عندما تتأمل في حال المدرسة لدينا سوف تكتشف أن مجريات حياتها التعليمية اليومية تتم في الغالب برتابة مملة، سوف يسترعي انتباهك أن البرامج والانشطة التربوية والتعليمية تسير وفق قوالب وأنماط مبرمجة تتكرر آلياً، فاليوم المدرسي هو نسخة من الأمس، وأحداث الغد ستكون في الغالب تكرارا لأحداث اليوم. لا أحد يتشوق الى الغد، فلا مواجهات مع تحديات تربوية، ولا جديد يتطلعون اليه، الجميع ينتظر بفارغ الصبر انصرام يومهم الدراسي الحالي ليهبوا في نهايته مندفعين طلاباً ومعلمين نحو بوابة المدرسة. ما يحدث قرب نهاية اليوم المدرسي هو أشبه ما يكون بالبعث والنشور. هذا الحديث لا ينفي أن هناك مدارس وقيادات من نوع مختلف، ولكنها تبقى محدودة جداً في عددها.
من جهة أخرى، انظر الى مشهد قدومهم صباحا الى المدرسة، ستجدهم يتجهون إليها بخطى متثاقلة، وهمة ضعيفة، ويعون نصف مفتوحة. أين كانوا ليلة البارحة؟: كانوا في الغالب يتنقلون بين مطاعم وبوفيهات سمحنا لها بالعمل حتى الصباح، أو ربما كانوا يتلهون بالإنترنت أو القنوات الفضائية الى ما قرب الفجر في مثل هذه الظروف لك أن تتخيل كيف يمكن لهؤلاء الطلاب والمعلمين أن يشكلوا معاً مجتمعا مدرسيا جاداً باحثاً عن المعرفة كاشفا لزيفها وصدقها، أننا والحال هذه كمن يبحث عن جذوة نار في قاع نهر.
ينادي التربويون والحال هكذا بقيادة مدرسية تكسر هذه الحركة المقفلة المملة لتحلق بالمدرسة في عالم الابداع والتجديد، لكننا نخطئ عندما نتصور ان الإبداع والتجارب الابداعية يمكن فرضها Enforce it على المدرسة، تماما كما نفرض ساعة قفل دفتر الحضور اليومي. الإبداع لا يفرض على المدرسة ولكنه يستنبت محليا تحت سقفها وتحت حراسة مجموعة من القيم التي يؤمن بها منسوبو المدرسة وقيادتها. الإبداع يولد بنفحة شخصية من قائد المدرسة، لا بتعليمات من الجهاز المركزي، وتتمثله المدرسة في برامجها في ضوء قدرة القائد المدرسي على بناء القيم وتأسيس الممارسات التي تحافظ عليه وتلهب عملية البحث عنه وتطويره.
* كلية المعلمين بالرياض
|