تحدثت في المقال السابق عن كتاب شقراء لمعالي الدكتور محمد بن سعد الشويعر الذي يتكون من 410 صفحات نشر دار الناصر عام 1405ه. وفيه الوفاء بالحقائق الجغرافية والتاريخية عن هذه المنطقة العزيزة من بلادنا مدعمة بالوثائق والصور والخرائط مع غزارة المعلومات المفيدة عن أعلامها ومعالمها ومسمياتها وظهور ذاتية الباحث واجتهاداته الموفقة وغير ذلك مما يحتاج إليه القارئ للتعرف عليها. كما تحدثت عن كتاب «شقراء الذي نسخه أحمد بن محمد العثمان ويقع في 70 صفحة. طبع مطبعة طيبة بالرياض بدون ذكر سنة النشر وسطا على كثير من كلام ونقول الدكتور الشويعر دون أن يشير إلى المرجع الذي سطا عليه ودون أن يذكره في مراجعه. وأوردت بعضا من النصوص المسروقة التي لا يتطرق إليها شك في وصفها بالسرقة ووعدت بالعودة لإيراد جملة من النصوص المسروقة الاخرى. وهأنذا أفي بوعدي.
في كتاب معالي الدكتور الشويعر ص50 عنوان رئيس هو «معالم شقراء التاريخية» وقد نقل العثمان هذه الصفحة كاملة إلى كتابه ص13 بنصها وذكر العثمان في الهامش مرجعا هو المنجد ومعجم الاعلام 190. وهذا الكلام لن تجده في ذلك المرجع لأنه من كلام الشويعر والهامش الذي أورده العثمان كان الدكتور الشويعر قد أورده في كتابه ص49 عند الحديث عن تسمية شقراء وأنها لعدة أمكنة في سوريا ولبنان وهو الموجود في المنجد فسرقه العثمان ولكنه وضعه في غير موضعه وهذا دأب الذين لا يحسنون الصنعة يسيئون أكثر مما يحسنون. وفي ص 52 من كتاب الدكتور الشويعر كلام نفيس عن السبب الذي يجعل الباحث في المدينة ودمشق والعراق وغيرها قد لا يحقق بغيته بما يطلب من تراث المسلمين المعماري. وقد نقله العثمان بنصه ناسباً إياه لنفسه ص13و 14.
كما أورد الدكتور الشويعر معالم مدينة شقراء البارزة ص5276. وقام العثمان في ص1421 من كتابه بنقل ما ذكره الدكتور الشويعر بنصه دون تعديل إلا ما يلحظ في نقله من اخطاء طباعية فاحشة في المسميات لا يمكن أن يجهلها باحث، وقيامه بحذف ما يشير إلى تجربة الدكتور الشويعر ومشاهداته الشخصية. وعدم جرأته على نقل ما أورده الدكتور الشويعر في كتابه من صور وخرائط لتلك المعالم. فكان ما نقله العثمان اساءة للنص الأصلي وبتراً له عن سياقه الصحيح والمفيد.
وفي كتاب معالي الدكتور الشويعر عنوان رئيس «حرب شقراء» وبداخله عنوان جانبي هو «الاستحكامات» استغرق الصفحات من 77 حتى 92 وقد نقله العثمان بنصه تماماً وبعناوينه وهوامشه إلى كتابه ص2334 مع ظهور اخطاء طباعية فاحشة تؤكد العجلة في طباعة الكتاب والقصد المادي لا العلمي منه كما يلحظ أن العثمان قام بحذف بعض الفقرات التي تدل على اجتهاد الدكتور الشويعر في البحث والتحري.
في كتاب الدكتور الشويعر الصفحات 227 236 عنوان رئيس هو :بيت المال تضمن عنواناً جانبياً هو وكيل بيت المال وقد نقل العثمان أول النص وآخره حرفياً وفيه استقراء جميل من الدكتور الشويعر ففي ص227 قال الدكتور الشويعر. منصب بيت المال من المناصب الجديدة التي استحدثت في نجد بعد الاستجابة لدعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب وهو بمثابة المالية ومشتقات فروعها في هذا الوقت. واسم بيت المال اشتقاق اسلامي جاء منذ انبثق فجر الاسلام واخذ مكانة أكبر في عهد عمر بن الخطاب بعدما بدأت تتكاثر الأموال على خزينة الدولة الإسلامية. وقد نقل العثمان هذا النص بحروفه ص41. فهل يمكن القول ان هذا توارد خواطر مثلاً في اجتهادات ليست محل توارد الخواطر؟
ثم استطرد الدكتور الشويعر في ذكر سبب تأخر انشاء بيت مال شقراء ولم ينقله العثمان. وعاد الدكتور الشويعر ص230 للحديث عن بيت مال شقراء قائلاً: أما بيت المال فحسبما اتضح لي فإن أول بيت مال اقيم في شقراء كان في عهد الإمام فيصل بن تركي حيث عين عبدالله الحريقي واستمر في هذا المنصب حتى توفي عام 1277ه. وقد سطا العثمان على هذا النص فشوهه وأورده في كتابه ص41 بالنص التالي: وقد كان أول بيت مال اقيم في شقراء كان في عهد الإمام فيصل بن تركي حيث عين عبدالله الحريقي واستمر في هذا المنصب حتى توفي عام 1277ه. وتكرار كلمة كان في النص مرتين حيث الأولى مقحمة من العثمان يدل على ركاكة اسلوب الناقل. كما سطا العثمان على ما ذكره الدكتور الشويعر ص230 من تعيين محمد بن عبدالله بن رشيد رجلاً قوياً هو محمد بن سليمان الصبي فأورده بنص الشويعر ص41 كما نقل كلام الشويعر في كتابه ص 230 وهو قوله: بعد ذلك اتفق رأي أهل البلد على ترشيح محمد بن سعود بن عيسى ليكون مأموراً لبيت المال فوافق الملك عبدالعزيز بعد وصوله شقراء.. وقد نقل العثمان هذا النص حرفياً ص41. كما نقل نص الشويعر عن تعيين الملك عبدالعزيز لعبدالله السبيعي مسؤولاً عن بيت المال إلا أنه لم يذكر القصة التي أوردها الدكتور الشويعر لمناسبة هذا التعيين.
في صفحة 235 قال الدكتور الشويعر: واذا كان السبيعي بعد عام 1344ه كثير التغيب عن البلد فقد رأى الملك عبدالعزيز رحمه الله أن يكون في بيت مال الوشم نائب حيث تعين عبدالرحمن بن محمد بن ابراهيم بن سدحان منذ عام 1346ه.. وقد سطا العثمان على النص آنف الذكر فأثبته في كتابه ص42 كما ورد في كتاب الدكتور الشويعر حرفياً.
أورد الدكتور الشويعر في كتابه ص309 حتى ص314 حديثاً جميلاً عن علاقة شقراء بحكم آل سعود واحتلال شقراء في حملة ابراهيم باشا. وقد نقله العثمان في كتابه ص35 وص36 دون أن يشير إلى المصدر مع استمرار منهجه في تحاشي ايراد ما يدل على اجتهاد الدكتور الشويعر في البحث والتحري عن حقيقة المعلومة التاريخية أو الجغرافية التي يوردها كما تجاهل ما يشير إلى ارتباط الحديث بما قبله مما لم يقم العثمان بالسطو عليه حتى لا يتضخم كتابه. وفيما عدا ذلك فإنه نقل النص بنقوله وهوامشه وبمعظم عناوينه.
أحمد العثمان ليست له معرفة جيدة بالانساب فهو لا يفرق بين اللقب والنسب وعندما اجتهد في كتابه ولم ينقل من غيره اخطأ لقلة بضاعته العلمية ققد ذكر ص37 بيت السبيعي، واشار إلى خمسة من اعيان سبيع استخرج اسماءهم من كتاب الزركلي شبه الجزيرة العربية في عهد الملك عبدالعزيز الذي سماه خطأ منه الجزيرة العربية في عهد الملك عبدالعزيز للتدليل على أن عبدالله السبيعي ثم ابنه عبدالرحمن من بعده صاحب بيت السبيعي بشقراء من سبيع وهذا خلط وغلط فالنسابة الموثوقون يذكرون أن السبيعي لقب له وأن نسبه خالدي وليس من سبيع القبيلة المعروفة والشيخ خالد بن عبدالعزيز السبيعي الفاضل عمه عبدالرحمن السبيعي سبق ان استدرك على العثمان وبين غلطه في مجلة العرب ج7 و8 س 31 محرم 1417ه ص572 موضحاً أن آل فاضل بالوشم والسباعا بشقراء والقرائن وجلاجل يرجعون إلى آل غرير من أل حميد من بني خالد. كما أن العثمان غلط في الاسماء التي نقلها إلى كتابه فأورد البقيشي على أنه البقشيني وأبو المريتب على أنه أبو المرتيب وجويعد على أنه جوعيد شأنه في كل كتابه من عدم العناية بالنصوص وعدم الالتفات لخدمتها خدمة علمية تثري البحث وتفيد القارئ وافتقار كتابه إلى الوثائق والرسوم التوضيحية والخرائط والصور القديمة عكس كتاب الدكتور الشويعر الذي يعد بحق اضافة علمية مفيدة وموثقة لتاريخ هذه المنطقة العزيزة من بلادنا الحبيبة. ومعه كتاب قيم آخر هو «شقراء» للاستاذ محمد العمار نشر الرئاسة العامة لرعاية الشباب ضمن سلسلة هذه بلادنا.
وبعد استعراض نماذج للنصوص المسروقة في كتاب شقراء لاحمد بن محمد العثمان وربما كان هذا الاسم وهمياً لان السارق جبان بطبعه ولأني سألت عنه بعض اهالي شقراء فلم يعرفوا احداً بهذا الاسم أرى من واجب البيان أن اشير بصفة عامة وليس بخصوص موضوع هذا المقال فحسب إلى الحكم الشرعي في سرقة الجهود العلمية من الآخرين ونسبتها للنفس تصريحاً أو اقتضاء من واقع النصوص الشرعية وعظم أمر هذا العمل وأثره السيىء في الحركة الثقافية في بلادنا.
وقبل الحديث عن الحكم الشرعي لسرقة الافكار والجهود العلمية أود أن أؤكد أن السرقة في هذا المجال وان طال الزمان قبل كشفها فإن الله عز وجل يهيىء من يفضحها على رؤوس الاشهاد.
ثم اقول إن الإسلام هو دين الفضائل وأعلى فضائله درجة فضيلتان يقوم عليهما اساس بنيانه وهما الصدق والعدل فالصدق في الاقوال والعدل في الاحكام هما اساس بناء الحق في مفهوم الإسلام قال الله عز وجل (وتمت كلمة ربك صدقاً وعدلاً) سورة الانعام الآية 115. والذي يسطو على افكار الناس واجتهاداتهم هو مثل الذي يسطو على اموالهم لم يقل حقاً ولم يلتزم عدلاً. يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في رسالة الحسبة :(وبالصدق في كل الاخبار والعدل في الانشاء من الاقوال والافعال تصلح جميع الاحوال وهما قرينان).
ان سرقة الجهود والأفكار ذات اثر خطير في مجال الأمن الفكري لأنها محبطة لابداع المبدعين وطموحاتهم فوق انها سرقة لحقوقهم المادية المترتبة على ذلك الجهد مما يستوجب النظر إليها مثل النظر إلى سرقة الاموال في الآثار والتداعيات. وإذا كان تطبيق حد السرقة على المتهم بالسرقة يتطلب شروطاً مقررة في الفقه الإسلامي يصعب تطبيقها في جرائم السرقات الفكرية فإن الضرورة داعية إلى دراسة ظاهرة سرقة الجهود والأفكار في ضوء القواعد الاصولية والفقهية لردع محترفي هذه السرقات ومن يتجرأ عليها دون وازع من إيمان أو إنسانية من ضمير. وخلف هذه الضرورة تكمن ضرورة اخرى هي ضرورة تفعيل نظام حقوق الملكية الفردية واعادة النظر في الجزاءات الواردة فيه ومضاعفتها بما يكفل اختفاء هذه الظاهرة التي لا تليق بالمجتمع المسلم.
وفي هذا الشأن لابد من الاشارة إلى أن الكتاب ينسب إلى مؤلفه فهو بمثابة ابن من ابنائه وكثير من الكتاب ينظر إلى كتبه كنظرته إلى ابنائه فيصعب عليه تفضيل بعضها على بعض.
والحريري في مقاماته المقامة اللصوصية يقرر أن العلماء :(كانوا يغارون على بنات الافكار كما يغارون على بنات الابكار!) وألف الإمام السيوطي رسالة بعنوان :(الفارق بين المصنف والسارق) تشنيعاً على من سرق بعض كتبه. فإذا كان الارتباط بين المؤلف وكتابه إلى هذه الدرجة من الالتصاق فكيف يسوغ لسراق الكتب نسبة الكتاب المسروق أوجزء منه إلى انفسهم؟ ثم ألا ينطبق على فعلهم هذا ما ينطبق على من يدعي نسبة ابن لغير ابيه فيشملهم الوعيد لمن فعل مثل هذا؟
المؤكد أن غالب الجهود المسروقة إنما تتم بقصد الربح المادي السريع وتحديداً للبيع على بعض الجهات الحكومية دون طرح الكتب المسروقة أو ذات السرقات المشينة للبيع في الاسواق والمكتبات حتى لا يفتضح الأمر وبخصوص كتاب شقراء المسروق فقد رأيت كميات منه في احدى الجهات الحكومية اشترته تشجيعاً لمؤلفه لتقوم بتوزيعه مجاناً ولعل هذا هو الذي شجع السارق على سرقته. وفي ضوء هذه الملحوظة من الواقع أرى لزوم صدور تنظيم رسمي من الجهات العليا بمنع شراء اية جهة حكومية لأي كتاب إلا بعد توقيع مؤلفه على تعهد بأن جميع ما فيه من جهده العلمي وفق الاصول العلمية المتعارف عليها وأنه إذا ثبت أنه أو جزء منه مسروق فسيتم تطبيق اقصى العقوبات بحقه وذلك بالغرامة التي تصل إلى ثلاثة اضعاف ما دفعته الدوله له والسجن مع التشهير به في وسائل الإعلام على حسابه. فإذا صدر مثل هذا التنظيم فلن نسمع بعد ذلك عن سرقات فكرية في مجتمعنا. وحبذا أكثر لو صدر تنظيم أو توجيه بمنع الجهات المختصة من الترخيص لأي كتاب إلا بعد توقيع المؤلف أو مالك حقوق الطبع على هذا الاقرار.
ثم هناك عدة اسئلة يمكن أن تطرح وأن يشتد جدلها بخصوص الاعتداء على حقوق الملكية الفكرية مثل ما يمكن أن يثار بصيغة: هل يصل التفاعل مع هذه القضية الشائكة إلى درجة مطالبة المؤلفين بأن تقبل شركات الأمين ابرام عقود للتأمين على محتوى الكتب ضد السرقات أو انشاء شركات تأمين مستقلة لهذا الهدف حتى يأمن الناس على جهودهم وافكارهم من السرقات؟ وهل سيقف الأمر عند هذا الحد أم أن الوضع سيتطلب كذلك اقامة محاكم مستقلة للفصل في التنازع على ابوة الكتب ومرجعيتها لمؤلفيها لأن المحاكم القائمة لن تستطيع مواجهة الكم الهائل من الدعاوى والنزاعات بهذا الشأن؟
وبالله التوفيق
ص.ب 30242 الرياض 11477 |