الاوروبيون فمشكلة القوة العظمى الأمريكية لا تكمن في كونها أمريكية بل تكمن في القوة العظمى نفسها، ان واضعي الدستور الاميركي أقروا وبحكمة عدم جواز سيادة وانفراد اية دولة في العالم بقوة هائلة، حتى لو كانت هذه الدولة مسالمة، وذلك لأنه من المحتمل ان تنحاز هذه القوة في يوم من الايام إلى احد الاطراف، ولهذا فقد نادوا بضرورة مراقبة كل قوى العالم من قبل غيرها وهذا ينطبق أيضاً على التفرد بالقوة السياسية.
وبالطبع فان ما يساعد ويعين في تطبيق هذه القوة هم القادة الذين يتمتعون بالديمقراطية ويقرون بمبدأ النقد الذاتي، ولكن حتى الديمقراطية نفسها يوجدلها اغراءاتها الخاصة بها عندما تكون في أيدي القوى العظمى. وقد تم استخدام ذلك من قبل الرئيس بوش نفسه حين قام بفرض تعرفات جمركية جديدة وغير مبررة على المستوردات من الحديد الصلب، مهددا بذلك الاطار الدولي للتجارة الحرة، كل ذلك من اجل كسب أصوات الناخبين في الولايات المنتجة لهذا الحديد، وهناك أيضاً نقطة رئيسية في امتلاك أمة ما قوة عظمى، فهي عندما تتقاعس عن القيام بالدور المنتظر منها تكون النتيجة أيضاً كارثة ومأساوية.
وهكذا فان الإدارة الأمريكية الحالية جاءت وفي نيتها عدم التدخل أو الاقتراب من النزاع الدائر في الشرق الاوسط بين الفلسطينيين والاسرائيليين وهذا بحد ذاته كارثة، ونتيجة لهذا التقاعس الأمريكي عن تأدية الدور المطلوب منه حصلت العمليات الاستشهادية الفلسطينية ضد الاسرائيليين وتبعها الحصار الاسرائيلي لمناطق الضفة الغربية، كما ان الولايات المتحدة صاحبة القوة العظمى لم تتدخل أيضاً في البوسنة لوضع حد لاراقة الدماء التي سفكت اثناء الحرب البوسنية، وقد رأى النقاد الاوروبيون ان الولايات المتحدة تسيء أيضاً استخدام قوتها من خلال تدخلها في بعض البلدان مثل ما حصل في كمبوديا ونيكاراغوا، والسؤال المهم هنا من يجب ان يراقب ويحاسب الولايات المتحدة؟
هل هي الهيئات الدولية والمنظمات غير الحكومية؟.
الحقيقة ان هذه الهيئات وحدها غير كافية والجواب البديهي هو ان الوحيد القادر والمؤهل على ذلك هو الاتحاد الاوروبي كونه الوحيد الذي يعتبر ندا اقتصاديا للولايات المتحدة، كما انه عبارة عن مجموعة قوية متماسكة تتمتع بعلاقات دبلوماسية وعسكرية قوية على المدى الطويل.
كما ان الاتحاد الاوروبي يعتبر قوة رئيسية في التجارة والمساعدات الاجنبية ويتمتع بتماسك ووحدة دبلوماسية قوية فيما بينه ولكن الفجوة لا تزال شاسعة بينه وبين الولايات المتحدة فيما يتعلق بالقدرات العسكرية.
ان المهمة المعقدة والمزدوجة للعلاقات الأمريكية الاوروبية المتوقعة ترتكز على تقوية القدرات الاوروبية للعمل خارج نطاق حدودها اضافة إلى التحرر من الافكار المعادية للولايات المتحدة، فنحن حقيقة بحاجة إلى بناء أوروبا لاترى في نفسها قوة عظمى ندا ومنافسا للولايات المتحدة بل تعتبر نفسها الشريك الاكثر اهمية بالنسبة للولايات المتحدة ضمن منظومة المجتمع الدولي والعالم المتحضر.
اما بالنسبة للأمريكيين المتبصرين باهتماماتهم الذاتية، فانه يجب عليهم ان يتمنوا لأوروبا النجاح والا فانهم سيضطرون للعمل وحدهم بسبب العزلة التي تفرضها عليهم قوتهم الهائلة.

مدير مركز الدراسات الأمريكية في جامعة اكسفورد عن «النيويورك تايمز» خدمة الجزيرة الصحفية

 

[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير إدارة المعلومات
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved